4 3 لل<

ب

0

0/0

00

475 25

ع 2 07

0 0-0 يه 2 00 52 ك9

1 40 0

1 همعطا د

2

1-7 1

لمجمع اللغة العربية بدمشق

بتصريح من مجمع اللغة العربية بدمشق لدارالبينة للطباعة والنشر

يمنع طبع هذا الكتاب أو جزء منه بكل طرق

7 . ش الطبع والتصوير والنقل والترجمة والتسجيل

بحب المرئي والمسموع والحاسوبي وغيرها من الحقوق دمشق - ص 7607

هاتف: 7704447 - فاكس: 7707417

مإجع هذهالطبعة الانستاذ يوان البواب نت

الى روح من أشرب قلبي حبٌٍّ العرب؛ وهداني إلى البحث قِ كتيهم: صدر الحكماء سيدي وأستاذي العلامة الشيخ طاهر الجزائري

اهدي كتابي كنوز الأجداد

محمد كرد علي جسرين (غوطة دمشق) شوال ١١59‏ 6 تموز ١96٠‏

الفهرس العام

أيواب الكتاب وفهارسه

المقدمة 9 حياة الشيخ طاهر الجزائري لجل ١‏ -ابن المقفع 16 ١‏ - القاسم بن سَلّام أبو عبيد عاد ااواطفا تع انا اطق لوو انم ما ا - علي بن رَبّن ْم 5 الجاحظ اذ ه اين تيبة 5 1 - طَيُفُور ا ا ملعو مل سبي ع اسل - المبَرّد ل لم أبن عبد ربه لامعا موا لواطت و امو بوم ل عبن أمره 6 لامجو وق عع تول مع م 2 1317 المَسْعُودِيٌ 0 ٠‏ اين جرير الطبري 010 ا ااا ١١‏ -اين دريد م ا واه الالو اطقااة وكعاه ل أو الخور مو امو ا 1179 ابن الداية الوم روم ما لامح لقي وو افده الابا م اا ا 11 ٠‏ الصّولي مشج دن عر لجوج دان كو ملم مال لفاو و مو ل 181 4 - الأشعري ا تر 0 قدَامَة بن جعفر ا اي را امل ا عي الواب لبح ل ل سا ا ل 11 7 - ابن حِبَانَ الْبْسْتي الهم ره مني م نارف و رع قي أ أو فور أ لل لو م 111 1110 - أبو الفرج الأصفهاني مط سواط قط متكمكه فاه امام لمعا باو أ اا

فل

#اماه » و و و فهو و وو هد هس هع هس قوم وه ووو و وج ود م ددة6ه .

.

9 البلّوي ات ا

0 1 _الخوارزمى انر‎ ١

5 - الثعالبى 7ب-ب 111

خ8- المارردي واأقامة وار مر نوم ةو انه م وا

"١‏ . عبد القاهر الجرجاني

7 أبو عبيد البكري ا" ل سرك و الاج 21 73 الراغب الأصفهاني الم ا 4" الغَرّالي لكي ام مقع سو ا

7 ابن القلانسي

عاد اموق د 50

49 الحافظ ابن عساكر كه عماد الدين الكاتب واف ا فعه لقال لاه ١‏ ياقوت و يو وام 6 ا ره

اده خا ما او لك 1311

8 لسان الدين اين الخطيب 00 ا 00 1 شبح الربوة ادوع ونوا اله اس هم نب كو يوه ‏ ووا واخم وسو /ا5 - ابن تيمية اا 8 - الذهبي ووه و السام وما اد جحي بل و ومع لماو ابن فضل الله العمري 1 1[1[1[1[1[1[1[11[ز[ [ [ [ [ ا ااا 69 الصفدي ليك ١‏ ابن خلدون موه لخو أ لدم ل لام امت و لاقمو ومو لواو ا واي لج لوط ف اجو 8 الفهارس ااسج امام الوب اتدل فاو مامه اس ا 11

فهرس الكتب وام اط وص سف او و سا اس و 1 11

فهرس الأعلام لاوجت امس وار جا ماف اج لعب ما ا 11

فهرس البلدان والأماكن والمحال ا 0

المقدمة

يحمل هذا التصنيف سيرةً بعض من طالت عشرتي لهم» واغترافي من معين أسفارهم من رجال الإسلام. وكان كثيرٌ غيرهم أحرياء أن يضموا إليهم» فمنعني منه كوني لم أطالع ما كتبوا مطالعة متدبر متبحرء أو كان ما غلب عليهم من فروع العلم لم يكتب لي حظ الاشتغال به. ولو حاولت أن أترجم لكل عظيم من مؤلفي العرب لاقتضى أن أكتب تراجم خمسين مَؤْلًّا على الأقل من كل قرن من قرون الإسلام» وهذا مما يعجز الفرد عن الاضطلاع به .

والقصد من تَذَكُر المؤلّفين وما ألّْفوا - وحصرثتُ الكلام في المطبوع منها ‏ أن نظل على اتصال بهمء وفي ذلك شيءٌ من الوفاء لهم» ومعنى من معاني التقديس لمن أبقوا لنا هذا المجد العظيم الذي فاخر به عظماء العلماء على الدهر.

وإني لمعترفٌ يقصوري عن الإحاطة يكل ما تجب الإشادة به من صنيع هؤلاء الأعلامء وإذا بدا اقتضابٌ في وصف جوانب من حالاتهم فالسبب فيه قلة المصادر التي يعتمد عليها. وقد أَظلْتُ في مسائل» رجوت منها أن تكون عونا على تجلية الرجل الموصوف, وقد تنطوي على أفكوهة طريفة.

والمسؤول تعالى أن تحمّق هذه الصفحات شيئًا من الغرض الذي أحاول بلوغه؛ وأن يتفضل من يجيء بعدي فيستدرك ما فاتني ويجبر ما قصرت فيهء والكمال لله وحده.

أصله ونشأته:

هو طاهر بن صالح بن أحمد بن موهوب السمعوني الجزائري»؛ هاجر والده الشيخ صالح من الجزائر إلى دمشق في سنة 1177١ه»‏ وكان من بيت علم وشرف معروف في بلاده» ولما جاء دمشق تولى قضاء المالكية» وولد له ولد في شهر ربيع الثاني سنة 774١ه‏ دعاه شيخ والده الشيخ المهدي (الطاهر). قال والده في حاشية المجموع الفقهي للعلامة الأمير المالكي «طهره الله من رجس دنياه ودينه» وبارك في عمره. ورزقه العلم والعمل به». واستّجيب دعاء والده فنشاً ابنه طاهر على حب الفضائل والتناغي بالعلم والعمل.

دخل كت طاهر المدرسة الجقمقية الاستعدادية فتخرج بأستاذه الشيخ عبد الرحمن البوشناقي» وكان مربَيًا شديد الشكيمة» أخذ عنه العربية والفارسية والتركية ومبادئ العلوم» ثم اتصل بعالم عصره الشيخ عبد الغني الميداني الغنيمي الفقيه الأصولي ١!‏ لنظار. وكان واسع المادة في العلوم الإسلامية؛ بعيد النظرء وهو الذي حال بإرشاده في حادثة سنة ١187م‏ بدمشق دون تعدي فتيان المسلمين على جيرانهم المسيحيين في محلته؛ ا وعظه .وحسن تأثيره بضعة ألوف من القتل» في تلك المذابح المشؤومة. وكان الشيخ الميداني على جانب عظيم من التقوى والورع يمثل صورة من صور السلف الصالح؛ فطبّع الشيخ طاهرًا بطابعهء وأنشأه على أصح الأصول العلمية الدينية. وكانت دروسه دروسًا صافية المشارب. يرمي فيها إلى الرجوع بالشريعة إلى أصولهاء والأخذ من آدابها بلبابهاء ومحاربة الخرافات التي

استمرأتها طبقات المتأخرين» وإنقاذ الدين من المبتدعين والوضّاعين. وإذ جمع الشيخ طاهر إلى سلامة الفطرة وسلامة البيئة؛ جودة النظر وبِعْدَ الهمة» جاء منه بالدرس والبحث عالِمٌ مصلح وفيلسوف إلهيء أشبه الأوائل بهديه. وتَمثّل بالأواخر في نظره ووفرة مادته.

ولم يغفل الأسبتاذ خلال سِنِيَ الدراسة عن درس العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية والتاريخية والأثرية» أخذها عن علماء من الترك وغيرهمء فكان إذا رأى أعلم. منه بغْنْ أخذ غنه فنهء وأفاده فيما لا يحسنه من فئون العلم. ومن مَثْل لعينيه كيف كانت بيئته منحطة أوائل النصف الأخير من القرن الماضيء أيام كان يتهم بالمروق كل من تعاطى علمًا لا يعرفه المتفقهة» يدرك ما عاتاه الأستاذ لتلقُف علوم القدماء. ولم يبلغ الثلاثين من عمره حتى أتقن العربية والففارسية والتركية» ونْظمْ بالفارسية كالعربية. وكان نظمه بالعربية أرقى من شعر الفقهاء ودون شعر الشعراءء وألِف السجع لأول أمره ثم تخلى عنهء وأصبح يكتب المرسل بلا كلفة ولا تَعَمّلَء وتعلم الفرئسية والسريانية والعبرائية والحبشية والقباتلية البربرية لغة أهله الأصلية.

ومما ساعده على فتح صدره الرحب لجماع المعارف البشرية غرامه منذ نشأته بجمع الكتب وهو لما يزل في المدرسة الابتدائية. فقد أخذ يبتاع الدشوت والرسائل المخطوطة من دريهمات كان يرضخ بها له واليده لخرجه. وكانت الكتب والرسائتل تباع في الكلاسة شمالي الجامع الأموي على مقربة من ضريح صلاح الدين. وكلما أحرز الشيخ شيئًا من الأوراق. والأسفار طالعه بإمعان وخبأه وحرص عليه؛ فاستنار عقله وكثرت معلوماته» واجتمعت له بطول الزمن خزانة مهمة من الأسفار بلغت بضعة آلاف مجلد فبها كثير من التوادر المخطوطة .

تولى التعليم لأول أمره في المدرسة الظاهرية الابتدائية» ولما أسست الجمعية الخيرية من علماء دمشق وأعيائها سنة 1795١ه‏ دخل في عداد

جياة الشيخ طاهر الجزائرى

أعضائهاء وكان من أكبر العاملين فيهاء ثم استحالت هذه الجمعية «ديران معارف"؛ فعيّن مفتشًا عامًا على المدارس الابتدائية التي أنشعت على عهد المصلح الكبير مدحت باشا والي سورية سنة 7946١ه.‏ وكان للشيخ الأثر العظيم في تأسيس المدارس الابتدائية بمعاونة صديقه بهاء الدين بك أمين سر الولاية؛ وهو أديب تركي؛ كان يحب نهضة العرب كما يحب العلم والأدب. وفي هذه الحقبة ظهر نبوغ شيخنا وعبقريته في تأسيس المدارس واستخلاص القديمة من غاصبيهاء وحَمْل الآباء على تعليم أولادهم» ووضع البرامج وتأليف الكتب اللازمة. كان يقوم بهذه الأعمال المهمة ولا يفتأ يزداد كل يوم علمًا وتجربة وتفانيًا في نهضة البلد؛ وتحسين الملكات وصقل الأخلاق والعادات.

وأنشأ على ذاك العهد أيضًا بمعاونة بضعة من أصدقائه «دار الكتب الظاهرية» بدمشقء وَجَمَمٌ فيها سنة 795١ه‏ ما تفرّق من المخطوطات العظيمة في عشر مدارس تحت قبة الملك الظاهر بِيبَرْس البَنْدّقداري» وِلْقِيَ ممّن استحلوا أكل الكتب والأوقاف مقاومةً شديدة وهدّدوه بالقتل إن لم يرجع عن قصده.؛ فما زادوه إلا مضاءً وإقدامًا. ولا تزال هذه الدار أثرًا من آثاره في دمشق. وقد أنشأ مثلّها في القدس باسم الشيخ راغب الخالدي وسماها (المكتبة الخالدية) وأضاف إليها بعد ذلك آل الخالدي خزائئهم الخاصة. علمه وعمله:

رأينا منهاج الدروس الواسع الذي أخذ الشيخ نفسه بدراسته منذ حداثته» وأنه ليندر في المتأخرين من علماء دور الانحطاط الفكري نبوغ رجل مثله؛ وعى صدره من ضروب المعارف ما وعى» وطبق مفاصل الشريعة مع علوم المدنية. فقد كان متضلعًا من علوم الشريعة وتاريخ الملل والنحل» منقطع القرين في تاريخ العرب والإسلام وتراجم رجاله ومناقشات علمائه ومناظراتهم وتآليفهم ومناقشات علماته ومناظراتهم وتاليفهم ومراميهم. ساعده

على التبريز في هذا المضمار قوة حافظته التي لا تكاد تَنْسى ما يمر يها مهما طال العهد. وكان إمامًا فى علوم الأدب واللغة» إذا سأليّه حل مسألة تظن الشيخ لا يعرف غير هذا العلم»ء وإذا استرشدته في الوقوف على مظان موضوع تريده أطلعك من ذلك في الحال على ما لا يتيسر لغيره الظفر به بعد الكشف عنه أيامًا. وهكذا هو في علوم الشريعة ولا سيما التفسير والحديث والأصول. وكان يعرف السياسة وما ينبغي لهاء وحالة الغرب واجتماعه. والشرق وأهمه وأمراضه معرفة ة أخصائي لا معرفة نتَقّة. ولا يكاد جليسه يصدق إذا انكفأ الشيخ يتكلم في هذه الموضوعات؛ خصوصًا إِذا كاناغرعاء أن محدّنّه شيحٌ من شيوخ المسلمين يعيش في أمة قد لا تقيم وزنّا لهذه المعارف .

اتسع صدر الشيخ لجماع علوم المدنية الحديثة إلا الموسيقا والتمثيل» فلم يكن له حظ فيهماء وربما قاوم سرًّا المشتغلين يهماء مخافة أن تكونا سلما إلى التبذل وخلع ثوب الحياء» وكان يراهما مدرجة إلى اللهو والصبوة» وهذا مما لم يدخله الشيخ في جريدة أعمالهء ولذلك لا يفتي بالتسامح مع القائمين عليهماء مهما أوردوا له من الحجج على نفعهما. وصعب أن يتخلى المرء عن جميع ما أورثه إياه دمه وأهله وأساتذته. وصعب على من حلف أن يعيش عيش جد وتبتل أن يتساهل في الصغائر لثلا تؤدي إلى الكبائر: أما الرسم والتصوير والنقش» فكانت مما يتسامح فيه لكنه يغمزه عرضًا. وكثيرا ما يقول: إن أجيال الفرنجة في هذا الغصر أفرطوا في الغرام بالتصوير»ء والتعويل عليه في كل أمرء فأضعفوا بذلك قوة التفكير والتصوير.

وسياسة الشيخ في التعليم محصورة في تلقف المسلمين أصول دينهم والاحتفاظ بمقدساتهم وعاداتهم الطيبة وأخلاقهم القديمة القويمة» وأن يفتحوا قلويهم لعامة علوم الأوائل والأواخر من فلسفة وطبيعي واجتماعي على اختلاف ضروبهاء ويقاوم المتعصبين على هذه العلوم المنكرين غناءها

حياة الشيخ طاهر الجزائري

مقاومة حكيم عاقل» وذلك بتكثير سواد الدارسين لهاء وإرشادهم إلى طرقها العملية المنتجة» لا الوقوف يها عند حد الأنظار. فعمٌ المسلمين في الشام درس علوم نرى اليوم الأخذ بحظ منها من البديهيات» اللهم إلا عند بعض الجامدين ممن جهلوهاء ومَنْ جهل شيئًا عاداه.

وكانت للشيخ طرقٌ مبتكرة في بث الأفكار التى تخالف معتقد الجمهورء يبثها في العقول بدون جعجعة» ويقرّب منالّها من المستعدين للأخذ بهاء وذلك بتلقينهم أمهات مسائلها أثناء الحديث؛ على صورة لا ينفرون منهاء ولا يخطر لهم أنها من البدع المتكرة. مثال ذلك أنه أولع في صباه بكتب شيخ الإسلام ابن تيميةء وكان جمهرة الفقهاء في عصره تكمّر ابن تيمية تعصبًا أو تقليدًا لمشايخهم» فلم ير الشيخ لتحبيب ابن تيمية إليهم إلا نشر كتبه بينهم من جيث لا يدرون. فكان يستنسخ رسائله وكتبه ويرسلها مع من يبيعها إليهم في سوق الوراقين بأثمان معتدلة» لتسقط في أيدي بعضهم فيطالعونهاء ويذلك وصل إلى غرضه من نشر آراء شيخ الإسلام التى هي لباب الشريعة.

هذا وليس الشيخ في مذهبه على الحقيقة حنبليًا ولا مالكيّا ولا خنفيّا» بل هو مسلم يأخذ من أصل الشريعة باجتهاده الخاص» ويُّحْسِن ظنّه بأئمة المذاهب المعروفة» ويتجهم لمن يجرّوٌ على النيل من أحد العلماء عامة. يعمل بما صَحّ له من الدليل في الكتاب والسنة» ولطالما أعطى الحق لعلماء الشيعة أو الإياضية أو المعتزلة في مسائل تفرّدوا بها وضيّق فيها أهل السنة. أما الفلسفة أو الحكمة القديمة والفلسفة الجديئة» فكان يعطف عليها وعلى المشتغلين بهاء وينحي باللائمة على المتأخرين الذين أوصدوا بابها فأظلمت العقول وضعف مستواها.

كان الشيخ ينكر على الظالمين سيرتهم» ويقبح بُح الظلم وإن نال عدرّهء وينصف الناس من نفسه بعض الشيء. وكان الحكام معه في بلية يعرفون أنه ينزع إلى القضاء على سلطتهم الغاشمة» ولا يستطيعون أن يظهروا العداء له.

شه كنوز الأجداد

وكذلك كان المشايخ معه يبغضون أفكاره» ولا يجرؤون على مقاومته بسلاحه: سلاح العلم والبرهان. وكان كثيرًا ما يقول: ما لنا ولأناس ليس لهم من السلطان علينا غير سلاطة ألسنهم» وكلمات يُنَفُسون عئهم بهاء وهي لا تخرج إلى أبعد من سقوف ححُجرهم. وحدث لبعض أغمارهم أن استعانوا غير مرة بالسلطة الزمنية على توقيف تيار أفكاره وأفكار أنصاره» فكان الشيخ يصدهم بما له من التأثير في أهل الحل والعقد» ممن كانوا يتمثل لهم عقل الرجل وضعف المبغضين له» وكان يُحَُسِن مخاطبتهم بلسانهم؛ والقائمون عليه لا يحسنون محاورتهم حتى ولا بلغتهم الأصلية. وسلاحهم دسائس يحوكونهاء وتعصبات ينفثونها. ولم يزل جهال الناس» كما قال ابن المقفعء يحسدون علماءهم» وجبناؤهم شجعاتهمء ولتامّهم كرماءهم» وفجارهم أبرارهم» وشرارٌهم خيارّهم. من أجل هذا كان الأستاذ يتفّن في بث أفكاره بين الخاصة والعامة على صور شتى» ويتفانى في نشر العلم والتهذيب والأخذ من القديم والحديث. وكم من عاميٌ أصبح بتعاليمه وتلقينه بالعمل مسائل بسيطة من العلم معدودًا من المتعلمين في جلسات قليلة جلسها معه وسمع مذاكراته» ومن هله الطبقة أنامنٌ ما فت على تنشيطهم حتى ألفوا وطبعوا ولم يكونوا قبله في العير ولا في التفير. وكم من جريدةٍ أو مجلة أو كتاب أو رسالة شرت في مصر والشام بإرشاده. وكان له أسلوب جرى عليه خصوصًا في تفتيش المدارس وهو أن يُعلّم المعلم؛ ولا يشعره بأنه يعلّمهء بل يوهمه أنه يذاكره في مسائل التربية والتعليم» » أو أنه يحاول تمل عزريته وكم من أديبٍ أو عالم أرشده إلى السبيل السوي في أدبه وعلمه» وعلّمه المظانٌ وأساليب المراجعة. وكثيرٌ عددٌ من اشتغلوا بالآداب أو تعلموا التعليم الثانوي أو العالي في اللذيار الشامية إن لم يكونوا استفادوا منه مباشرةٌ فالبواسطة. وتلاميده ومريدوه من المسلمين

حياة الشيخ طاهر الجزائري

يُعَنُونَ بالعشرات وأكثرهم اليوم يَشْعْلون مقاماتٍ ساميةً في دور العلم والحكم» وفي التجارة والزراعة. يَحِدٍ المترجّم له عن الخطة التي اختظها لنفسه منذ نعومة أظفاره: ودعا

النامّ إلى انتهاجها حتى آخر أيامه. وخطته الإخلاص والعمل على النهورض بالأمة من طريق العلم وبث الملكات الصحيحة في أهل الإسلام. وثورئة ثورة فكرية لا مادية» ويقول: إن هذه الطرق يطول أمرهاء ولكن يُؤْمَنُ فيها العثارء والسلامةٌ محققة ثابتة.

ِحَقٌ ما قيل في الشيخ أنه مَعْلمَةٌ (انسيكلوبيديا) سيارة» أو خزانة علم متنقلة. وكيف لا يكون كذلك من آناه خالقُهُ حافظةً قوية وذهنًا وقَادًا وعقلا يستعمله. فقد قرأ جميع ما طالت يده إليه من الكتب العربية التي طبعت في الشرق والغرب. أما المخطوطات التي طالعها ولخصها في كنانيشه وجزازاته فيّعَدُ بالمئات: وقَل أن يُدانيه أحدٌ في علم الكتب ووصفها ومؤلفيها وأماكن وجودها وما عَرَض لها. ولطالما رَحَلَ من بلدٍ إلى بلد بعيد ليطلع على مخطوط حُخفْظ في بعض الخزائن الخاصة. وبالنظر لإحاطته بالمظان وتدوينه في الحال كل ما يقع استحسانه عليه من الفوائد» كان يسهل عليه التأليف فيما ترتاح إليه نفسه من الموضوعات. وقد يؤْلّف الكتابَ في بضعة أسابيع على شرط أن يوقن أنه سيطبع. وإذ كان عصبيّ المزاج يسارع إلى النشر متى افترص الفرصة المناسبة لإخراج التأليف. ويقول: إن الإتقان لا حدّ له والأغلاط تُصصّح مع الزمن.

هو واسع الرواية واسع الدراية؛ أو كما قال صديقه العلامة أحمد زكي باشا في برقية أبرقها إلى الشام بالتعزية به: «كنت أرى فيه الأثر الباقي» والمثال الحي؛ والصورة الناطقة لما كان عليه سلفنا الصالح» من حيث الجمع بين الرواية والدراية في كل المعارف الإسلامية» وبين الدأب على نشرها بعد التدقيق والتمحيصء واستثارة خباياها وإبراز مفاخرهاء هذا إلى

كنوز الأجداد

التفاني في توسيع نطاقهاء بقبول ما تجدّد عند الأمم التي تلقت تراث العرب باليمين» والدعوة إلى الإقبال عليه مضمومًا إلى آثار الأبناء ومآثر الأجداد. وهكذا قضى الشيخ عمرًا أولًا وثانيًا وثالئًا في خدمة العلم والدعوة إليه بالقلم واللسان وبالقدوة الحسنة؛ حتى تم له شيء كثير مما أراد بن الأنداد والتلاميذ والمحبين والمريدين» فهم مناط الأمل وفيهم خير خلف, لذلك يغتبط قاسيون بضم رفاته والحنوّ عليها». أاخلاقه وعاداته:

قلنا إن سرية الشيخ طاهر كانت نمطا واحدًا طول حياتهء هكذا كان متعلمًا ومعلمًا وعالمّاء يحب العمل ويدعو إليه قبل النظرء جد في حركته لا يبالي بالعوائق مهما عظمت» وكلما حاول أعداؤه أن يقفوا.دون بث دعوته يزداد قوة وعرامة» شأن كل الدعوات» كلما حاربتها زِدْنّها انتشارًا.

ألغت الحكومةٌ وظيفة التفتيش بالمدارس تخوفًا من شدته في بث أفكاره بين الأساتيذ والتلاميذ فزاد نشاط الشيخ» وكان يكني ويورّي فغدا يعمل علنًا بخلاصه من أسر الخدمة. وكان مدرسًا في المدرسة الإعدادية بدمشق وهو من جملة مؤسسيها فاستقال» ثم عرضت عليه وظائف كبرى في غير السلك العلمي فأبى» لأنه كان يعرف أنه لا بد له في هذه المناصب من مشايعة الطلّمة والجهال. وجعل جل اعتماده في عيشه آخر أيامه على الكتب التي اقتناها طول حياته وأخذ يبيع منها بالتدريج» وتسمح نفسه ببيعها إذا تأكد أنها تحفظ في معاهد عامة كدار الكتب المصرية والخزانتين التيمورية والزكية في القاهرة» فإن معظم نفائس خزانته نقلت إليهاء وتمرّز الشيحٌ أثمائها نحو أربع عشرة سنئة. وكان اشتراها في صباه بأئمان بخسة فارتفعت أسعارها عشرة أضعاف أو أكثر.

كان الشيخ على ضيق ذات يده يتصدق أحيانًا على الففقراء في السرء وربما كرَّت يده عن لباسه وطعامه» وأطعم جائعًا وعال معوزًا. يصلي

حياة الشيخ طاهر الجزائري

الصلوات لأوقاتهاء ويقيم شعائر الإسلام أنْى كان. فقد زار مرة أحد معارض باريز فكان إذا أدركته الصلاة صلَّى في الحديقة العامة» لا يبالي بانتقاد الناس هناك» ولا استغرابهم حركاته وسكناته؛ وحجٌ مرةً وطبّق مناسك الحج على ما يفعل العلماء العاملون. وكان مفطورًا على الرحمة» يأرق لجاره أو صاحبه إذا علم أنه أصيب ببائقة في ماله أو أهله أو جاههء خصوصًا إذا كان الرجل ممن ترضيه سيرته في الجملة.

كان الشيخ عفٌ النفس يستنكف أن يأخذ شيئًا من أحدٍ بلا مقابل مهما كان الواهب. فقد عَرَضَ عليه صديقّه الأستاذ أحمد زكي باشا رحمه الله أن يوقع على طلب وهو يتعهد له براتب جيد من الأوقاف المصرية على عهد الخديوي عباس الثاني فتنصل واعتذرء ولما اشتد صديقه في تقاضيه ذلك انتهره. حتى قال الأستاذ زكي باشا: لو كنت أعتقد أن رجلا يعيش من تحت السجادة لاعتقدت ذلك في الشيخ طاهرء لأنه يقيم في بلد كمصر يشكو فيه الأغنياء من الغلاء» ولا يجب أن يأخذ من أحد شيئًا يستعين به في حياته» وكان كثيرًا ما ينشد قصيدة القاضي علي بن عبد العزيز في عزة نفس العالم التي منها : يقولون لي فيك انقياضٌ وإنما2 ر,أوا رجلا عن موقف الذل أحجما أرى الناسَ من داناهم هان عندهم 2 ومن أكْرَّمَنُه عزة النفس أكرما ولم أَمْضٍ حقٌّ العلم إن كان كلما بدا طمع صيرتهلي سلما ولو أن أهل العلم صانوه صائّهم2 ولو عَظموه في النفوس لعُطما ولكنْ أهانوه فهان ودنّسوا محيّاه بالأطماع حتى تَجَهّما

لا أكون إلى المبالغة إذا قلت: إن عزة النفس» وهو الخلق الذي ندر في علماء المسلمين لعهدناء كان مما تفرد بهء ففيه إباء الملوك الصالحين وزهد الزاهدين العابدين. لم يظاهر ظالمًا لعُنْم يصيبه» ولا صَحِب غنيّا للانتفاع بغناه. وكان يؤثر الخمول وعدم الظهورء لا تهمه الشهرة استفاضت أم لم

كنوز الأجداد

تستفض» لأنه يهزأ في باطنه بمظاهر الأبهة والرفعة» ويزهد في اعتبارات كثيرة يتفانى الناس في تحصيلهاء يزهد حتى في نسبته إلى الشرفء ولم يذكر ذلك إلا مرة واحدة» ذكّره فيه أحد صلحاء الجزائريين أمامي» وسألته بعد

العلم أعظم نسبة.

هاجر الشيخ من دمشق لما كثر إرهاق العلماء في العصر الحميدي» فنزل القاهرة من سنة )١1809/( ١"8‏ إلى سنة 17*8 (1170) وظل فيها طول هذه المدة على تقشفه والحرص على عاداته. وما تعلّم لفظةٌ من اللغة الدارجة المصرية. ولما نشر القانون الأساسي في المملكة العثمانية (1108) رأى الشيخ بنظره الثاقب أن عهد الحرية الحقيقية بعيد» وكان لا يغتر بقوانين الترك ولا بثرئرة السياسيين» فانزوى في مصر حتى استحكم منه مرض البو وقفل راجعًا إلى مسقط رأسه قبيل وفاته بأشهر قليلة» فعين مديرًا لدار الكتب التي كان أنشأها في صباه وعضرًا في المجمع العلمي العربي» وناداه ربه إلى جواره يوم ١5‏ ربيع الثاني سنة ١778‏ (0 كانون الثاني سنة )١197١‏ فدفن حسب وصيته في سفح قاسيون جبل دمشق. وقبيل وفاته برح به الألم فاقترح على الطبيب أن يعطيه دواء يميته جالا قائللا: إن في الشرع ما يبيح ذلك؛ وهذا من أغرب ما سّمِع من عاقل. فركن الطبيب: إلى الفرار وحلف أن لا يعود إلى تمريض الشيخ .

كان الشيخ فيلسوفًا بكل ما في الفلسفة من معنى شريف, لا تلتوي أخلاقه» ولا ينزل بحال عن عاداته؛ متشددًا في دينه» زاهدًا في دنياه» لم تبهره زخارف الحياة» ولم يتزوج حتى لا يَشْكّل ذهنه بزوج وأولاد؛ وليكون أبدًا مطلق العنان يسيح في الأرض متى أرادء أو يقبع في كسر داره وسط كتبه ودفاتره. ولئن خلا من هم نفسه فما خلا ساعة من الاهتمام بأمر المسلمين

جياة الشيخ. طاهر الجزائري 29 وتحبيب العلم والعمل إليهم» ولا سيما الناشئة منهم» وفي تربية النشء كان يصرف شطرًا صالحًا من أوقاته.

عقد الشيخ صلاتٍ مستديمة مع علماء عصره على اختلاف أديانهم وأجناسهمء صحب صليقه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبذه كما صحب صديقه العالم المجري غولدصهير اليهوذي. وكثيرًا ما كانت صلاته بعلماء المشرقيات باعثة على تخفيف حملاتهم على الإسلام ولو قليلًا. وهذا مما كان يهتم له» ثم يهمه من أمر المستعريين من المستشرقين توفرهم على خدمة آدابنا بنشرهم كتبنا النفيسة» وكان يعاونهم فيما هم بسبيله إذا استرشدوه» ويفتيهم راضيًا مختارًا إذا استفتوه فيما يتعذر وقوفهم عليه.

ومن عادة الشيخ أن يصحب الفِرَقٌ المختلفة مهما كان لون طريقتهم ونحلتهم حتى الملاحدة وأرباب الطرق. رأى ذات مرة جماعة يتألفون على طريقة لهم يحيونهاء وأذكار مأثورة يقيمونهاء وشهد في بعض أفرادهم استعدادًا للعلم» فما زال بشيخهم» وكان من أصحابه وتلاميذه» ختى خمل الجماعة على أن يشغلوا الوقت في مطالعة كتاب من كتب القوم في التصوف»ء وكان هذا الكتاب في الأدب العالي والأخلاق الفاضلة. ورأيت الشيخ يحتمل كثيرًا من تََجَهُم بعض أولئك المتألقين» فيدخل في مجلسهم مُظْهرًا أنه طالب استفادة؛ حريص على استماع درس أستاذهم» وهو يحمل إليهم النسخ المخطوطة من الكتاب لمعارضتها بالمطبوع» يحاول أن يعلم بعضهم صورة المراجعة في كتب اللغةء حتى تسلم العبارة من الخطأء ويخدم الكتاب الخدمة اللائقة؛ وبذلك تيسر له أن ينفل بعض أرباب الاستعداد منهم من كتب التصوف إلى كتب العلم والأدب. وسمعتٌ بعضّهم يتبرّمون بقراءة تفسير ابن جرير الطبري وتبسّطه في شرح الكتاب العزيزء فجاء من هذه الزمرة أدباء نافعون بعد أن كانت نفوسهم مشبعة بالكشف والخيالات والمنامات. وأذخل النورٌ على كتير من أذكياء العلماء من أصخابهء وكان منهم الذين ذرّفوا على

الستين» فما استطاعوا أن يووا الأثر المطلوب في مريديهم: ومنهم من ساعدهم الطالع أن كانوا في سن الشباب». فعالجوا التأليف والوعظ والتعليم فانتفع بهم الناس» ومنهم من لم يتمرّنوا على الكتابة والإلقاء فبقيت أفكارهم في دائرة القوة» لم يتعد أثرها المحتفين بهم من الأصحاب والمريدين.

ولقد كانت له صداقة أكيدة بالعالم المطران يوسف داوود السرياني يتسامران ويتحدثان ويتهامسان ويتناقشان. وما أدري إن كان المطران أُثَّر في الشيخ أو أثّر الشيخ في المطران. سمعتُ الشيحٌ يثني الثناء المستطاب على صديقه المطران وقد طالت به صحيته وعشرته» وهكذا كان له اتصال بالأرمن واليهود واليسوعيين الكاثوليك والأميركان البروتستانت. وكان يغضي عن كثير من النقد على رجال الدين من غير المسلمين ويقول: هم أقرب الناس إلينا يعتقدون بالله واليوم الآخر وخلود النفس. وكانت جميع الطوائف تستلطفه وتحب عشرته» على ما بينها وبينه من التخالف الظاهر في الزي والعادة والخُلّقَ والمذهب» ويطلعونه من سرائرهم على ما لا يبوحون به لأقرب الناس إليهم. وسمعته غير مرة يقول: «الحمد لله لقد سالمنا كل الفرق».

ضَحِبٌ يعض الزنادقة» وما زال يصبر على ما ينبو عنه سمعه من تصريحه وتعريضهء وما فتئ يلقنه أفكاره بالتؤدة مده حتى عاد به إلى حظيرة الدين؛ وهو لم يشعر فيما أحسب بما دخل على عقله من التبدّلء وصَحِبٌ كثيرًا من غلاة الشيعة والطوائف الباطنية» فما برح يتلطف بهم حتى أَضْعَفَ من غلوائهم» وأبدلهم بعد الجفوة أنسَاء وغيّر من انقباضهم وانقباض الناس عنهمء ليعيشوا في هناء وسط المجتمع الإنساني الأكبر.

وكان يتفنّن في بثّ الأفكار الصحيحة؛ وإخراج قومه من الأمية المميتة: وحمل خاصته ومن يصل صوته إليهم على تعليم أولادهم الممكنّ من ضروب العلم الذي يتناسب وحالتهم. وقال لي مر ارا : إذا أر دتَ إدخال الإصلاح إلى بيوت الأعيان؛ وفيهم الجاه والمال» فاجهد لأن يتعلم ولو فرد واحد من كل

سرة تقلب به كيانها. وكثيرًا ما قال: لنَحُرجَنّ من بيوت الأغنياء أولادًا يحاربونهم بسلاح التربية الصجيحةء وقد وفق إلى ذلك بعض الشيء. وكان يقول: لو طلب مني اليهود أن أعلّمهم ما تأخَرتُ ساعةًٌ عن إجابة طليهم؛ لأن في تعليمهم تقريبًا لهم مناء مهما كانت المباينة والفوارق بيننا وبينهم.

ما رأيت الشيحٌ يبغض إنسانا بغضه لشقيقين دمشقيين (الشيخ صالح المنير وشقيقه الشيخ عارف المنير): وكان إذا ذكر أحدهما أو كلاهما في مجلسه 00 «دعونا»» وتنقبض نفسه انقياضًا دونه كل انقباض» ولو علمتٌ أن بُعْضَّه لهما كان ناشئًا من كونهما أعطيا عهدًا على أنفسهما أن يَصُذَّا التامنَ عن طلب العلم لَبَطل عَجَبّك. وأكّد الأستاذٌ أن الأخرَين قد وُقْقَا إلى أن قَطعًا عن الدرس نحو أربعين طاليّاء كان يرجى أن يكون منهم متعلمون وعلماء.

وكان من عاكة يعقن إدعباء العلم من الشيوخ أن يرغيوا الناس عن الدرس» ليَخُلُوَ لهم الجوّ ويّستمتعوا وحدهم بالمناصب الدينية والأوقاف والمدارس والجوامع؛ 7 أحدٌ في شؤونهمء ما خلا أبناء بيوت محدودة معروفة ممن هم على شاكلتهم في غش الأمة والاستثثار يمرافقهاء فكان شأن هؤلاء فى الاستئثار الممقوت شأن كهنة قدماء المصريين لا يمبمحون لغير فثة خاصة بالتعلّم» أو شأن أصحاب الطبقات من الهنود أو اللاويين عند اليهود» لا يدخل أهل طبقة في طبقة غيرها مهما تبدل من جالتها .

من أجل هذا كان من رأي الشيخ أن يتعلّم كل طالب علم (العلم الإسلامي) صناعة أو تجارةٌ أو نحو ذلك من أسباب المعاش ليستغني عن الناس وعن تكفف العظماءء وتَعْزف نفسه عن التناول من الأوقاف» والتمرغ في حمأة القضاء وينشأ على الاستقلال» لأن هذا العلم يطلب لذاته وفائدته في الدارين»؛ لا للتكسب به عند السلاطين والحكومات. في سيرة بعض

علمائنا الأقدمين ممن كانوا يحترفون ويتّجرون عبرةٌ لأهل هذا الشأن طالما ردّدها الشيخ وأراد أصحابه على الاقتداء بالسلف.

ولطالما تفرّس الشيحٌُ في أحدهم الشرء وأَعْرّضّ عنه وحذّر أصحابه من الدنو منه» وناله من نقد غير العارفين ما ناله» ويقول بعضهم: إن الشيخ صاحب أطوار وغرائتب» والشيخ ساكت ولا يزيد على قوله: «هم أحرار: ونحن لا نكمٌ أفواه الناس عن التحدث بما يروقهم»» وما لبئت الأيام بعد حين أن كشفت نفس ذاك الشرير على صورة مستغربة .

وكثيرًا ما كنت أسأله عن بعض الأشخاص من حيث علمهم أو أخلاقهم

فيجيب : «الأمر مجهول»؛ فأفهم بالتعريض أن في معلوماتهم أو سلوكهم

نوا اليظهرون بعد لأى بنظهر التجهل أو التحيانة: وقد خدعوا السذّج من أفحات الصدزر الل ومن قلت تجاربهم أعوامًا غير قليلة. ومن فراساته الغريبة يوم حدث الاعتداء على ولي عهد النمسا في مدينة سراجيفو سنة 45 أن حربًا أوربية طاحنة ستنشب لا محالة» فأبعد في تصوره خطورة الموقف إلى ما لا يتعداه غير أعاظم المفكرين العارفين بنتائج الحوادث.

كان يصدع بالحق ولا يماري» إذا دخل مجلسًا ورأى فيه بعض الظالمين أو المخرفين غلب عليه الجلال فلا ينطق بكلمة» وإذا رأى من أحد الحاضرين تمويهًا في أمر وخروجًا عن الصدد جبهه وخرج عن مألوف الناس في الملاينة والملاطفة» وهذا سر من أسرار ازورار بعض التاس عنه. واتفق أن أحد أترابه ارتقى في الدولة العثمانية حتى أصبح الحخاكم المتحكم في العهد الحميدي؛ فقاطعه الشيخ بلا سبب ظاهر؛ فتوسط صاحبه أحد أقاربه ليعود الشيخ إلى مراسلتهء ووعد الشيخ ومنّاه» فأغضى الشيخ عن إجابته؛ ثم ألحّ الوسيط بعد مدة ليعرف الداعي إلى إعراض الشيخ عن صاحبه فقال: «اكتبوا له أننا لا نتعرف إليه ما دام لا يعرف أمتهء ومتى فكر في إسعادها وتخفيف البلاء عنها عدنا إخوانه وأخدانه»ة. وحدث أن صديقه الأستاذ أحمد

حياة الشيخ طاهر الجزائري

زكي باشا نال بواسطة أحمد حشمت باشا وزير معارف مصر اعتمادًا بعشرة آلاف جنيه لطبع مجمؤعة من الكتب العربية القديمة النادرة تبلغ فيما أذكر سبعة وعشرين كتابًا ومنها ما يدخل في بضعة مجلدات» فتباطأ زكي باشا في الطبع: ومضت السنة فقَّيّد المبلغ في نظارة المعارف على حساب السنة المقبلة» ولم يخرج الباشا شيئّاء وهكذا حتى ألغي الاعتماد باستقالة حشمت باشاء فغضب الشيخ غضبة مضرية من عمل زكي باشا وصارحه بقوله: «لقد أسأت إلى الأمة العربية بإبطائك في إخراج الكتب للناس» وإذا ادعيت أنك تقصد نشرها سالمة من الخطأ مشفرعة كلها باختلاف النسخ والتعاليق» فالتأنق لا حدّ له ويكفي أن ينتفع الناس بالموجود». وظل الشيخ أشهرًا لا يكلّم صديقه الزكي إلا متكلمًا كأنه عبث به» وحمل الضرر إلى مصلحته مباشرة! وأي مصلحة أعلق بقلبه من نشر آثار السلف.

يحب الشيخ إتمام كل عمل لساعته؛ وكان يستشيط غضبًا من رجل يقول له إن لك عندي كتابًا ولكني أنسيته في داري أو حانوتي أو مدرستي. وكثيرًا ما كان يحمل من يشغله بكتاب جاءه على أن يفتح محله مهما كان بعيدًا أو مهما كان الحديث في ساعة متأخرة من الليل. ويؤنْب هذا المتساهل بشؤون إخوانه تأنييًا يرجو أن ينجع فيه فلا يعود إلى هذه العادة القبيحة. ومقصد الشيخ من ذلك أن يعلّم الناس العناية بمصالح غيرهم. وكان يقول في مثل هذه الأجوال ولعل في الكتاب أمرًا مستعجلًا يستدعي أن يجاب عليهء وكان من عادته أن يجيب عن الكتب التي يتناولها في الحال. غريب عاداتة:

كان سَّمْتُ الشيخ وهندامه سَمْتَ العوام وهندامهم في عصره ومصره. عمامته من الأغباني: في جبة بسيطة» وقفطان قطنء» وزنار مزدوج يخبأ فيه بعض الدراهمء وأليسته من صنع الوطن إلا النظارتين والطربوش» ويختار من القمصان والسراويل ما خفٌ ثمنه ليطرحه إذا اتسخ ولا يشغل ذهنه بغسله.

كنوز الأجداد

وكثيرًا ما يلبس قميصين وزوجين من السراويلات وقفطانين وصدرتين وجبتين» ليكون على أتِم الاستعداد لما يطرأ على أحد الزوجين فينبذه حالًا ويستعيض عنه بأخيه دون انتظار شيءٍ آخر. وقد لا يستعمل الهناديل المتعارفة المعمولة من القطن» فيعمد إلى اتخاذ مناديل من الورق الغليظ» يضم بعض أجزائه إلى بعض فيكون دفترًاء يلقيه بعد أن يتسخ كله. وكان يطهّر جسمه ولا ينظف ثيابه كثيراء أصيب بهذه الخلة خصوصًا بعد أن فقد والدته في صباه ولم يبق له من رحمه امرأة تتعهذه أبدًا بنظافة ثيابه والعناية بظواهره. وأنى له هو أن يسد مسد أمه في ذلك؛ وفكره مشغول بمطالب عالية أخرى» قد لا يتسع لمثل هذه الجزئيات في رأيه.

ورأيت في بعض تعليقاته في ترجمة عبد الله بن الخشاب وكأنه بنقله لها ترجم نفسّه فقال بلسان الحال: وهذا رجل مثلي كان إلى الخمول» قال: «كان وسخ الثياب» ما تأهّل ولا تسرّى. له معرقة بالحديث والمنطق والفلسقة والهندسةء بل بكل فن» وكان يترك عمامته أشهرًا ولا يغسلهاء ويليبسها كيف اتفق. فإذا قيل له في ذلك يقول ما استوت العمة على رأس عاقل قط؛. وشيخنا رحمه الله كان من هذا الطراز. والعبقرية على ما يظهر تكمل من صاحبها ناحية واحدة وتنقص منه من الناحية الأخرى بقدرها.

أراد الشيخ أحد أصحابه في القاهرة خلال الحرب العامة على أن يغيّر جبته لأنها بليت بعض أطرافها فسكت الشيخ عن إجابته. لما ألحٌ عليه مرتين وثلانًا أجابه: هيا فلان تريدني على اقتناء جبة جديدة وأهل الشام يموتون من الجوع». وأضافه أحد أصدقائه في بيروت وأخذ ذات يوم ثيابه بدون استعذانه ليغسلهاء وعوضه عنها ثيابًا جديدة» فحنق الشيخ وما زال بمضيفه حتى أعاد إليه ثيابه الوسخة» وذلك لثلا يشغل فكره في ثيابه ريثما تغسل وتنشفء ولئلا يلبس ثيابًا غير ثيابه. وغضب مرةٌ على أحد أصحايه ومساكنيه في القاهرة لأنه

افترص غيابه فنزع من غرفته جميع الكتب والفراش المملوء بالبق» وكنس

الغرفة ونفض الغبار عن الكتب والأواني وغسلهاء ووضع سما لقتل البق في السريرء حتى لا يصل إلى الشيخ فيقرصه؛ وأعاد كل شيءٍ إلى مكانه» فلما رأى الشيخ ذلك عرف ما دُبّْر له» ولم تطب نفسه بهذه التعزيلة» وأنحى على صاحبه باللوم والتقريع! ورايته مرارًا وقد نتأ مسمار أو مسامير من حذائه: فكان يخصف من ورق الشجر يجعله في الحذاء» ليتفي ضغط المسمار على رجليهء ولا تحدثه نفسه أن يذهب إلى الحذاء يصلح له حذاءه» وإذا قلت له في ذلك أجابك أن الوقت لا يساعدني. وكان مداسه متسعًا في الشتاء يجرف من الأرض طيئًا كثيرًا يعلق بجبته» فيصبح وجهها شكلا وقفاها شكلا آخر. ولطالما تبرم بزيارته أيام المطر بعض ربات البيوت لأن طين جبته يعلق في المقعد الذي يقعد عليه. وكان إذا اشتد الحر استثقل الجوربين فنزعهما من رجليه وعوضهما أوراقًا هشة ملونة يجعلها حِفَافِيَ نعله لتمتص العرق يزعمه. وأنت لا تملك نفسك من الضحك إذا رأيت رجليه» وتستغرب من عظيم كهذا يَسْخْر بعادات مجتمعه على هذا الحدء ولا يبالي النقد ولا الملام. ولطالما قال أنا شاذٌ ولا أحب أن يُقتدي بي أحد.

ومن عادة الشيخ أن يحمل في جيويه وعبابه بعض الدفاتر والرسائل» بل أقلامًا ودواةً ومقراضًا وسكيئا وإيرًا وخيوطاء وشيئًا مما يحمل من النواشف والخبز والجبن والزبد والتين والزييب» وفي بعضها مادة دهنية دسمة يخشى أن تسيخ كالشواء؛ وما دخله سمن أو زيت من المآكل: يضع ذلك في مُقَوّى أو ورق غليظ» ويستعمله عبدما يريد» ويطعم مئه أصحابه إن أحبوا. أما الدخان والسكر والمربب فيحمل منه مؤوئة أيام أحياناء وقد يطبخ من القهرة في داره مقدارًا وافرًا ويجهز منها ما يكقيه أسبوعًا حتى لا يضيع وقته بطبخهاء كلما أراد تناول فنجان منهاء وهكذا يشربها باردة بائتة أيامًا لثلا يشتغل بها كل ساعة عن مطالعته. وقال لي مرة إنه ابتاع أرطالا من البرتقال وضعها في داره» ومن الغد يدا له أن يسافر» وتذكر وهو على أذرع قليلة من

ا 680 كنوز الأجداد

البيت أنه يجب أن يستصحب في حقيبته شيئًا من البرتقال» وتذكر ما اشتراه منه بالأمس فآثر أن يبتاع برتقالًا من الطريق لثلا يضيع وقته بالرجوع على الدار بعد إزماعه الخروج منهاء ولم يَعْدِ الشيخ إلى داره إلا بعد ستة أشهرء وفرح أن رأى برتقالاته تضمر وتنشف!

وكان مغرمًا بالتدخين, مَنَعَهُ الطبيب منه وأراده على إيطاله» فتعذَّر عليه ذلك. فقال الطبيب إن كان لا بد من التدخين فلفٌ بنفسك لفائفك. حتى يمضي جانب من الوقت في اللف. وكان الشيخ لا يحسن صنع لفائفه فتجيء واحدة دقيقة وأخرى غليظة وثالثة متوسطةء وعندئلٍ يبدأ الشيخ بتجاريه ليضع اللقافة في البز (الفم) الذي يلائمهاء وكان في جيب الشيخ بضعة من هذه الأبزاز يتخيرها من القصب أو غيره من أنواع الخشب» وهكذا كان يتلهى عن الإكثار من التدخين ولو بضع دقائق. وإذا قلت له بإيطال التدخين ينهرك ويعرض عن حديثئك» هذا وهو صاحب إرادة قُدَّت من حديد أو صخر.

ومن عادة الشيخ خلال الأربعين السنة الأخيرة من حياته أن لا ينام إلا إذا صلى الصبح» يساهر بعض أصحابه هزيعًا من الليل ثم يغشى حجرته يطالع ويؤلف. وقد لا يراعي أوقات بعض أحبابه؛ فيوقظهم أحيانًا بعد الهزيع الثاني من منامهم ليسمر عندهم» أما من كان لهم مواعيد ويعرفون التوقيت لساعات الليل والنهارء فكان يصونهم عن غشيان منازلهم مَؤْهِنَاء ولا يَطرق أبوابهم بعد الأوقات المعينة للسمر والسهر.

كان يحب السباحة والعوم؛ وله مسبح اختاره في ييروت وآخر في صيداء ومسابح في بعض أنهار دمشقء» وربما لبس سراويله مبللة بعد الخروج من سباحته» ويهوى السير على الأقدام للتريض. ولطالما قطع عشرات الأميال بين الندن والقرى والجبال والأودية سائرًا على قدميه. وقد يراه في الظريق بعض أصحابه أو من لا يعرفه ويدعونه إلى الركوب في مركباتهم أو على متون دوابهم فيأبى» لأنه لا يحب أن ينقض أمرًا أبرمه» ونفسه تتوق إلى السير

جاه اثبع طلخن اجرلاري

ماشيًا فأي معنى للركوب! ومن أغرب أطواره أنه إذا استعدت نفسه للقيلولة قالء وهو وسط إخوانه يتذاكرون ويتدارسون. يَقيل وهو قاعد ويضع على وجهه منديلًا. وربما أتم إغفاءته عند إنجاز الدرس والمذاكرة» وشارك فيما انقطعت عليه سلسلته من الحديث» وقد يظن أنه أحاط بما دار في المجلس في غضون قيلولته. ولم يكن يحب أن يطول الدرس أكثر من نصف ساعة؛ لأنه يتبرم بالجد في هذه المجالس» وهو يقضي الساغات في مطالعاته الخاصة .

كان الشيخ لا يعرف الهجرء ولا يشتم شتمًا ينبو عن جد الأدب» مع -حدة فيه ظاهرة؛ وألم من أكثر الأحوال الحاضرة. وكان إذا صفا ذهئه تَقُْصّح عبارته في محاضرته. وال" فيعتريها شيةٌ من اللكنة المغربية ممزوجة بالعامية الدمشقية» وله تعبيرات خاصة وأساليب في مصطلحاته ونبراته لطيفة تحلو من قمة. يمزح إخماضًا من الجدء وما أحصي عليه أن نطق يومًا بفحش أو هراع» أو استعمل ما ينافي الأدب والمروءة» وكان يميل إلى بعض من فيهم البلاهة ممزوجة بالذكاعء وتصدر عنهم غرائب الأفكار والتضورات» وريما قصدهم كل سنة من بلد إلى بلدء ليقطع بينهم أيامًا يخرج فيها من الجدء ويدخل معهم في حديث قد يروقه للتسلية والتندر.

حدثني أحد لِدَّاته قال: كنا في دمر» إحدى قرى دمشق» نقضي فيها يومًا للنزهة: وكنا في نحو الثلاثين من العمرء فاعتزل الشيخ طاهر في ناحية من الحديقة يطالع ويكتب في ظِلّ شجرة» وكنا حراصًا على أن يكون معنا طول النهارء وكانت في البستان فتاة إسرائيلية جميلة الطلعة» فاقترحنا عليها أن تذهب إلى الشيخ المستظل بالشجرة؛ وتأتينا به» ونحن نكرمها بالمال» فصدعت بالأمرء ولما رفع رأسه من كتابه أخرج لها في الحال قطعة من القمر الدين (معجون المشمش) وقال لها: (إيهِ بارك الله أتأكلين قمر الذين يا قمر الدنيا؟» وصرف الفتاة بهذا التقريظء وهذا كل ما أَثْر عن الشيخ في باب

كنوز الأجداد

التصابي. وسأله أحد الطلبة عن حكم التقبيل وما إليه» فأجابه هذا موضوع لا أعرفه سَلْ غيري. وتكلّم أحد أصحابه بكلام بعيد عن الحشمة في حضرته: فأشاح بوجهه وتصامٌ كأنه ما سمع ولا دهش لهذا الغريب من الحديث» على حين كان مغرمًا بالغرائب» ولكن لا من هذا البحر والقافية.

سأله أحد الفقهاء ممن ألّفُوا كتبّا دينية حشوها بما لا يقره الشرع الصحيح ولا العقل الصريح «كيف تجد كتبي يا شيخ طاهر؛ فأجابه في الحال متخلصًا أجمل تخلص «اشتغلوا ونخن نشتغل لنرى لمن تكون النتيجة». وكان يكره المتشدقين من المؤلفين والكاتبين خصوصًا في الدين والسياسة» بل يكره كل من يقول بغير علم؛ ويحاسب الذين يرمون الكلام على عواهته حسابًا غير يسير ويسميهم الحشوية كما يكره الجلجلوتيين» والقبوريين والجامدين والمماحكين. وسمعتّه يقول: إن فلانا يِرَّدّوِ على الماديين ‏ وهو لا يحسن العلوم المادية ‏ فتح عليئا أبوايًا يصعب سدهاء وفلانًا بمقالاته السياسية المطولة يفتح بقلمه كل حين مشاكل صعبة الحل. فقلت له ولا تنس يا سيدي الشيخ الفلاني وما حشا به كتبه من ترهات وخرافات ومنامات وخيالات» يعدها من الدين والإسلام بريء منهاء ويزيد على بِحَتهِ قِحَةَّ ثانيةٌ أنه يُكفّر كل من لا يقول بها.

وكان ينهر من يوردون أحاديث تفت في عضد السامعين وتلقي في قلوبهم الرعب والوهم» ومذهبه تقوية القلوب وإزالة غشاء الأوهام عن الأحلام» وأن يصمد المرء لمكافحة الحوادث؛ ولا يحب الاستنتاج إذا كان في غير محله حتى لا يؤدي التزيد والتفلسف إلى تزييف الوقائع» وإلباس الحقائق غير صورهاء ولذلك كان يستلطف من الإنكليز السكسونيين إيجازهم في أحاديثهم وكتبهم» ويوحشه من اللاتينيين تبسطهم في أقوالهم ومكتوباتهم. ويحتاط أبدًا فينسب كل قول لقائله في أحاديثه وكتبه» وغايته نشر الفكر والخلاص بسلام

كان يرفق بالضعفاءٍ ويرفع من قدر الصعاليكء ويحْمِل على العظماء ويترقّع عن ملابستهم» وكثيرًا ما كان يحدّث العامة برفق وتؤدةء ويخاطبهم خطاب إخوانهم لهم. ولطالما قال: إن من الحكمة ألّا تجعلوا بينكم وبين العامة حجابًا كثيفاء إذا أحببتم هدايتهم والانتفاع بهم: وعليكم أن توهموهم أن ليس بينكم وبينهم من الدرجات إلا قليل» يوشكون هم إذا اشتغلوا قليلا أن يُسَامُوكم أو يَفُوفُوكم» فهو بهذا كالطبيب الحاذق يعطي المريض الجرعة التي تناسبه» ويتدرج به في المقويات درجة درجة. وهكذا كان مع كل طالب

ومستقيد .

تحقّق لدى الشيخ أن ابن أخيهء وكان من نوابغ الشبان» ابتلي بِأخَرَة بالشراب يتعاطاه» فقطع مكاتبته مع شدة حبه له وظل لا يكلمه ولا يبحث عنه ملة اثنتى عشرة سنةء وهو يكتم السبب في إعراضه عن نجل شقيقه. حتى أشار مرة إلى بما يرتكبه المغضوب عليه من أخذ المسكره وعد عليه في جملة هناته أنه أتعب نفسه في المدرسة زيادة عن المطلوب فضعف بصره حتى ينال رتبة عليّة» وكان عليه لو سمع نصائح عمه ألَّا يُرهق نفسه ويكتفي من المتافسة مع أقرانه بما توصله إليه الطبيعة» بدون إعنات ولا إنهاك بدن. وهذا من قوة

نفسه وصدق حدسه.

كان يكره الاستعمار كرما كديا ويحب المدنية ويحث على تعلّم لغات الغرب» ويكره السياسة العثمانية» ويقول: إن استيلاء الترك على أرض العرب أضرّ بها وأزال مدنيتها وغيّر أخلاقهاء ولم يكن ينكر على الأتراك أدبهم في المدنيات الحديثة كل أمة ترفق بالمسلمين في الجملة» ويحب من الناس من يصرف في خدمة المسائل العامة شيئًا من وقته وماله. وكان يقول وهو على فراش الموت: عدوا رجالكم واغفروا لهم بعض زلاتهم؛ وتَضوا عليهم بالنواجذ» لتستفيذ الأمة منهم» ولا تنقّروهم لثلا يزهدوا في خدمتكم. يقول

60 0 ببببببببب----------------20202000-0-0-0 كفو الأجداد هذا رجل أخلص كل الإخلاص في خدمة أمتهء وتفانى في حبها ومعالجة أدوائهاء وكان جماع ما كافأئه به في حياته عبوسًا وانقباضًا وتنغيصًا وغصصًا ثم عصيانًا على إصلاحه الناجع»: كالطبيب النطاسي يريد الخير بمريضه المعربد» وكلما ناوله الدواء عضه وأدماه وشتمه وآذاه.

وكان الشيخ كثيرًا ما ينشد قول البهاء زهير: يا أيهاالبِائلُمجهودّه في خدمةأفلهاخدمة إلى متى في تعب ضائع بدون هذا تأكلاللّقمة تَشُقى ومّن تشقى لهغافلٌ ‏ كأنك الراقِصٌ في الظلمة

ويشْبه الشيخ من كثير من الوجوه غاندي الفيلسوف الهندي المعاصر. وإن لم يكن له ما لهذا من الشجاعة» وذلك أن الشيخ لا يحب الأذى ولا العنف ويحاول إحياء كل ما هو آسيّوي من اللغات والتقاليد» وتعليم الناس الصنائع وعدم الغفلة عما هو عند الأمم الغربية من مقومات العلم. ولا عجب فالعقل واحد مهما اختلفت الأعصار وتباينت الأقطار العقل السليم في هذا الشرق القريب وفي ذاك الشرق الأوسط وما وراءه من الشرق الأقصى لا يختلف في مظاهره الحقيقية عما هو عليه في أوريا وأميركا وإفريقية.

نعم لم يكن الشيخ طاهر كالمهاتما غاندي في حملاته ولا حتى في تصريحاته. العملان متفقان إلا قليلاء ولكن ابن الوثنية جسر على العمل بمبدثه أكثر من ابن الإسلام. شعار غاندي «هندوسًا كنا أم باريسيين» نصارى أم يهودّاء أيّا كناء يجب إذا تاقت نفوسنا إلى أن نعيش أمة واحدة أن تكون مصلحة الفرد مصلحة الجماعة, ولا عبرة إلا لعدل مطاليه». أما الشيخ الجزائري فكان يتوقع من القوم أن يقولوا هذا وهو لا يدعرهم إليه إلا بالإشارة والمثال البعيد. والحكيم الهندي قال ما اعتقده غير مجمجم نتخلص من قيود كثيرة» وأراد أمته علنًا أن تنهج سبيله فكانت شهرته شهرة عالمية» وانحصرت شهرة الشبخ في بعض أصقاع العرب.

حياة الخيخ لامر الجرائري

كان بعضهم يقول: إن الشيخ ضنين بالإفادة حتى ادّعى بعضهم «أن الشيخ طاهرًا بئرٌ علم ولكن لا ينتفع بها»» والحقيقة أنه يصعب 55 0 مجاملة من يتشهى» ولا مأرب له إلا أن يقال عنه إنه باحث وطالب فوائد؛ فلا يرى أن يتعب نفسه في إفهام فضولي يسأله في الفلسفة العلياء أو في مسائل تعلو عن دائرة عقله؛ على حين هو في حاجة إلى أن يتعلم القراءة والكتابة. فكان في ضنانته هذه حكيمًا أيضًاء لا يظلم الحكمة فيلقي دررها بين أرجل من لا يعرف قدرهاء ولا يتأتى له أن يحسن الانتفاع بها. أما المستعدون للتلقي والترقي: فكان يجهد أن يختصر لهم طريق الوصول على ما يريدون» ويبعث كل حين عقليتهم» ويفيض من واسع علمه عليهم: وكلما رأهم يحرصون على التقاط فوائدهء جاد عليهم بما يعلم إلا إذا كان ثمة شيئًا لا يعرفه فإنه يقول: (لا أدري) غير مبال بنقد من يذهبون إلى استقلال علمه وعدم إحاطته. فكان الآخذون عنه بالنظر لتحرّيه الصدق على ثقةٍ مز من العلم الذي يسمعونه ويستملونه منهء لأن الشيخ إلى التصريح 68 معرفته أقرب منه إلى إيهام الناس أنه يعلم كل شيء شأن الممؤّهين والجامدين. ولذلك لم يُحْسَّبٍ عليه أن بَدَبْ مُقَاتِلّهُ مرة؛ لأنه يقول بعد التحقيق ويكره التلفيق. تاليفه ورسائله:

ليست تآليف الشيخ مما يناسب علمه الواسع» لأن بعضها مما ألّفه في صباه لنفع المدارس» وهو مفيد جدًّا في بابه وفي جينه. ومن تأليفه المطبوعة: (الجواهر الكثلامية في العقائد الإسلامية)» و(مُنْية الأذكياء في قصص الأنبياء)؛ و(مَدٌ الراحة إلى أخذ المساحة)؛ و(مدخحل الطلاب إلى فن الحساب)»ء و(الفوائد الجسام في معرفة خواص الأجسام)؛ ورسالة في النحوء وأخرى في البديع» وثالثة في البيان؛ ورابعة في العَّروض» وكتاب (تسهيل المجاز إلى فن المعمى والألغاز)» وشرح ديوان حطب ابن نباتة. ومن كتبه (إرشاد الألباء إلى تعليم ألف باء)» ورسالة وجداول جدارية في الخطوط

القديمة والحديثةء و(التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن) وهي المقدمة الصغرى من مقدمتَئَ تفسيره. ومقدمة سماها: الكافي في اللغة؛ وهي مقدمةٌ معجم ضاع أكثره. و(التقريب إلى أصول التعريب)» و(توجيه النظر إلى علم الأثر)» ومختصر أدب الكاتب لابن قتيبة» ومختصر أمثال الميداني» ومختصر البيان والتبيين للجاحظ. هذا هو المطبوع. أما المخطوط : فتفسيره الكبير؛ ويدخل في أربعة مجلدات ممخطوطة محفوظة في دار الكتب الظاهرية بدمشق مع جميع ما ظفرنا به من أوراقه. ومن المحفوظ أيضًا بعض كنانيشه وفيها خلاصة مما طالعه من الأسفار وعرض له من الأفكار. وله من المخطوطات: كتاب. (الإلمام بأصول سيرة النبي عليه الصلاة والسلام)؛ و(مقاضد الشرع) وغير ذلك. وقد أحيا بالطبع عشرات من الكتب منها: إرشاد القاصد لابن ساعد الأنصاريء وروضة العقلاء لابن حِبّان البستي» والأدب والمروءة لصالح بن جناحء والأدب الصغير لابن المقفع» وأمنية الألمعي وتفصيل التشأتين للراغب الأصفهاني» والفوز الأصغر لمسكويه. إلى غير ذلك من مقالاته في المجلات العلمية وإملاءات جمة كتبت بتواقيع مستعارة. أَلّف الشيخ معظم هذه الكتب بحسب الدواعي خصوصًا مبادئ العلوم؛ في زمن كانت فيه الكتب المدرسية في حكم المعدوم؛ وذلك لينهض بالتعليم الابتدائي ويخلص الناشئة من عَسْلّطات”' المتأخرين المعروفة وحواشيهم وشروحهم الْمُمِلَّة المضيعة لأوقات الطالب. ومعنى هذا : أن الشيخ انتبه قبل غيره إلى فساد طريقة التعليم القديمة» وأدرك أن الزمان يتقاضى أهل العلم أن يُخرجوا الناسّ من ربقة القيود الثقيلة العائقة عن التحصيل» كما انتبه إلى كثرة سريان الحشو واللغو إلى كتب الدين التي خَلّط فيها كثيرٌ من المتأخرين.

من أهم كتب الشيخ المطبوعة: شرح خطب ابن نباتة وإرشاد الألباء والتبيان والتقريب وتوجيه النظر ففيها لباب علمه وأثر من آثار قريحتهء تجلى

(1) العَسْلَطة: الكلام بلا نظام. وكلامٌ مُعَسْلَط : مُخَلّْط. [القاموس المحيط] (المُراجع).

حياة الشيخ طاهر الجزائري _ 5 شع 8 الا فيها روح بحئه وغوصه على مسائل دقيقة قيقة قل أن تَسَئّى لغيره ممن عاصره الوصول إليها. وليس معنى هذا أن سائر ما طبعه الشيخ غير مفيدء بل المقصود أنه كِب لغرض خاص أريد به تثقيف الناشئة» وهذه الكتب هي التي ظهرت فيها شخصية الشيخ وثقوب ذهنه وسعة مداركه؛ وتلطفه في إبلاغ المعاني إلى العقول» وحرصه على أن يحيل في الأكثر على عالم تقدمه؛ لأن الناس في العادة يقدّسون الأموات أكثر من الأحياء.

والشيخ وإن كان في مذهبه الديني إلى الاجتهاد» لكنه في مذهبه التأليفي أقرب إلى التقليد؛ يمشي على مذاهب القدماء» ولكن بتنسيق وتقسيم بدون أن يشوش القارئ. ولو تيسر للأستاذ أن يسير على نظام أكمل من الذي سار عليه في معيشتهء وساعده الزمان والمكان على تجويد مصنفاته» والصبر عليها قبل نشرها لخلّف كبيًا - وخصوصًا في العشرين سنة الأخيرة من عمره ‏ تقرأ فيها

صورة عظيمة من جهوده ونبوغه. وبلغني أنه دَوّن بعض الوقائع التي شهدها ولم نعثر عليها بين أوراقه التي سُرِقَ بعضها وقت اتتقاله من مصر إلى الشام. ويقيني أن الرجل لو وفق إلى طابعين أغنياء فضلاء يحملونه على العمل على ما ص به من النشاط وشدة الحركة؛ لأنتجت قريحته أكثر مما أنتجت في الفروع المختلفة التي. طرقها ووزع قواه فيهاء ولكن تفانيه في الإسراع بحمل النور إلى العقول» وفدح التبعة التي أخذها على نفسه في المسارعة لإنهاض أمته» دَعَوَاهُ إلى أن يكتفي بما تهيأ له وَضْعُهُ وتأليفه ناظرًا فيه إلى مصلحة الناس لا إلى مصلحته الخاصة» وشهرته في حياته وبعد مماته.

كانت بيئة الشيخ التي اضطرب فيها في الشباب والكهولة ضيقة المضطرب لا تتسع لبَتْ حِمّته. وكانت المطالب التي تتقاضاها منه من حرصه على بث الإصلاح والتعليم كثيرة لا يقوى الفرد على حملها كلهاء ولو قُدّر له أن يعيش مئذ نشأته في بيئة متسعة ة كمصرء وخلا من مُدافعة المشاكسين والظالمين» ورأى شيئًا من الطمأنيئة وسعة العيش لَتَضائعَف إنتاجه لا محالة» وعَمّ نفعه

لوس)--ااااد-ييس تق اسك مصر وغير مصر. وربما كان ظهوره في الشام. والعهد عهد ظُلمةٍ وجَهْل أَبْرَكَ عليها وأنفع لهاء لأن ما اضطلع به وحده لا يضطلع يه عشرة علماء على شريطة أن يكونوا في درجته من الإخلاص وشدة الشكيمة؛ وعزوف النفس عن المطامع والدنايا.

وبعد: فهذه صَورةٌ متحِيحَة من صو الاستاذ الحكيمء عجيبةٌ في خطوطها وتقاطيعهاء جميلةٌ بألوانها وأشكالهاء عرضْئّها لغرابتها؛ لأنه ندر جدًا في المعاصرين من الأحياء ظهور رجل يمائله في أطواره وحركته وسعة حيلته وبسطته في العلوم. والزمان على أيْ حال بخيل بمثل هؤلاء التوابغ في كل عصرء وقد لا ينبغ أضرابهم في قرون يفادؤن بكل ما يتفانى الناس في التهالك عليه من مال وجاه ورفاهية» وتنحصر لذائذهم في بث أفكارهم وآرائهم» ويسعدون السعادة كلها إذا نهضوا بإنارة عقول أهل جيلهم وقبيلهم . رسائله الخاصة:

وإلى القارئ الآن جملا من كتب دارتُ بين المؤلّف وأستاذه» فيها شىء من مناحيه العلمية ونفسه العالية» وربما تَرْجَمَتْ عنه مثل ترجمتنا وزيادة» وكتابة المرء نَمَّامَةَ على علمه؛ وعقل الكاتب في قلمهء واختياره قطعة من عقله. وقد صَدَرَتْ هذه الرسائل من القاهرة المُعرّية» ومن أجمل ما فيها كونها كُتبت على البديهة لا كُلْقَةَ فيهاء شأن الشيخ في كتبه ومفكراته. وربما كُتَبَ إلى أصحابه كتابًا وبعئه في البريد من دون أن يطالعه ثانية. ولذلك رأيئا بعض

205 2

سألتٌه مرة عن منشإ الشعوبية فأجاب: «وأما الزمن الذي ظهرت فيه الشعوبية فلا يحضرني فيه شيء؛ والوقوف على أوائل الأشياء من أصعب المسائل وأدقهاء إلا أن الذي ظهر لي أن ذلك حَدَتٌ بُعَيْد عصر الخلفاء الراشدين لوجود الداعي إلى ذلك» وهو التفاخر بالجنس الذي هو من عادات الجاهلية التي أتى الدين بإيطالهاء ومن نظر لمنزلة سلمان الفارسيى وصهيب

حياة الشيخ طاهر الجزائري

الرومي وبلال الحبشي في أوائل الأمة زال عنه الشك في هذه المسألة. ولا يدخل في الأمر بحث المؤرخ عن خصائص الأجناسء» مما يقصد به الوقوف على الحقائق؛ فإن هذا نوع آخر. إلا أن من يَحَتَ عن أحوال الأمم ووقّى النظر حقه تين له أن العرب في الجملة لا تساميهم أمة البتة.

اوأظن أنه لا بد أن تؤلّف بعد حين كتبٌّ في خصائص الأممء وكتبٌ في خصائص البلادء كما لنت كتبٌ في خصائص اللغات» تجعل من الفنون التي يُعنى بها وتميّز عن غيرهاء ولا تُذكّر بطريق العرض» إلا أن قن خصائص الأمم تتيسر المشاغبة فيه والمغالطة أكثر من غيره. وكل فنُ وُضِعت مقدماته ونشّحت مسائله ييدو بسرعة عوار المغالط فيه.

«هذاء وكما حَدَتٌ بعد عصر الخلفاء أمر المفاضلة بين العرب والعجمء حَدَتٌ أمرٌ المفاضلة بين العدنانية والقحطانية» وهما الفريقان اللذان يجمعهما اسم العرب. ونشأ بسبب ذلك من الفتن ما يعرفه المولع بالأخبار. ولم يزل أثر ذلك باقيًا في بعض الجهات على ما قُبَيْل عصرنا هذاء وقد رأيت في بعض البلاد أناسًا يقولون إلى الآن نحن قيسية وآخرين يقولون نحن يمانية.

اكتبت لك ما كتبت والقلم لا يكاد يجري لما حدث لي من الفترة من نحو ثلاثة أسابيع. وسبب ذلك أني اختبرثُ أحوالَ كثير من الولايات فوجدتها منقسمة إلى حزبين كل منهما يباين الآخر في كل شيء: ولم يظهر حزب ثالث يكون معتدلًا ومعدّلا لهما. وإذا دام الحال هكذاء تأخرت البلاد عما كانت عليه من قبل. وقد نصحت كثيرًا من المحدثين من الأحرار”'' بأن يعدّلوا مشربهم » وحَذَّرتُهم عواقبٌ الأمر عَلبوا أم عُلبواء فأبوا إلا الإصرار على فكرهمء وما قلت لهم رأبي إلا بعد أن ألجُوا علي في بيانه»ء وحضر أناسنٌ منهم من مركز جمعيتهم وطلبوا مني التفصيل» بعد أن بيّنت لهم ذلك إجمالاء

)١(‏ هو حزب الاتحاد والترقي الذي كان بتعئته وشدَّته سبًا في تدهور المملكة العثمائية وذهاب سلطانها (المؤلف).

فرأيت أنهم يوافقونني في البدء ويخالفونني في النهاية» فامتنعت عن إتمام البيان وتشاغلت عنهم. فإني رأيتهم يظنون أن حلَّهم لبعض مسائل الجبر والمقابلة يحل لهم مسائل إدارة البلاد. إن كثيرًا ممن كنا نزدري برأيهم في السياسة من تلاميذ المدارس في مصر هم أرقى منهم في ذلك. وقد اجتمع بنا في هذه الليلة أحد المرسّلين منهم وسمع منا هذه العبارة وهي ملقاة على صورة تحتمل الجد والهزل فدهشء. وعرف أنها إلى الجد أقرب منها إلى الهزل» وكان يتكتم فاضطر إلى الانطلاق فيما يراه من الأخطار التي يصعب تداركها. .. إني متشوق لأخبار كثير من الولايات لعلّنا نسمع بظهور الحزب الأوسط في واحدة منها فيسري ذلك في غيرها شيئًا فشيئًاء وهذا الحزب يلحقه فى أول الأمر أشد اضطهاد لأن الحزبين المتطرفين يبغضانه أكثر مما يبغض نوها الآخرء لاعتقادهم بأنه أقرب إلى انضمام كثير من الحزبين إليه؟ .

وقال من كتاب عن القاهرة في ١9‏ صفر سنة 1378:

«وبعد فقد وصلني كتابكم الكريم مُنْبنَا بعَؤْدكم من بلاد أوربا فسررت بذلك سرورًا شديدّاء كنتٌ أتمنى لكم هذه الرحلة من قديم لما أتيقنه من الفائدة التامة العامة في ذلك. فإن الاقتباس من الأمم المترقية دليل على النباهةء لا كما يظن البّلْهُ من أن في الاقتباس غضاضة:؛ ونريد بالاقتباس ما يشعر به هذا اللفظ من تلقي الأمور النافعة» لا كما يظنه المتكايسون”'2 من أن الأمم الراقية ينبغي أن يؤخذ منها كل شيء حتى أذَّاهم الأمر إلى أن يقلدوهم في الأمور التي يودُون هم أن يخلصوا منها.

«وأما ما يتعلق بخزائن الكتب في الأستانة فقد خطرٌ في بالي خاطر يرتفع به محذور الامتعاض في جمعهاء وذلك بأن تبقى كل مكتبة في موضعها يتتفع

)١(‏ تكايسىَ: تَفَاعَلَ؛ من الكيّس. والكَيْسُ: العَقْلُ وخلاف الحُمْق. (المراجع)

حياة الشيخ. طاهر الجزائري

بها المجاورون لهاء على أن تؤخذ منها الكتب النادرة ‏ وهي في الغالب لا تلزمهم ولا يهمهم أمرها ‏ وتوضع في موضع معد لها يكون في وسط البلدة» ومن اطلع على دفاتر مكاتبها وجد إمكان إجراء ذلك بدون اعتراض يعقل. ولما عملت برنامجًا لكتبها النادرة» رأيت أن بعض المكاتب قل يوجد فيها نسخ متعددة من كتاب نادرء فلو أخذت إحدى النسخ المكرّرة لم يكن في ذلك ما يقال. وقد كنتٌ ذاكرت بهذا الأمر بعضٌ أعضاء الجمعية فاستحسنه جدّاء وذكر لي أنه سيسعى في إبرازه من القول إلى الفعل». ثم عَرَضْتْ شواغل عاقت عن ذلك .

«وأما مصبر فقد دخلت في الدور المجهولء وسيكون إما لها وإما عليها. وهذا الدور لا بد منه لكل أمة تريد النهوض بعد العثرة» فإِنِ ساعدها الزمان والمكان والإمكان تالت مناهاء وإلا كان لها تعلّل بسوء البخت بعد التشبث بالأسباب الظاهرة» جعل الله سبحانه العاقبة خيرً!1 .

وكتب ناصحًا وواضعًا خطة للإصلاح في غرة جمادى الأولى 1717 :

«ومما يهم الأمر فيه إصلاح العادات» فإن في الشرق كثيرًا من العادات التي ينبغي إبطالها كما أن فيه كثيرًا من العادات التي ينبغي المحافظة عليهاء غير أنه لا ينبغي أن يستعمل التّنكِيت27 في ذلك» بل يستعمل مجرد البيان الدال على حسن الشيء أو قبحه. ولا يتيسر الإقدام على هذا الأمر إلا لمن لا يهمه أمر المدح والذم العاجلّيّن بل يهمه حسن الأثر.

«ومن العادات الرديئة جدًا: أن الكاتب قد يمكنه أن يكتب في إصلاح عادة؛ لكنه يرى أن الكلام في ذلك يكفي فيه عشرة أسطر فيرى: أن الناس يزدرون بذلك وينسبونه لقلة القدرة على الإنشاء فيترك الكتابة فيه» أو يسهب إسهايًا لا داعي له من سرد مقدمات معلومة مُسَلَّمةء لو تركها لكان أقرب إلى

(1) لكت علبه: تن قاب قوله أو عمله. (المراجع)

(#00) كنوز الأجداد

الفهم وأيعد من الوهمء وما ذلك إلا من تأثير الحَشّوِيَّة فيهم» وقولهم إن الناس نسبوك لعدم الاقتدار على الكتابة. فينبغي أن يكون في المجلة ولو مقدار صفحة تبحث في العادات على اختلاف أنواعها وتعليم ذلك للبئين والبنات. هذا ومن جهة رأي الناس في خقكم» فإن التبهاء المنصفين منهم يجعلونكم ممن ثُبَتَ في حين الشدة» ولا تَعْبؤوا بمن يلوم عن جهل وغباوة؛ فإن ذم هؤلاء أقرب إلى المدح من ثنائهم».

وكتب إليّ يقوّي عزيمتي على العمل :

«وأرجو أن يكون ما حصل لكم من المروّعات زائدًا فى نشاطكم في إفادة الأمةء فإنها في احتياج شديد إلى من ينير لها الطريق الأقوم من أرباب الوقوف والإخلاصء وأعظم ما تحتاج إليه هو أمر الأخلاق وما يتعلق يهاء ومعرفة الأمور العمرانية على وجه لا يكون فيه إخلال بمعالي الأمورء وتنبيههم على عدم التعويل على المدنية التي كان الغربيون قديمًا يفتخرون بهاء ويزدرون بمن لا يتابعهم عليهاء مما هو مبني على مجرد مراعاة الأمور المادية دون غيرهاء وهي التي جلبت هذه المصائب الحاضرة» وقد أشرئم بطرف خفي إلى ذلك في محاضرتكم التي ألقيتموها في مصر حين فراركم من دمشق إليهاء وقد صرّحنا بذلك في قصيدتنا البائية المطبوعة في الجزء الرابع من منتخبات الجوائب. وقد كان أناس يقرؤونها ويَعُدُونها من آراء حشوية الشرق» فما زالوا على هذا حتى صرح فلاسفة الغرب. بذلك. ومما ينبغي أن تُحنُوا عليه تَعَلَّم صنعةٍ ما أي صنعة كانت» ولا يكون أحد خاليًا عنهاء ويجعل هذا مبدأ جديدًا لهذا العصر والتعويل على الرياضة الجمسانية».

وكتب في غرض الأعراض عن المثبطين من رسالة:

«وقد عجبت من أولئك الذين يسعون في تثبيط الهمم في هذا الوقت الذي تَتَبِّه فيه الغاقل فضلًا عن غيره موهمين الشفقة. وكان الأجدر بهم أن يشفقوا على أنفسهم»ء ويشتغلوا بما يعود عليهم وعلى غيرهم بالنفع. ولم يْرَ أحدٌ من

حياة الشيخ طاهر الجزائري

المثبّطين قديمًا أو حديئًا أتى بأمر مهم. وينبغي للجرائد المهمة أن تكثر من التنبيه على ضرر هذه العادة والتحذير منها ليخلص منها من لم تستحكم فيه» وينتبه الناس لأربابها ليخلصوا من ضررهم.

وقد ذاكرني متذ ليلتين أحد نجباء الأبناء في هذه المسألة» وشكى كثيرًا منهاء وعجب لعدم اكتراث المصلحين ببيانها بيانًا كافيًا شافيّاء فقلت له: المأمول أن يكون الأوان قد آن لإصلاح هذه العادة التي تهبط بالأمة إلى الدرك الأسفلء أصلح الله الأحوال».

وقال من كتاب في غرض التربية :

«وأؤكد في هذا الكتاب بأمور:

)١(‏ إدخال مبادئ الصنائع في المدارس الابتدائية» ويمكن تجربة ذلك ألا في مدرسة واحدة.

(1) إدخال التربية العملية فيهاء وذلك بتعويد التلميذ على الصدق وألا يتكلم في شيء إلا بعد أن يختيرهء فإن الشرقي اعتاد أن يدّعي كل شيء وأا يقرل في شيءٍ لا أعلم. وهذا جعله لا شيء عند الغربي.

(*) السعي في مدرسة للقراءات السبع مثل ما كان من قبل. ولا ينبغي أن توضع هذه الأشياء في المذاكرة أو يخطب فيهاء فإن مثل ذلك ينبغي أن يخطب فيها بعد أن تصير».

وقال في موضوع التعليم وقد رجوته إرشادي برأيه أعمل به في المدارس» ورأيه في البحث في المخطوطات: «ومما زاد فيه سروري شيئان: أحدهما الاعتناء بتربية الأنجال» فإن أكثر الآباء يرججحون من حيث يدرون ولا يدرون مصلحة أنفسهم؛ وما ذكرتم فهو موافق. والأؤلى أن يُضَمّ إلى ذلك صنعة كالخياطة والتفصيل ونحو ذلِك؛ وعرفوني بعد حين البروغرام. الذي يظهر لكم. وينبغي أن تتولوا بنفسكم بعض التعليم ولو مدة ريع ساعة على طريق

048 اا كنوز الأجداد

أحد المغارية» فإنه كان يطلب من ولده أن يفيده بعض مسائل بعد أن يشعره من طرف خفي بمظانهاء فيلقيها الابن على الأب كأنه يفيده.

«وأما الذين يريدون أن يخفضوا ما رفع الله شأنه ويرفعوا ما خفضه» فعما قليل لِيُصبحنٌ نادمين» والزمان يضحك منهمء وكذلك الأئمة الغربيون الذين يمتون إليهم بوسيلة التقليد لهمء فلا يَكُنْ في صدرك حرج منهم فهم أغرارء وينبغي أن تمحو من لوح الفكر لفظ اليأس فإنه أضر شيء: واثبتُ؛ ففي الثبات جل الحكمة إن لم نقل كلها .

«والثاني استفسارك عن وصف الكتبء فإنه دل على أنك قوري حسن الظن بنا حتى تكاد تعتقد أننا لا نقول جرَافًا كما أن أناسًا يعتقدون أننا لا نقول شيئًا إلا جزافًا. وهنا أذكر لك حكاية سمعتها مرارًا ممن أثق بهمء وهي أن أحد من جمع له بين العلم وغيره من الصفات العالية» أرسل إليّ أحد من يميل إليه من النبهاء وقال له: أريد أن تنشر بين جماعتنا العم الفلاني» فقال: لا أعرفه وإنما أعرف العلم الفلاني. فأعاد عليه العبارة» فأعاد المسؤول قوله لا أعرفه. فأعاد عليه السائل ما قال أولاء فأراد المسؤول أن يجيبه فأشار إليه بعض الحاضرين إشارة خفية أن يظهر الامتثالء ثم قاموا من عنده فقال له المشير: إن فلانا لم يقل لك ما قال إلا وهو يعلم أنه ممكن» وإذا تحقق الإمكان فما عليك إلا أن تسعى في إخراج الأمر من القول إلى الفعل فسعى وتم الأمرء وحصلت فائدة عظيمة من إحياء أمر كان دارسًا.

ونرجع إلى أصل المسألة فنقول: من أراد وصف كتاب ينبغي له أن ينظر فيما قاله مؤلفه في مقدمته أو في خاتمته أو فيهما معّاء ويأخذ خلاصة ذلك. والوصف عندهم ليس عبارة عن النقد بل بيان موضوع الكتاب والداعي إلى تأليفه؛ وما في الكتاب من الخصائص» وعلى ذلك يتيسر وصف الكثتب بأسرها حتى كتب الظبء فإذا زاد الواصف فصلا من الفصول ليكون

كالنموذج كان أحسنء» وكثيرًا ما يكون وصف الكتاب على هذه الطريقة سبب نشره.

وأكثر وصف المؤلفين لكتبهم إما مطابق للواقع أو قريب منه. أما المموّهون فقليل في الطبقات القديمة. ومن العجيب أن هذا الأمر لا يشعر به كثير من نبهاء هذا القطر» ولفظ الكثير هنا مجازء وجربوا نفسكم في غير التاريخ ونحوه؛ ففي الحديث يمكنكم أن تصفوا هذه الكتب.

القي دار الكتب الظاهرية يدمشق*

نمرة 61" اللظائف في علوم المعارف للمديني.

نمرة 517 أسماء الضعفاء للعقيلي.

نمرة /إ8"” معرفة الرجال لابن معين.

نمرة "9٠‏ المشتبه للغساني.

نمرة 797 الكفاية في علم الرواية.

وهذا أمر يفيد الناس أكثر من كثير من المقالات التي حررها أناس ليس لهم تتبع ولا معرفة بجعل نتيجة للمقالة» حتى صار المطالعون يضيق صدرهم من ذلك. وقد سألني منذ مدة بعض أرباب المجلات عن أحسن المجلات فقلت: أصغرها حجمًا.

(في 6 ذي القعدة 17374)

وقال من رسالة:

«مما يهم جدًّا إدخال مبادئ الصنائع في جميع المكاتب الابتدائية» وقد جرب ذلك في بعض المدن فتبيّن أن ذلك مما يعين على التحصيل أيضًا والفائدة في ذلك مهمة.

ااومما يهم جدًا إدخال التربية العملية في المدارس لا سيما المدارس الابتدائية.. ومن ذلك أن يعوّد التلميذ على ألا يتكلم بما لا يعلم» وأن يتفكر قليلًا إذا سئل عن شيء لم يسبق له به اختبار. وهذا أمر ممكن قريب المأخذ -

(44) 05 0 كنوز الأجداد

قد عمله أناس فنجحوا فيه وأرجو ألَّا تقرأ أفكاري على أناس من الحَشّوية أو الفلاسفة الخياليين» فإني أربأ بها عنهم. نعم هؤلاء ينبغي أن يعرفوا ذلك بعد العمل به. ونصيحتي لكل محب ألّا يشتخل بمثل هؤلاء فإنه أنفع. (في ١7‏ ربيع الأول فغردة؟

«هذا وقد سرّني كثيرًا زوال المباينة بينكم وبين الذين نود عدم مبايئتهم. وهذا أيضًا من أثر النشاط» فإن النشاط إذا زال لحق المرء الملل من كل شيء؛ وإذا حصل قويت الهمة ورأى البعيد قريبّاء وأقام للناس أعذارًا ونفعهم وانتفع بهم .

«قد جرى منذ أسبوعين مذاكرة سرية في طريقة ترجمة إحدى دوائر المعارف الفرنسوية» فإن الناس في احتياج لذلك. وقد تبيدّن من المذاكرة أن أمر المال سهلء فإن أحد الحاضرين تعهد بذلك» وقال إن له إخوانًا لا يتوقفون في الإمداد. ولكن المهم وجود مترجمين كافين يتعهدون بالقيام بذلك إلى النهاية. فقلت: إن هذه المسألة تحتاج إلى تفكر وبحث شديد. وقد استقر الرأي على أن تدرس في نحو ثلاثة أشهرء ووعدت بالكتابة لكم في ذلك» فابحثوا في المسألة فيما بينكم وبين نفسكم.ء ثم فيما بينكم وبين إخوانكم الذين يناسب البحث معهم في ذلك» على صفة خاطر قد خطرء وكان معنا في المذاكرة الفاضل المقدام السيد رشيد رضا صاحب مجلة المئارء وهو يأمل أن يوجد بإرشادك نحو سبعة مترجمين. وقد تشبث بهذا الأمر منذ سنين أناس ظنوا أن المال يأتي بكل شيء؛ فتبيّن لهم غلطهم وأعرضوا عن الأمرء وهذا أمر بعيد جدّاء ولكن هو في درجة الإمكان القريب من الوقوع, وإنما يحتاج إلى الهمة ومعرفة الطريق. وقد كان بعض الحاضرين يريد أن يجعل زمام الأمر في يد الحكومة» فطلبنا أن يكتم ذلك عنهاء فإنه لا يؤمل أن تقدر عليهء فإن هذا الأمر محتاج إلى الحكمة أكثر من احتياجه إلى الحكومة».

وقال في رسالة وقد سألته عن التاريخ الهجري وانتقاد بعضهم استعمالنا

له :

«اعجبت لمن يسعون في أن نهجر التاريخ الهجري» ويفاتحوننا في ذلك كأنهم لا يعلمون أنا نعلم ما يرمون إليه عن بعد. لكل أمة شعار إذا تركته ظمِعَّ فيهاء واستّضْعِف جانبهاء وريما صارت بَعْدُ مُذْمَجة في غيرها. وقد سعى أناس منذ عهد بعيد في أن يَُضعِفوا ما يقرّي أمر الإسلام عمومّاء والعرب خصوصًاء فنجحوا بعض النجاح» فطمعوا في أن يقضوا عليه فلم يجدوا أقرب إلى ذلك من إضعاف أمر اللغة العربية» والسعي في تيديل خطهاء والتزهيد في الكتب التي كتبت بهاء فجعلوا ذلك دأبهم وديدنهم. حتى أنّروا في كثير من أبناء جلدتنا الذين يظنون أنهم على غاية من الذكاء والوقوف على أسرار الأممء فكان ما كان مما هو معروفء ثم زاد الأمر فطمعوا في تبديل التاريخ الهجري» وساعدهم على ذلك «جيت» مصر ففرحوا فرحًا لا مزيد عليه. وقال بعضهم: الآن شقينا الغليل من هذه الأمة؛ غير أن كثيرًا ممن انتبه لهذا الأمر سعى في إعادته على قدر الإمكان» فامتعض أولئك القوم وصاروا يلمزون كل من يسعى في ذلك .

«وهذه المسألة نظرًا لتعلقها بتاريخ تأخر الشرق لا يتيسر أن يكتب فيها أقل من نحو ثلاثين صفحة في نحو ثلاثين يومًا. وليت شعري كيف يلام المسلم على أن يؤرخ كتابه بالتاريخ الهجري؛ فهل انقرض التاريخ الهجري» وهل يريدون أن ينقرض وأصحابه أحياء؟؟ فإن قالوا إن المقصود توحيد التاريخ في الأمم وأوربا هي القوية الآن؛ قيل إن أوربا لها تاريخان أحدهما شرقي والآخر غربيء وكل يؤرخ به قوم منهمء فهل أَوْقَفت ذلك التجارة أو أثر في المدنية شيئًا؟ ولِمّ لا يكلفون تغيير مكاييلهم وموازينهم وأذرعهم لتتحد المقاييس في الأمم. وتغيير ذلك ليس فيه غضاضة بخلاف التاريخ. وقد رأيتهم يعتذرون عنهم ويَعُدُُون ذلك متانة في الأخلاق فانظر ما وصلنا إليه».

كنوز الأجداد

وهذا الكتاب يدلنا على أشياء كثيرة من سيرة الشيخ ومرماه ونصاعة حجتهء وجميل مناقشته لخصوم مشريه.

وكتب : اكان كثير من الحشوية يلومونني في تنبه المؤلّفين والطابعين على ما يلزمهم» ويقولون إن هذا لا يفيد غير العداوة» وأنت تضرب في حديد بارد. وما دروا أني ممن يقول بأن العداوة في محلها أجدى عندي من أن أكسب المحية من غير وجههاء وإن معاداة الغشاشين لي مما يسرني» كما أن محبتهم لي مما يسوءني» غير أن الزمان أبان أن كل نصيحة لا تخلو من تأثير ولو بعد حين» فإن كثيرًا ممن لحقتهم صدمة منا ومن إخواننا الذين أعطوا هنا عهدًا آلا يغشوا الآمة قد صاروا يراجعون بعض مراجعةء غير أن التأئير فى المطابع كان أكثر. ١‏

«وأما أمر التصحيح فلم يهتد المصلحون إلى طريقة إصلاحه. بحيث أن بعض الناس طلب إلينا أن نبحث له عن مصحّح لكتاب المحكم لابن سيده؛ وهو أكبر من لسان العرب» ليشرع في طبعه؛ فبعد بحث تبيّن أنه لا يقوم بتصحيحه إلا فلان وهو أحد إخواننا الذين لا يساعدهم نظرهم في أملاكهم الجمة على التفرغ لمثل هذا الأمر”“. فأرجئ الآن طبع الكتاب لهذا الأمر. فانظر إلى الحال التي وصلت إليه مصرء قما قولك في غيرها؟ إلا أن الذي يسر في مصر انتباهها لنقصها بخلاف الأقطار الأخرىء والانتباه للنقص هو نوع من الكمال. أرانا الله سبجانه الكمال على حقيقته بمنه. غليكم بالرياضة الجسمانية والرياضة الروحانية. ويدخل في الرياضة الروحانية التباعد عن سماع الأخبار التي أولع يها المَرُجفون» فإنه لا قيمة للزمان عندهم. وهو عند الحكيم أغلى من الجوهر ١7(‏ رمضان سنة 11805ه)».

وكتب من رسالة:

حياة الشيخ طاهر الجزائري _

اقد سرني في مصر في هذه المدة أن العقلاء بُدؤْوا يجتمعون في الفكر والتعاون» على صفة يقتضيها الموقع» وهو عدم التظاهر من أول الأمر كما يفعله طالبو الشهرة» وهذا أمر لا يشعر به إلا من اطمأنوا إليه. وقد كانوا قبل ذلك يقول كل واحد منهم نفسي نفسي. وإذا استنجده أخد لأمر نافع قال ولو بلسان الحال: «عليك بخويصة نفسك».

قد اجتمعتثٌ في هذا النهار بعالم أورباوي قد حَلَ الخطّ الثمودي الموجود في مدائن صالحء وأخبرني أن كتابه قد تم طبعًاء وهو الآن يسعى لجمع لغة أهل نجدء فإنه وجد أن أكثر الكلمات العربية لم تزل باقية عتدهمء وكان قد ساح في تلك الجهاتء وهو ممن يتعصب للغة الكتاب العزيز أكثر مما يتعصب أهلها لها .

(كان قد أسس قي أميركا مدرسة يقرأ بها الطالب وهو في بلذهء وقد كنت رأيت في سورية أحد طلبتها وهو يدرس فيها فنا دقيقّاء وأظن أنها تسمى المدرسة الكوتشوكية» وقد كان ترجم قديمًا إلى العربية بعض قوانينهاء وطبعت ثم نفدت النسخ» بحيث أني بحثت عنها فلم أحد من يعرفهاء فإن وجدتم كتابًا بالفرنسوية يتعلق يها فترجموا منه ما تيسر مما يوافق البلاد.

«وقد سعى بعض الواقفين على ذلك من نحو عشر سنين في بث هذا المقصد إلا أنه على وجه خفي حيث كان نشر العلم إذ ذاك يعد من أعظم الأجرام. والآن لم يبق مانع» ومجرد نشر أسلوبها وقوانينها يفيد فضلًا عن التشيث بشيء من ذلك4.

وقال في كتاب:

«وقد وقفت على كثير من الجرائد الجديدة» فوجدت جل مباحثها في بيان فوائد الحرية. ورأيت الناس قد ملُوا هذا البحث؛ لأن الحرية إن كانت على المعنى الذي يقول به الجكماءء فهي مما لا يختلف فيه اثنان من. ذوي التباهة. وإن كانت على .وجو آخر فربما كان ضررها أكثر من نفعها: ولست أعني

لءى) 5 كنوز الأجداد

بالحكماء هنا أمثال الحكيم الذي كان يقال لكم إنه تعلم الحكمة في سويسرة في ثلاثة أشهر؛ لأن مثل تلك الحكمة مما يزيد خبالا. وما أرى أكثر الفتن التي وقعت في كثير من الولايات إلا من مثل هؤلاء لا سيما إن ضم إلى دعوى الحكمة دعوى الحرية وهو لا يملكِ نفسه. وقد كان أرباب الحدس يتصورون أنها تكون أشد إلا أن الألطاف الإلهية حَفَّتْ فِحَفَّت ولله الحمد. (؟7 شوال سنة .)١7755‏

وذكر في جملة كتاب حوى مسائل كثيرة في نسخ الكتب وأخذها بالتصوير الشمسيء» والعناية بوضع فهرس لكتب رومية باللغة العربية ثم قال:

امن أغرب ما في القدس امتزاج المسلمين مع النصارى على وجه غريب بحيث لم تؤثر فيهم الطريقة التي اتخذها المستبدون في تمشية أمرهم؛ وإن هلك الحرث والنسل. وقد رأى بعض الباحثين أن هذا أمر دبّره صلاح الدين الأيوبي يرأيه القاقب» منعًا لما حدث من قبل يسبب سوء سياسة العْبَيديين الذين كانوا بمصرء تغمده الله برضوانه؟.

«خذوا على نفسكم عهذا بألا تؤخروا جواب مكتوب لأحدء وخذوا العهد على من كان على شاكلتكم بذلك» فإن في ذلك فوائد جمة. والمكتوب يسوغ ألا يزيد على خمسة أسطر. (5 شوال سنة /6)19”9.

وقال أيضًا؛

«وأرجو ألّا تقصروا في كتابة نبذ تتعلق بالتربية وتدبير المنزل وإصلاح العادات وما أشبه ذلك. وأؤكد عليكم في ألّا تشتغلوا بشيءٍ من الجدل فإن الجدل يبطئ عن العمل. وخذوا من عنان قلمكم لثلا يجري إلى غير مدى» والاعتدال أقرب لحصول ما يبتعّى».

وذكر في رسالة: أن الكتب التي يجب أن توصف:

١ أرجوزة ابن سيده في الأدب؛ وهي من قبيل الملح اللغوية في نمرة‎ - ١ من الأدبيات المنظومة مع ديوان أبي العتاهية تزاد فيها نثرًا في الآخر‎

حياة الشيخ طاهر الجزائري ‏ 508 حل وغ ) 58

الصاحب وما يميل إليه من دواوين الشعر والكتب وما يتقئه من العلوم والصنائع أو ما يتجر به وما يؤثره من الأخلاق ونحو ذلك ويتيسر عمل ذلك في جدول في صفحتين أو أربع .

؟ - المجمل في اللغة في الظاهرية نسخة منه ناقصة من الطرفين.

" - المغرب للمطرزي.

5 رد ابن السيد على رد ابن العربي على شرحه لديوان المعري.

4 إعتاب الكتاب لاين الأبار.

5 - عروض ابن معطي وبديعيته.

- بغية المؤانس من يهجة المجالس والأصل لابن عبد البر.

6 قانون البلاغة لأبي طاهر محمد بن جبلة البغدادي في الظاهرية.

4 مختصر إصلاح المنطق.

١٠-الأربعين‏ السلفية؛ وهي مرتبة على البلدان. وممن سمعها على السلفي الملك الناصر صلاح الدين يوسف ووالده نجم الدين أيوب بن شادي بقراءة القاضى سناء الملك هبة الله بن جعفر بن سناء الملك محمد بن هية الله بن محمد الأسدي.

ينقل صورة السماع فقط. اه

وأعطاني في آخر عمره مسودة كتاب طويل كتبه على صديقته المستشرقة الفاضلة المس بل أمينة سر حاكم العراق وهو:

حضرة الصديقة الجليلة الفاضلة الشهمة المحبوية مس بل دام إقبالها:

أحييك بخير التحاياء. وأثني على تلك السجايا. وأذكرك بالأيام المسعودة التي جمعتنا في دمشق الشام. ثم أذكر لك الداعي إلى المكاتبة وهو أمران؛ أحدهما: تجديد العهد السابق» والشكر على حسن ظنك بهذا المحب المخلص» فقد ذكر لي بعض أصدقائي ترجمة ما كتبتيه في حقي في رحلتك إلى سورية مما يدل. على حسبن الطوية.

01" كنوز الأجداد

والأمر الثاني : اقتضاء الوقت لذلكء فإن هذا الزمان الذي هو أغرب الأزمنة مطلقًا يجب الانتباه فيه لما يلزم وعدم تضييع الفرصء فإنها تمر مرّ السجاب. هذا ولما كنت أعتقد أن أحسن من يخلص له العرب الود هو دولة بريطانيا العظمى» لما خبرته من الأحوال ومقتضيات الأمزجة ونحو ذلك» والمودّة لما كانت واجبة أن تكون من الطرفين؛ اقتضى الأمر أن يقع التفاهم بيئهما ليستمر هذا الأمرء فرأيت أنه ينبغي لإنكلترا العظمى أن تعنني بأمور:

١‏ الأمر الأول: أن تؤسّس في كل بلدة كبيرة ديوانًا شبيهًا بالرسمي لتأخذ الأخبار المتعلقة بما يحب العرب لتساعد عليه بقدر الإمكان» والذين يعيّنون ينبغي أن يكونوا من أعظم الناس معرفة بأمزجة العرب ممن تلقوا ذلك عن مثل حضرتك الكريمة.

؟ ‏ الأمر الثاني: أن تعتني بأمر اللغة العربية ويظهر منها السعي في نشرها كما يظهر منها ذلك في اللغة الإنكليزية. 00

الأمر الثالث: الاعتناء الزائد في المساعدة على نشر العلوم على وجه يساعد عليه الحال والزمان.

- الأمر الرابع: مراعاة عوائدهم وعدم الحط من كرامتهم لاختلاف العادات» فإنه قد بلغني أنه كان يقغ في البصرة وبغداد وغيرهما من بعض المأمورين تساهل في ذلك» وهذا مضرٌ جدًا لا يشعر بمضرته إلا بعد أن يشتد الحال ويعسر زوال ما في النفس .

نعم إن هذا الأمر دقيق يصعب القيام به كما ينبغي» إلا أن الاعتناء به ممكن. والعربي أهم شيء عنده عدم الهوان.

ه الأمر الخامس: تسهيل أمر تجارتهم. وتسهيل أمر التجارة معهم بحيث يظهر ذلك» وتدريجهم في ذلك على كل ما ينفعهم ولا يضركم .

5 الأمر السادس: الاعتناء بعدم مَسٌ الشعائر الدينية على وجه أقوى من الحالة السايقة. ومما يؤكد ذلك منع أمر المسكرات ونحوها وتوابع ذلك.

حياة الشيخ طاهر الجزائري

17 الأمر السابع: تدريبهم على ما يحتاجون إليه من أمور اقتصادية أو غيرها أي شيء كان.

وإني أرى أن هذه الأمور إذا تمت هكذا تكون النتيجة حسنةً جدًّا ويشتد التلاؤم بين الفريقين» فإن العرب أقرب الناس إلى شكر النعمة» فإن وجد من لا يشكر فإن في ظهور النعمة ما يقمعه عن إبراز ما ينويه من مغالطة الناس» وما قلت ما قلت إلا بعد تجربة واختبار تام.

ولولا شدة انحراف مزاجي لألّفْتٌ في ذلك كتابيًا مفصلًا قيامًا يمثل هذا الأمر الجللء إلا أن في هذا الأمر كفاية والله الموفق.

في يوم عيد الفطر سنة ١809‏ المخلص للأمة العربية وهو يوم الأحد ١‏ شوال والدولة البريطانية العظمى في مصر في جهة عابدين طاهر الجزائري

حاشية ‏ الناس الذين على فكري من جهة توافق مصلحة الأمة العربية مع مصلحة الدولة البريطانية العظمى كثيرون:» إلا أنهم لا يقدرون على إظهار فكرهم إلا بعد أن يروا باعنًا على إظهاره لثلا ينسب إليهم أنهم خائنون للأمةء فإن هذه الجملة راعت الناس كثيرّاء وهي جملة اتخذها الشرقي لإرهاب غيره سواء كان هو مخلصًا في نفسه أو غير مخلص» وكفى بما وقع لنا في طرايلس الشام حين كنا بها في المدة الأخيرة”'2 وذلك قبل دخول الأنوريين في الحرب

)١(‏ كتب إلى الأستاذ في 14 ج ١‏ 187 يقول: 3. .. هذا وأما طرابلس فإني قصدتها على أن أقيم بها بضعة أيام؛ فلما حطلتها رأيت من أهلها من الاحتفال بي والاحتفاء فوق ما رأيته من قبل» ثم رأيت هنهم من الإضغاء لما أقول والاسترشاد أكثر مما رأيت في غيرها من المدن» ورأيتهم متشوقين إلى البقاء أكثر مما كنت نويت ليتلقوا الطريق الذي يكون أقرب لنجاحهم؛ فوعدتهم بالعود إليهم بعد حين. وبينما نحن في ذلك إذ حدث أمرٌ مستغرب وهو أن (ع. م) أتاني يومًا وأنا في المكتبة الرفاعية فنادائي بشدة فظبدت أنه قد حدث له أمر إمر فلهبت إليه فشرع يهددني ويوعدني بألفاظ مبهمة وموهمة ويقول: أنت

كنوز الأجداد

بنجو شهرين» فإن بعضهم أشاع عني أني حضرت لتمهيد الأمر لدولتكم العظمى. وكان مركز الاتحاديين هناك المركز الأول» ولو وقع ذلك لغيري لأهلك حالًا. ولم يكن له مانع» ولكن أوصوهم في حقي بأن يغمضوا عينهم في المسألة رعايةٌ لاعتقاد الجمهور بأني لا أختار شيئًا فيه خيانة للأمة. وإذا وقع ما ذكرناه يقل الشغب ويضعف أمر المموهين الذين لا يهمهم إلا أمر أنفسهم. فبادروا لذلك غير مأمورين» فهذا أوانه ونسأل من بيده الأمر كله التوفيق لما هو الأؤلى. وإذا كتبتٍ لنا جوابًا فاكتبيه بعنوان الجريدة المشهورة الجزيلة الفائدة» وهي جريدة الكوكب التي يدير أمرها المستشرق المشهور صديقنا كودتبري يصلنا أين كنا .

حاشية - وإني أوصيكم ببعض البلاد”'' التي لا أسميها خيرًا فإن فيها كثيرًا

- تذهب كل يوم إلى المحافل والمدارس وتبث أشياء وصار يكررها بلهجة توهم أن ثم أمرًا عظيماء فقلت له: إن المخبرين لك كُذبة» قلم يرتدع. فقلت له: هذا اختراع منك ووقتي ثمين لا يجب أن أضيعه معك؛ فذهبت وذهب وهو يشير بيده أن سوف ترى. فرأيت بعض الأعيان قأخبرته بذلك فشاع الخبر في البلدة» فقامت وقعدت. وتَهِدّدوهِ وأوعدوه وكادوا يبطشون بهء فارتاع واعتذر لهم غير أنه قال لبعضهم: إن الداعي له إلى ذلك أنه أتته رصالة من مصر تنبئه بأني مرسّلْ من طرف الإنكليز لأسلمهم البلاد» فشاع قوله فاعتقدوا أن قد عرا عقله شيء لأن هذا أمر لا يعقل» وقد وصل الخبر على ساداته الذين يتقرب إليهم فوبخوه وقالوا له: أتريد أن تنمّر منا من لم ينفر بَعْد؟ فاضطررت إلى إطالة المكث هنا لثلائة أسباب: أحدها: ألّا يظهر أني موهوم مما شاع. الثاني : ألا يظهر أعيان طرايلس أني واجد عليهم» فإنهم أكثروا من الاعتذار إليّ وقالوا: لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء مناء الثالث: أن أقوم بمنا وعدتهم به من بيان الطريق الذي يتبغي أن يسلك. وقد نفعتني هذه القضية لأنها نشطتني وزادت في همتي» وقد طلبت كتبًا مهمة من مصر ريما تحضر في هذا الأسبوع لينتقى لهم ما يتيغي أن يطلعوا عليه ويطالعوه اهه.

)١(‏ الغالب أنه يقصد الديار الشامية.

حياة الشيخ طامر الجزائري

الشدة» والبحث يجلو كل شيء فينبغي الانتباه لذلك في الحال والمستقيل» وقد آن الأوان لمعرفتهم وهذا لا يكون إلا تدريبًا فليبادر إلى ذلك

فستحمدون عاقبة الأمر والله الموفق9' .

حمق

() رأينا أن نقبت صورة هذا الكتاب لشأنه في الصفحات التالية.

0 الل 1

| ْ ظ معن لم مرخ كدلة 00 الي 5

مسي دلى: م ؟ ظ اصلات رقنا واثق فا لوف وا ذكرلي با ناب انموق ة ا يم كين 01 ع عمالرسك قرا ١‏ جا بوم و قو أخ تلمكا يباه إن و تأرو ها رلذيت. 2 مسي

ظ ظ

ب د لإرازع ن اق ١‏ الوئ لزنت ارهن 0 و ماحز - ال زع لطلو والاماع د لازم ليقام ) خا لوس رمات 7

ماحم اعولان 1 00 4 رد وصيب مه غ5 0 :

ذا موز م لمافائس6ى جرم ؛ ولت 0

ل 5-5 وال ا لاسا 3 0 1 7 < 0 :

ا 32 وال لون نيا ار

عم ا ات يح فهم العضد من 00 لي ريه م “ستلم نت ال ل

1 قن - ود «١‏ الع ل ليه يف : العم عم عام لأستسهة 50 0

ب 01

اران تعض يامز انمز الع ا ديو : : درمز لد + اصع ورا لالم

0

خ مثيه

0 3

: 0 ' بىوسوا لل يعد مكطسا رب ظ الأملاس ع بي رذع و نزو ربط نكا اشع ' و - م بوه ر )نا 0 3 لوي متومضة #بمات' شره لال 0 وال 0 نيا رع عر الوص ني / ُ 8

الى 5

00 4 00000 يي . ف عن مه ا 2 0 لدم و ا ٠‏ ع اوج و اا ا 0 4

القسمل قلحا الطاب لط م . سام ادل مسا سم 0000

ل اسم

1 0000000 0 له 2 د و جا - 500000 وا 5505

1 ربس رنسيل اءكا ادام س0 2

»> لاد سن لعل ور سك راستى تر الل 1 :

2 .. وممرالايلن-. عل ضح ١‏ هر دفالطيدة اح و0 ها وفوائع لل -

ا

يس ع يي وي د ب كوم .وح مءر ومو يدب يد اا و و م ا 3 اا ا ا ا 0 2 7 ال ل اك ال ا او و كم

١ ١ ا‎

معلرم كبر بظزرزائ ريني ممع ب

دله بعرم

ا /

ّ وس ام ا ءا المع مر ل وطرس © خم نان : كول ما نهم .عه رم أ رامل ما يلنو لع تو عم لطم

ل م ١‏

ذلك شيع بورد بتر

5 م ممما لالش ؤدلفه >

عو كل يرا ال" لجار انه ان

* وهر امنا يم عم 4 اقيق

اعرسم وزوز ابمل: 4

رد

وا زاوم عاذ أرأن 0

لفسا ةبيصم 7 0 ير 3 اه والر اام جره تر سس

تيا ضع درالم دبز الا ركلم/ التوضوعلا -

كيزا لغ وف

5 2 9 ا 7 ا 2

777 0 متم ا

7 5 2 ذخ الو ال خرية سمه دوبببر عد وو وار ين ال 0 د ا اي م 0 2 ا ا 2 :

34 0 5-7 / 5 ”2 ا مم ا طٍ_ِ_ 0 ع 1 0 - 9 كد ب الل ل 0 و نرف إ 2 نويا اق 4 7 56

3 1 :

«افأدصك ببع نياتد )019 و

30 يقال 0 او ل 3 5

م الفهرى + - عريا و ينيطنا 3 3

زعم طم لجرو وض لزنا 0 يرأمم إرضه ارم - ب 1 0 ملقو

سْ فينغ الدنساء لرزا ل

3

و 0 الأواف فتنبدرته عرق 8-

)0 ابن المقفع

(- أو 129 له)

هو عبد الله بن المقفع. كان اسمه قبل الإسلام رُوْزْبَة» واسم والده المبارك ويكنى أبا عمروء دعي أبوه بابن المقفع لأنه مدّ يده فيما قيل إلى أموال السلطان؛ فضربه الحجاج بن يوسف ضريًا مبرّحًا حتى تقفّعت يده أي تشنّجت. ولد عبد الله على الأغلب في مدينة جور على عشرين فرسحًا من :شيراز. ولم تُعْلَّم سنة ولادته؛ ويحتمل أنها كانت في عشر التسعين. وتثقّف ثقافة فارسية مجوسية في بيتهء ثم انتقل به أبوه إلى البصرة» وأخذ الفصاحة عن أبي جاموس ثور بن يزيد الأعرابي؛ وحرص المبارك على تأديب ولدهء وكان يجمع له العلماء فأخذ عنهمء وبعد أن أحكم أصول الإسلام وقع في نفسه أن يدين به فأسلم وحسن إسلامه.

وتخرج بالكتابة في دواوين بعض الأمراءء وكانوا ضموه إلى جملتهم ليتولى كتابة أسرارهم: فجاء بذكائه فردًا في صناعتهء وكذلك كان في أخلاقه» وصحة عهده وكبر نفسه» يذكرون له من ذلك صفات قلما اتفقت لأحد من معاصريهء وهذا مما دعا عظماء الملة إلى الإعجاب به. وكان إذا أراد الشعر صنعه. وقال عن نفسه «الذي أرضاه لا يجيئني» والذي يجيئني لا أرضاه».

ومما روي له: دلينُك أن الفقرٌ خيرٌ من الغنى وأن القليلٌ المال خيرٌ من المُثْري لقاؤك إنسانًا عصى الله للغنى 2 ولم تّإنسانًا عصى الله للفقر

وروى له أبو تمام في الحماسة ثلاثة أبيات يرثي بها يحيى بن زياد؛ وقيل ابن أبي العوجاء: رَزئنا أبا عمررولا حي مثله فلله رَيْبٍ الحادثات بمّن وَفَع فإنتكُ قدفارقتنا وتركتنا ‏ ذوي خلّةما في سدادٍلها ظمَع لقد جر نفعًا فقدنا لك أننا أمِنًا على كل الرّزايا من الجرّع

وهو في البيان والكتابة آية من الآيات؛ ترجم كثيرًا عن الفهلوية؛ ومما نقل كتاب «كليلة ودمنة» و«خدايئامه» و«آيين نامه» و«مزدك» و«التاج» وكتاب «الكيكيين؟ في سير ملوك الفرسء لم ينته إلينا منها إلا كليلة ودمنة”'2؛ ومن تآليفه: «الأدب الصغيرة وهالأدب الكبير» و#اليتيمة» وهذه من الرسائل المفردات اللواتي لا نظير لها ولا أشباف» وقد ظفرنا له برسائل صغيرة ومن أهمها : رسالة الصحابة ويتيمة ثانية نشرناها في «رسائل البلغاء»» وترجمنا له فى كتابئا «أمراء البيان» ترجمة حافلة.

لم يُعْرَف لمتقدم ولا لمتأخر أن نَقَلَ إلى اللسان العربي شينًا في الأدب والعلم لا تحسٌ فيه أثر اللغة المنقول عنها إلا ابن المقفعء بذَّ البلغاء في الترجمة والتأليف» وقيل إن كتاب كليلة مترجم» والمعقول أن أكثره تأليف وبعضه محتذى عن الفارسية القديمة. وسر تفرده ببلاغته ابتعاده عن الوحشي من الكلام وتعلقه بما سهل من الألفاظ مع التجنب لألفاظ السفلة. قال: البلاغة إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها. وقد سثل ما البلاغة فقال: اسم لمعان تجري في وجوه كثيرة» فمنها ما يكون في السكوت» ومنها ما يكون في الاستماع؛ ومنها ما يكون في الإشارة؛ ومنها ما كاد يكون شعراء ومنها ما يكون سجعًاء ومنها ما يكون ابتداءً؛ ومنها ما يكون جواباء ومنها ما

)١(‏ وفي كتاب رسل الملوك لابن الفراء الذي حققه الأستاذ صلاح الدين المنجد قطعة من كاب قخدايئامه؟ .

١‏ ابن المقة

يكون في الحديثء. ومنها ما يكون في الاحتجاجء ومنها ما يكون خطبًاء ومنها ما يكون. رسائل» فعامة هذه الأبواب الوحي فيها والإشارة إلى المعنى» والويجاز هو البلاغة.

راجث كُتب ابن المقفع في الحكم والإصلاح أي رواج. والسبب في رواج كليلة ودمنة أن الخاصة والعامة تشترك في تقديره قدره والانتفاع به» وقد وضع قواعد كان أكثرها من بنات أفكاره مباشرة مثل قوله: انظر في جال من نريده لإخائك» فإن كان من إخوان الدين فليكن فقيهًا ليس بمراءٍ ولا حريص؛ وإن كان من إخوان الدنيا فليكن حرًا ليس بجاهل ولا كذاب ولا شرير ولا مشنوع؛ فإن الجاهل أهل لأن يهرب منه أبواه» والكذاب لا يكون أعا صادقاء لأن الكذب الذي يجري على لسائه إنما هو من فضل كذب قلبه؛ وإنما سمي الصديق من الصدق؛ وقد يُتهم صدق القلب وإن صدق اللسان» فكيف إذا ظهر الكذب على اللسان» وإن الشرير يكسبك العدو ولا حاجة لك في صداقة تجلب العداوة» وإن المشنوع شانع نفسه.

وكان ولوعّه بالإسلام وحكمته عَذْلَ ولوعِهِ بالعرب وعظمتهم» وقد سئل عن الأمم المشهورة لعهده؛ فأعطاها قسطها من الوصف الحق» وقال في العرب: إن العرب جاهليتهم وإسلامهم حكمت على غير مثال مُثّْل لها وآثار أثرت: أصحاب إبل وغنم؛ وسكان شعر وأدم؛ يجود أحدهم بقوته» ويتفضل بمجهوده؛ ويشارك في ميسوره ومعسوره) ويصف الشيء بعقله فيكون ندوةء ويفعله فيصير حجة؛ ويحسّن ما شاء فيَحْسّنء ويقبّح ما شاء فيَقْبْح؛ أدّبتهم أنفسّهم» ورفعتهم هممهم.ء وأعْلَئْهم قلوبهم وألسنتهم؛ فلم يرّل. نباء الله فيهم؛ وحباؤهم في أنفسهم؛ حتى رفع لهم الفخرء وبلغ بهم أشرف الذكرء وختم لهم بملكهم الدنيا على الدهر. وافتتئح دينه وخلافته بهم إلى الحشر» على الخير فيهم ولهم. فقال: «إرت الْأْرْسَ يِل ورتسا من يَِكَآهُ من يبسادوء ابه إلتّت» فمن وضع حقهم خيِر؛ ومن أنكر فضلهم خصِم. اه.

ومن تأدّب بأدب أمةٍ أحبهاء ومن اندمج في جنس ربما كان قومه الجَدّدِ حب إلى قلبه من أهل جيله آنفًاء شأنه في ذلك شأن من يفاضل بماله المكسوب أكثر من ماله الموهوب» أن مكسويه أتاه بكذه وموهوبه أتاه بلا عناء كبير.

وبحقٌّ ما قال محمد بن سلام في ابن المقفع: سمعتٌ مشايخنا يقولون: لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع: ولا كان

في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع. وقد قال فيه من ترجموا له أنه لم يَبْقَّ في الإسلام من أهل فارس شريفٌ يذكر إلا أن يكون عبد الله بن المقفع والفضل بن سهل. وله في باب الكرم حكايات بذَّ فيها أجواد العرب والعجم. وذكر أصحاب المحاضرات أنه كان من عشاق الطرب والجمال» يجتمع وبعض أصحابه على القينات ويَطرب ويُفْضِل عليهن ويتلظف» وكان يجري على جماعةٍ من وجوه أهل البصرة والكوفة ما بين خمسمئة درهم إلى ألفين في كل شهرء وله في باب المكارم أمورٌ عظيمة. قيل إنه قد أفاد مالا لما كان يكتب لابن هبيرة على كَرْمَانَء .والمعقول أن يكون أبوه من المموّلين.

ومن حِكمه وهو مما عَمِلَ به: لا عقل لمن أغفله عن آخرته ما يَجِدّه من لذة دنياه» وليس من العقل أن يحرمه حظه من الدنيا بصَّرّه بزوالهاء؛ وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على نفسه ألّا يشغله شغل عن أربع ساعات: ساعة يرفع بها حاجته إلى ربه» وساعة يحاسب فيها نفسه» وساعة يفضي فيها إلى إخوانه وثقاته الذين يصدقونه عن عيوبه وينصحونه في أمره.. وساعة يخلّي فيها بين نفسه وبين لذتها مما يحل ويَجْمُل. فإن هذه الساعات عون على الساعات الأخيرة» وإن استجمامٌ القلوب وتوديعها زيادةٌ قوةٍ لها وفضل بلغة. وعلى العاقل أَلّا يكون رإِغبًا إلا في ثلاث خصال: تزوٌدٍ لمعاد» أو مَرَمَةٍ لمعاش؛ أو لذةٍ في غيرمُحَرّم .

ومن حكمه في رغبات الذواقين: «اعلم أن مِن أُوْقّع الأمور في الدين وأنهكها للجسد وأتلفها للمال وأضرّها بالعقل وأسرعها في ذعاب الجلالة

والوقارٍ الغرامٌ بالنساء. ومن البلاء على المغرم بهن أنه لا ينفكٌ يَأْجِه7" ما عنده وتطمح عيتاه إلى ما ليس عنده منهن» وإنما النساء أشياه؛ وما يرى في العيون والقلوب من فضل مجهولاتهنَ على معروفاتهن باطل وخدعة» بل ما يرغب عنه الراغب مما عنده أفضل مما تتوق إليه نفسهء وإنما الْمُرْتَفِبِ0"© عما في رَحْلِهِ منهنٌ إلى ما في رحال الناس كالمرتغب عن طعام بيته إلى ما في بيوت الناس»؛ بل النساء أشيه من الطعام بالطعام» وما في رحال الناس من الأطعمة أشد تفاضا وتفاونًا مما في رحالهم من النساء.

«ومن العجيب أن الرجل الذي لا بأس في لبه يرى المرأةٌ من بعيدٍ متلفْفةٌ في ثيابهاء فيصور لها في قلبه الحسن والجمال» حتى تعلق بها نفسه؛ من غير رؤيةٍ ولا خبر مُحُبرء ثم لعله يهجم منها على أقيح القبح وأَدَمٌ الدمامة» فلا يعظه ذلك عن أمثالهاء ولا يزال مشغوفًا يما لم يذق حتى لو لم يَبْقّ في الأرض غير امرأة واحدة لظن أن لها شأنا غير شأن ما ذاقه» وهذا هو الحمق والشقاءء ومن لم يحم نفته ويَظْلِفْها"" ويُحَلّئها©» عن الطعام والشراب والنساء فى بعض ساعات شهوته وقدرته كان أيسر ما يصيبه من وبال أمره انقطاع تلك اللذات عنه» بخمود نار شهوته» وضعف عوامل جسده. وقَل من نجد إلا مخادعًا لنفسه في أمر جسده عند الطعام والشراب والحِمْيّة والداء»ء وفي أمر مروءته عند الأهواء والشهوات» وفي أمر دينه عند الريبة والشبهة والطمع».

وقال: «إياك ومشاورة النساءء فإن رأيهنّ إلى أفْن”2؛ وعزمهن إلى وَمْن؛

)١(‏ أجم الطعام وغيره: مَلّه من المداومة عليه. (المُراجع)

() ارْتَّعُبٌَ: رَغِبَ. (المُراجم)

() ظللّت نفسَهُ عن الشيء: مَتَمَها من أن تفعله أو تَمّها عنه. (المُراجع) (4) علا : مَتَمَ. (المُراجع)

() الأكن: النقص-. (المُراجع)

واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن» فإن شدة الحجاب خير لك من الارتياب؛ وليس خروجهن بأشد من دخول من لا تثق به عليهنء فإن استطعت ألا يَْرذْنَ غيرك فافعل» ولا تملكن امرأة من الأمر ما جاوز نفسهاء فإن ذلك اب د لحالهاء وأرضى لبالهاء وأدوم لجمالهاء وإنما المرأة ريحانة» وليست بِقَهْرّمانة» فلا تَعْدُ بكرامتها نفسهاء ولا تعطها أن تشفع عندك لغيرهاء يال انار بواجا يلاتك رار واسئَبْق من نفسك بقية» فإن إمساكك عنهن وهن يُردنك باقتدارء خيرٌ من أن يهجمن عليك على انكسارء وإياك والتغاير في غير موضع غيرة» فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم».

وقال: «إني مخبرك عن صاحب كان أعظم الناس في عيني» وكان رأس ما أعظمه عندي صغر الدنيا في عيئه؛: كان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد» ولا يكثر إذا وجدء وكان خارجًا من سلطان فرجه قلا تدعوه إليه مؤونة» ولا يستخف له رأيًا ولا بدناء وكان خارجًا من سلطان الجهالة فلا يقدم إلا على ثقة أو منفعة. وكان أكثر دهره صامنّاء فإذا قال بلَّ القائلين» وكان يُرى متضمُفًا مستضعفًاء فإذا جنَّ الجد فهو الليث عاديّاء وكان لا يدخل في دعوى ولا يشترك في مراء» ولا يُدلي بحجة؛ حتى يجد قاضيًا فَهمًا وشهودًا عدولاء وكان لا يلوم أحدًا على ما قد يكون العذر في مثله حتى يعلم با :اعنذازها وقاو لا يمك ويفا إلا علن من يرمق عند البرء :ولا يسيب إلا من يرجو عنده النصيحة؛ وكان لا يتبرّم ولا يتسخحط ولا يتشهّى ولا يتشكّى» ولا ينتقم من العدوء ولا يغفل عن الوليء ولا يخص نفسّه دون إخوانه بشيءٍ من اهتمامه وحيلته وقوته» فعليك بهذه الأخلاق إن أطقت ولن تطيق. ولكن أَخُدل القليل خيرٌ من تَرْكِ الجميع وبالله التوفيق».

وقال وأبدع: «واعلم أن حُسْنّ الكلام لا يتم إلا بحسن العمل وأن المريض الذي قد علم دواء مرضه إن لم يتداوٌ به لم يُعْنِ علمّه به شيئاء ولم

يجد لدائه راحة ولا خفة» فاستعمل رأيك ولا تحزن لقلة المالء فإن الرجل ذا المروءة قد يكرم على غير مال» كالأسد الذي يهاب وإن كان رابضاء والغني الذي لا مروءة له يهان وإن كان كثير المالء كالكلب لا يُحفل به وإن ظُوّق وحْلْخْل بالذهبء فلا تكبرن عليك غربتك فإن العاقل لا غربة له؛ كالأسد الذي لا ينقلب إلا معه قوته؛ فلتحسن تعهدك لنفسكء. فإنك إذا فعلت ذلك جاء الخير بطلبك كما يطلب الماء انحداره» وإنما جعِل الفضل للحازم البصيرء وأما الكسلان المتردد فإن الفضل لا يصحبهء كما أن المرأة الشابة لا تطيب لها صحبة الشيخ الهرم. وقد قيل في أشياء ليس لها ثبات ولا بقاء: ظل الغمامة في الصيفء وخلة الأشرارء والبناء على غير أساس» والنبأ الكاذب؛ والمال الكثير» فالعاقل لا يحزن لقلته ولكن ماله وعقله ما قدم. من صالح عملهء فهو واثق بأنه لا يسلب ما عملء ولا يؤاخذ بشيء لم يعمله؛ وهو خليق ألا يغفل عن أمر آخرته» فإن الموت لا يأتي إلا بغتة» ليس له

ومن رسالته في الصحابة صحابة أمير المؤمنين وهي أشبه بقانون حوى الأنظمة اللازمة لسلامة المُلّْك: «ومما ينظر أمير المؤمئين فيه من أمر هذين الْمِصْرَيّن وغيرهما من الأمصار والنواحي اختلاف هذه الاحكام المتناقضة التي قد بلغ اختلافها أمرًا عظيمًا في الدماء والفروج والأموال؛ فيستحل الدم والفرج بالحيرة وهما يحرمان بالكوفة» ويكون مثل ذلك من الاختلاف في جوف الكوفة؛ فيستحل من ناحية منها ما يحرم في ناحية أخرى؛ غير أنه على كثرة ألوانه نافذ على المسلمين في دمائهم وحرمهم» يقضي به قضاة جائز أمرهم وحكمهمء مع أنه ليس ممن ينظر في ذلك من أهل العراق وأهل الحجاز فريق إلا قد لح بهم العجب بما في أيديهم» والاستخفاف ممن سواهمء فأقحمهم ذلك في الأمور التي يَشْنع بها من سمعها من ذوي الألباب. أما من يدعي لزوم السئة منهم فيجعل ما ليس له سنةٌ سنةٌء حتى يبلغ به ذلك

كنوز الأجداد

إلى أن يسفك الدم بغير بيتة ولا حجة على الأمر الذي يزعم أنه سنة» وإذا سئل عن ذلك لم يستطع أن يقول هُريق فيه دم على عهد رسول الله كل أو أئمة الهدى من بعده. وإذا قيل له أي دم سفك على هبذه السنة التي تزعمون؟ قالوا: فعل ذلك عيد الملك بن مروان أو أمير من بعض أولئك الأمراء» وآنا من يأخذ بالرأي فيبلغ به الاعتزام على رأيه أن يقول: في الرأي الجسيم من أمر المسلمين قولًا لا يوافقه عليه أحد من المسلمين» ثم لا يستوحش لانفراده بذلك وإمضائه الحكم عليه: وهو مقرٌ أنه رأيّ لا يحتج بكتاب ولا سنّة. فلو رأى أمير المؤمنين أن يأمر بهذه الأقضية والسّيّر المختلفة» فترفع إليه في كتاب ويرفع معها ما يحتج به كل قوم من سُنةٍ أو قياس» ثم نظر أمير المؤمنين في ذلك وأمضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه الله ويَعْزُمْ له عليه وينهى عن القضاء بخلاقه» وكتب بذلك كتابًا جامعًا رجونا أن يجعل الله هذه الأحكام المختلطة الصواب بالخطأ جكمًا واحدًا صوابًاء ورجونا أن يكون اجتماح السير قربة لإجماع الأمر برأي أمير المؤمنين وعلى لسانه» ثم يكون ذلك من إمام آخرء آخر الدهر إن شاء الله».

وقال أيضًا في هذه الرسالة: «وإن أمر هذه الصحابة قد كان فيه أعاجيب دخلت فيها مظالم. أما العجب فقد سمعنا من الناس من يقول ما رأينا أعجوبة قط أغجب من هذه الصحابة ممن لا ينتهي إلى أدب ذي نباهة ولا حسب معروف» ثم هو مسخوط الرأي مشهور بالفجور في أهل مصره.ء قد عير( عامة دهره صانعًا بيده ولا يعند مع ذلك بيلاء ولا غَناءء إلا أنه مكنه من الأمر صاغ. فانتهى إلى حيث أحبء فصار يؤذن له على الخليفة قبل كثير من أيناء المهاجرين والأنصارء وقبل قرابة أمير المؤمنين وأهل بيوتات العرب» ويجرى عليه من الرزق الضضعف مما يجري على كثير من بني هاشم وغيرهم

(1) غَبرَ: مَكَتُ وَقِيَ ومَضى. (المُراجع)

من سَرّوَات”'' قريش» ويُحُرج له من المعونة على نحو ذلك؛ لم يضعه بهذا الموضع رعاية رحم؛ ولا فقه في دين» ولا بلاء فى مجاهدة عدو معروفةٍ ماضية شائعة قديمة ولا غناءٌ حديث ولا حاجة إليه في شيء من الأشياء. ولا عدة يستعد بهاء وليس بفارس ولا خطيب ولا علامة إلا أنه خدم كاتيًا أو حاجبّاء فأخبره أن الدين لا يقوم إلا به حتى كنب كيف شاء» ودخل حيث شاء؟.

لا جبرم أن الباحث المدقق يدرك أن ابن المقفع قُطِرَ على حرية الرأي وعلى الصدق في القول والعمل وعلى التناهي في المروءة» وكان كل أولئك السبب في قتلهء ذلك أن أمير المؤمئين المنصور لما خالف عليه عبد الله بن علي وادّعى الخلافة لنفسه هم المنصور بقتله؛ فانهزم عبد الله وقصد أخويه سليمان وعيسى في البصرة» .وكاتب سليمان وعيسى أبا جعفر أن يؤمنه» وكان ابن المقفع يكتب لعيسى بن علي فأمره عيسى بعمل نسخة الأمان فعملها ووكدهاء واحترس من كل تأويل يقع عليه فيهاء فأنكر المنصور هذه الصيغة الشديدة في الأمان» وعهد بقتله إلى سفيان بن معاوية وكان يضطغن”" على ابن المقفع أشياء منها أنه كان يعبث به فيما قيل» وقيل: إن المنصور كتب لعبد الله بن علي عمه سبعين أمانًا كلها يردها عبد الله بن المقفع ويقول له: هذا ينتقض عليك ويبطل من مكان كذا وكذاء فلما ضجر المنصور كتب إلى عامله على البصرة فطلب ابن المقفع فخنق نفسه. وقال بعضهم إنه شرب سماء فكانت أمانة ابن المقفع لمخدومه وصدقه وحريته مما أورده حتفه. فمات ميتة شريفة كما عاش حياة شريفة.

وقد نَظمْ أبو الغول الأسدي قصيدةٌ طويلة يعيّر فيها عيسى بن علي لأنه لم يِجِرْ ابن المقفع قال:

)١(‏ سَرّوَات القوم: سادثهم ورؤساؤهم. (المُراجع) () اضْطَمَنَ فلا على فلان: حَقَدٌ عليه. (المراجع)

لعمري لعن أَوْفَى بجار إجارةً فلو بابن حرب عاد أو بابن عامر

ولكنٌ عبدالله الجأ ظهره

دعا دعوة عيسى وهم يسحبونه فماكنلت عِدلا للسموعل إذ بدا ولا مثل جار ابن المهلب إذ نما أولئك لم تقعدبهمأمهائهم نَسامُوًا به حتى إذا قيل قد علا إذا أنت لم تَعْضبْ لجار أَجَرْتَهُ

لقد غرٌ عيسى جارَهُ ابن المقفع لما اغْتِيل عبد الله في شر مضجع إلى رخمات بالتّبيط وأضب»'" بلحيته جر الحُوَار”" المفزع بواحدة أخلاف بيض وأدرع به جاره في شاه متمئّع ولم يُسلموا الأحرارٌ أسوأ مَضْرع مع النجم ل وقالوا له قَم فدونك ثوبي حيضةٍ فتقنع

وبعد فإن ابن المقفع في كل حالاته مجموعة من الكمال المطلق. إذا أنعمت النظر في حياته لا تدري من أي شيء تعجب فيه» أمن علمه أم من أدبه أم من أخلاقه. ولولا أنه الغاية فيهاء ما كتب لكتبه هذا الموقع من القلرب على الأيام. ومهما بلغ الكلام من الفصاحة والبلاغة فالقوالب وحدها لا تفيد كل الفائدة إن لم تحمل معاني جديدة وآراء نافعة ومذاهب في الكلام لا عهد للناس بهاء ونحن لا نحيل من يود الانتفاع بأدب ابن المقفع إلا على الأدب الصغير والأدب الكبير واليتيمة والصحابة وهي من تآليفه التي لم يَنْقّل فيها عن غيره ليتجلى له أنه فرد الدهر ودرة الأيام. وكل ما خص به ابن المقفع من بيان ما كان مما يستغرب حقيقة لو لم يطبق على نفسه ما دعا إليه من الأخلاق فهو في علمه وعمله سواء وغاية» لا يخدع ولا يكذب ولا يمره ولا يبخلء ويعمل الصالحات من دون غرض يتوقعه؛ ويدعو إلى الإصلاح

)١(‏ أضْبّع: جمع ضبع. (المُراجع) (؟) الخوّار: وَلَد الناقة. (المُراجع)

ولا غاية له إلا رفع شأن جماعة الإسلام. هو روح ندر جدًّا ظهور مثله في القرون الطويلة» وصاحب خطة رشيدة ما حاد عنها فيد أنملة» وها أعْرْم إلا

بنفع الناس .

2( القاسم بن سَلام أبو عبيد 62 74ثه)

أدْخَل الإسلام في حظيرته أذكياة من أجيال الناس» وأهل الملل والأديان القديمة» تمثلوا تعاليمه وخدموه أجل خدمة. وكان للموالي أثر عظيم في نقل الشريعة وبثهاء» حتى جاء زمان وعدد الموالي القائمين على بث العلم أكثر ممن كانوا من أصول عربية لا تشوبها شائبة العجمة.

ومن هؤلاء الأعلام أبو عبيد القاسم بن سلام؛ كان والده مملوكًا روميًا لرجل من هَرَّاة من عمل خراسانء ونشأ ابنه نشأة إسلامية عربية. وكأنّ أباه شَعَرَ بذكاء ابئه فقال يومًا برطانته العجمية لمعلم الكتاب الذي يتعلم فيه ابنه مع ابن مولاه: «علّمي القاسم فإنها كيّسة». ونبغ قاسم وعُرف في خراسان فضلهء فعٌّهد إليه بعض الخاصة بتأديب بنيهم؛ على عادة العِلية من الناس في تلك الأيام, يدفعون إلى العلماء أولادهم ليثقفوهم ويهذبوهم. ونزل طاهر بن الحسين شيخ قواد المأمون بِمَرْوَ حين مضى إلى خراسان» فطلب رجلا يحدّثه ليلة» فقيل له ما هاهنا إلا رجل مؤدّبء فأدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلام؛ فوجده أعلم الناس بأيام الناس والنحو واللغة والفقه» فقال له: من الظلم تَرْكُك أنت يهذا البلد. فدفع إليه ألف دينار وقال له: أنا متوجه إلى خراسان إلى حرب» وليس أحب استصحابك شفقةٌ عليك؛ فأنفق هذا إلى أن أعود إليك. ولما عاد حمله معه إلى سَرَّ مَنْ رأى. ودخل بغداد.

وظلّ أبو عبيد على ولائه لآل طاهر بن الحسين؛ وأغلى ابه عبد الله بن

طاهر منزلته» وهو من أعاظم قواد الخليفة المأمون أيضًا. وكان أبو عبيد إذا ألف كتابًا أهداه إلى عبد الله بن طاهر» فيحمل إليه مالا خطيرًا استحسانًا لذلك» ولما أنجز كتابه «الغريب المصنف» وكان صرف في تأليفه ثلاثين سنة عرضه على عبد الله بن طاهر فاستحسنهء وقال: (إن غقلًا بعث صاحبه على عمل مثل هذا الكتاب لحقيق ألا يُحْوّجٍ إلى طلبٍ المعاش»» فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر؛ أي ألف دينارء وعمل كتابه #غريب الجديث» للمأمون» ولا ندري بما كافأه عليه» إن كان أحد عماله يجري عليه في كل شهر ألف دينار.

أذَّب أبو عبيد في بغداد غلامًا في شارع بشر وبشيرء واتصل بعد بثابت بن نصر بن مالك الخزاعي يؤدب ولدهء وأدْب أيضًا أبناء هرثمة» ولعله هرثمة بن أعين أعظم قواد المأمون» ولما ولي ثابت بن نصر الثغورٌء ودامت ولايته ثماني عشرة سنة» كان أبو غبيد يتولى قضاء طرسوس طول تلك المدةء وحسن أثره فيها كما حسن أثر صديقه واليها .

وذكروا أن أبا عبيد لما كان في أسباب عبد الله بن طاهر بعث أبو ذُلّف القاسم بن عيسى العجلي أحد أئمة البلاغة من الأمراء؛ يستهديه أيا عبيد شهرينء فأنفذه إليه» فأقام شهرين في الكرج وهي مدينة بين همذان وأصفهانء مَصّرها أبو دُلف وجعلها وطنه. ولما أراد الانصراق وصله أبو دُلّف بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها. وقال: أنا في جنبة رجل لم يحوجني إلى صلة غيره. فلما عاد على ابن طاهر وصله بثلاثين ألف ديئار فقال: أيها الأمير قد قبلتها وقد أغنيتني بمعروفك وبرّكء فرأيت أن أشتري بها سلاحًا وخيلًا وأوجّه بها إلى الثغر ليكون الثواب متوفرًا على الأميرء ففعل.

وهكذا عاش أبو عبيد بين أشراف القادة والسادة؛ ويعرف لهم مقامهم ويعرفون له قدرهء يتهادونه ويبرونه» ويرغبون في الأخذ عنه»؛ ويعهدون إليه في تخريج أبنائهم. أما هو فلم تبطره الدنياء ولم تخلب لبه المظاهرء واشتّهر

2220 كنوز الأجداد بورعه وعفته وكرم نفسه وجوده؛. حتى قيل فيه لو كان أبو عبيد في بني إسرائيل لكان عجيًا. قالوا إنه كان يقسم الليل أثلائاء فيصلي ثلثه؛ وينام ثلثه» ويصئّف ثلثه. وكان فاضلًا في ديئه وعلمه ربانيًا قانثًا مفنئًا في أصناف علوم الإسلام؛ صحيح النقل لم يطعن عليه في شيء من أمره ودينه.

وكانت فيه عزة نفس العلماء ماثلة المثول كله فقد امتنع من حضور مجلس بعض الأمراء ليأخذوا عنه فقال: العلم يُقصد. فغضب صاحب الدار من قوله فقطع عنه الرزق وكتب إلى صاحبه عبد الله بن طاهر بالخبر فكتب إليه عبد الله: قد صدق أبو عبيد في قولهء وقد أضعفتٌ له الرزق من أجل فعلهء فَأَعْطهِ فائته وأدِرٌ عليه بعد ذلك ما يستحقه .

شهد العلماء بعلم أبي عبيدء ومنهم إسحاق بن راهويه قال: يحب الله الحق؛ أبو عبيد أَعْلَّمُ مني ومن أحمد بن حئبل» ومن محمد بن إدريس الشافعي. وقال بعضهم: إنه لم يكن عنده ذاك البيان» إلا أنه كان إذا وضع وضع. وقال إبراهيم بن الحربي : رأيت ثلاثة تعجز النساء أن تلد مثلهم. رأيت أبا عبيد؛ ما أُمئْله إلا بجبل تفخ فيه روح» ورايك بشر بن الحرف: فنا أشرّية ل ا ا ورأيت أحمد بن حنبل فرأيت كأن

قد جُمّعَ له علوم الأولين من كل صنف» يقول ما يشاء ويمسك ما يشاء.

وسثئل يحيى بن معين صاحب الجرح والتعديل ‏ وهو الذي قال فيه أحمد بن حنبل كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث ‏ عن الكتابة عن أبي عبيد والسماع عنه؛ فتبسم وقال: مثلي يُسأل عن أبي عبيد؟ أبو عبيد يَسأل عن الناس. لقد كنت عند الأصمعي يومًا إذ أقبل أبو عبيد. فنفل إليه بصره حتى اقترب منهء فقال: أترون هذا المُقُيل؟ قالوا: نعم. قال: لن تضيع الدنياء أو لن يضيع الئناس», ما حَبِيَ هذا المقبل. وقال عبد الله بن طاهر: كان الناس أربعة: ابن عباس في زمانه» والشعبي في زمانه» والقاسم بن مَعْن في زمانه؛ وأبو عبيد القاسم بن سلام في زمانه. وذكره

الجاحظ في المعلّمين وقال: كان مؤدْيّاء لم يكتب الناس أصحٌ من كتبه ولا أكثر فائدة.

غَلَبَ على أبي عبيد جَمْعٌ المتفرّق في الكتب وتفسيره؛ وذَّكرٌ الأسانيد: وصئّف المسئد على حدته؛ وأحاديث كل رجل من الصحابة والتابعين على حدته» وأجاد تصنيفه ورغب فيه أهل الحديث والفقه واللغة؛ لاجتماع ما يحتاجون إليه فيه. قالوا: إن الناس رَوَوْا عن أبي عبيد بضعة وعشرين كتابًا في القرآن والفقه وغريب الحديث والغريب المصنف والأمثال» وعانى الشعر» وكتابته كتابة أرقى المؤلّفين في القرن الثاني والثالث. والغريب المصنف زعموا أنه أجل كتبه؛ وقالوا إن كتابه «الأموال؛ هو أحسن ما صنف في الفقه وأجوده. وكتاب الأموال صورة ناطقة بعلمه وتحقيقة» يرجح من الآراء ما هو أولى بالترجيح» ويبين عن رأيه في أحكام الأموال وصنوفهاء آخدًا بالأقوال الصحيحة المأثورة عن صاحب الشرع» ومشيرًا إلى عمل الصحابة والتابعين من بعده» وإلى ما استخرجه الحكام والملوك من هذه الأموال بعد ذلك» وقد أورد كثيرًا من الكتب والمعاهدات والعقود والأقطاع وذكر فصولا في الصدقات والغنائم والزكوات وثمار الأرض وما يجبى منها وما لا يجبى والمعادن والركاز والمكاييل والمكوس والعشور ومخارج الصدقة وسبيلها التي توضع فيها والوقف؛ وفي كل أولئك يتجلى للقارئ نور العقل وبُعْد النظر ووفرة العلم.

(0

علي بن رَبَنَ 08

في المؤلّفين من لم نعرفهم إلا بصفحاتٍ قليلة أَبْقَتْ عليها الأيام من ألوفي كتبوها ومنهم علي بن رَبّن ‏ والرّبن والربين والراب أسماء لمقنّمي شريعة اليهود» ومعنى رَبّن: المعلّم العظيم ‏ وربن اسم أبي علي كان ربن اليهود.

ولد علي في طبرستان» وعُرف في صباه وكهولته باتساعه في الفلسفة والطب والطبيعيات» وعنه أخذ محمد بن زكريا الرازي في الريّ لما خرج من طبرستان واستفاد منه علمًا كثيرًا. وأخذ هو عن حنين بن إسجاق لما وافى العراق. وتصرّف لولاة طبرستان» وكتب للمازيار بن قارن المتغلب على الجبال وغيرها. ولما وقعت القتنة في بلاده خرج إلى الريّ ومنها إلى العراق» وكانت سبقته إليها شهرته:ء واتصل بالخليفة المعتصم وأسلم على يده فقرّبه فأصبح من أطباء البيت العباسي ؛ ثم أدخله المتوكل في جملة ندمائه .

ألْف ابن ربن كثيرًا في الطب والصحة» وله كتاب فردوس الحكمة؛ وهو مَعْلّمة طبّية» بها سلكه أبو حيان التوحيدي في سلك نوابغ المؤلفين؛ وضرب به المثل بالإجادة. وله غيره في الأدب. وكان متمكنًا من الآداب العربية؛ وعرفناه بكتاب له صغير أسماه «الدين والدولة»؛ أثبت فيه النبوة إثبات العارف بالأديان الأخرى» ولا سيما اليهودية والنصرانية. قيل: إن الخليفة المتوكل

؟ - علي بن ون

عاونه في تأليفه. وكتابهُ هذا دليل ناصع على اضطلاعه بالحكمة» وأنه انتحل الإسلام عن يصيرة بعد أن نضج في العلوم وأَحْفّى”" المشاكل بحنًا .

وقد جَرّد الكلام في الدين والدولة على الصحابة» وعَرَضَ لجميل سيرتهم وعفتهم عن المال والرغبة عن الرفاهية كما جَوّد في فضل أُميةِ الرسول. ومن أجمل ما فيه نُقولٌ عن الكتاب المقدس والتبوات عليها مسحة من البلاغة أكثر من الترجمات المشهورة لعهدناء ولعلها منقولة من الترجمات الضائعة من التوراة والأناجيل» أر أنها كانت من ترجمته هو. وكان يعرف لغاتٍ أخرى مع العربية.

وينبئك كتابٌ ابن ربن أنه من أعظم العلماء في الأديان ولو لم تبق عليه الأيام لنسي حتى اسمههء اللهم إلا عند أفراد دَأَيُهم البحث عن المفقود والموجود من هذا التراث العربي العظيم.

مثال من كلام ابن ربن. قال في الدلائل على تصحيح الأخبار: رأينا أممًا كثيرةً العدد عظيمة القدر موصوفة بالأفهام والأحلام يشهدون لعدة من الخبئة الكذابين يجميع ما أدلوه من الزنادقة والمجوس إما تقليدًا وإِلّمّا وإما غباوةٌ ومَحكا وإما إجبارًا أو كَرهّاء كما فعل زرَرَادْشْتٌ متنبّى المجوس؛ فإنه لم يزل يتأتى ليشتاسف الملك حتى وصل إليه» وزرع من وساوسه في صدره؛ ثم لم يزل يَحْتِله بذكر الله والدعاء إليهء ويفتل في الذروة والغارب حتى فتله عن دينه ولواه إلى رأيه؛ ثم أظهر له ما كان يضمره من الشركء وزيّن له نكاح الأمهات والبنات» وأكل القذر المذر من النجاسات» فكان الملك بعد ذلك هو الذي أكره أهل مملكته على دينه. وفعل ماني شبِيهًا بذلك» فإنه ظهر في زمان كان الغالب فيه ديئَيّن النصرانية والمجوسيةء فَاحْمَّدَعٌ النصارى بأن قال لهم إنه رسول المسيح عليه السلام» وَخَلْبَ المجوس بأن وافقهم على

)١(‏ أَحْقّى في المسألة: بالّمّ فيها. (المُراجع)

الأصلّيّن فلما وجدنا من الإجماع ما هو هكذا ووجدنا منه ما هو كالإسلام علمنا أن قبول كل إجماع فتنة ورَدّ كل إجماع ضلالة.

ومما أَثِرّ له: الطبيب الجاهل مُسْبَحِت الموت. اجتنبُ ثلاثةٌ وعليك بأربعٍ ولا حاجة لك إلى الطبيب: اجتنب الغبار والدخان والنتن وعليك بالدسم والحلوى والحمام والطيب مع الاقتصاد. ومما نقل عنه: التكلّف يورث الخسارة» شر القول ما نَقَض بعضه بعضًا.

لا تتألّف مما وصل إلينا من أخبار ابن رَبَنَ فكرةٌ تامة للحكم عليه مُحكمًا صحيحًا؛ والغالب أنه كان رجلا أعظم مما صرّره لنا من عرضوا للترجمة له وهم مع هذا قلائل.

همق

(0

الجاحظ١١)‏ )م000

هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي» وقيل إنه كان مولى أبي القلمس عمرو بن قِلْع الكناني ثم الفقيمي. فهو كنانىٌ صليبةٌ خالص النسب. وكان جده فزارة أسمر اللون؛ وكان جمّالَا لعمرو بن قلع. أطلق على عمرو اسم الجاحظ لنتوء عينيه» ويقال له الحدقي. ولد من أبوين فقيرين في البصرة سنة ستين ومئة تقريبّاء وتعلّم الخط والقراءة في كتّاب ببلده» وتلقى الفصاحة شفاهًا عن العرب في المربد. واتصل بالأصمعي وأبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة مَعْمَّر بن المثتّى والأخفش والنظام وصالح بن جناح. وحدّث عن ثمامة بن أشرس النميري ويزيد بن هارون والسري بن عبدويه والقاضي أبي يوسف والحجاج بن محمد. وكان كل واحد من هؤلاء الأعلام فردًا في صئاعته .

كم الجاحظ فئون الأدب والأخبار واللغة والكلام والحكمة وهو في مَيْعة الشباب» واتسع عقله للاشتغال بمسائل مهمة من الدين؟ فكان صاحب مذهب» وسمّيت فرقته الجاحظية» وهو من الطبقة السابعة من المعتزلة؛ والغالب أنه كان يعرف الفارسية»: وكان مولعًا بالكتب؛ حدّث أبو هفان قال: لم أرَ قظ ولا سَمعتٌ من أَحَبٍّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ؛ فإنه لم يقع )١(‏ اتبعنا الطريقة التي وضعناها لهذا الكتاب في الترجمة للجاحظ؛ ومَّنْ أراد التوسع في

الكلام عليه وعلى ابن المقفع وأبي حيان التوحدي؛ فليرجِغ إلى كتابنا أمراء البيان» ففيه إفاضة حسنة في أخبارهم وآثارهم .

كنوز الأجداد ا

بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائنا ما كان» حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر.

ما أحب الجاحظ أن يفوته شيء من أنواع العلوم والآداب؛ فنظر في كل علم. وأخذ عن كل من اعتقد أن عنده من المعارف ما ليس عند غيره» ودأب على هذا يسأل جميع الطبقات عما يهمه ويريد أن يتفهمهء فيسترشد بآراء الحراس؛ ويتحدث إلى الحواة والجزارين والعطارين والنجارين والصيادين والأكارين والقابلات» ويسأل الحشوة وأرباب البطالة» وقد يأخذ بآراء البحريين إذا رووا له غرائب قبلها عقله أو يردها إذا كانت حديث خرافة, ويتحدث إلى كل من عنده #طرائف من الكلام؛ وعجائب من الأقسام». روى أشياء كثيرة عن الأعراب في البادية وعن العامة في المدن» فالحكمة ضالته يلتقطها حيث وجدها. كَتَبَ في هذا يقول عن نفسه: ولم أزل أبقاك الله بالموضع الذي قد علمتء من جَمْع الكتب ودراستها والنظر فيهاء ومعلوم أن طول دراستها إنما هو تصفح عقول العالمين» والعلم بأخلاق النبيين وذوي الحكمة من الماضين: والباقين من جميع الأمم.

مزية الجاحظ التي تفرّد بها استعمالّه عقلّه في الرأي المعروض؛ يتناول كل ما يقع عليه الحس وتنظره العين وتتشوف إليه النفس» وليس نظره فيما عانى النظر المجرد بل نظر «الفلسفة والغرائب التي صححثها التجربة وأبرزها الامتحان وكشف قناعها البرهان» فهو مجموعة تفكير» والتفكير «مَشْحَدْة للأذهان ومّنْبهة لذوي الغفلة» وتحليل لعقدة البلادة» وسبب لاعتياد الروية» وانفساح في الصدورء وعزاء في النفوسء وحلاوة تقتاتها الروح» وثمرة تغذو العقل». «وأكثر الناس سماعًا أكثرهم خواطر. وأكثرهم خخواطر أكثرهم تفكرّاء وأكثرهم تفكرًا أكثرهم علمّاء وأكثرهم علمًا أرجحهم عملّاء كما أن أكثر البصراء رؤية للأعاجيب أكثرهم تجازب» ولذلك صار البصير أكثر خواطر من الأعمى: وصار البصير السميع أكثر خواطر من البصير الأصمة «فلا تذهب

5 الجاحظ ل على ما تريك العين» واذهب إلى ما يريك الغقل» وللأمور حكمان: حكم ظاهر للحواس» وحكم باطن للعقول» والعقل هو الحجة» #ولعمري إن العيون لتخطئ» وإن الحواس لتكذب, وما الحكم القاطع إلا للذهن وما الاستنابة الصحيحة إلا للعقل؛ إذ كان زمامًا على الأعضاءء وعيارًا على الحواس».

دعا إلى المعاينة ودعا إلى الشك وقال: «#اعرف مواضع الشك وجالاتها الموجبة لها تعر يها مواضع اليقين والحالات الموجبة لهء وتعلم الشك في المشكوك فيه تعلّمًا» وقال: «وكّرهت الحكماءٌ الرؤساءٌ أصحابٌ الاستنباط والتفكير جودة الحفظ لمكان الاتكال عليه؛ وإغفال العقل من التمبيز حتى قالوا: الحفظ عَذّْقُ الذهن» لأن مستعمل الحفظ لا يكون إلا مقلّدَّاء والاستنباط هو الذي يفضي بصاحبه إلى برد اليقين وعز الثقة. والقضية الصحيحة والحكم المحمود أنه متى أدام الحفظ أضرٌ ذلك بالاستنباط» ومتى أدام الاستنباط أضر ذلك بالحفظ»ة.

ومن أجل هذا كتب له ردٌ كل خرافة قال بها المتكلمون؛ أي رجال الدينء وأصحاب علوم الدنياء وزيف بعض أنظارهم فهر في كل ما خطته يراعته فوق العلماء. وطريقته في تأليفه «ألّا يصل الصدق بالكذب» ولا يدخل الباطل في تضاعيف الحق,» ولا يتكثر بقول الزور» ولا يلتمس تقوية ضعقه باللفظ الحسن» وستر قبح كلامه بالتأليف المونق» ولا يستعين على إيضاح الجق إلا بالحق؛ وعلى إيضاح الحجة إلا بالحجةء ولا يستميل إلى دراسة تآليفه واقتنائهاء ويستدعي إلى تفضيلها والإشادة بذكرهاء بالأشعار المولدة والأحاديث الموضوعة والأسانيد المدخولة» وبما لا شاهد عليه إلا دعوى قائله؛ ولا مصدق له إلا من يوثق بمعرفته».

قال ابن الخياط: ومن قرأ كتاب عمرو الجاحظ في الرد على المشبهة. وكتابه في الأخبار وإثبات النبوة» وكتابه في نظم القرآن عَلِمَ أن له في الإسلام غناءً عظيماء لم يكن الله فق يضيعه له. ولا يعرف كتاب في الاحتجاج لنظم

رمم ااا باضه

كلم لقح القرآن وعجيب تأليفه وأنه حجة لمحمد على نبوته غير كتاب الجاحظ. وهذه كتبه في إثبات الرسالة وكتبه في تصحيح مجيء الأخبار مشهورة اه.

من كان يظن أن الرجل الذي يؤلف في علوم الدين والجدل والرده على المخالفين وعلى المجوس والنصارى واليهود وعلى الفرق الإسلامية وهو في أصله إمام ديني وصاحب مذهب أنه يؤلف في الجيوان وفي الزرع وفي الشجر والنخل والأعناب وفي كل ما يعرض له من الموضوعات في السياسة والاجتماع والاقتصاد والأخلاق والجغرافية والتاريخ إلى ما عرف في عصره من أنواع العلوم. ومن جملة ما يتقن من الفنون الطب والكيمياء والظواهر الجوية والطبيعة وعلم النفس والأخلاق والمعادن والأصباغ والتجارة وحيل اللصوص وأخبار الخلعاء والمَجََانَء ورسائله كثيرة لا يخطر ببالك أنه يكتب فيها. سئل أبو العيناء الراوية الأخباري: ليت شعري أي شيء كان الجاجظ يحسن؟ فقال: ليت شعري أي شيء كان الجاحظ لا يحسن. وقال المسعودي: لا يعلم أحد من الرواة وأهل العلم أكثر كتبًا من الجاحظ. .. وكُتّب الجاحظ تجلو صدأ الأذهان وتكشف واضح البرهان لأنه تَظمَها أحسن نظم ورصفها أحسن رصف. وكساها من كلامه أجزل لفظ. وكان إذا تخوف ملل القارئ وسآمة السامع خرج من جد إلى هزل ومن حكمة بليغة إلى نادرة طريفة» ولا يُعْلّم ممن سلف وخلف من المعتزلة أفصح منه. ووصّفه ثابث بن ُرّة: «أنه خطيب المسلمين وشيخ المتكلمين ومِذْرَة”'" المتقدمين والمتأخرين؛ إن تكلم حكى سحبان وائل» وإن ناظر ضارع النظام في الجدل» وإن جد خرج من مّسك عامر بن عبد قيسء» وإن هزل زاد على مَزّْبْده حبيب القلوب؛ ومّراح الأرواح؛ وشيخ الأدب» ولسان العرب. كُتّبه رياض زاهرة» ورسائله أفئان مثمرة» ما نازعه منازعٌ إلا رشاه آنقَاء ولا تعرّض له إلا قدَّمِ له التواضع

)١(‏ .المذرّه: لسانٌ القوم والمتكلّم عنهم [اللسان]. (المُراجع)

عي م0

استبقاء. الخلفاء تعرفه؛ والأمراء تصفه وتنادمه» والعلماء تأخذ مئه» والشخاصة تسلَّم له» والعامة تحبه» جمع بين اللسان والقلم؛ وبين الفطنة والعلم؛ وبين الرأي والأدب» وبن النثر والنظم» ووطئ الرجال عقبه؛ وتَهادَّوًا أدبه؛ وافتخروا بالانتساب إليه؛ ونجحوا بالافتداء به» لقد أوتي الحكمة وفصل الخطاب».

نعم «كان نُسِيس وَّحْدِهِ في جميع العلوم؛» وقال ابن سنان الخفاجي: افكأنه في كل علم يخوض|نفيه لا يعرف سواه ولا يحسن غيره»: وقال ابن العميد: «كُُبٍ الجاحظ تعلّم العقل أولًا والأدب ثانيّاه.

ونْقَلَ عن جالينوس وإقليمون وحنين بن إسحاق وبُختيشوع وسالويه وماسرجويه وغيرهم من علماء عصره. أما أرسطو فقد أنحى عليه بما اخترعه من التخريف في الحيوان. وكان شعاره #إذا سمعت الرجل يقول ما ترك الأول للآخر شيئًا فاعلم أنه ما يريد أن يفلح4» وقال: «وكلام كثير قد جرى على ألسنة الناس وله مضرة شديدة وثمرة مرة؛ فين أَضرٌ ذلك قولهم: لم يَدَعَ الأول للآخر شيئًا. قال: فلو أن علماء كل عصر مذ جرت هذه الكلمة في أسماعهم تركوا الاستنباط لما لم ينته إليهم عمن قبلهم لرأيت العلم مختلا.

لم يضع أبو عثمان كتابًا خاصًا في الفلسفة؛ ولكن تاليفه نَيمُ عن طول باعه فيهاء وهل الفلسفة إلا علم العقل؟ وعقل الجاحظ كان يحكّمه في كل شيء. وما قام في الإسلام عالم جمع في صدره العلوم الديئية والدنيوية. مثله» ولا من ألّف هذا القدر من التآليف الممتعة؛ فقد ألْف ثلاثمئة وخمسين كتابًا ورسالة» منها ما كَسَرَّهُ على بضعة مجلدات؛ ومنها ما كان في رسالة صغيرة» ضاع أكثرها ولا سيما كتب الدين: لأن خصومه أثاروا عليه حربًا شعواء في عصره وبعد غصره؛ فكان من تَحَيْلهم على طمس آثاره أن يبيدوا كتب عدوٌ مذهبهم» وأفلت من براثنهم بعض أسفاره؛ فكان منها كتاب الحيوان؛ والبيان والتبيين» وكتاب البخلاء إلى غير ذلك من الكتب والرسائل. قال في وصف

كتاب الحيوان (وهذا كتاب تستوي فيه رغبة الأمم» وتتشايه فيه العرب والعجمء لأنه وإن كان عربيًا أعرابيّاء وإسلاميًا ججماعيّاء فقد حذق طرف الفلسفة وجَمَعٌ معرفة السماع وعلم التجربة» واشترك بين علم الكتاب والسنة وبين وجدان الحاسة وإحساس الغريزة). وقد ألّفه وهو مريض بالفالج» فأبان فيه عن سعة بحثه وتجاربه» ولم يؤلف في بابه مثله: حتى قال الحسن بن داود: فخر البصرة بأربعة كتب: كتاب البيان والتبيين للجاحظ؛ وكتاب الحيوان له» وكتاب سيبويه؛ وكتاب العين للخليل. أما البيان والتبيين فهو أول كتاب عَلّمِ طلاب البلاغة بالعمل لا بالقواعدء وبالنصوص والشواهد لا بالتعريفات المملة كما كان ممن جاؤوا بعده.

كان الجاحظ من أعرف المؤلفين بأمزجة القراء» ويعرف أن الجد مملول» ولا بد من المرح والدعابة لئلا يسمجء لذلك مزجه بهذه الإفاضة لثلا يكون مما كتب شيء لا تهضمه النفوس. يُرى ذلك ماثلا في كتاب البخلاءء وفي كتاب التربيع والتدوير الذي كتبه في أحمد بن عبد الوهاب يعبث به» وهو من أهم ما أَلّف في السخرية والتهكمء تجلى فيه قن الجاحظ تَجَلَّيه في كل موضوع خاض غماره وتجسّمت فيه خفة روحه.

ومرح الجاحظ يتجلّى في جده وهزله. سأله شخص كتابًا إلى بعض أصحابه فكتب له: «كتابي إليك مع من لا أعرف ولا أوجب حقه فإن قضيت حقه. لم أحمدك وإن رددته لم أذمك؛. وكتب إلى آخر: «كتابي إليك سألني فيه من أخافه لمن لا أعرفه: فافعل في أمره ما تراه. والسلام». وفي نظر الجاجظ أن الوّصّاة”'2 شهادة وهو أعقل من أن يشهد الزور ويبيع ديته لدنيا غيره.

وبينا نرى الجاحظ ينقل إليك كلام العقلاء ومذاهب العلماء والحكماء

)١(‏ الوّصّاة: الوّصِية [الصحاح] (المراجع)

14 الجاحظ ْ 0 5 يروي لك نوادر من كلام الصبيان والمجرمين من الأعراب ونوادر كثيرة من كلام المجانين وأهل المُرّة من الموسوسين ومن كلام أهل الغفلة والتَزكى وأصحاب التكلف من الحمقى. يجعل بعضها في باب الهزل والفكاهة» ويقول: راكل عن بن عدا موفع يضلع لدددولا يدالمن ايده الجد من الاستراحة إلى بعض الهزل» وإن المزاح جد إذا اجتّلب ليكون علة للجد.

ومن أعجب ما كان يأتيه في العبث بأعدائه وحشاده ما رواه قال: «إني ربما أَنّفت الكتاب المُحُكم المتقن في الدين والفقه والرسائل والسيرة والخطب والخراج والأحكام وسائر فنون الحكمة وأنسبه إلى نفسي» فيتواطاً على الطعن قيه جماعةٌ من أهل العلم؛ بالحسد المركّب فيهمء وهم يعرفون براعته ونصاحته. وأكثر ما يكون هذا منهم إذا كان الكتاب مَؤْلََّا لملك معه القدرة على التقديم والتأخير والحط والرفع والترهيب والترغيب» فإنهم يهتاجون عند ذلك اهتياج الإبل المغتلمة» فإن أَمْكَتَئْهُم الحيلةٌ في إسقاط ذلك الكتاب عند السيد الذي أَلّف له فهو الذي قصدوه وأرادوه. وإن كان السيد المؤلف فيه الكتاب يِحُرِيرًا نُقَابًا ونفْرِيسًا بليعًا وحاذقًا مْطِنَاء وأعجزتهم الحيلة سرقوا معاني ذلك الكتاب وألّفُوا من. أعراضه وحواشيه كتابًا وأهدَّوٌه إلى ملك آخر ومَتُوا(') إليه به وهم قد ذمُوه وثلبوه لما رأوه منسوبًا إلىّ وموسومًا بي. وربما أنْفتُ الكتاب الذي هو دونه في معانيه وألفاظه فأترجمه باسم غيري 0 عدن يال ابن الست والخادل ويم ساح يت أولئك القوم ا الطاعتون على الكتاب الذي كان أحكم من هذا الكتاب لاستنساخ هذا الكتاب وقراءته على . ويكتبونه بخطوطهم . ويصيّرونه إمامًا يقتدون به ويتدارسونه بينهم ويتأدبون به ويستعملون ألفاظه ومعانيه في

)١(‏ م مت إليه بقرابة أو موكّة: : تَوَسْلء وتوصّل والْتَمَى. (المراجع)

كنوذ الأجداء

كتبهم وخطاباتهم» ويروونه عني لغيرهم من طلاب ذلك الجنس» فتثبت له به رياسة يأتمٌ بهم قوم فيه لأنه لم يُتَرجم باسميء ولا نُسِبٌ إلى تأليفي».

وما كان إمتاع الجاحظ بما كتب هذا الإمتاع إلا لأنه لا يتكلف في اختيار ألفاظه» ويرسل النفس على سجيتها فيما يؤلف. فجاءت تآليفه كلها نمظا واحدًا في البلاغة والفصاحة» يكتب كما يتكلم من دون تزيّد ولا تعمّل. وريما ثيب قسمٌ عظيم في جودة تأليفه إلى امتلاكه ناصية الكلام وإعطاء كل موضوع حقه من الألفاظ والمعاني. وكأنه كان يضع بعض ألفاظ أو يُستعمل ما لا عهد باستعماله قبله مثل قوله «القرويون والبلديون واللغويون والمعنويون»؟؛ أطلق هذا على سكان الضياع والدّسَاكر”'2 وسكان المدن والحواضرء وعلى من يشتغلون بالألفاظ ويشتغلون بالمعاني. وكثيرًا ما استّعمل بعضّ الألفاظ العامية عند نقله روايات المنادمة» لأن النكتة لا تَمْنْح إلا إذا رويت بألفاظها. وتمييز الجاحظ بين حَيّ الألفاظ وميتها وسهلها وعويصها سببٌ أول في تفوقه

وملاك الأمر عنده أبدًا أن يكون اللفظ سمحًا لا كزّاء والابتعاد عن المعاني التافهة والقوالب المستكرهة. ولطالما أوصى طلابٌ البلاغة ألا يعمدوا إلى استعمال اللفظ الساقط السوقي ولا الوحشي الغريبء لأن «الاستعانة بالغريب عجز» «إلا أن يكون المتكلم بدويًا أعرابيًا فإن الوحشي من الكلام يفهمه الوحشي من الناس كما يفهم السوقي رظانة السوقي). والمعرّل عليه في هذا الياب أن ١لا‏ يكلم العامة بكلام الخاصة ولا البخاصة بكلام العامة".

قال: «وأنا أقول في هذا قولا وأرجو أن يكون مَرْضِياء ولم أقل أرجو لأني أعلم فيه خللاء ولكنني أخذت بآداب وجوه أهل دعوتي وملتي ولغتي

)١(‏ الدّسْكرة: القَريّة. ج دسَاكر [القاموس المحيط]. (المُراجع)

؛ ‏ الجاحظ

وجزيرتي وجيرتي وهم العرب. وذلك أنه قيل لصّحَارٍ العَبّديّ: ما يقول الرجل لصاحيه عند تذكيره أياديه وإحسانه؟ قال: أما نحن فإنا نرجو أن نكون قد بَلَغْنا من أداء ما يجب علينا مبلعًا مَرْضيَّاء وهو يعلم أنه قد وقَّاه حقه الواجب وتفضّل بما لا يجب. قال صَحار: كانوا يستحبون أن يَدَعُوا للقول متنفسًا وأن يتركوا فيه فضلاء وأن يتجافوا عن حق إن أرادوه لم يُمنعوا منه فلذلك قلت أرجوء فافهم فهّمك الله». قال: فإن رأبي في هذا الضرب من اللفظ أن أكون ما دمت في المعاني التي هي عبارتها والعادة فيها أن ألفظ بالشيء العتيد الموجود وأدع التكلف لما عسى أن لا يسلس ولا يسهل إلا بعد الرياضة الطويلة.

وقال أيضًا: ومتى شاكل - أبقاك الله اللفظ معناه وكان لذلك الحال وَفْمَاه ولذلك القدر لِفْقّاا!» وخرج من سماجة الاستكراه؛ وسَّلِمِ من فساد التكلف» كان قميئًا بحسن الموقع» وحقيمًا بانتفاع المستمع» وجديرًا أن يمنع جانبه من تأوّل الطاعنين» ويحمي عِرْضه من اعتراض العائبين» ولا تزال القلوب به معمورة» والصدور مأهولة؛ ومتى كان اللفظ أيضًا كريمًا في نفسهء متخيّرًا من جنسه؛ وكان سليمًا من الفضول بريئًا من التعقيد» حُحبّب إلى النفوس. واتصل بالأذهان» والتحم بالعقول» وهشَّتْ له الأسماع. وارتاحت له القلوب»ء وخت على ألسن الرواة» وشاع في الآفاق ذكره» وعَظم في الناس خطره؛ وصار ذلك مادة للعالم الرئيسء ورياضة للمتعلم الرَيُض» ومن أعاره من معرفته نصيبّاء وأفرغ عليه من محبته ذَنُويَاء حبب إليه المعاني؛ وأسلس له نظام اللفظ؛ وكان قد أغنى المستمع عن كد التكلّف. وأراح قارئ الكتاب من علاج التفهُّم». وعنده أن «المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقرويء. وإنما الشأن في إقامة الوزن وتمييز اللفظ وسهولته؛ وسهولة المخرج» وفي صحة الطبع» وجودة السبك».

)١(‏ اللّفْق: شِقَةٌ من شِقَّتي المُلاءة. (المُراجع)

اي 7 2 5 اك 11 1 الت -

قال في رسالة القيان يصف القينات في عصره: «وكيف تسلم القينة من الفتنة» أو يمكنها أن تكون عفيفة: وإنما تكتسب الأهواء وتتعلم الألسن والأخلاق بالمنشأء وإنما هي تنشأ من لدن مولدها إلى أوان وفاتها بما يصد عن ذكر الله» من لهو الحديث وصنوف اللعب والأخابيث» وبين الخلعاء والمجانء» ومن لا يسمع منه كلمة جدء ولا يرجع إلى فقه ولا دين» ولا صيانة مروءةء وتروي الحاذقة منهن أربعة آلاف صوت فخصاعدّاء يكون الصوت فيما بين البيتين إلى أربعة أبيات» عدد ما يدخل في ذلك من الشعرء إذا ضريت بعضه ببعض عشرة آلاف بيت» ليس فيها ذكر الله إلا عن غفلة» ولا ترهيب عن عقاب ولا ترغيب في ثوابء. وإنما بنيت كلها على ذكر الزنا والقيادة والعشق والصبوة والشوق والعُلمة» ثم لا تنفك من الدراسة لصناعتهاء منكبة عليها تأخذ من المطارحين الذين طرحهم كله تجميش وإنشادهم مراودةء وهي مضطرة إلى ذلك في صناعتهاء لأتها إن جَمَيْها تفلّتت» وإن أهملتّها نقصت» وإن لم تستفد منها وقفت» وكلّ واق فإلى نقصان أقرب» وإنما فرق ما بين أصحاب الصناعات وبين من لا يحسنها التزيد فيها والمواظبة عليهاء فهي لو أرادت الهدى لم تعرفه» ولو بغت العفة لم تقدر عليهاء وإنِ ثبتت حجة أبي الهُذَيْل فيما يجب على المتفكر زال عنها خاصةء لأن فكرها وقلبها ولسانها وبدنها مشاغيل بما هي فيهء وعلى جسب ما اجتمع عليها من ذلك في نفسها

وقال في رسالة التساء: «ورأيت أكثر الناس من البصراء بجواهر النساء الذين هم جهابذة هذا الأمر يقدّمون المجدولة» والمجدولة من النساء تكون في منزلةٍ بين السميئة والممشوقة»ء ولا بد من جودة القدٌ وحسن الخرط واعتدال المنكبين واستواء الظهر»ء ولا بد من أن تكون كاسية العظام بين الممتلئة والقّضِيفة”''2 وإنما يريدون بقولهم مجدولة؛ جودة العصب وقلة

)١(‏ القضيف: النْحيف [اللسان]. (المُراجع)

الاسترخاء: وكأنها جان؛ وكأنها جدل عنان» وكأنها قضيب خيزران» والتثني في مشيها أحسن ما فيهاء ولا يمكن ذلك للضخمة والسميئةء وذات الفضول والزوائد: على أن النحافة في المجدولة أعمء وهي بهذا تحبب على السمان الضخام؛ وعلى الممشوقات والقضافء» كما يحبب هذه الأصناف على المجدولات. ووصفوا المجدولة بالكلام المنثور فقالوا: أعلاها قضيب وأسفلها كثيب».

وقال في عدم تغليظ حجاب النساء: ثم لم يزل للملوك والأشراف إماءٌ تختلفن في الحوائج ويدخلن في الدواوين ونساء يجلسن للناس. .. ثم كن يبرزن للناس أحسن ما كنّ وأشد ما يتزين بهء فما أنكر ذلك مُنْكر ولا عابه عائب. .. والدليل على أن النظر إلى النساء كلهن ليس بحرام أن المرأة المغنية تبرز للرجال فلا تحتشم من ذلك» فلو كان حرامًا وهي شابة لم يحل إذا غنت» ولكنه أمر أفرط فيه المعتدون حد الغيرة إلى سوء الخلق وضيق العَطن فصار عندهم كالحق الواجب». وقال في كتاب النساء: «ولسئا نقول ولا يول أحد ممن يعقل أن النساء فوق الرجال أو دونهم بطبقة أو طبقتين أو بأكثرء ولكننا رأينا أناسًا يُزرون عليهن أشد الزراية ويجتقرونهن أشد الاحتقار ويبخسونهن أكثر حقوقهن» وإن من العجز أن يكون الرجل لا يستطيع توفير حقوق الآباء والأعمام إلا بأن يتكر حقوق الأمهات والأخوال؛ فلذلك ذكرنا جملة ما للنساء من المحاسن. ولولا أن أناسًا يفخرون بالجَلد وقوة المتّة وانصراف النفس عن حب النساء جتى جعلوا شدة حب. الرجل لأمته وزوجته وولده دليلا على الضعف وبابًا من الكَوّر لما تَكَلّفنا كثيرًا مما شرطناه في هذا الكتاب. قال: ونحن وإن رأينا أن فضل الرجل على المرأة في جملة القول في الرجال والنساء أكثر وأظهرء فليس ينبغي لمن عظّم حقوق الآباء أن يصكّر حقوق الأمهات». وكذلك الإخوة والأخوات والبنون والبئات» وأنا وإن كنت قلت: إن حقٌ هذا أعظمء فإن هذه أرحم.

كنوز الأجداد

ومن أجمل ما وَضَفَ به قاضي البصرة قولُّه : كان لنا بالبصرة قاض يقال له: عبد الله بن سوارء لم ير الناس حاكمًا زَِمِينَ''' رَكيئًا''2 ولا وقورًا حليمّاء ضبط من نفسهء وملك من حركته مثل الذي ضبط وملك. كان يصلي الغداة في منزله» وهو قريب الدار من مسجده؛ فيأتي مجلسه فيحتبي ولا يتكي؛ فلا يزال منتصبًا لا يتحرك له عضو ولا يلتفت ولا تحل حبوته؛ ولا يحل .رجلا على أخرى؛ ولا يعتمد على أحد شقيه» حتى كأنه بناء مبني» أو صخرة منصوبة؛ فلا يزال كذلك حتى يقوم إلى صلاة الظهر» ثم يعود إلى مجلسه فلا يزال كذلك حتى يقوم إلى صلاة العصرء ثم يرجع لمجلسه فلا يزال كذلك حتى يقوم لصلاة المغرب» ثم ربما عاد على مجلسه: بل كثيرًا ما كان يكون ذلك إذا بقي عليه شيء من قراءة العهود والشروط والوثائق: ثم يصلي العشاء الآخرة وينصرف. فالحق يقال لم يقم في طول تلك المدة والولاية مرة واحدة إلى الوضوءء ولا احتاج إليه؛ ولا شرب ماء ولا غيره من الشراب» كذلك كان شأنه في طوال الأيام وفي قصارهاء وفي صيفها وفي شتائهاء وكان مع ذلك لا يحرك يدا ولا عضوّاء ولا يشير برأسه» وليس إلا أن يتكلم ثم يوجر ويبلغ باليسير من الكلام إلى المعاني الكبيرة.

«فيينا هو كذلك ذات يوم وأصحابه حواليه؛ وفي السْمّاطين”" بين يديه؛ إذ سقط على أنفه ذباب فأطال المكث؛ ثم تحوّل إلى موق عينيه» فرام الصبر على سقوظه على الموق؛ وصبر على عضته ونفاذ خرطومهء كما رام الصبر على سقوطه على أنفه؛ من غير أن يحرك أرنبته» أو يغضّن وجههء أو يذْبٌ بإصبعه. فلما طال ذلك عليه من الذباب» وشغله وأوجعه وأحرقه؛

(1) الزّمْيت: الوَقُور [القامرس]. (المُراجع)

(؟) الرّكين: الرّزِين [القاموس]. (المراجع)

) يقال: قام القوم حوله سِمَاطَيْن؛ أي: صَمْيْن. وكلّ صفٌ من الرجال سِمّاط [اللسان]. (المُراجع)

تت 2-7

وقصد إلى مكان لا يحتمل التغافل» أطبق جفنه الأعلى على جفنه الأسفل فلم ينهض» فدعاه ذلك إلى أن يوالي بين الأطباق والفتح؛ فتنحى ريثما سكن جفنهء ثم عاد إلى موقه بأشد من مرته الأولى؛ فغمس خرطومه في مكان كان قد آذاه فيه قبل ذلك. فكان احتماله أقلٌّ» وعجزه عن الصبر عليه في الثانية أقوى. فحرك أجفانه» وزاد في شدة الحركة» وألحّ في فتح العين» وفي تتابع الفتح والإطباق» فتنحى عنه بقدر ما سكنت حركته» ثم عاد إلى موضعهء فما زال يلح عليه حتى استفرغ صيره وبلغ مجهوده؛ فلم يجد بدا من أن يذب عن عينه بيده ففعل» وعيون القوم ترمقهء وكأنهم لا يرونه» فتنحى عنه بقدر ما رد يده وسكنت حركتهء ثم عاد إلى موضعهء ثم ألجأه إلى أن ذبٍّ عن وجهه بطرف كمه. ثم ألجأه إلى أن تابع ذلك» وعلم أن فعله كله بعين من حضره من أمنائه وجلسائه» فلما نظروا إليه قال: أشهد أن الذُباب ألجّ من الخنفساء. وأزهى من الغراب» قال: وأستغفر الله فما أكثر من أَعْجَبَئْه نفسّه فأراد الله هخ أن يُعرّفه من ضعفه ما كان عنه مستورّاء وقد علمتم أني عند نفسي وعند الناس من أرزن الناسء» فقد عَلَْبّني وفضحني أضعف خَلْقه ثم تلا قوله تعالى: «وإن يكم الدْبَابُ سَيْكا لا يْتْقِدُوهُ 1 صَعَت الطاب مَلْظلُوبُ» وكان بَيّنَ اللسان. قليل فضول الكلام» وكان 110 وكان أحدّ من لم يظعَنْ عليه في نفسه» ولا في تعريض أصحابه للْمّئَالة».

وبَعْدُ فقد عاش الجاحظ؛ إذا تدبّرتَ كتبه» عَيْشنَ المتفائل لا المتشائم» تطلبه الخلفاء والأمراء فيتحاماهم زلاقم مهم ابرانت يبل بو توعيناا تدر عليه منهم إذا وشّح تآليفه بأسمائهم. سأله أحدهم مرةٌ إذا كان له بالبصرة ضيعة فتبسم وقال: إنما أنا وجارية وجارية تخدمها وخادم وجمارء أهديت كتاب الحيوان إلى محمد بن عبد الملك فأعطاني خمسة آلاف ديئار» وأهديت كتاب البيان والتبيين إلى ابن أبي دؤاد فأعطاني خمسة آلاف دينارء وأهديت كتاب

كنوز الأجداد

الزرع والنخل إلى إبراهيم بن العباس الصولي فأعطاني خمسة آلاف دينار» فانصرفت إلى البصرة ومعي ضيعة لا تحتاج إلى تجديد ولا إلى تسميد.

كان الجاحظ كريمًا لا يمسك مالا فيعسر أحيانًا. وكان إلى الاعتدال أقرب في جدله ومناقشاته» ولذلك كانت تكتب له الغلبة على خصومه؛ نال منهم وما نالوا منه» وضحك من عقولهم وما استطاع قط حساده أن يضحكوا منه» طال عمره ومرض مرضًا عضالا في عشر الثمانين وما انقطع عن التأليفٍ والإفادة. فعلى كل طالب علم يريد الجمع بين البلاغة والعلم أن يقرأ بتدبر كل ما أبقته الأيام من كتب الجاحظ يردّدها كل عام ليظل على صلة بالكمال المطلق من الآداب التي تصلح لكل عصرء وتحلو مهما تقادم العهد بواضعها.

ولا يتسع المقام لاقتباس شذرات من كتبه المطبوعة؛ ففي المطول منها والمختصر أشياء يجدر استظهارها والرجوع إليهاء ومن هذه الرسائل والكتب: «الدلائل والاعتبار»» #المحاسن والأضداد»» «مناقب الترك وعامة جند الخلافة»» «تفضيل النطق على الصمت»» «فصل ما بين العداوة والحسد؛»؛ «الوكلاء»» «الرد على النصارى»» «طبقات المغنين»: اذم صناعة القواد؛؛ «النساءة» #الحجاب»4. «المعاد والمعاش58؛ «كتمان السر وحفظ اللسان»» «رسالة في الجد والهزل!» االنابتة؟» اذم العلوم ومدخهااء #قصول مختارة منه لعبيد الله بن حسان؟ الخ.

تتتدممى

)6( رم ابن قَتَيّبَة

أبو محمد عبد الله بن مُسَلِم (كلاك)

تَيبَة تصغير قِتّبَةَ واحدة الأقتاب أي الأمعاء. فارسئيٌ الجنس عربيٌ المولد والمنشأً ؛ قيل لأبيه: المروذيء لأنه من أهل مرو الروذء أما ابنه فقيل إنه ولد في الكوفة وقيل في بغداد. وفي مدينة السلام ‏ وهي في أرقى عصورها ‏ أخذ عن علمائها فن الحديث واللغة والتفسير والنحو والأدب وأخبار الناس. ولم يؤثر له شعرء ونثره طبقة عالية كنثر أَقْمُِا'' المؤلفين في عصره وبعده.

يُذكّر ابن قتيبة مع المكثرين من التأليف والمجوّدين فيه. وقد أقرأ تيه في بغداد طول حياته فألقاها محاضرات ودروسًا على المستفيدين فزادها التكرار تحقيقًا ونظرًا. وكانت كتبه مرغوبًا فيها في الجبال (العراق العجمي). وفي الجبال اشتّهر أيام كونه قاضيًا في دِينَوّر من عملها حتى قيل له الدَيَوَرِيَ لطول مقامه في تلك المدينة. وكما كانت تآليفه معتمدةً في الشرق كانوا يُعجَبون بها في الغرب» ويدعي أهله أن كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه لا خير فيه. وكان يُطلّق عليه اسم الكاتب». والكاتب العالِم «لأن الغالب على من كان يعرف الكتابة أن عنده العلم والمعرفة»» ووصفوه بأنه خطيب أهل السنة؛» على ما كان الجاحظ خطيب المعتزلة وكانا متعاصرَّيُن. ظهر ابن قتيبة وشهرة الجاحظ قد طبّقت الآفاق» وربما حاول أن يسحب عليه ذيل النسيان» فما

2

)١(‏ أَفْحَدُ القوم في النسب: الأقربٌ إلى الأب الأكبر. (مقايبس اللغة). وفني الأساس: وهو كِبْرٌ َوْمِهِ: أكبرهم في السن أو في الرياسة أو في النسب: أقعدهم فيه. (المُراجع)

2 كنوز الأجداد

أخذ كل من المتعاصرين أكثر من حقه. كان ابن قتيبة عالمًا كبيرًا إلا أن له أندادًا يماثلونه في علماء الملة» أما مرتبة الجاحظ في العلوم المختلفة فلا ينازعه فيها منازع .

كان ابن قتيبة يحْسِن الفارسية» وكثيرًا ما يقول في بعض كتبه: وقرأتٌ في كتب العجمء بيد أنه لم يكتب يغير العربية» ولم يكن له حظ من الفلسفة لأن أهل الحديث يمقتونها ويحاربونها وهو من أثمتهم. وثارت في أيامه مسألة الشعوبية؛ أي تفضيل العجم على العرب» وكتب أحباب العنصرَيّن كتبًا ورسائل» فما وَسِعَ ابن قتيبة إلا أن يكتب كتابًا في فضل العرب وعلومهم برأ فيه أشراف العجم من بغضة العرب وألقاها على أوياشهم وسفلتهم. وكتابه هذا كأكثر كتبه منقول عن غيره» ليس له فيه غير سظور معدودة.

واشتد ابن قتيبة على مخالقيه ولا سيما المعتزلة منهم» وفي كتابه «مختلف تأويل الحديث»؟ طعنٌ ميرّح في الجاحظ قال فيه إنه أكذب الأمة وأوضعهم لحديث وأنصرهم لباطل» فتجلى حسده تجليًا ظاهرًا. وقديمًا كان في العلماء الحسد. وما آخذ به الجاحظ بسيب قول الشيء وضده يعد من حسنات الجاحظء وكيف لعمري قضى ابن قتيبة على خصمه في مذهبه هذا القضاء وهو القائل في «عيون الأخبار» من تأليفه: «وليس الطريق إلى الله واحدًا؛ ولا كل الخير مجتمعًا في تهجد الليل وسرد الصيام وعلم الحلال والحرام؛ بل الطرق إليه كثيرة» وأيواب الخير واسعة» وصلاح الدين بصلاح الزمان» وصلاح الزمان بصلاح السلطان» وصلاح السلطان بعد توفيق الله بالإرشاد وحسن التيصير».

هبَن”'' ابن قتيبةً الجاحطّ وكفّره ورماه بأعظم كبيرة وهي الكذب» وسَحجل عليه أنه أكذب واحد في الأمةء لأنه كتب أشياء تنفع في تربية العقول

)١(‏ هجِنٌ: : هبح [القاموس]. (المراجع)

في الدنيا كما كتب كل ما ينفع الدين؛ وابتدع أدبا يلي ويعلّمه فهل من العدل أن يَرْمُى بوضع الحديث» وتشدّده وتشدد أهل مذهبه في تحرّي السليم من السقيم في الأحاديث لا يحتاج إلى دليل؟ ورمى أيضًا أيا الهذيل العلاف بما ليس فيه» ووصفه بأنه كذاب أقَاكء وطعن فيه أشنع طعن. وكذلك كان حظ ثمامة بن الأشرس منهء وهما من الأئمة» ورمى هذا برقة الدين وتنقص الإسلام والاستهزاء به؛ وطعن في النْظام أيضًا وهو الذي رَدَّ على الملحدين والدهريين شطرًا كبيرًا من عمره. ولولا أن وقف هؤلاء المعتزلة وطبقتهم موقفهم المحمود في الحملة على أعداء الإسلام» ولولا المتكلمون عامة لاستضر الدين»ء وما نجا بجمود الغقهاء ورواة الحديث. ولذلك قال بعض من ترجموا لابن قتيبة أنه «كان خبيث اللسان يقع في كبار العلماء». وعلى شدة إعجاب ابن خلدون بأدب الكاتب لابن قتيبة ما حال إعجابه دون قول الحق فيه عند كلامه على التاريخ فمال: إن كتاب ابن جرير الطبري سالم من الأهواء الموجودة في كتب ابن فتيبة» وكتاب ابن جرير أبعد من المطاعن في كبار الأمة.

هذا وهو الثقة في علمه المدقق في روايته القائل «ونحن نستحب لمن قبل عنا والْتَمّ بكتبنا أن يؤدّب نفسه قبل أن يؤدب لسانهء ويهذّبٍ أخلاقه قبل أن يهذب ألفاظه» ويصون مروءته عن دناءة الغيبة وصناعته عن شين الكذب». وهو الذي قال عند ذكر أسماء الأعضاء: «إنها لا تؤيّم وإنما الإثم في شتم الأعراض وقول الزور والكذب وأكل لحوم الناس بالغيب».

عَمْ جارٌ ابن قتيبة في اليل من خصومه. ولكثرة ما حمل على الفلاسفة والمتكلمين ودافع عن أهل الحديث انهم هو بالانحلال» فاضطر إلى وضع كتاب في الرد على الجهمية والمشبّهة ليدفع عن نفسه كما قال العلامة بروكلمان في الترجمة له في معلمة الإسلام. وفي كتابه تأويل مختلف الحديث ظهرت شخصية ابن قتيبة كل الظهور واستغرق ثلاثة أرباع الكتاب في تصحيح

كنوز الأجداد سس )ساسا لل بإب

الأحاديث التي ادعى عليها المتكلمون التناقض» والأحاديث التي تخالف عندهم كتاب الله تعالى» والأحاديث التي يدفعها النظر وحجة العقل. وقد قام كتابه هذا على الرد على أهل الكلام في تَلْبهم أهل الحديث وإسهابهم في الكتب بذمّهمء ورَمْيهم يحمل الكذب ورواية التناقض «حتى وقع الاختلاف وكيرت النحل وتقطّعت العِصّمء وتعادى المسلمون وأكْثْرَ بعضّهم بعضًا وتعلّق كل فريق منهم لمذهبه بجنس من الحديت» زاعمًا أن أهل الكلام يقولون على الله ما لا يعلمون؛ ويفتئون الناس. بما يأتون» وييصرون القذئى في عيون الناس وعيونهم تَطرّف على الأجذاع» ويتهمون غيرهم في النقل» ولا يتهمون آراءهم في التأوبل.

طبع من كُتّبِ ابن قتيبة: أدب الكاتب» وتأويل مختلف الحديث» والشعر والشعراءء وعيون الأخبار» وفضل العرب والتنبيه على علومهاء والقداح والميسرء وكتاب الأشربة: وبعض الرسائل اللغوية» وكتاب المعارف. وأدب الكاتب عمدةٌ في بابه» وقد شرحه الجواليقي (250) وابن السيد البَطْلْيَوْسِيَ (011) فبيّنا ما يرد عليه فيه» وما غلط في تصحيخه وغلّط الناقلين عنه» وما منع منه وهو جائز. أما كتاب الإمامة والسياسة المنسوب إليه: فهو ما ألفه قطء بل نحله إياه التاحلون؛ وكثيرًا ما نحل عظماء المؤلفين تاليف ما خظوا فيها قلمّاء ولا خََطَوًا إلى وضعها قدمًا. وهذا من فعل الورّاقين وأهل الأهواء على الأغلب؛ ونعني بالورّاقين الناسخين. فأما الورق وبيعه فكان يقال له الكاغدي .

وكما ينجل الورّاقون مؤلفات لمؤلّفين قد يتتحل بعض المؤلفين تآليف أو بعضًا من تآليف كُتَيها غيرهم. فقد قال المفضل ين سلمة الكوفي في الفاخر: إن أبا محمد بن قثيبة نقل كتابه في المعارف من كتاب المحبّر لابن حبيب. وسواء صححت هذه التهمة أو لم تصح ‏ ونحن أميل إلى نفيها لما عرف به أبن

5

ؤ 3

قتيبة من الأمانة في العلم ‏ فإن عادة الانتحال كَثْرت بعد عصر ابن قتيبة في المؤلّفين والورّاقين.

تدور معظم كتب ابن قتيبة على تربية الملكة العربية وتحبيب اللغة إلى الدارسين والشادين» وليس أدبّه الأدبّ الذي يعنيه العارفون بالأدب اليوم» يحمل الجمال والفن ويهذب النفس ويلهيها وبوسع خيالها. وكتبه كسائر كتب القدامى تخفى فيها شخصيته ولا تظهر غالبا إلا إذا جاول الانحاء على مخالفيهء فإنه إذ ذاك يصاول ويطاول ويتعصب ويخلب ببيانه» فتبدو نفسيته ويثيت أنه يحسن الإيجاز كما يحسن التطويل» ويحسن الإنصاف كما يحسن المحخك. وقد يعتذر عته بأنه لم يظلم خصماء مذهبه كثيرّاء وأنه ما خرج في حوارهم عن عادة المؤلفين في الدين عامة؛» كل منهم يصححح مذهبه ويطلق على من يناقشه ضروب السباب والشتم» ويكابر في الحق ويتوعد بالنار يوم القيامة كل من لا يقول قوله. وعلى هذا يقول ابن قتيبة: إن الناس لا يتساوون جميعًا في المعرفة والفضل» وليس صنفٌ من التاس إلا وله حشوٌ وشَّوْبٍ!". وقال أيضًا: ولا أعلم أحدًا من أهل العلم والأدب إلا وقد أسقط في علمه؛ أي أخطأء وقال: من ذا صفا فلم يكن له عيب» وخلص فلم يكن فيه شَوّب. وقال: من أراد أن يكون عالِمًا فليطلب فنا واحدّاء ومن أراد أن يكون أديبًا فليتسع في العلوم .

وظاهرة بارزة في تاليف ابن قتيبة وتوخيه فيها الإيجاز لتسهل روايتها ويّخْفُ محملها ولا تثقل مؤونتها قال: فعلت لمُغْفِل التأديب كتبًا خفافًا في المعرفة وفي تقويم اللسان واليدء يشتمل كل كتاب منها على فن» وأعفيته من التطويل والتثقيل لأنشّطه لتحقّظِه ودراسته. واعتذر عن شدة إيجازه في كتابه المفعارقف بقوله: «وكان غرضيء» في جميع ما اقتصصت الإيجاز والتخفيف

30( الشَّوْبٍ: الخلط. (المُراجع)

كنوز الأجداد

١‏ ات 1 مما 58 ا م تيبي لبي سيم

والقصدء المشهور من الأنباء دون المغمورء ولما يجري له سبب على ألسنة الناس دون ما لا يجري له سبب» ولو قصدت الاستقصاء لطال الكتاب جتى يعجز عن نسخه فضلًا عن حفظه؛ ولاختلط الخفيّ بالجلي فمجّيُه الآذان» وملّتّه النفوس».

وقد يكون من التطويل في التأليف ما تبدو به مقاتل المؤلّف» وهذا ما كان يتجئبه ابن قتيبة على ما ظهر من اقتضابه في عيون الأخبار وفي المعارف والشعر والشعراء. فقد قال فني مقدمة الشعر والشعراء معتذرًا عن استقصائهم : «ولعلك تظن» رحمك اللهء أنه يجب على من ألّف مثل كتابنا هذا ألا يَدَمَ شاعرًا قديمًا ولا حديئًا إلا ذكره ودلّك عليه» وتقدّر أن يكون الشعراء بمنزلة رواة الحديث والأخبار والملوك والأشراف الذين يبلغهم الإخصاء ويجمعهم العدد. والشعراء المعروفون بالشعر عند عشائرهم وقبائلهم في الجاهلية والإسلام أكثر من أن يحيط بهم محيط؛ أو يقف من وراء عددهم واقفء ولو أنغد عمره في التنقير عنهم» واستفرغ ممجهوده في البخث والسؤال» ولا أحسب أحدًا من علمائنا استغرق شعر قبيلة حتى لم يفته من تلك القبيلة شاعر إلا عرفه ولا قصيدة إلا رواها.

قال: «ولم أسلك فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختارًا له سبيل من قلَّد أو استحسن باستحسان غيرهء ولا نظرت إلى المتقدّم منهم بعين الجلالة لتقدمه: وإلى المتأخر بعين الاحتقار لتأجُرهء بل نظرت بعين العدل إلى الفريقين» وأعطيت كلا حظه؛ ووفرت عليه حقّه. فإني رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدُم قائله ويضعه في متخيّرهء ويرذل الشعر الرصين ولا عيب له عنده إلا أنه قيل في زمانه» أو أنه رأئ قائله. ولم يقصّر الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن؛ ولا خص به قومًا دون قومء بل جعل ذلك مشتركًا مقسومًا بين عباده في كل دهرء وجعل كل قديم حديثًا قي

عصره؛ وكل شرف خارجية”'"2 في أوله. فقد كان جرير والفرزدق والأخطل وأمثالهم يُعَدُون مُحْدَئِينَء وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: لقد كثر هذا المُحْدَثْ وحسن حتى لقد هممت بروايته. ثم صار هؤلاء قدماء عندنا ببيعد العهد منهمء وكذلك يكون من بعدهم لمن بعدنا كالخريمي والعتّابي والحسن بن هانئ وأشباههم».

وهذا كلام جيد إن صدق على عصره فلا يصدق على العصور التالية» وقد أصبحت الإجادة في الشعر والنثر تبعًا للحالة الاجتماعية والسياسية» وتَدَنَت الصناعتان كل التدني بفساد اللغة الناشئ من دخول الأعاجم في العرب. ولما ندر من يجيز على الشعر أصبح أداة من أدوات التسوّل والكدْيّة'"؟ فقطء ولم تبق له تلك الرّوعة ولا هاتيك العبقة.

وأعجب جهابذةٌ الأدب بعيون الأخبار كما أعجبوا بمعظم كتبه ولا سيما أدب الكاتب. قال السمعاني: سمعتٌ الأمير أبا نصر الميكالي يقول: تذاكرنا المتنزهات يومًا وابن دُريّد حاضر فقال بعضهم: أنزه الأماكن غوطة دمشق. وقال آخرون: بل نهر الأبلة. وقال آخرون: بل سّغد سمرقند. وقال بعضهم: نهروان بغداذ. وقال بعضهم: شعب بوّان بأرض فارس. وقال بعضهم: ثوبهار بلخ. فقال: هذه متنزهات العيون؛ فأين أنتم من منتزهاث القلوب» قلنا: وما هي يا أبا بكر؟ قال عيون الأخبار للقتيبي والزهرة لابن داود الخ.

وكتاب الأشربة أو كتاب الشراب كما أطلقه عليه المؤلّف في أحد كتبه مزج فيه الأذب بالفقه على عادئه. وكانت مسألة الأشربة قد شغلت أمناء الشرع والفقه في أيامه وفي الأيام السالفة والمشرّعون بين محلل ومحرم للأنبذة» كل يغتي بمبلغ علمه» وما وصل إلى رأيه من نصوص الكتاب

)١(‏ الخارجي الذي يخرج ويشرّف بنفسه من غير أن يكون له قديم. وقيل الخارجي كل ما فاق جنسه ونظائره .

(؟) الكُديّة: حِرْقَةٌ السائل الملِحَ. (المُراجع)

م كنوز الأجداد

والسنة. فكتب ابن قتيبة رأيه مستندًا إلى أقوال الأئمة ذاكرًا ما تعاور هذه المسألة من المرادّات فجاءت فتواه مستوفاة» وحل المسألة المتنازع عليها بإخلاص مما لم يكد يسبق للفقهاء بلوغ مثلهء ومعظم أرياب الققه لم يُحكموا الأدب كما أَحْكمه ابن قتيبة فجاءت بعض كتاباتهم جافة لا تتذوقها النفوس.

والناظر في كتاب الأشربة يتراءى له أن يتصمّح سِفْر أدب طريفب يفهمه كل من يقرؤه؛ ويعجب من توسع المؤلف في حريته وروايته الأخبار والأشعار المستطرفة. ولجلالة المؤلف وجلالة ما كتب .في الأشرية اعتمد من جاؤوا بعد عهده من رواة الأخبار على ما كتب وشحنوا بمروياته أسفارهم على ما فعل ابن عبد ربه في العقد الفريد وغيره» وكان لهم من تحقيقه خير عون على الخوض في مسالة يكاد لا ينجو الخائض فيها من ركوب مركب خشن جامح.

ومن مزايا اين قتيبة أنه كان عارفًا بزمانه» وتقلّده القضاء فتح له بايا ولج منه على معرفة حال الراعي والرعية. كان عصره آخر عصور الترقّي في بني العباس وأول عصور التدني فوصفه وصمًا يدل على أن له قَدَمَ صِدْق في السياسة والاجتماع فقال فيه: «إنه خوى نجم الخيرء وكسدت سوق البرء وبارت بضائع أهله» وصار العلم عارًا على صاحبه والفضل نقصّاء وأموال الملوك وققًا على شهوات النفوسء والجاه الذي هو زكوة الشرف يباع بيع الخلق» وآضت المروءات في زخارف النّججد”'' وتشييدٍ البنيان» ولذات النفوس في اضطفاق المَرّاهر ومُعاطاة الندمان» وثُِرت الصنائع» وجُهلَ قدر المعروفء وماتت الخواطرء وسقطت هِمَّمْ النفوسء وزُجِدَ في لسان الصدق». ووصف العمال بأنهم «العلماء بتحلدّبٍ الفيء وقتل النفوس فيه وإخراب البلاد: والتوفير العائد على. السلطان بالخسران المبين».

لا جرم أن ابن قتيبة من جهابذة العلماء الذين هضموا علمهم. وقد وفق

)١(‏ التجد ما ينصّد به البيت من البسط والوسائد والفرش. والجمع: نجود ونجادء وقيل ما ينجد به البيت من المتاع أي : يزين.

إلى اختيار أطايب أخبار القدماء؛ ورُزق حظًا من التنسيق والترتيب» فأبرز تآليفه منفّحةٌ محرّرة. ولنا أن نقول أيضًا إن ابن قتيبة في ذاته لم يكن جامدًا على ما قرأ في الكتب» وكان يُحْسِن استخدام عقله ويجيد التخلص من المآزق» وإذا رأى الخطر يوشك أن يدهمه يخفٌ في الحال على درئه عنه بنعومة ولباقة كما فعل في الرد على الشعوبية وفي الرد على الجهمية والمشبّهة. ولعله ما جسر على الضرب في المعتزلة إلا لما شاهد أن شمسهم آذنت بالمغيب» وأن مكانتهم في قصور خلفاء بني العباس أخذت تتزعزع» والأمة تحاريهم في كل أفق حربًا لا هوادة فيهاء وما جوّز الإنحاء عليهم إلا لما انقتضى دون المأمون والمعتصمء وهما من أكبر حماتهم» وغالى في طعنه بما لأ يناسب عظمة علمه وأخلاقه. جل من لا عيب فيه.

>

)0( طَيَفُور أحمد بن أبي طاهر )0(

كان أبوه طيفور من مَرْوٍ الوذ من أبناء خراسان ومن أولاد الدولة؛ وولد ابنه أحمد في بغداد سك اريم ومئتين» وأخذ الأدب والحديث عن رجال عصره وروى عنه جماعة» وانصرف إلى الرواية والأخبار. وكان لأول نشأته مؤدّب صبيان» ثم جلس في سوق الورّاقين» واشتُّهر بالشعر والكتابة» قال فيه صاحب تاريخ بغداد: إنه أحد اليلغاء الشعراء والرواة» من أهل الفضل المذكورين في العلم. ووصفه المسعودي بالشاعر»ء وأورد له قصيدة رثى بها يحيى بن عمرو كان ظهر بالكوفة سنة ثمان وأربعين ومثتين جاء فيها : سلام على الإسلام فهو مودّح إذا ما قضى آل النبي فودعوا

إلى أن يقول: بني طاهر والنَّوْم فيكم سَحِيةٌ وللمّثْرمنكم حاسِرٌ ومُقّنّحُ قواضبكم في التُّرْك غير قواطع ‏ ولكنّها في آل أحمدّتَفْطَعٌ لكم كل يوم مَشْرَبٌ من دمائهم وعُلّتّها من شربها ليس نَنْقَّعُ رمامحكُم للطَالِبيّين شرع وفيكم رماحٌ الترك بالقتل شُرَعٌ لكم مَرْتَعٌ في دار آل محمّدٍ «داركم للثّرك والجيش مَرْتَعْ

وأنشد بعض أهل الأدب قولّه في عبيد الله بن عبد الله بن طاهر الذي قاله: إذا أبو أحمد جادت لنايَّدَهُ لميُِحْمَدٍ الأَجوّدان: البَحْرٌ والمَظَرٌ

ويختمها بقوله : الجودٌ منه عيانٌ لا ارتيابَ به إِذْجُجود كل جوادٍ عنله حَحبَرٌ

قالوا: لو استعمل الأنصاف. لكان هذا أحسن مدح قاله متقدم ومتأخر.

ومن شعره: 0 حَسْبٌ الفتى أن يكون ذا حَسَّبٍ مان لقسه لبن اديه عسي ليس الذي يُبتدي بهتسَبٌ | مثل الذي ينتهي به نَسَبَة

وليست مكانة ابن طيفور بشعرهء ولا بما روى من حديث. فالشعر كان آلة من آلاتهء والمحدثون كثارء ومنصرفون إليه في الليل والنهار. ولكن ابن طيفور كان عظيمًا بروايته؛ فإن ما تركه من كتبه يبلغ خزانة صغيرة. ولقد وصفه أبو بكر الصولي وقال فيه : إنه صَحفي» أي يروي الخطأ عن الصحف ولم يأخذ عن الشيوخ» وإنه حاطب ليل» وإنه يشترط في كتبه اختيار الشعر الجيد ويأتي بالرديء» ويزعم أنه يقلل فيكثر» وفي إكثاره يسيء» ثم يحكي الكذب ويخطئ في التاريخ» وفي نسب الشعرء هذا ما روي عنه أنه قال فيه. ومّن من المؤلفين يا ثُرى خلا من نَقْد؟ وهل خلا الصولي نفسه منه فارتضى النقاد تدوينه؟ وهل كان ذوقه عاليًا كلما أراد اختيار شعر ونثر. والاجتهاد ما زال يختلف في الرجل الواحدء وفي العام الواحذ» فما بالك في الرجال وفي العصور. وإن راوية مُكثرًا مثل طيفور لا تكاد تجد كتابًا من الأمهات التي أَلْفْتَ بعد عصره إلا وينقل أو يكثر من النقل من كتبه؛ لا يقدح في مروياته ولا يسقطه بأنها من بضاعته .

ثم أي عالِم خلا من لحنٍ وتصحيف؟ ذكروا أن بعضهم قال فيه أنه كان

بليدًا في علمه وأنه يلحن» وأنه قال ذلك للبحتري فأقره عليه. وعرفنا أنه كانت

بين البحتري وطيفور أمور تراخت بها صلاتهماء فألّف طيفور كتابًا في سرقات. البحتري من أبي تمام. فبالطبع يحمي أنف البحتري منه ويطعن في علمه وأديه. أما هو فقد طَعُنَ البحتريّ في أخلاقه طعنةٌ نجلاء حرامٌ رَأبها على

نَ الأجدا ءا اعد حرو )بسنا اياي ببس 2

وجه الدهرء قال فيه: ما رأيت أقل وفاءً من البحتري ولا أسقط : رأيته قائمًا ينشد أحمد بن الخصيب مدحًا له فيه» فحلف عليه ليجلسن» ثم وصله واسترضى له المنتصرء وكان غضبان عليه ثم أوصل له مديحًا إليه وأخخذ له منه مالا فدفعه إليه. ثم نكب المستعين أحمد بن الخصيب بعد فعله هذا بشهورء فلعهدي به قائما ينشده: لابن الخصيب الويل كيف الْبَرَى ‏ بإفكِوالمُردِي وَإِبِطالِه كاد أمينَّالله في نقفسه وفي موَاليه وفي مالِه ورام في الملك الذي رامه بَعِسُه فيه وإدغالِه إلى أن قال وكلها طعن في ابن الخصيب: فهو حلالٌَالدّم والمالإن ‏ نظرت في ظاهرأحولِه قال ابن أبي طاهر: كان ابن العلجة فقيهّاء يفتي الخلقاء في قتل الناس ترّحَه الله ثم ختم القصيدة بقوله: والرأي كل الرأي في قَبْلِهِ بالسّيّف واستصفاءأموالِهِ وهذا أعظم هجر يُهجى يه البحتري» وقد هجاه طيفور بقصيدة أيضًاء فلا غرو أن يُسقطه البحتري ويرذل أدبه. وقال الذين. صغّروا شأن طيفور في الأدب أنه كان مع هذا جميل الأخلاق ظريف المعاشرة خلوًا من الكهوب أي لا يتغير لونه ثابنًا في خلقهء وهو إلى هذا معروف بمرّحهء يبتدع النكات. ويحسن التقاطها وإبرازها للناس؛ وكتابه يلاغات النساء نموذج من مَنْرّعِهِ وكثرة تتبعه (وهو جزء صغير من كتابه الكبير المنثور والمنظوم). وأَنّْف في المزاح والمعاتبات وفي أمور فيها دعابة وأدب

وقصيدته ليلة بات في «دير السوسن» في عودته من «سر من رأى» وقد زار بعض كُتايها ومدحه فأجسن صلته» ووهبب له غلامًا رومهًا حسن الوجه»

واعترافه بأنه بات والغلام يسقيه» والراهب نديمه حتى مات سكرّاء وطلبه المغفرة عها أن من :زية ب كل عذه مور ذا ضحت صف حجان اها من مَرّحه وتبذله. ومن هذه الأمور ما اقترفه في صباهء ومنها ما أتاه في الكهولة؛ وشعره لا يخلو من نكتة» وربما قال بعض شعره من أجل نكتة فأعقبته نكبة» كما حدّث عن نفسه قال: خرجت من منزل أبي الصقر نصف النهار في تموز فقلت: ليس بقربي منزل أقرب من منزل الميرّدء إذ كنت لا أقدر أصل إلى منزلي بباب الشامء فجئته فأدخلني إلى حويشة لهء وجاء بمائدة فأكلت معه لونين طيبين» وسقاني ماءً باردّاء وقال لي: أحدثئك إلى أن تنام» فجعل بحدثني أحسن حديث. فحضرني لشؤمي وقلة شكري بيتان فقلت: قد حضرني بينان أنشدهما؟ فقال: ذاك إليك» وهو يظن أني قد مدحته فأنشدته. ويوم كحر الشوق في صدر عاشق علىأنهمن هأجَرٌ وأرمد ظللت به عند الميردقائلًا ‏ فمازلت في ألفاظهأتيرد فقال لي: قد كان يسعك إذا لم تحمد ألا تذمء وما لك عندي جزاء إلا إخراجك. والله لا جلست عندي بعد هذا. فأخرجني فمضيت إلى منزلي بباب الشام. فمرضت من الحر الذي نالني مدةء فعدت باللوم على نفسي. وقد روي أنه قال في المبرّد وحسبك من عالم محقق. كملت في المبرّد الآداب ‏ واستقلت في عقلهالألباب غير أن الفتى كما زعمالنا س دعي صحف كذاب ربما زعم زاعم أنه ليس من الإنصاف أن يقرن هذا العيار من الرجال إلى عظماء العلماء المعروفين في علوم الدنيا والدين؛ فالجواب: أن في الحق أن يجعل هذا الرجل في الصف الأول بين الرجال؛ لأن أدبه أثمر ما لم يثمر غيره مفله؛ والعبرة بمن يسد ثلمة صغيرة من بئاء الآداب كانت لولاه خالية» ومن يجوّد فنا واحدًّا من فنونه بإمتاع وإبداع.

0( المَبَرّد

محمد بن يزيد بن العباس التّمالي الأَزْدِي أبو العباس (0؟)

ولد بالبصرة» واختلف الباحثون في لقب المبرّد فقيل : إنه لَقَّب بالميرّد لأنه لما صنف المازني كتاب الألف واللام سأله عن دقيقه وعويصه فأجابه بأحسن جوابء فقال له المازني: قم فأنت المبرّد يكسر الراء أي المثبت للحقء فحرّفه الكوفيون وفتحوا الراء. وقيل فى سبب هذه التسمية إن صاحب الشرطة طلبه للمنادمة والمذاكرة فكره ذلك» فدخل إلى أبي حاتم السجستاني فجاء رسول الوالي يطلبه فقال له أبو حاتم: ادخل في هذاء يعني غلاف مزمّلة فارغًا فدخل فيه وغطى رأسهء ثم خرج إلى الرسول فقال له: ليس هو عندي» فقال: أخبرت أنه دخل إليك. فقال: ادخل الدارٌ وفتّشهاء فدخل وطاف في كل موضع في الدارء ولم يفطن لغلاف المزملة. ثم خرج فجعل أبو حاتم يصفق وينادي على المزملة «المبرّد المبرّد وتسامع الناس بذلك فلهجوا به. وهو يمت بنسبه إلى الأزد.

أخذ عن الجرمي والمازني والسجستاني وصار إمام العربية في بغداد وإليه انتهى علمها بعد طبقة الجرمي والمازني» وغلب عليه النحو فعرفه أكثر القدماء ابمحمد بن يزيد النَحوي»: وكان فصيحًا بليعًا مفوّهًا مليح الأخبار ثقة فيما يرويهء كثير النوادر فيه طرافة ولباقة» وكان الإمام إسماعيل القاضي يقول: ما رأى محمد بن يزيد مثل نفسه. وقيل إن الناس بالبصرة كانوا يقولون هذا. وقال هو عن نفسه وعجزه عن الكتابة مع كثرة علمه في الأدب: «لا

لا الميْوّد

أحتاج إلى وصف نفسي لعلم الناس بي أنه ليس أحد من الخافقين تختلج في نفسه مشكلة إلا لقيني بهاء وأعدّني لهاء فأنا عالم ومتعلم وحافظ ودارسء لا يخفى عليّ مشتبه من الشعر والنحو والكلام المنثور والخطب والرسائل. ولربما احتجت إلى اعتذار من فلتة أو التماس حاجةء فأجعل المعنى الذي أتصده تُصب عينيء ثم لا أجد سبيلًا إلى التعبير عنه بيد ولا لسان» ولقد بلغني أن عبيد الله بن سليمان ذكرني بخيرء فحاولت أن أكتب إليه رُقعة أشكره فيهاء وأعرّض ببعض أموريء فأتعبت نفسي يومًا في ذلك فلم أقدر على ما أرتضيه منهاء وكتت أحاول الإفصاح عما في ضميري فينصرف لساني إلى غيره» فزيادة المنطق على الأدب خدعةء وزيادة الأذب على المنطق هجنة» أي إنه لم يكن بالكاتب الذي يرتضي كتابته» وإن كان في الأدب إمامٌ الأئمة. قال الآمدي: وهذا محمد بن يزيد المبرّد ما علمناه دُوّنَ له كبير شيء.

رجل أقرّ على نفسه بضعف الكتابة كان حظه منها كحظ أكثر النحريين واللغويين في المتقدمين والمحدثين» ومع هذا ألف نحو خمسة وأربعين مصنفًا أجل المطبوع منها وأشهرها «الكامل»؛ وهو كتاب ممتع يجيء مع البيان والتبيين والأمالي والأغاني: حوى قواعد نحوية وصرفية وإشارات لغوية وأدبية وتاريخية قال هو فيه: هذا كتاب ألّفناه يبجمع ضروبًا من الآداب ما بين كلام منثور وشعر مرصوفء ومَثْلٍ سائر وموعظة بالغةء واختيار من خطبة شريفة ورسالة بليغة. والنية فيه أن نفسر كل ما وقع في هذا الكتاب من كلام غريب أو معنى مُسْتَعْلّقَء وأن نشرح ما يعرض من الإعراب شرحًا شافيّاء حتى يكون هذا الكتاب بنقسه مكتفيّاء وعن أن يُرجع إلى أحد في تفسيره مستغئيًا. وقال في خاتمة كتابه هذا: هذا كتاب قد وفيناه جميع حقوقه. ووقَيّنا بجميع شروطه إلا ما أذهل منه النسيان: فإنه قل ما يُخلى من ذلك. قال القاضي الفاضل إنه طالع الكامل سبعين مرة وكل مرة يزداد منه قوائد.

وكان جل اعتماد المبرد على الشعر الجاهلي» ولم يُخْل كتابّه من شعر

ز الأجدا ل( اما اباب سس تمد

المخدثين وخطبهمء وإن لم يكن بحجة. ولكنهم يب ِ يجيدون فيذكر شعرهم لجودته لا للاحتجاج به قال: وليس لقدم العهد يقل القائل؛ ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب؛ ولكن يُعطى كل ما د و يستجق. وحجته في الاختيار من أشعار المولّدِين المستحستة الحكيمة أنه ع إليها للتمثيل لأنها أشكل بالدهر ويستعار من ألفاظها في المخاطبات والخطب والكتب. أي إنه لم يستغن عن شعر المحدئين وخطبهم لأن خطب الجاهلية ومحاوراتها لا تكفي في تخريج الطالب في الأدب.

وأدرك المبرد أن كتابه قد يَنْقّل على الهضمء ولا يهتم عامة القراء لما فيه من قواعد التصريف ومشكلات النحوء وحل الألفاظ العويصة» فقال في بعض فصوله: نذكر في هذا الباب من كل شيءٍ شيئًا لتكون منه استراحة للقارئ» وانتقال ينفي الملل لحسن موقع الاستطراف»: ونخلط ما فيه من الجد بشيء يسيرٍ من الهزل ليستريح إليه القلب وتسكن إليه النفس. فمؤلفنا إذن كثير الأمالي.» حسن التوادرء أملى أن الفصور آنا حمر وا وعد على العميان والأيتام والقواعد من النساء اللواتي لا أزواج لهن. فدخل على هذا المتولّي بعض المتخلفين ومعه ولده فقال: إن رأيت أصلحك الله أن تثبت اسمي مع القواعد. فقال له المتولي: القواعد نساءء فكيف أثبتك 0 فقال: ففي العميان. فقال: أما هذا فنعمء فإن الله تعالى يقول: إلا سَنْسّ حص انمد وليكن تحى_الْقُلُوبُ أَلَىى في ألصٌّنُورِ». فقال: وثبّت ولدي في الأيتام» فقال: هذا أفعله ا من يكن أنت أباه فهو يتيم» فانصرف عنه وقد أثبته في العميان وولده في الأيتام .

ومن أهم ما حوى كتاب الكامل أخبار الخوارج وشعرهم المرقص المطرب. وسيرة بعض المشهورين من بلغائتهم؛ وقد استغرق ذلك جرءًا عظيمًا من الكتاب. وختم باب الخوارج بقوله: وهذا الكتاب لم نبتدئه لتتصل فيه أخبار الخوارج» ولكن ربما اتصل شيءٌ بشيء» والحديث ذو شجون؛

٠ العيّؤّد‎ ا؛‎ 11

ويقترح المقترح ما يفسخ به عزم صاحب الكتاب: ويصده عن سئنه ويزيله عن طريقه»؛ ونحن راجعون إن شاء الله إلى ما ابتدأنا له هذا الكتاب؛ فإن مر من أخبار الخوارج شيء مر كما يمر غيره» ولو تَُسَفْناه على ما جرى من ذكرهم لكان الذي يلي هذا خبر تّجدة وأبي قَدَيْك وعمارة الرجل الطويل وشبيب» ولكان يكون الكتاب للخوارج مُخُلصًا. وأبان المؤلّث في مواطن كثيرة من الككامل أنه في نقد الشعر واختيار جيّده آبية؛ ومما قال: وأحسن الشعر ما قارب فيه القائل إذا شبّه» وأحسن منه ما أصابه به الحقيقة» ونبّه فيه بفطنته على ما يخفى غن غيره» وساقه برصف قوي واختصار قريب» قال قيس بن معاذ: وأخرج من بين الجلوس لعلني2 أحدّث عنك النفس في السرٌ خاليا وإني لأستغشي ومالي نعسةٌ لعل نحيالا منك يلقى خياليا وفي هذا الشعر: أشومًا ولما تمض لي غيرليلة رويد الهرى حتى يغيب لياليا قال: هذا من أجود الكلام وأوضحه معنى» ويستحسن لذي الرمة قولّه في مثل هذا المعنى : أحب المكان القفر من أجل أنني به أتغنّى باسمها غير مُعْبَم ومع هذا قال بعض المتقدمين إن ذوق المبرد في الشعر غير سليم» وقال أبو بكر بن مجاهد: ما رأيت أحسن جوابًا من المبرد في معاني القرآن فيما ليس فيه قولٌ لمتقدّم. وزعم بعض من تُرجموا له أنه كان أبخل الناس بكل شيوء وأنه قال: ما وضعت بحذاء الدرهم شِيئًا قط إِلّا رَجَحَ الدرهم في نفسي عليهء هذا مع سعة كان فيها ووجد. وقالوا: كان تعلب على مثل ما كان عليه المبرد في الإمساك وفوقه في السعة؛ غير أن المبرد كان يسأل سؤالا صراحًاء وكان ثعلب يُعرّض ولا يصرّح. وقال بعضهم؛ ولولا إني أكره أن أكون عيّابًا وللعلماء خاصة» لأخبرتك عنهما (ثعلب والمبرد) من الأخبار التي

كنوز الأجداد

تزيد على أخبار محمد بن الجهم والبرمكي والكندي وخالد بن صفوان والأصمعي في الإمتاع. ولأحمد بن عبد السلام الشاعر في مدح المبرد:

وأنت الذي لا يبلغ الوصف مدحه رأيتك والفتح بن خاقان راكبًا وكان أمير المؤمنين إذا رنا وأوتيت علمًا لا يحيط بكنهه يروح إليك الناس حتى كأنهم ومطلع هذه القتصيدة: ياابن سراة الأزد أزد شنوءة وقال فيه أيضًا : رأيت محمد بن يزيد يسمو جليس خلائف وعَذيّ ملك وفتيانيةالظرفاءفيه فمينثرإن أجال الفكر درًا وكان الشعر قدأودى فأحيا

وإن أطنب المُدَّاح مع كل مطنب وأنت عديل الفتح في كل موكب إليك يطيل الفكر بعد التعجب علوم بئي الدنيا ولا علم ثعلب ببابك في أعلى مُنى والمحصّب

وأزد العتيك الصدر رهط المهلب

إلى الخيرات في جاه وقدر واعلم من رأيت بكل أمر وأبهة الكبير بغير كبر

أبو العباس داثر كل شعر

قوله: جلي خلائف وعَذي ملك أنه تبيل في أصله وفرعه» وإن فيه مرح الشياب وأبهة الكبراء بدون كير » وأنه بليغ مفوّه» وأنه أحيا الشعر الذي كان

0 ٠ بسي‎

كان بين المبرد وثعلب ما يكون بين المتعاصرين من المنافرة» واشتّهر

ذلك حتى قال بعضهم :

كفى حزنًا إنا جميعًا ببلدة

وكل لكل مخلضص الود وامق

ويجمعنا في أرضها شر مشهد

نروح ونغدو لا تزاور بيننا فأبداننا في بلدة والتقاؤنا

وقال بعضهم في المبرد وثعلب: أيا طالب العلم لا تجهلن تجد عند هذين علمالورى علومالخلائق مقرونة

وليس بمضروب لنا يوم موعد

عسير كلقيا ثعلب والمبرد وعد بالمبرد أو ثعلب

فللاتك كالجمل الأجرب بهذين في المشرق والمغرب

وكان المبرّد يحب الاجتماع بثعلب للمناظرة وثعلب يكره ذلك» لأن الميرد حسن العيارة» حسن الإشارة» فصيح اللسان» ظاهر البيان» وثعلب مذهيه مذهب المعلمين» فإذا اجتمعا في محفل كم للميرد على الظاهر إلى أن يعرف الباطن. ولما مات المبرد قال فيه ثعلب هذه الأبيات وهي لأبي

بكر بن العللاف:

ذهب المبرد وانقضت أيامه بيت من الآداب أضحى نصفعه فابكوا لما سلب الزمان ووطنوا وتزودوا من ثعلب فبكأس ما أوصيكم أن تكتبوا أنفاسه

وليذهين أثر المبرد ثعلبٍ خربًا وباقي النصف منه سيخرب للدهر أنقسكم على ما يسلب شرب المبرد عن قريب يشرب إن كانت الأنفاس ممايكتب

رب من يعينهحالي ومن شعر المبرد: حيذذاماءالعتا

2 4 / | 1 اج 7 1 | عخحهه

وهولاايجرئ يبالي وقؤادي منه خالي

ودم أي : : أث.

6 ملس ب لالا0قهشهه1ه 1 _ ل للحتت

أيهاالطالبٍشيئًا ‏ منلتديذالشهوات

ممق

)00( ابن عبد ريه أبو عمر أحمد بن عبد الته بن حبيب بن حُدَيّر بن سالم مولى هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ين مروان (54)

أموي صلا وفرعًا وبيئةٌ ونشأة» تخرّج في الدين واللغة بعلماء بلده وغلب

عليه الأدب فاشتّهر به» وقويت ملكته في الشعر والنثر باتصاله بالمنادمة مع ملكين من ملوك الأمويين في الأندلس. ولا بد أن تكون الأيام التي قضاها في قصر الملك خرّجته في السياسة» وعرف آداب الملوك وما تتوقف عليه منادمتهم من الأدوات» ومنها الموسيقا والولع بالجمالء» وقد رزق إلى هذا حسًا شفاقًا فكان شاعرًا عظيماء وقد وصفوه بأنه كان فارس حلية الشعر في القرن الرايع في الأندلس» ولم تكن براعته في الشعر أقل من براعته في النثر. وصفه الحميدي مؤرخ الأندلس أنه كانت له بالعلم جلالة» وبالأدب رياسة وشهرة» مع ديانة وضيانة» واتفقت له أيام وولايات للعلم بها تَفاق» فساد بعد الخمول» وأثرى بعد الفقرء وأشير بالتفضيل إليه» إلا أنه غلب عليه الشعر. وقال فيه ابن خلكان: إنه من العلماء المكثرين من المحفوظات والاطلاع على أخبار الناس» وصئّف كنابه العقد وهو من الكتب الممتعة حوى من كل

سي ٠.‏ نعم كان ابن عبد ربه مولعًا بالجمال والطرب وهو في الموسيقا من الأفذاذ العارفين بها. وذكروا أنه وقف تحت روشن لبعض الرؤساء قُرشْنّ بماء

وكان فيه غناء حسن ولم. يعرف فقال:

يا من يضنٌ بصوت الطائر الغرد لو أن أسماع أهل الأرض قاطبة لو كان ازُرْياب» حيّا ثم أسمعه أما النبيذ فإني لست أشربه

ما كنت أحسب هذا البخل في أحد أصغت إلى الصوت لم ينقص ولم يزد صونًا يجول مجال. الروح في الجسد لذاب عن حسد أو مات من كمد ولست آتيك إلا كسرتي بيدي

وهو شاهد على تقواه وأن ليس له أرب في غير الطرب من دون ارتكاب محرم» واقتضته صناعة الشعر في صباه أن أوغل في غزله إلى التي ليس بعدهاء فأقلع في آخر عمره عن صبوتهء وأخلص لله في توبته» كما قالوا فيه ولقد اعتبر أشعاره التي قالها في الغزل واللهوء وعمل على أعاريضها وقوافيها في الزهدء وسماها الممحصاتء فمنها القطعة التي أولها..تهلا ابتكرت لبين أنت مبتكر»؟ فمحضها بقوله:

يا قادرًا ليس يعفو حين يقتدر عاين بقلبك إن العين غافلة سووداء تزفر من غيظ إذا سعرت لو لم يكن لك غير الموت موعظة أنت المقول له ما قلت ميتدئًا

ماذا الذي بعد شيب الرأس تنتظر عن الحقيقة واعلم أنها سفر للظالمين فما تبقي ولا تذر لكان فيه عن اللذاث مزدجر اهلا ابتكرت لبين أنت مبتكرا

وأصل الأبيات قالها أبو عمر في بعض من كان نال منه وقد أزمع على الرحيل في غداة عينهاء فأتث السماء في تلك الغداة بمطر جود منعته من

الرحيل ؛ فكتب إليه أبن غبد ربه:

سَلة انعكرت لين انك ميشكر ما زلت أبكي حلار البين ملتهفًا يا برده من حَيا مَل على كبد

هيهات يأبى عليك الله والقدر حتى رثى لي فيك الريح والمطر نيرانها بقليل الشوق تستعر

4 ابن عيد ربه

آليت إلا أرى شمسًا ولا قمرًا

وكم سخنت بالأمس عينًا قريرة فلا تكتحيبل عيئاك منها بعبرة

ومن شعره وهو آخر ما قاله فيما قيل:

ليت وأبلتني الليالي بكرها

نعم نقض كل قطعة قالها في الصبا والغزل بقطعة في المواعظ والزهد من ذلك قوله: ألا إنماالدنياغضارةأيكة هي الدار ما الآمال إلا فيجائع

إذا اخضر منها جانب جف جانب عليها ولا اللذات إلا مصائب وقرت عيون دمعها الآن ساكب على ذامب منها فإنك ذامب

وصوّفان للأيام معتوران وعشرأنت من بعدها سئنتان

قال الحميدي وشعره كثير مجموحع رأيت منه نيقًا وعشرين جرول من جملة ما جمع للحكم الملقب بالناصر الأموي. ومن شعره السائر:

الجسم في بلد والروح في بلد

إن تبك عيناك لي يا من كلفت به ومن شعره:

ودعتني بزفرةالمشتاق

وبدت لي فأشرق الصبح منها

يا سقيم الجفون من غير سقم

إذيومالفراق أفظعيوم

ها وخشة الروح بل.يا غربة الجسد

ثم قالت متى يكون التلاقي بين تلك الجيوب والأطواق بين عيئنيك مصرع العشاق ليثئني مت قبل يومالفراق

ومن شعره أيضاء والاصح أنها للأخطل:

إن الغواني إذا رأينك طاويًا وإذا دعونك عمهن فإئه

برد الشباب طوين عنك وصالا نسب يزيدك عندهن خبالا

6 كنوز الأجداد

وكتاب العقد الفريد الذي خلّد ذكرّه كما خلّد بالأغاني اسم أبي الفرج الأصفهاني قسمه على خمسة وعشرين كتابًا في كل باب منها جزءانء وكل كتاب باسم جوهرة من جواهر العقدء فأولها كتاب اللؤلؤة في السلطان» ثم كتاب الفريدة في الحروبء» ثم كتاب الزيرجدة في الأجواد: 6 كتاب الجمانة

فى الوفود» ثم كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك» ثم كتاب الياقو في العلم والأدتاء ثم كتاب الجوهرة في الأمثال» ثم كتاب الزمردة في د ثم كتاب الدرة في التعازي والمرائي» ثم اليتيمة في الأنساب» والعسجدة في كلام الأعراب إلى غير ذلك مما يدخل فيه الأجوبة والخطب والتوقيعات والفصول والصدور وأخبار الكتبة والخلفاء وأيامهم وأخبار زياد والججاج والطالبيين والبرامكة وأيام العرب ووقائعهم وفضائل الشعر ومقاطعه ومخارجه وأعاريض الشعر وعلل القوافي والألحان والنساء وصفاتهن والمتنبئين والممرورين والطفيليين والتحف والهدايا والمُلّحَ والطعام والشراب وطبائع الإنسان والحيوان وتفاضل البلدان.

وُفّقَ المؤلّف إلى هذا التقسيم والتنسيق في تأليفه فحبب إلى عشاق الأدب تداوله؛ وراج في الشرق على مر العصور وإن كان أصله من أرضه؛ تسوّقه مؤلّفه من بضائع المشرق وأسواقه. ندر من أجادوا جمع الأدب. والإجادة تتوقف على ذوق عالٍ» ومادة واسعة في الشعر والخطبء فأبان فيما نقل عن حسن اختياره؛ واختيار الكلام كما قال المؤلف أصعب من تأليفه: واختيار الرجل وافد عقله. رأينا مثالّا من ذلك في الأغاني ومحاضرات الراغب وعيون الأخبار لابن قنيبة. فكتاب العقد انتقاه إذن غربي من كلام مشارقة» فجاء زيدة من أدب العرب في زهو اللغة في الجاهلية والإسلام» بل معلمة من كلام أهل القرون الثلاثة الأولى منقحة مصححة. وقالوا إن الصاحب بن عباد حرص على كتاب العقد حتى حصل عنذه»ء فلما تأمله قال: هذه بضاعتنا ردت إليناء ظننت أن هذا الكتاب يشتمل على شيء من أخبار بلادهم: وإنما هو مشتمل

على أخبار بلادناء ولا حاجة لنا فيه فرده. وإذا ثبت حُكُم الصاحب على كتاب العقد فلا يعقل أن يرده بهذه السماجة وهو الذي جمع خخزانة فيها ألوف من الأجزاء وبعضها قد لا يكون من الممتعء فالعقد الفريد لا يزهد فيه الصاحب على هذا الوجه؛ وهو مهما كان مقداره قمين أن يجد له مكانًا في رفوف خزانته العظيمة.

(0)

المَسَعُودِي أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهَذَيٍ )055

قيل إنه من ذرية عبد الله بن مسعود الصحابيء ولد في أرض بابل وسكن بيغداد ونزل البصرة. ودأب في ريعان العمر على البحث في أخلاق الشعوب وطبائع الأمم» ودرس المظاهر الطبيعية والجغرافية والفلكية» وكان أخباريًا علامة صاحب غرائب وملح ونوادر» ومن المكثرين من التأليف والمجودين

نزل الشام ومصر مدة طويلة» وفي سنة ١5‏ كان في طبريةء وفي سنة 0" زار أنطاكية ومدن الحدود الشامية» وبعد رحلة قصيرة عاد إلى البصرة وتوطن دمشق سنة 4”الا» وفي مصر مات سنة 758 أو 43. ترجم له صاحب طبقات الشافعية على أنه شافعى» وقيل: إنه كان معتزلى العقيدة» وقال صاحب روضات الجنات: إنه من أصحابه الإمامية وإنه الشيخ المتقدم الكامل باعتراف العدو والولي. وعده النجاشي من رواة الشيعة؛ وقال: إن له كتيا في إثبات الوصية لعلى بن أبى طالب. وقالوا إنه مأمون الحديث عند العامة والخاصة. يعنون بالعامة أهل السنة وبالخاصة الشيعة. وظاهر كلامه في كتابه المروج الذهب» أنه عامى أو شيعى مُتّق» ولم يقبله بعض رجال الشيعة فى ثم خلفاء بني أمية ثم بني العباس وذكر سيرهم وآثارهم وقصصهم وأخبارهم على طريقة العامة ونحو تواريخهم من دون تعرض لذكر مساوئهم وقبائحهم

كظلمهم أهل البيت وغير ذلك. ومعنى هذا أنهم لا يريدون السكوت عما وقع؛ وأن يطعن على كل من وَلِيَ الخلافة على غير شرطهم. والمسعودي ممن آمن على ما يظهر بالأمر الواقع» وما أحب أن يخرج عن طور المؤرخ في الجملة؛ ولو نظرنا بعض ما قاله في يزيد بن معاوية مما لا يؤيده التاريخ لشهدنا أنه خدم التشيّع خدمة ناقض فيها ثقات أصحاب الأخبار.

وربما كان المسعودي ممن يهتم للتاريخ أكثر اهتمامه بأن يقال فيه إنه شيعي أو سني ومما امتاز به بين مؤرخي القرون الأولى أنه كان من عشاق الرحلات؛ طاف كما قال بلاد السند والزنج والصنف (جنوبي الكوشنشين) والصين والزابج (جاوة) وتقحم الشرق والغرب؛ فتارة بأقصى خراسان وتارة بواسط وأرمينية وأذربيجان والران والبلقان: وطورًا بالعراق وطورا بالشام. وقال: إنه فاوض أصناف الملوك على تغاير أخلاقهم, وتباين هممهم وتباعد ديارهم» ومع أن عصره خير عصور العلم في الإسلام شكا من كساده قائلًا : إن العلم قد بادت آثاره» وطمس مناره» وكثر فيه الغباء وقل الفهماء» فلا تعاين إلا ممومًا جاهلاء ومتعاطيًا ناقصًا.

قد يذهب الظن إن صحت شيعية المسعوردي إلى أنه تأثر بالدعوة الفاطمية؛ أو أنه من دعاة الفاطميين» وقد قاموا في أيامه بدعايات منظمة في وادي النيل وما إليه» قبل أن يفتحها قائدهم جوهر الصقلي بزمن. ولا يعقل ألا يطلع على .دعوتهم ويطالبونه أو يطالب نفسه بخدمتهم» وهو الذي عرف من انحطاط بني العباس في أيامه ما تعالم أمره؛ وله من مذهبه ما يحمله على الدعوة لآل البيت. على أنه لم يتعرض لهم كثيرًا فيما وصلنا من كلامه» وقد ألف كتاب «التنبيه والإشراف» في سنة 50 ودولة الفاطميين قامت في إفريقية سنة 545 وما انفك العبيديون يغزون مصر منذ سنة ٠١٠١‏ ويبثون في الأرجاء دعاتهم ويدعون سرًا إلى مذهبهم. هذا رأي لنا والأيام كفيلة بكشف ما إذا كان شيعيًا أو في حالة بين بين.

الأجدا ويم ل

لم نعرف في الواقع نوع الدراسات التي تمحض لها المسعودي لأول أمره. وكان من أساتذته: نفطويه» والجمحيء والبادي من كتبه أنه عُني بالتاريخ والجغرافيا كل العناية» وكذلك الأدب والمقالات والتّحَل وطبقات الأرض والمعادن والجواهر والفلك والسياسة والرجال. وما نقل من معلومات عن الشعوب والأمم والأجناس وتاريخها كان فيه إمامًا عظيمًاء عاونه على الإجادة ولوعه بالبحث. وهو ممن كتبوا عن مشاهدةء وما وصفه من الأمصار والأقطار دليل على سعة معارفه وشدة ملاحظته حتى ليكاد يحسب ما كتبه من هذا القبيل المرجع الوحيد في بعض الموضوعات. وقد يتفق ألا يتعمق في درس بعض المسائل ويذكرها كما رويت لهء لذلك أورد أساطير وخراقات أخذها كما رويت ولم يعلق عليها نقدًا من عنده» وليس لنا أن نطعن عليه في ذلك لأن ما نقله كان شائعًا وهو يرمي إلى تصوير الأفكار في عصره ويتفلسف

ما وسعته بيثته .

أنْف المسعودي في ضروب المقالات وأنواع الديانات ككتاب «الإبانة عن أصول الديانة»» وكتاب «المقالات في أصول الديانات»» وكتاب لاسر الحياة»» وكتاب «نظم الأدلة في أصول الملة» وما اشتمل عبليه من أصول الفتوى وقوانين الأحكام؛ وكتاب «الاستبصار في الإمامة» ووصف أقاويل الناس في ذلك من أصحاب النص والاختيارء وكتاب «الصفوة في الإمامة». وكتب في السياسة المدنية وأجزاء المدنية والإبانة عن المبادئ وكيفية تركيب العوالم والأجسام السماوية» وما هو محسوس وغير مجسوس من الكثيف واللطيف. وبعض كتبه تثيت تثبت أنه كان صاحب منزع سبياسي كما كان داعية علم ومدنية» ولذلك رأيناه يعاشر اليهود وغيرهم من أرباب النْحَلء وقد نوّه في التنبيه والأشراف بأحبار اليهود في عصره ممن عنوا بترجمة التوراة من .العبرية.

وأهم كتبه المشتّهَرة «مروج الذهب» و«التنبيه والإشزاف» وهو لا يفتأ

يحيل في كتابه هذين على كتاب (أخبار الزمان» وكتابه الأوسط وفدون المعارف وذخائر العلوم وتدابير الممالك والعساكر والاستذكار لما جرى في سالف الأعصار. وضمّن كتابه مروج الذهب خلاصة ما تضمنته كتبه السالغة في التاريخ, جعله تحفة للأشراف من الملوك وأهل الدرايات» وقال: إنه لم يترك نوعًا من العلوم؛ ولا فنا من الأخبارء ولا طريقة من الآثارء إلا أورده في كتابه مفصلا أو مجملًا أو أشار إليه. وأودع كتابه التنبيه والإشراف لُمَعًا من ذكر الأفلاك وهيئاتها والنجوم وتأثيراتها والعناصر وتراكيبها وكيفية أفعالها والبيان عن قسمة الأزمنة وفصول السنة والرياح ومهابها والأرض وشكلها وتأثيراتها في سكانها. وذكر الأقاليم السيعة وعروض البلذان وأطوالهاء والأهوية وتأثيراتهاء والبحار والأنهار» ثم تكلم على الدول القديمة كالفرس والسريان والروم وعلى دولة العرب من عصر الجاهلية إلى قبيل وفاته.

قال إنه ما دعاه إلى تأليف كتبه هذه في التاريخ وأخبار العالم محبة احتذاء الشاكلة التي قصدها العلماءء وأن يبقى له ذكرًا محمودّاء وعلمًا منظومًا عتيدّاء إلا لأنه وجد مضنفي الكتب بين مجيد ومقصرء ومسهب ومختصرء ولأنه وجد الأخبار زائدة» وربما غاب البارع منها على الفطن الذكيء ولكل واحد قسطه يخصه بمقدار عنايته» ولكل إقليم عجائب يقتصر على عملها أهله؛ وليس من لزم حجرات وطنه وقنع بما ثُمي إليه من الأخبار عن إقليمه: كمن قسم عمره على قطع الأقطارء ووزع أيامه بين تقاذف الأسفارء واستخرج كل دقيق من معدنه: وأثار كل نفيس من مكمنه. قال: ولو كان لا يؤلف كتابًا إلا من حوى جميع العلوم» إذن ما ألّف أحدٌّ كتابًا ولا تأتى له

تصشف .

قال العلامة بروكلمان: إن الاضظراب المتؤاصل في حياة المسعودي قد عيّن صورة إنتاجه الأدبي» وقد خلّف معلومات ثمينة عما طافه من اليلاد المتاخمة للأقطار الإسلامية. وكان عرضه لما جمعه من المواد يشبه بنقصه

استطرادات يراها ضرورية» وتناولت أبحاثه ما كان يهم معاصريه من المعارف تقريبًا كالفلسفة الطبيعية والأدب والسياسة والملل والتحل.

أما العلامة كترمير فقد أحسن ظنه بالمسعودي أكثر من هذا وقال: إنه كان أجدر بالمؤرخين والجغرافيين العرب المتأخرين أن يتخذوا المسعودي إمامًا في تاريخ الأديان والعلوم دون هؤلاء المؤرخين الرواة الجهلة المقصرين في التمحيص والنقدء وقد حداه على درس أخلاق الشعوب وآرائهم ومذاهبهم حب الاستطلاع العلمي وبراءته من التعصب لرأي من الآراء ومذهب من المذاهمب» وهذا ما جعله على اتصال بالعلماء من كل مذهب ونحلة. وقال العلامة مايرهوف: ولسنا نعرف شيئًا عن فلسفته. وغاية ما علمنا أنه كان على صلة مستديمة مع فلاسفة بغداد» ولم يبق من كتبه العشرين 3 تقريبًا ويا لللأسف إلا كتاب التنبيه والمروج وجزء من كتاب أخبار الزمان؛ وهي كتب غاصة بالأخبار التاريخية والجغرافية وبأخبار الملل والتّحل» وضياع كتبه الأخرى خسارة لتاريخ العلوم في مبدثها عند العرب لا يمكن تعويضها .

كشقنا القناع بعض الشيء عن حياة المسعودي وذلك بالرجوع إلى كتابيه المروج والتتبيه وإلى ما قاله من نظروا في سيرته من العرب والإفرنج فثبت أنه من أفراد الدهر بعلمه وبحثه وبُعْد همتهء وغرامه بالتنقل في الآفاق» بما لم يوفق إلى احتذاء مثاله من سبقوه ولحقوه. لا جرم أن المسعودي المؤرخ يعرف مضرة التحزّْب يسمعتهء فلم يسعه وهو غير راض عن بغض الخلفاء إلا أن يذكر تاريخهم ولو بلسان جمجم فيه وتعتع. وهذه الأخطاء التي ارتكبها عمدا أو عن غير عمد» فعبث يبهاء الحق في بعض أخكامهء لم تَحَل دون الانتفاع بتآليفه. ولشيعية المسعودي مدخل كبير في آرائه لأن من جوّزوا الكذثب على مخالفيهم وغلوا في حب الطالبيين حتى جعلرهم فوق البشرء وزعموا لهم الكمال المظلق» وأن المعاصي حلال لهم حرام على غيرهم لا يؤتمتون على

- المَسْعُودِيٌ

التاريخ. والمتعصب لفئة يجب الاحتياط في الأخذ عنه بخلاف المتسامح الذي لا ضلع له مع أحد. وما خدم به المسعودي التشيّع لم يرض به الشيعة فهو مخالف للإماميين والجماعيين» وكل فريق يريده أن يكون له وحدهء وأن يقبل مذهبه بحذافيره» .ويدافع عنه بالحق والباطل. والتشيع ما كان. بادئ ذي بدء إلا بتفضيل علي بالإمامة على الشيخين؛ حتى إن الشريف المرتضى من أكبر أثمتهم كان يترضّى عن الشيخين ويشمئز ممن ينالهما بسوء» ويقول إنهما وُلَّيَا وعَدَلاء وكذلك شأن جده الأعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجههء كان يقول: إن أبا بكر وعمر ما ظلماني ذرة» وإن أبا بكر أسلم وأنا جذّعَة؛ أي فتّىء أقول فلا يسمع لقولي فكيف أكون أحق بمقام أبي بكر.

عفا اله عن تزع امتهم الميائية قا نشؤوا من حزب سياسي مذهبًا دينيًاء وكَفَّروا كل من لم يوافقهم على هؤاهمء زجاء متأخروهم فأدخلوا في معتقداتهم ما لم يقل به متقدموهم وفرّقوا بين أجزاء القلوب. وأشد ما يرمض النفوس في هذا الباب أن يعبث بالتاريخ من أجل المذهب ويموه السخفاء ليصوروا الأحداث على ما يشاؤون لتأييد مذهبهه”؟.

>22

)١(‏ ومن سفهائهم رجل اسمه شهراشوب من أهل القرن السادسء كتب كتابًا في مناقب آل أبي طالب حشاه كذبًا واختلاقًا ها نظن عاقلا في الأرض يوافقه عليه. وكتابه من أسخف ما أثْر من سلسيلة تلك السخافات؛: شتم فيه الصحابة الكرام كلهم .ما عدا بضعة منهم كانوا مع عليَ» واختلق كل قببخ ألصقه برجال لا يدين الإسلام لغيرهم في انتشاره» وأورد من الشعر لإثبات أباطيله ما هو سَبّة على قائله وناقله على وجه الدهر.

(00

ابن جرير الطبري محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر )06

هذا رجل اشتغل لخدمة القرآن والحديث والفقه والتاريخ» ولم يلتفت إلى غير ما أخذ من نفسهء وهيأته الفطرة له» وعاش ما عاش وما عُهدٌَ عليه أن 0 بهناة؛ أو حاد قِيدَ أنملة عن الخطة التي اختطها في خبدطة الله كان مثالا باهرًا بألمعيته وحريته ودهائه ومضائه. تجسدت فيه الأمانة وهى الصفة الأولى للعالم فوقع الإجماع على قبول كلامه أو كاد. كان عارقًا كل المعرفة بسياسة العلم» فوصل بأناته إلى أن تم له ما أراده من صنوفه» وسعد بأن كتب البقاء لمصنفاته وستبقى من أهم المراجع ما بقيت اللغة العربية والشريعة المحمدية.

ولد بآمل طبرستان سنة خمس وعشرين ومثتين وتوفي في بغداد. وكان أسمر أعين نحيف الجسم مديد القامة فصيح اللسان» نيغ قي العلم صغيرًا فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين» وصلى بالناس وهو ابن ثماني سنين؛ وكتب الحديث وهو ابن تسع سئين» وأخذ الفقه عن داود كما أخذ فقه مالك وفقه الشافعي» وسمع الحديث في الري ويغداد والكوفة والبصرة والشام ومصر حتى «جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره» و«نظر في المنطق والحساب والجبر والمقابلة وكثير من فئون أبواب الحساب وفي الطب؟ «وكان كالقارئ الذي لا يعرف إلا القرآن» وكالمحدث الذي لا يعرف

)١(‏ زَنَّ فلانًا بخير أو شرّ: قَلنّه به. (المُراجع)

_ يربطلا ابن جرير‎ ٠

إلا الحديث» وكالفقيه الذي لا يعرف إلا الفقه» وكالنحوي الذي لا يعرف إلا النحوء وكالحاسب الذي ل يعرف إلا الحساب. .٠‏ وإذا جمعت بين كتبه وكتب غيره وجدت لكتبه فضلا عن غيرها».

ولما كل مكراد وى اعد بن اهز الخدم إلا لجيه وانتصترني العم الذي يتحقق به. قال افجاءني رجل فسألني عن شي من العروض» ولم أكن نشطت له قبل ذلك» فقلت: عليَ قول ألا أتكلم اليوم في شيءٍ من العروض»؛ فإذا كان في غدٍ فصِرٌ إليّء وطلبتٌ من صديق العروض للخليل بن أحمد؛ فجاء به فنظرت فيه ليلتي فأمسيت غير عروضي وأصبحت عروضياء؛ أي إن الرجل العارف بالقرآن البصير بالمعاني الفقيه بأحكام القرآن العالم بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخهاء والحافظ أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام والعارف بأيام الناس ‏ لم يحب لنفسه جهلها بالعروض فدرسه في ليلته وحذقه كما يحذقه من اشتغل به أشهرًا

هذه أوجه درسه وبحثهء والأهم من هذا امتيازه بأخلاقه وعقله ويهما عُدَّ إمامًا من أئمة العلم ايُحَْكُم بقوله ويرْجَع إلى رأيه؛ «وتفرد بمسائل حُفِظت عنه» فله مذهب خاص انقطع أتباعه فيه بعد الأربعمئة» وكان أظهر مذهب الشافعي وأفتى به عشر سنين» قال الفرغاني : فلما اتسع علمه أذّاه اجتهاده وبحثه إلى ما اختاره في كل صنف من العلوم في كتبهء وهذه ُقِدت؛ أي كتب مذهيه .

قالوا لما دخل بغداد كانت معه بضاعة يتقرّت منها فسسرقت» فقال له بعض أصدقائه : تنشّط لتأديب ولد الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان فأجاب إلى ذلك» فأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر. فلما كتب الصبي أخذ الخادم اللوح ودخلوا مستبشرين» فلم تبق جارية إلا أهدت إليه صينية فيها دراهم ودنانير فرد الجميع وقال: قد شورطت على شيء وما هذا لي بحق» وما

توز الأحدا كك 19 أ لللء ع ابيب إبإ|إ ب بي 0

آحد الأاعاخررطت هليه ونا قال له الوني: إن أميات الأرلا دعي عن رده قال: هؤلاء عبيد» والعبيد لا يملكون شيئًاء فَعَظُم في نفس الوزير. .وكان ربما أهدى إليه بعضٌ أصدقائه الشية من المأكول فيقبله انَّبَاعَا للسنةء ويكافئه لعظم مروءته أضعافاء وربما يجحف بهء فكان أصدقاؤه يجتنبون مهاداته.

ولما ورد مصر في سنة 7905 نزل على الربيع بن سليمانء فأمر من يأخذ له دارًا قريبة منهء قال: «وجاءني أصحابه فقالوا: تحتاج إلى قصرية وزير وحمارين وسدةء فقلت: أما القصرية فأنا لا ولد لي وما حللت سراويلي على حرام ولا على حلال قطء وأما الزير فمن الملاهي وليس هذا من شأني» وأما الحماران فإن أبي وهب لي بضاعة أنا أستعين بها في طلب العلم؛ فإن صرفتها في ثمن حمارين فبأي شيء أطلب العلم. قال: فتبسموا. فقلت: إلى كم يحتاج هذا؟ فقالوا يحتاج إلى درهمين وثلثين فأخذوا ذلك مني» وعلمت أنها أشياء متفقة؛ وجاؤوني بأجانة وجب للماء وأربع خشبات قد شدوا وسطها بشريط وقالوا: الزير للماء والقصرية للخبز والحماران والسدة تنام عليها من البراغيث؛ فكنت إذا جثت نزعت ثيابي وعلقتها على حبل قد شددته واتزرت وصعدت إلى السدة».

بقي ابن جرير يعيش من مال أبيه وكان أبوه من أهل اليسارء وقد يضيق ولا يسفتٌ إلى تناول شيء من أحد مهما عظمت منزلته» وظل قائعًا بما يرد عليه من قرية يسيرة خلّفها له أبوه بطبرستان» وأبطأت غليه نفقة والده مرةٌ فاضطر إلى أن يفتق كمي القميص ويبيعهما. أراد المكتفي الخليفة أن يقف وقمًا تجتمع أقاويل العلماء على صحته ويَسْلَم من الخلاف» فأحضروا ابن جرير فأملى عليهم كتابًا لذلك فأخرجت له جائزة سَنِية فأبى أن يقبلهاء فقيل له: لا بد من جائزة أو قضاء حاجة؛ فقال* تَعَمه الحاجة أسأل أمير المؤمنين أن يتقدم إلى الشّرط أن يمنعوا السُّؤّال من دخول المقصورة يوم الجمعة» فتقدم بذلك» وَعَظم في نفوسهم.

٠‏ ابن جرير الطيري

أرسل العباس بن الحسن الوزير إلى ابن جرير: قد أحببتٌ أن أنظر في الفقه؛ وسأله أن يعمل مختصرًاء فعمل له كتاب الخفيف وأنفذهء فوجّه إليه ألف دينار فلم يقبلهاء فقيل له: تصدَّقُ بها فلم يفعل. ولما تقلد الخاقاني الوزارة وجه إليه بمال كثير فأبى أن يقبله» فعرض عليه القضاء فامتنع فعاتبه أصحابه وقالوا له: لك في هذا ثواب وتحيي سنة قد دُرست» وطمعوا في أن يقبل ولاية المظالم فانتهرهم وقال: قد كنت أظن أني لو رغبتٌ في ذلك لنهيتموني عنه. ونحن نقول إن هذه العطايا لو مُِحَها الإمامان أبو يوسف والفخر الرازي لاستحلا أَحُذَّها وشَّكّرا عليها وضمّاها بلياقة إلى أموالهما العظيمة. وابن جرير بهذا الإباء يبقى اسمه مقدسًا بكل شفة ولسان على مر الزمان.

ومن شعر الطبري: إذا أعسرت لميعلمرفيقي) وأستغني فيستغني صديقي حيائي حافظ لي ماء وجهي ورفقي في مطالبتي رفيقي ولو أني سمحت ببذل وجهي6 لكنت إلى الغنى سهل الطريق

وقال: خلقان لا أرضى طريقهما ‏ بطرالغنى ومذلةالفقر فإذا غنيتٌ فلا تكن بَطرًا ‏ وإذاافتقرت فَتَِهُ على الدهر

مثال من بُعْدٍ نظره وسعة عقله وعلمه بزمانه: لما خُلِمَ المقتدر وبويع ابن المعتز دخلوا على ابن جرير الطبري فقال: ما الخبر؟ قيل بويع ابن المعتز» قال: ومن رشح لوزارته؟ قيل ابن الجراح. قال: فمن ذكر للقضاء؟ قيل: أبو المثنى. فأطرق ثم قال: هذا أمر لا يتمء قيل: وكيف؟ قال: كل واحد من هؤلاء متقدم في معناه» والزمان مدبر والدنيا مولية» فما أرى هذا إلا إلى الاضمحلال. وكان كما قال: جرت حرب بين غلمان المريدين للمقتدر وبين

نوز الأجدا رم كز اناه

المريدين لابن المعتزء فانهزم ابن المعتز وتفرق أصحابه» ثم أُمْسك وحُيس ليلتين وقُتل خنقّاء فكانت خلافته يومًا واحدًا.

وإذا عرضنا لذكر تآليف ابن جرير فإنا نرى أعظمها تفسيره وتاريحّه؛ أما تفسيره فقد جوّده وبيّن فيه أحكام القرآن وناسخه ومنسوخه ومشكله وغريبه ومعائيه واختلاف أهل التأويل والعلماء في أحكامه وتأويله والصحيح لديه من ذلك وإعراب حروفه والكلام على الملحدين فيه والقصص وأخبار الأمم والقيامة وغير ذلك مما حواه من الحكم والعجائب كلمة كلمة وآية آية» من الاستعاذة إلى أبي جادء فلو ادعى عالم أن يُصنّف منه عشرة كتب كل كتاب منها يحتوي على علم مفرد عجيب مستقصى لفعل. وقد ضرب التوحيدي المثل بتفسير ابن جرير وأسمه «جامع البيان». وقال السيوطي من المتأخرين: إنه يوجّجه الأقوال ويرجح بعضها على بعض ويُعْرب ويستنبط فهو يفوق بذلك تفاسير الأقدمين.

أطال ابن جرير في تفسيره وفي تاريخه» وكانت النعمة على العلم في هذا التطويل. وكان من نيته أن يتوسع أكثر مما توسع؟ فقد ذكروا أنه قال لأضحايه قبل وضع هذين الكتابين العظيمين: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال ثلائون ألف ورقةء فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال: هل تنشطون لتاريخ العالّم من آدم إلى وقتنا؟ قالوا: كم قِدره؟ فذكر نحرًا مما ذكره في التفسير» فأجابوا بمثل ذلك فقال: إنا لله مانت الهمم» فاختصره في نحو ما اختصر التفسير.

أما تاريخه؛ فقد رثّبه على السنين وضمّنه ما خَلَْتُ منه الكتب التي في الأيدي: واستفاد الئاس من تطويله الذي ما ارتضاه وَعَدَّه مختصرًا. وصفه المسعودي المؤرخ فقإل: إنه الزاهي على المؤلّفات؛ والزائد على الكتب» فقد جمع الأخبار؛ وحوى فنون الآثار؛ واشتمل على ضروب العلم» وهو

كتاب تكثر فائدته وتنفع عائدته» وكيف لا يكون كذلك ومؤْلّفه فقيه عصره» وناسك دهرهء وإليه انتهت علوم فقهاء الأمصارء وَحَمّلة السير والآثار.

وأكثر اعتماد ابن خلدون المؤرخ في النقل على تاريخ ابن جرير هذاء قال: لأنه أوثق من رآه في ذلك» وأبعد عن المطاعن في كبار الأمة من خيارهم وعدولهم من الصحابة والتابعين. كلام حق. وفي كتابه تقرأ تؤدة العلماء ووقار الحكماء وتقتنع أنك تنفذ إلى حقائق التاريخ» لأن مؤلّفه متصف بصفات الكمال لا مطعن عليه في شيءء ختى صار كتاب «الرسل والملوك؛ المصدر الأول في التاريخ الإسلامي أخذ عمن تقدمه» ومنهم من أهل الأهواء المخالفين لمذهبه كأبي مخنف”'' فاقتبس من كلامه مأ راقه واعتقد صحته: أخذ النقاوة وترك التفاوة. وكتابه المصدر الوحيد لكل من جاء بعده؛ يجد فيه كل طالب بغيته» ويتجسم له الصدق يتدفق من خلال كلامه لا يجرح سليماء ولا يوثق كذوبًاء ولا يقذف في عظيمء ولا يتهم بريئًا .

قال صاحيه الفرغاني: كان محمد بن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائمء ولا يعدل في علمه وتبيانه عن حق يلزمه لربه وللمسلمين إلى باطل لرغبة ولا رهبة» مع عظيم ما كان يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحدء وأما أهل العلم والدين فغير منكرين علمه وفضله وزهده وتركه الدنيا مع إقبالها عليه وقناعته بما كان يرد عليه من قرية خلفها له أبوه بطبرستان يسيرة .

تعصّب عليه الحنابلة ووقعوا فيه فتبغهم تيزهم» ولذلك سبب: وهو أن الطبري جمع كتابًا ذكر فيه اختلاف الفقهاء لم يصئّف مثله» ولم يذكر فيه أحمد بن حنبل» فقيل له في ذلك فقال: لم يكن فقيهًا وإنما كان محدنًا. (1) كان أبو مخنف لوط بن يحيى المؤرخ شيعيًا (169) وكذلك الواقدي. وأبو مخنف ‏ كما

قال العلماء ‏ يزيد على غيره بأمر العراق وأخبارها وفتوحهاء والمدائني بأمر خراسان والهتد وفارس» والواقدي بالحجاز والسيرة. وقد اشتركوا في فتوح الشام.

فاشتد ذلك على الحتابلة فسَّعَبُوا عليه» وكانوا يَشْعْبُونَ لأقل من هذاء حتى اضطر أصحابه أن يدفنوه في بيته مخافة أن تطول إليه أيدي الحنابلة بالإيذاء بعد وفاته؛ قال المؤرخون: ادّعوا عليه الرفض» ثم ادعو عليه الإلجاد!

هذه سيرةٌ من أطيب سير الرجال يَقِلّ في وصف صاحبها ما اعتاد الناس أن يطلقوه من الألفاظ في وصف العلماء العاملين» وكفى أن يقال إنه كان مأمونًا على الإسلام وعلى تاريخه» وأنه ما حاد ذرةً عن هدي أرباب الأخلاق» وما عُدَّتُ له سقطة يسقط فيها أكثر المؤلفين» وما أثر عنه أنه أضاع دة قيقة من حياته في غير الإفادة والاستفادة. روى المعافا بن زكريا عن بعض الثقات أنه كان بحضرة أبي جعفر الطبري رحمه الله قبل موتهء وتوفي بعد ساعة أو أقل منهاء فذكر له هذا الدعاء عن جعفر بن محمد فاستدعى محبرة وصحيفة فكتبها فقيل له: أفى هذه الحال؟ فقال: ينبغى للإنسان ألا يدع اقتباس العلم حتى الممات. ١‏ ْ

ةد كج مكل

)01(

ابن دريد أبو بكر محمد بن الحسن (81)

يتصل نسبة بيعرب بن قحطان. ودريّد تصغير أدْرّد الذي ليس فيه سن» وهو من الأزد. والأزد سكنوا مأرب» ولما تفرقوا نزل بعضهم لحمان» ومنهم بعض أجداده. ولد ابن دريد في البصرة سنة ثلاث وعشرين ومئتين» وعاش ثماني وتسعين سنة .

نشأ في عمان واليصرة وفي هذه قرأ على أبي عثمان الأشنانداني» وكفله عي بعاد قرأ مبادئ العلم. ومن أساتذته أبو حاتم السجستاني والرياشي والتوزي والزبادي وغيرهم من أجلة العصر. كان إمامًا في اللغة والنسب والشعرء آية في الحفظء حفظ كثيرًا من دواوين العرب» وقيل إنه أملى كتاب الجمهرة من حفظه وهو ابن أربع وسبعين سنة. ورحل ابن دريد إلى الأهواز يؤدب إسماعيل بن ميكال؛ وكان أبوه عبد الله تولاها وبقي مع الأب والابن مدة ولاية الأب عليهاء وقلده عبد الله ديوان فارس فكانت تصدر كتبها عن رأيه. وسكن بغداد كما سكن عمانء وطاف في أرجاء الجزيرة جزيرة ابن عمرء واتصل في بغداد بالخليفة المقتدر فأحله منه أجمل محل وأجرى عليه خمسين دينارّاء وما كان ابن دريد مقثّرًا عليه طول حياته» وكان أهله في سغة من العيش فأفاد مالا منهم وممن اتصل بهم من الأمراء والخلفاء. كان سخيًا سريًا جميل العشرة غير ضنين بعلمه. والغالب أنه كان شافعي المذهب؛ وإن كان سكان عمان وما إليها في أيامه على مذهب الخوارج؛ أي الشراة. وكان

يرجَع إليه في اللغة ويفتى بقوله» تصدّر في العلم ستين سنة. وقالوا إن العلم والشعر ما ازدحما في صدر أحد ازدحامهما في صدر خلف الأحمر وابن دريد. وقالوا إنه كان في شعره طورًا يجزل وطورا يرق» وقد نظم في كثير من أغراض الشعر: وأجمل ما نظمه حكمه ومنها مقصورته وفيها مثال من تبحره في اللغة ملح بها الأمير أبا العباس إسماعيل بن ميكال رئيس نيسابور ومقدمها وقدم له كتاب الجمهرة. قال أبو العباس: إن ابن دريد. أملى عليه كتاب الجمهرة من أوله إلى آخره حفظًا وما استعان عليه بالنظر في شيء من الكتب إلا في باب الهمزة والألف فإنه طالع له بعض الكتب. قال المسعودي: وكان ابن دريد ممن قد برع في زماننا هذا في الشعر وانتهى في اللغة وقام مقام الخليل ابن أحمد فيهاء وأورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين. فإن من جيد شعره القصيدة المقصورة التي يمدح بها الشاه بن ميكال» ويقال إنه أحاط فيها بأكثر المقصور وأولها:

واشتعل الأبيض فى مسوده وملها :

إن الجديدين إذا ما استوليا ومنها يقول:

لست إذا ما بهظتني غمرة

وإن نوت بين ضلوعي زفرة

طرة صيح نحت أذيال الدجى

على جديدأدنياهلليلى

تملا ما بين الرجا إلى الرجا

ومن مشهور كتبه كتاب الاشتقاق» وله غير ذلك منها ما طبع ومنها ما لم يطبع. وقد «رٌمي بافتعال العربية وتوليد الألفاظ وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامها» وهذا ما نستبعده. والذي حصل والله أعلم أنه نقل ألفاظًا

غير مألوقة أدمجها في شعرهء وعند ظنه أنه خدم بها اللغة العربية مثل قوله

أماطت لثامًا عن أقاح الدمائث بمثل أساريع الحقوف العثاعث ونصت عن الغصن الرطيب سوالقًا يشب سناها لون أحوى جثاجث ولاثت نُثَنَي مرطها دعص رملة سقاها مجاج الطل عَبّ الدثائث وبيعض هذه الألفاظ مما يحتاج فهمه إلى أن يرجع إلى مثل الأصمعي وأبي زيد لأنها من عويص اللغة تورث الصدر انقياضًا لمن أراد تفهمهاء وبعض من لم يعرف يقتصر الطريق ويقول إن ابن دريد يأتى بما ليس له أصل في اللغة من الكلمات» بل إن الأصمعي قال في عدة مواقع وقد عرض عليه الكلام العريص إنه لم يفهم. أنشدوه مرّة بيئًا لامرئ القيس: وس كستّيق سناء وسّئّما ذعَرْت بمدلاج الهجير نهورض قال الأصمعي: لا أدري ما السن ولا السنيق ولا السنّم. وقوله : وسفن اشبيصن ونان رونك ٠‏ تكاج نيدن نات وزاد في تقببح ذلك وقوعه في أبيات منها : فقد طوفت في الآفاق حتى 2 رضيت من الغنيمة بالإياب وكل مكارم الأخلاق سارت إليههمتي ونما اكتسابي وقد استعمل ابن دريد الشعر في تقرير بعض المفردات وجعله سلما إلى تفسير أمور صعبة تذخل في قواعد الألفاظ؛ مثل ما يذكر من الأعضاء ولا يؤنث؛. وما يؤنث ولا كر وما يذكر ويؤنث. ومن شعره العذب: لوأن قلبّاذاب من كمد ماكان بين صضلوعه قلب

لوكنت صبّاأو تسر هوى

يهوىاقترابك وهو قاتله

ومله : وليلة سامرثث عيني كواكبها والراح تفتر عن در وعن ذهب باليل لا تيح الإصباح حوزتنا

كنوؤ الأجداد

فشفازؤه وسقامهالقرب

نادمت فيه الصبا والنوم مطرودٌ جادت بما منعته الكاعب الرود فالتير متسم متسبك والدر معقود

وكتب إلى أبي الحسن علي بن عيسى ين داود بن الجراح الوزير:

أبا حسنء والمرء يخلق صورة إذا كنت لا تُرجى لنفع معجل ولم تك يوم الحشر فينا مشفعًا علي بن عيسى خير يوميك أن ثُرى وإني لأخشى بعد هذا بأن تُرى وقال: وما أحد من ألسن الئاس سالمًا فإن كان مقدامًا يقولون أهوج وإن كان سكينًا يقولونأيكم وإن كان صوامًا وبالليل قائمًا فلا تحتفل بالناس بالذم والثنا ومن مليح شعره: غراءٌ لو جلت الخدور شعاعها

وي اس ماه

تختر هما ةشه المتزامر وأمرك بين الشرق والغرب جائز فرأي الذي يرجوك للنفع عاجز وفضلك مأمول ووعدك ناجز

وبين الذي تهوى وبينك حاجز

ولو أنه ذاكَ النبي المطهر وإن كان مفضالا يقولون مُنزر وإن كان منطيقًا يقولون مهذر يقولون زرّاف يرائي ويمكّر ولاتخشنّ غير الله فالله أكبر

للشمس عتد طلوعها لم تشرق

غصن على دعص تأود فوقه لو قيل للحُخسن احتكم لم يَعْدُها وكأننا من فرعهافي مغرب تبدو فيهتف للعيون ضياؤها

وحمراء قبل المزج صفراء بعده حكت وجنة المعشوق قبل مزاجها وقال: لا تحقرن عالمًاوإن تخحلقت وانظر إليهيعين ذي خطر فالمسك بيناتراهممتهئًا حتى نراهبعارضي ملك وله أيضاً: العالمالعاق لابن نفسه كن ابن من شئت وكن مؤدبًا وليس من تكرمهلغيره وقال في أخلاق الناس: أرى الناس قد أغروا ببغي وريبة وقد لزموا معنى الخلاف فكلهم إذا مارأوا خيرًا رموه بظتئّة وليس امرؤ منهم بناج من الأذى

أو قيل خاطب غيرها لم ينطق وكأننا من وجهها في مشرق الويل حل بمقلة لم تُطبقٌ وقال وهو مشهور ومتداول على الألسن:

أتت بين ثوبي نرجس وشقائق

أثوايه في عيونرامقه مهنب الرأي في طرائقه يفهرعطارهوساحقه أو موضع التاج من مفارقه

أغناه جنس علمه عن جنسه فإنما المرء د 2 بفضم د * سة مثلالذي تكرمهلتفسه

وَغيَ إذا ما ميزالناسَ عاقل إلى نحو ما عاب الخليقة مائل وإن عاينوا شرًا قكلّ مناضل ولافيهم عن زلّة متغاقل

وإن عاينوا حبرا أديبًا مهنبًا وإن كان ذا ذهن رموه يبدعة وإن كان ذا دين يسمّوه نعجة وإن كان ذا صمت يقولون صورةٌ وإن كان ذا شر فويل لأمه وإن كان ذا أصل يقولون إنما وإن كان مجهولًا فذلك عندهم وإن كان ذا مال يقولون ماله وإن كان ذا فقر فقد ذلٌ بينهم وإن قنع المسكين قالوا لقلة وإن هو لم يقنع يقولون إنما وإن يكتسب مالا يقولوا بهيمة وإن جاده قالوا مسرف ومبذر وإن صاحب الغلمان قالوا لريبة وإن هوي النسوان سمّوه فاجرًا وإن تاب قالوا لم يتب منه عادة وإن حج قالوا ليس لله خحبجه وإن كان بالشطرنج والنرد لاعبًا وإن كان في كل المذاهب فائرًا وإن كان معزامًا يقولون أهوج

وأن يعتلل يومًا يقولوا عقوبة.

حسييًا يقولواأنهلمخاتل وسموه زنديقًا وفيه يُحاول وليس له عقل ولا فيه طائل ممثلة بالعِيّ بل هوجاهل يفاخر بالموتى وما هو زائل كبيض رمال ليس يعرف عامل من السحت قد رابي ويئس المآكل حقيرًا مهيئًا تزدريهالأراذل وشحة نفس قد حوتها الأنامل أتاها من المقدور حظ وثائل وإن لم يَججد قالوا شحيح وباخل وإن أجملوا في اللفظ قالوا مَبَاذْل وإن عفٌ قالوا ذاك خنثى وباطل ولكن لإفلاس وما ثم حاصل وذاك رياءٌ أنتجته المجافل ولاعبّ ذا الآداب قالوا مُداخل وكان خفيف الروح قالوا مثاقل وإن كان ذا ثبت يقولؤون باطل لشر الذي يأتي وما هو فاعل

١‏ أين د : ش ين دريد وج )6

وإن مات قالوا لم يمت حتف أنفه ‏ لماهو من شرالماآكل آكل وما الناس إلا جاحد ومعاند ‏ وذو جسدٍ قد يان فيهالتخاتل فلا تتركن حقًّا لخيفة قائل فإن الذي تخشى وتحذر حاصل هذا شعر ابن دريد وهذه حكمهء وقد جاء منها في مقصورته الشيء الكثير حتى كاد يكون في حكم الأمثال. ولم نطلع فيما اطلعنا غليه من مؤلفاته على شيء من نثره ولا شك أن له منه طائقة خصوصًا وقد تقلد الدواوين وكان الحاكم يصدر عن آرائه فبالشعر لا تتم هذه المقاصدء ومن العادة أن يعمل التثر ويتهالك على جمع القريض ولو كان من السقط الذي يجب أن يرذل.

يس -< عيرق

0 ابن الداية أحمد ين يوسف الكاتب 07

كان يوسف بن إبراهيم» والد أحمد بن يوسف المعروف بابن الداية» ولد داية ابن المهدي العباسي وكاتب إبراهيم بن المهدي ورضيعه ومدبّر أمواله وضياعه. يُعَدٌ من كتاب الدرجة الأولى» له كتاب الطبيخ وكتاب أخبار إبراهيم بن المهدي. وانتقل من يغداد إلى مصرء ولم يعرف سبب انتقاله ولا سنة هجرته وغاية ما عُلمٍ أنه جاء دمشق سنة 21176 ولعل في هذا العام كانت هجرته من بغداد.

كان يوسف من أهل المروءات التامة والعصبيات العظيمة» وكان متمرّلًا ابتاع الضياع وتقبّل المزارع فنمت أمواله وأفضل منها على فاته" فكان يُجري على عشراتٍ من أهل الستر من الأشراف وغيرهم في مدينة الفسطاط. حيسه ابن طولون مرة في بعض داره»ء وكان اعتقال الرجل في داره يؤيس من خَلاصِهء فجاء جماعة إلى أحمد بن طولون ويكوا وطلبوا إليه أن يقتلهم إن كان معتزمًا على قتله. وقالوا إن لهم ثلاثين سنة ما فكروا في ابتياع شيء مما احتاجوا له ولا وقفوا بياب غيره. وكل هذا يزيد في خوف ابن طولون من يوسف بن إبراهيم فيقوم في نفسه أنه عَيْن عليه يتسقّط أخباره ويُنْهِي بها إلى يغدادء وهو من صنائع خلفائها وربييب نعمتهم .

(1) العافي: كل طالب فضل أو رزق. ج: عُفاة [القاموس]. (المُراجع)

ولما هلك يوسف بن إبراهيم أخذ ابن طولون صندوقين من كتبه» وبين يديه رجل من أشراف الطالبيين» فوقغ على دفتر جراياته على الأشراق وغيرهم فوجد اسم الطالبي في الجراية فقال له: وكانت عليك جراية يوسف بن إبراهيم؟ فقال له: نعم أيها الأميرء دخلت هذه المدينة وأنا مُمْلقء فأجرى علي في كل سبئة مثتي دينار» أسوة باين الأرقط والعقيفي وغيرهماء ثم امتلأت يداي بِطَوْل الأمير فاستعمَيْتٌ منها.

في هذه البيئة الرَّويَّة بمكارم الأخلاق» العريقة في الآداب والفضل نشأ أحمد بن يوسف في نعمة سابغة» وسراوة ظاهرة. تخرّج في الآداب» وتفئن في أخذ العلوم» فجاء كاتبًا سريّاء وشاعرًا مجيدّاء وطبيبًا نطاسياء يُحكم الرياضيات» ويحذق الطبيعيات» ويعلم النجوم. وصفه بعض واصفيه يأنه مِجِسْطِي أوقيلدسي» وكان يعرف في العراق بالمهندسء, ذكروا أنه رف بالشعرء ولم يذكروا أن إنشاءه فوق كل هذا. ولم يضلنا من شعره سوى يضعة أبيات قالها على البديهة لما خرج عليه الأعراب في بعض أرجاء. مصر وأنقذه المُخَفْرونَ من شرهم فقال فيهم : جزى الله خيرًا معشرًا حقنوا دمي وقد شرعت نحوي المثقفة السَمرٌ دراهمهم ميذولة لضعيفهم وأعراضهم من دونها العَفْر والستر إذا ما أغاروا واستياحوا غنيمة أغار عليهم في رحالهم الشكر وإن نزلوا قطرًا من الأرض شاسدئًا ‏ فماضرٌّءالايكوتبهقظر

وكان كتب إلى صديقه أبي الفياض سوار بن شراعة الشاعر لما اعتزم الرجوع إلى بغداد مقدار خمسين ورقة من شعره» وكان يستحسنه ويعجب به ولم يُؤثر منه إلا بيت واححد: طبِلْئا بها نستنزل الدنَّ صفوها فينزل أقباسًا بغيرلهيب

كتب أحمد بن يوسف سيرة أحمد بن طولون وسيرة ابئه أبي الجيش جُمارويه وسيرة هارون بن أبي الجيش» وأخبار غلمان بني طولون؛ أي

00154 كنوز الأجداد رجالهم والقائمين بأمرهم»؛ وفسّر كتاب الثمرة ليطليموس» ولعله كان في علم .الغلك. ومن تآليفه أخبار الأطباء وأخبار المنججمين» ومختصر المنطق ألفه للوزير علي بن عيسى وغير ذلك؛ والكتاب الصغير الذي عرفنا فى الحقيقة إلى أحمد بن يوسف كتاب «المكافأة»: روى فيه قصصًا سمعها أو رآها ه وأو روأها له من شاهدها في مصر والعراق ومنهم والده ورجال ابن طولون. ساق إحدى وثلا تي ثين قصة في المكافأة على الحسن» وإحدى وعشرين قصة على القبيح» وتسع عشرة قصة في حسن العقبى» رجاء «أن يكون ذلك عونا للاستكثار من مواصلة الخير وتطلبٍ العارفة في الحسن» وزجر النفس عن متابعة الشر»ء وإبعادها عن سّْرة الانتقام في القبيح». قال في المدخل إلى القسم الثالث: «رأيت أن أَصِلَ ذلك (حفظك الله) بطرف من أخبار من ابتّلي فصبر. فكان ثمرة صبره حسن العقبى» لأن النفس إذا لم تّعَنْ عند الشدائد بما يجدد قواها تولّى عليها اليأس فأهلكها. وقد علم الإنسان أن سُفور الحالة عن ضدها حتم لا بد منه» كما علم أن انجلاء الليل يُسقر عن النهارء ولكن حور الطبيعة أشد ما يلازم النفس عند نزول. الكوارث» فإذا لم تغالج بالدواء اشتدت العلة وزادادت المجنة» والتفكر في أخبار هذا الباب مما يشجع النفس ويبعثها على ملازمة الصبر وحسن الأدب مع الرب يك بحسن الظن في مواتاة الإحسان عند تهاية الامتحان!.

كل ذلك كتبه بأسلوب رشيق وبألفاظ مختارة عذبة لا ترى أدنى أثر للتكلف في نسجهاء صاغ كلامه صياغة صناع اليد فأبدع جديدًا وأتى بغرائب من أخبار الناس» ومن أتاهم بمثل هذا الضرب الطريف. من الأدب تعاظموه وأكبروا بيانه. ولعل أحجمد بن يوسف لم ي يكن دون ابن المقفع ببلاغته؛ وقد سَلَّكَ معه في سلكِ واحد ويثقل عنه ويقول: إن هذا مما نقله ابن المقفع عن الفرس وتعالمه العرب» وربما زاد على ابن المقفع أنه كان أقرب إلى الحياة لامتزاجه بالسّؤقة من قلاحين وتجار ورجال الدولة وعلمائها ومهندسيها

١‏ ابن الداية 1 (140 )سسب وقوادهاء وكان يعيش وأبوه من قبله من الزراعة فعرف طرق الكسب الحلال وطرق تثمير المالء وعرف طبقات الناس بكل ما انطووا عليه من خير وشر.

ولو قد أبقت الأيام على بعض ما كتبه هذا المؤلّف العظيم لكان منه مادة في البلاغة والتاريخ والسياسة والعلم نُوْفِي على الغاية» ولا سيما ما كان منه خاضًا بوصف عصره ورجاله. ومن عجائب الدهر أن تُفَْد كتب من جَوّدوا التأليف وتبقى مؤلفات من لم يحسنوا الإحسان المطلوب يتناقل الخلف تلينهم.

وربما كان لنكبة الطولونيين (197) وقضاء العباسيين على دولتهم صلة كبيرة بضياع كتب ابن الداية وفيها ولا شك الشيء الكثير من محاسن الطولونيين؛ ومحاسنهم مما يشق على بني العباس نشره في الأمة» وتخليده في الصحف لثلا يكون من بثها دعاية لهم» وأبغض ما يكون إلى المنافس الإشادة بفضائل منافسهء لا سيما وقد كاد المؤرخون يجمعون على أن أحمد بن طولون بعلمه وسياسته وعدله أرقى من كثير من الخلفاء .

وعلى كثرة فضاتل ابن الداية واتساعه في أديه ونضجه في علمه. لم يشتهر الشهرة التي هو قمين بها. ولو لم يعئر له على هذا الجزء من كتاب المكافأة لغطت الأيام على اسمهء خصوصًا وهو لم يُذْكّر إلا في بعض تضاعيف الكتب ذكرًا يكاد يكون مبتورّاء ومعظم كتب. الأدب حتى ما ألفه المصريون منها لا تذكره بكلمة إلا نادرّا» ومن العجائب أيضًا ألا يَعُذَّه جهابذةٌ الأدب في جملة أعلامه وألّا يضعوه في الصف الأول بين رعيل قدماء البلغاء. وقديمًا سدل الدهر قناع النسيان على كثير من العظماء بعد قليل من رحيلهم عن الأرض لفَّقّد ما كتبوا بعامل من عوامل الفناء أو لقلّة أنصارهم ومن أهمّه أمرهم. ومنهم من تضاعفت شهرتهم عند موتهم لسكورت خسادهم عنهم

ولعل انتقال والد ابن الداية من بغداد إلى الفسطاط ونشأته في مصر في

نوز الأجداد 3 31100 لدم

زمن غضب فيه خلفاء بني العباس على مصر وعلى أميرها أحمد بن طولون لاستقلاله بحكمها كان من جملة الدواعي في ضؤولة شهرته. على أن مصر الطولونية ومصر القاطمية بعد حين ما ساوت العراق بمنزلتهاء ولا يتأتى أن يشتهر أبناؤها اشتهار البغداديين» وإلى الحضرة أو مدينة السلام كان يحمل كل جميل» وينعت الناس أهلها بالنعوت الحسنة» وتتأفق شهرة أدبائها وعلمائها لكثرة ما تردد أسماؤهم في. كل مكان» وكيف تتأتى الشهرة لأحمد بن يوسف في دولة ضعيفة لم تعترف بها دولة الخلافة وتعدها خخارجة عليها.

ولم يتصل أحمد بن يوسف بأحمد بن طولون اتصالا وثيقًا في صباه واين طولون مات سنة سبعين ومئتين» وابن الداية مات سنة ئيف وثلاثين وثلاثمئة في أصح الأقوال؛ والدولة الطولونية انقرضت سنة ثنتين وتسعين ومئتين؛ فيكون ابن الداية على هذا كتب كتبه في بني طولون قبيل انقراض دولتهم.

نعم هذا هو الكتيّب الذي به ظهر أحمد بن يوسف في أندية الآداب يحمل إبداعًا في موضوعه وإبداعًا في وضعه» موضوعٌ قلما عاناه أحد قبله يقصد به تربية النفوس على الخير ويحبب إليها فعله؛ .ويشيد بمن كان هذا مبلغهم من الأخلاق إشادة يقدسون بها تقديسًا. ولم يَصْدّر المؤلّف في ما كتب به عن خيال: بل أخذ مادته من قلبه وخُلقه» تغتّى بما سبق له ولأبيه من المحامد» وعدا من الطبيعة القيام بمثله: وأراد أن يلقن أيناء المستقبل هذه المكرمات حتى لا تستغرق الماديةٌ الناسّ» ويرتفع من بينهم التعاطف والإيثار. فكتب فيها ورقاتٍ قليلة الجرم عظيمة النفع أقادتنا ما لا تفيده المجلدات» لأن المؤلف كتب وأخلص في تأليفه وأراد به الدعوة إلى المروءات لا التبجح ولا التنفج. بضعة كتب خبظتها أنامله الفثّانة قضى الله بذهابها وبقي له هذا الكتاب الصغير أحيا به ذكره بعد ألف سنة على وفاته.

وهنا نكتفي بإيراد قصص من قصصه رأيئاها خير ما يترجم له ويقفنا على طريقته .

ابن الداية ع /اغ١‏

قال ابن الداية: «حدثني أحمد بن أبي يعقرب قال: أنكر المهدي على هَرْئمة ابن أَعْيّن (من أكبر قواد المهدي) تحككه بمعن بن زائدة وأمر بنفيه إلى المغرب الأقصى؛ فكلمه الرشيد فيه واستلَّ سخيمته عليه ومات معن؛ وزادت حال هرثمة»ء وشكر للرشيد ما كان منه. وأفضت الخلافة إلى موسى الهادي فتمكن منه هرئمة. وحدثتٍ الهادي نفسه بخلع الرشيدء وجمع الناس على تقليد ابئه العهد يعده. وعلم هذا هرئمة» وتذكر عارفة الرشيد فتمارض» وجمع الهادي الئاس ودعاهم إلى خلع الرشيد ونصب ابنه مكانه فأجابوه وحلفوا لهء وأحضر هرثمة فقالوا له: تبايع يا هرثمة؟ فقال: يا أمير المؤمتين يميني مشغولة ببيعتك» ويساري مشغولة ببيغة أخيك فبأي يد أبايع؟ والله يا أمير المؤمنين لا أكدت في الرقاب من بيعة ابنك أكثر مما أكده أبوك لأخيك في بيعته. ومن ححنث في الأولى حنث في الأخرى. ولولا تأول هذه الجماعة بأنها مكرهة وإسرارها فيك خلاف ما أظهرت» لأمسكت عن هذا. فقال لجماعة من حضر: شاهت وجوهكمء والله لقد صدقني وكذبتموني ٠‏ ونصحني وغششتموني. وسلم إلى الرشيد ما قدره الهادي فيه؟.

قصة ثاتية: #خذنني هارون بن مَلُول قال: خدثي ياسين بن زرارة قال: كان ببعض أرياف مصر نصراني من أهلها كثير المال فاشي النعمة سمح النفس: وكانت له دار ضيافة؛ وجرايات واسعة: على ذوي السّتر بالفسطاط. فهرب من المتوكل رجل كَنَى عن اسمه لخطير منزلته» لميل كان من المنتصر إليه: فلما دخل رأى فيها كثيرًا من أهل بغداد» فخاف أن يعرف فنزع إلى أريافهاء فانتهى به المسير إلى ضياع النصراني فرأى منه رجلا جميل الأمرء وسبأله النصراني عن جالهء فذكر أن الاختلال انتهى به إلى ما ظهر عليه فغير هيئته» وفوّض إليه شيئًا من أمرهء فأحكم ما أسند إليه واضطلع به. ولم يزل حاله يتزايد عنده جتى غلب على جميع أمره» وقام به أحسن قيام» فكان محل الرجل الهارب من النصراني يفضل كل ما ذهب له.

كنوز الأجداد

«وورد على النصراني مستحث بحمل مال وجب عليه. (وسأله) النصراني عن خبر الفسطاط فقال: ورد خبر قتل المتوكل وتقلد المتتصر. ووافى رسول من المنتصر في طلب رجل هرب في أيام المتوكل يعرف بفلان بن فلان ويوعز إلى عمال مصر والشام بأن يتلقوه بالتكرمة والتوسعة فيلحق أمير المؤمنين في حال تشبه محله عنده» فعدل النصراني بالمستحث إلى بعض من أنزله عليه وخلا الهارب بالنصراني فقال: أحسن الله جزاءكء فقد أوليت غاية الجميل» وأحتاج إلى أن تأذن لي في دخول الفسطاط فقال: يا هذا إن كنت استقصرتني فاحتكم في مالي فإني لا أرد أمرك ولا أزول عن حكمك؛ ولا تَنَاْ عني» فقال له: أنا الرجل المطلوب بالفسطاط» وقد خلّفت شملا جمّاء ونعمة واسعة. إنما عدل بي الخوف على نفسي. فقال له: يا سيدي فالمال في يدك وما عندك من الدواب فأنت أعرف به مني فاحتكم فيهء فأخذ بغالا وما صلح لمثله. وخرج النصراني معه. وقدم كتابًا إلى عامل المعونة من مستقره؛ فتلقاه عامل المعونة في بعض طريقه؛ ووصاه وجميع العمال بالنصراني؛ وضار إلى الحضرة؛ فأصدر إليهم الكتب في الوصاة به إلى أن قدم بعض العمال المتجرة» فتتبع النصراني ورام الزيادة عليه فخرج إلى بغداد.

«قال لي هارون أن ياسين قال له: إن النصراني حدثه أنه دخل إلى بغداد فلم ير بها أرقى محلاء وأكثر قاصدًا منهء ثم استأذنت عليه وعنده جمع كثير فخرج أكثر غلمانه حتى استقبلوني. فلما رآني قام على رجليه ثم قال: مرجب بأستاذي وكافلي. والقائم بي حين قعد الئاس عني» وأجلسني معه: وانكب على ولده وشملهء وأنا أتأمل مواقع الإحسان من الأحرارء وسألني عن حالي في ضياعي فأخبرته خبر العامل» وكان أخوه في مجلسه فنظر إليه من كُنًا عنده» وقال له: كنت السبب في تقليد أخيك فصار أكبر سبب: في مساءتي؛ فكتب من مجلسه كتابًا إليه بجلية الخبر وأنفذه. وأقمت عنده حولًا في أرغد

٠‏ ابن الداية

عيشة وأعظم ترفه. وورد علي كتب أصحابي فخبروني بانصراف العامل عن جميع ما كان اعترض عليه في أمري» وأخرج أمر السلطان في إسقاط أكثر خراج ضياعي والاقتصار بي على يسير من مالها. قال ياسين: فكتب النصراني ببغداد حجة أشهد فيها على نفسه أن أسهمة في جميع الضياع التي في يده (وسماها وحددها) لهذا الرجل الذي كان هرب». وصار بها إليه» فقال له: قد سوغك الله هذه الضياعء فإني أراك أحق بها من سائر الناس» فامتنع الرجل من ذلك وقال له: عليك فيها عادات تحسن ذكرك» وترد الأضغان عنك» ولست أقطعها بقبض هذه الضياع عنكء ورجع النصراني إلى الفسطاط فجدد الشهادة فيها. قلما توفي النصرائي أقرها في يد أقاربه» ولم يزالوا معه بأفضل حال؟.

قصة ثالئة: وحدثتني أم آسية قابلة أولاد ُمارويه بن طولون (وكان لها دين ومذهب جميل .ومحل لطيف من خمارويه) وقد تذاكرنا لطف اله يق في أرزاق عباده» وحسن الدفاع عنهم؛ أنه تزوجها وأختها أخوان. فأقبلت حال زوج أختها وأدبرث حال زوجها. قالت وتوفي زوجها بأسوأ حالة» وغلّف لها بنات» وتعذر عليها تجهيزه من اختلاله. وتوفي زوج أختها وقد خلف من العيّن والمساكن والأواني لولد أختها.

قالت: فكنت أجاهد في مؤونة ولدي» وإذا وقف أمري صرت إلى أختي فقلت: أقرضيني كذا وكذا استحياء من أن أقول لها: هبي لي. ودخل شهر رمضان فلما مضى نصفه اشتهوا علي صبياني حلواء في العيدء فصرت إلى أختي فقلت لها أقرضيني ديئارًا أعمل به للصبيان حلواء في العيد. فقالت: يا أختي تغيظيني بقولك: «أقرضيني؟ وإذا أقرضتك من أين تعطيني؟ أمن غلة دورك أو بستانك؟! لو قلت هبي لي كان أحسن. فقلت لها: أقضيك من لطف الله تعالى الذي لا ُحتسب» وجوده الذي يأتي من حيث لا يُرتقب.

فتضاحكت وقالت: يا أختي! هذا والله من المُنى» والمنى يضائع التوكى» فانصرفت عنها أجر رجليّ إلى منزلي .

وكان في جوارنا خادم أسود لبنت اليتيم امرأة خمارويه. فلما بلغت حارتنا قال لي: في جوارنا امرأة تُظلّق قد أوجعت قلبي. ادخلي إليها فليس لها قابلة. قالت أم آسية: والله ما عاينت ممخوضةً قط. فدخلت إليها فمسحت جوقها وأجلستها كما كان القوابل يُجلسنني في طلقي فولدت من ساعتهاء فلما أمسك صياحهاء جاء الخادم يسأل عِنها فقلك قد ولدت. قعجب من سرعة أمرهاء وظن أن هذا شيء قد اعتمدته بحذق صناعة» ولّطف في مهنة» فمضى إلى سته بنت اليتيم وكانت مُقرِبًا بأول ولد حُمل لأبي الجيش» وقد عُرض عليها قوابل استثقلتهن» فقال: في جوارنا قابلة أحضرناها لمرأة في حارتنا تطلق فوضعت يدها على جوفها قسقط ولدها. ووصفتي بما لا يوجد في قدرة أحد إلا بالله 5ك. فقالت للخادم: إذا كان غد فجئني بها. فأتى الغلام ودعاني إلى مولاته فأجبت بانشراح صدر وثقة بالله تعالى. فاستخمّت روحي وقالت: إلى التمام تقدير الله تبارك وتعالى. ثم شكت مَعْسًا تجده المُقَّربِء فأدخلتُ يدي في ثيابها ومسحتٌ جوفهاء وعججتٌ إلى الله تعالى في سرّي بتوفيقي» وكنت: أدعر. ومن حضر من أهلها يتوهم أني أرقي » فسكن هما وجدته وتيركت بي؛ ودخل إليها شُمارويهء وقال: ما وجدت؟ فقالت: مغسًا في جوفي» فوضعت قابلة أردتها يدها عليه فزال ما أجده. وأخرجني إليه (وكان قريبًا من حرمه) فقال لي: أرجو أن يخلصها الله فك يبركتك.

قالت أم آسية: ودخلنا في العشر الأواخر من شهر رمضان؛ وقد تمسكت من الإخلاص لله هد بما لا يصل إليه مّن ساح في الجبال؛ خوفًا من شماتة أختي بيء فلم تمض إلا ثلاثة أيام حتى مخضت فأجلستها إلى. كرسي الولادة (وكان مقدار طلقها ساعتين) فولدت ابنّا أسهن ولادة» وأبو الجيش يقوم ويقعد ويذهب ويجيء» فلما ولدت وكانت: تتوقع من الولادة أمرًا عظيمًاء

فلما ألقته قالت لي: هذا الطلق؟ قلت: نعم: فقبّلت ‏ يعلم الله - عيني من الفرح» وصاح خمارويه: أخبريني يا مباركة بخبرها فقلت: وحياة الأمير إنها في عافية» وقد ولدت غلامًا سويّ الكُلّق بحمد الله فوجّه إلى بألف دينار» وألحّ أبو الجيش في النظر إليها لفرط إشفاقه عليها. فاستوقفته إلى أن نقلت حوائج الولادة» وقلت لها يا سيدتي: اضحكي في وجهه لما تَرِيْنه. فلما دخل إليها ضحكت في وجههء فتقدم بصدقة مال كثير عنها وعن ولده.

وقالت لي أم آسية: لما كان يوم الأسبوع «ووقع قبل العيد بيوم واخده أمرت لي بخمسمئة دينارء وحصل من أتباعها ألف دينار. فحصل لي ألفغان وخمسمئة دينار. وخلعت عليّ وسائر حشمها أكثر من ثلاثين خلعة. وحمل إلى مما أعد للعيد ثلاث موائد خاصة. وانصرفتٌ إلى منزلي فأرسلت إلى أختي مائدة» ووافتني مهنئة» وقد تقاصر طولهاء فأريتها ما حصل لي من المال والخلّع والظيب وقلت لها: يا أختي: أنكرتٍ علىّ قولي: «أقرضيني»» ومن هذا كنت أقضيكء فلا تستصغري من كان الله مادته» وعليه مدار ثقته وتعويضه .

واكتسبت هذه المرأة بمحلها من أبي الجيش مالا كثيرًاء وقضت لجماعة من وجوه البلد حوائج خطيرة اه.

وفي المكافأة فوائد طريفة وحقائق قد لا تجدها مكتوبة؛ منها: وكنا لا نفضي من بلدان خراسان على بلد إلا وجدناه أغلظ طبعًا من البلد الذي فارقناه حتى بلغنا بخارى» فرأينا قومًا في نهاية من غلظ الطباع فقال لي مذ رآني أتعجب منهم : كيف لو رأيت الترك وبلدانهم؟ يقتلون المستجير بهم؛ ويغير بعضهم على بعض فيهلك النازع إليهم بينهم.

هذا قي المعاني» وفي الألفاظ تفرّد المؤلّف بألفاظ عذية لا عهد لنا بمثلها قبله حاشا كبار اليلغاء من الكُتَّابِء ومنها ما لم يعثر له على أثر في المعاجم العربية» ومنها ما لا نزال نستعمله ولكن في معان غير المعاني التي

كنوز الأجداد

عبر بها عنها. أما التراكيب فهناك الإعجاز. كتاب المكافأة معجز يألفاظه وتراكيبه» تقف فيه على ما ليس له اليوم ما يشبههء وتقرأ فيه صورًا من الظلم كان يقع من عمال السلطان؛ بل على ما ليس لهم علاقة به» وجمعوا ثروتهم من تجاراتهم» ووصف ما يعمله زبانية الملك أو الأمير أو الخليفة لاستخراج الأموال بالتعذيب على صفة قلّ أن جرى مثلها في أدوار الإنسانية.

2

00 الصّوئي

(أبو بكر محمد بن يحيى) (50)

نشأ في بغداد وأخذ العلم عن أئمة عصره وتأدِّب به ناس» وروى عنه الحديث بعضٌ المشاهيرء وكانت محاضرته أجمل من شعره ونثره. وضع تآليف كثيرة وساعده على التوسع في أخيار خلفاء بني العباس ووزرائهم وشعرائهم» وعلى «ذكر غرائب لم تقع لغيره وأشياء تفرد بها لأنه شاهدها بنفسه» كونه نادم الراضيء وكان أولا يعلمه» ونادم المكتفي» ثم المقتدر دفعة واحدة؛ فجال في أفق جديد تفرد بالتوسع فيه.

قالوا: كان محظوظًا من العلمء مجدودًا من المعرفة؛ مرزوقًا من التصنيف. حسن التأليف» وأنه حسن الاعتقادء جميل الطريقة» مقبول القول»» كان زيئة المجالس موصوفا بظرفه البغدادي» رغب الخلفاء في منادمته؛ لسعة فضله ولطف عشرته. وقد استبطن أخبار الناس ودوّن كل ظريف روي عنهم؛ فهو إلى الطرافة فيما دونه من طريف وتالدء يُحَسِن الغناء وسائر فنون الأدب الرفيع» وكان ألعب أهل زمانه بالشطرنج» ويمتاز بعلمه وفقهه وبغد نظره. وجميع أدواته هذه تجعله بين أفراد قلائل صلحوا للمنادمة من كيار هذه الأمة» فهو أديب يُحْسِن الكلام والحوارء وليس سلك المنادمة بالشيء السهلء لما يحتاج إليه من آداب تؤيّدها حافظة وذاكرة وتزيّنها طلاقة لسان وفضل ييان. 0

كانت له يد باسطة في نقد الشعرء ونظرٌ ثاقب في تقدير مراتب الشعراء

كنون الأجداد

الإسلاميين والجاهليين» فهو نقّادة راوية» تقرأ أمثلة من نُقّداته في كتاب الموشّح لتلميذه المرزياني. أما فيما ينظم» فلم يوفق التوفيق كلهء وما نشره له بعض أهل الأدب في كتبهم» فإنما كانت إجادته نسبية بالقياس إلى بقية شعرهء وما كان من النوع الذي يرضون عنه. وهو نديم متكلم لا أديب يخلد أديه» وَرْبٌ خطيب لا يجيد الكتابة» وكم:من كاتب لا يجيد الخطابة. حاول في كتابه الأوراق أن يأتي بقصائد ذات قوافي مستغربة ة فأبهم وعسَّى» وظهر التكلف على ما قرض.

يقول الصاحبٍ في الكشف عن مساوئ شعر المتنبي : «وهذا الصولي كان كثير الرواية حسن الأدب إلا أنه ساقط الشعرء يقول في كتاب الخلفاء وقد حشاه بشعره: إنما أَنَبتٌ شِعري ليعلم الناس أنَّ في زمانهم من إن لم يَسْبق البحتري انتصف منهء وليس في الإعجاب بالنفس نهاية.

وفي الصولي شيء من الضعف ظهر في مبالغته في محامد الراضي لأجل عطاياه له؛ وما كان الراضي بالخليفة التي تهوى إليه النفوس إذا جرى التنظير بينه وبين الممتازين من أسلافه» ومُلكه لا يتجاوز أسوار مدينة يغداد وحُكّمه أيضًا غير نافد فيها. وقد رأينا الصولي يستجدي الخليفة ويشكو الزمان والحرمان» ولا يفتأ يقول فلان منحني وفلان حرمني. خُُلّقٌ لا يليق أن يتخلّق به مَنْ يدّعي أنه من نسل ملوك» وهو على أي حال يعاشر ملوكًا وأمراء ولا يجوع في قربهم مهما عدا عليه الزمان.

تدور موضوعات كتب الصولي على أخبار الطبقنات الراقية في عصره وعلى شعرهم وأديهم وظرفهمء وكتابه «الأوراق» مثال جميل من ذلك. وكذلك أدب الكتاب (ألّفَه فيما يحتاج إليه أعلى الككتاب درجة وأقلهم منزلة؟ وهو هنا إذا كتب بدا ضعفهء وإذا روى جود النقل. وما حلا الصولي من أناس بهرجوا علمه واستصغروا تآليفه ومنهم ابن النديم» قال إن الصولي عوّل عند تأليفه االأوراق؛ على كتاب المرئدي في الشعر والشعراءء أو على كتاب

أشعار قريش» وأنه نقله نقلّا وانتحله. وزعم ابن التديم أنه رأى دستور الرجل في خزانة الصولي بخط المرئدي فافتضح به.

قد يكون الصولي اقتبس أمورًا كثيرة من كتاب الشعر والشعراء أو شعراء قريش أو غيره» لكن ما أتى به من عنده ظاهر» وتعمّد ابن النديم الطعن عليه يُستنتج من وصفه إياه بأنه «جمّاعة للكتب؛» ولعل ذلك أتى من تنافس الرجلين في اقتناء الأسفارء وابن النديم ورّاق قبل كل شيء. وذكرا أنه كان للصولي بيت عظيم مملوء بالكتب» وهي مصفغوفة وجلودها مختلفة الألوان؛ كل صف من الكتب لون: فصفٌ أحمرء وآخر أخضرء وآخر أصفر وغير ذلك. وكان الصولي يقول: هذه الكتب كلها سماعي.

ولعل بعضهم يعترض على سلكنا الصولي في عظماء المؤلّفين» وهو في الواقع منهم لأنه أتى بجديدء ولأنه صورة غريبة من رجال تلك الأيام» فقد جاء حتى في عصره أعظم منه في الحديث وأكبر منه في الأدب». ولكن العبرة بمن يجمع هذه الأدوات في ثقافة ذاك العصرء ويحظى في قصور الخلقاء بتلك المكانة» ولا يضيع ما مر به من الفوائد فيقيدها ويخلّفها للأجيال بعده تنتفع بها. أما نَقَلَهُ المؤلّفين عن غيرهم» ولا سيما في الحديث والفقه» فأي مزية لهم إذا لم ينفردوا بأشياء لم يسبقوا إليهاء فما أكثر عدد هؤلاء وما أقل مَن جمعوا إلى فقههم أدبا وانتفعوا به ونفعواء وكان له على الأيام صدى يتناقل فيبطرب ويعجب.

قصة من مروياته: عن العتابي قال: كنا بياب الفضل بن يحيى البرمكي أربعة آلاف ما بين شاعر وزائرء وفينا فتّى يحدثنا ونجتمع إليه. فبينا هو ذات يوم قاعد إذ اقبل إليه غلام له كأجمل الغلمان فقال له: يا مولاي أخرجتني من بين أبويّ وزعمت أن لك وصلة بالملوكء ققد صرنا إلى أسوأ ما يكون من الحال وقال: إن رأيت أن تأذن لي فأنصرف إلى أبويّ فعلتء قال فاغرورقت عينا الفتى ثم قال: ائتني بدواة وقرطاسء فأتاه بهما فقعد حجزة

165 ب ا ا ا الت فكتب رقعة» ثم عاد إلى مجله ثم قال للغلام: انصرف إلى وقت رجوعي إليك. فبينا نحن كذلكء» إذ جاء رجل ليستأذن غلى الفضل» فقام إليه الفتى فقال: توصل رقعتي هذه إلى الأمير؟ قال: وما في رقعتك؟ قال: أمدح نفسي وأحث الأمير على قبولي. قال: هذه حاجة لك دون الأميرء فإن رأيت أن تعفيني فعلت. قال: قد فعلت. فعاد إلى مجلسه»: فخرج الحاجب فقام إليه فقال له مثل مقالته الأولى”فاستظرفه الحاجب وقال: إن رجلا يتصل بمثل الفضل يمدح نفسه لا يمدح الفضل عجيب. فأخذ منه الرقعة ثم دخل فلوحها للفضل» فقرأ منها سطرين وهو مستلق على فراشهء ثم استوى قاعدًا وتناول الرقعة فقرأها فلما فرغ من الرقعة قال للحاجب: أين صاحب الرقعة؟ قالء: أعز الله الأميرء لا والله لا أعرفه لكثرة من بالياب. فقال الفضل أنا أنبذه لك الساعة؛ يا غلام اصعد القصر فناد: أين مادح نفسه؟ فقام الغلام فصاح» فقام الفتى من بيننا بغير رداء ولا حذاء» فلما مثل بين يدي الفضل قال له: أنت القائل ما فيها؟ قال: نعم. قال أنشدني: فأنشده الفتى يقول: أنا من بغيةالأميروكنز 2 من كنرزالأميرذوأرباح كاتب حاسب خطيب بليغ ناصح زائد على التنصاح شاعر مفلق أخف من الريا )2 شةممايكون تحت الجناح إلى أن قال في قصيدته أنه يروي شعرًا عن ابن هرمة وعلمًا عن ابن سيرين وله في النخو نفاذء وأنه قادر على منادمة الخلفاء يضطلع بالمهمات» ويعرف أدب المجالسة» وأنه أبصرٌ الناس بالجوارح والخيل والنساء» وأن فيه دعابة؛ وهو غير ماجن إلى آخر ما وصف به نفسه فقال له الفضل: كاتئب حاسب خطيب أديب 2 ناصح زائد على النصاح قال: نعمء» أصلح الله الأمير. فقال الفضل : يا غلام» الكتب التي وردت من فارسء فأتى بهاء فقال للفتى: خذها فاقرأها وأجب عنهاء فجلس بين يدي الفضل يكتب» فقال له الحاجب: اعتزل يكن أذهن لك» فقال: هاهنا

٠‏ الصّولي

الرأي أجمع» بحيث الرغبة والرهبة» فلما فرغ من الكتب عرضها على الفضل» فكأنما شق عن قلبه.

فقال الفضل: يا غلام بدرة بدرة بدرة» فقال الفتى للغلام: أعز الله الأمير دنانير أو دراهم. قال: دنانير يا غلام. فلما وضعت البدرة بين يديه قال الفضل: احملها بارك الله لك فيها. قال الفتى: والله أيها الأمير ما أنا بحمال» وما للحمل خلقت؛ فإن رأى الأمير أن يأمر بعض غلمانه يحملهاء على أن الغلام لي» فأشار الفضل إلى بعض الغلمان» فأشار الفتى إليه: مكانك. فقال: إن رأى الأميرء أيده الله أن يجعل الخيار إلى في الغلمان كما فعل بين البدرتين فعل. فقال: اختر» فاختار أجملهم غلامًا فقال: احمل. فلما صارت البدرة على منكب الغلام بكى الفتى» فاستفظع الفضل ذلك وقال: ويلك استقلالا؟ قال: لا والله» أيدك اللهء ولقد أكثرت»ء ولكن أسمًا أن الأرض تواري مثلكء قال الفضل: هذا أجود من الأولء يا غلام زده كسوة وحملانًا. قال العتابي: فلقد كنت أرى ركاب الفتى تحت ركاب الفضل.

مات الصولي مستترًا بالبصرة لأنه روى خبرًا في علي بن أبي طالب ظلله فطلبته الخاصة والعامة لتقتله .

وحدحمى

)12(

أبو الحسن علي بن إسماعيل (نيف وثلاثون وثلاثمثة) بصري سكن بغداد إلى أن توفي بها. نشأ من بيت عريق في العلم والفقه والمناظرة والقضاء والقتوى». وأخذ العلم عن أبي علي الجبائي إمام المعتزلة» وتبعه في الاعتزال» وألّْف في نصرته والدعوة إليه» وأقام على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إمامّاء ثم تغيِّب في بيته عن الناس خمسة عشر يومّاء وقالوا إنه تاب من القول بالعدل وخلق القرآن» وذلك في المسجد الجامع بالبصرة» رَقِيَ كرسيًا ونادى بأعلى صوته في يوم الجمعة: من عرفني فقد عرفتي» ومن لم يعرفتي فأنا أعرّفه بنفسي: أنا فلان بن فلان» كنت أقول بخلق القرآن» وأن الله لا تراه الأبصارء وأن أفعال الشر أنا أفعلهاء وأنا تائب مقلع. وأهل العدل فرقة من أهل التوحيد تقول إن الله إنما خلق الخلق أجمعين 'قال: معاشر الناس» إنما تغيّبتٌ عنكم هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجّح شيء على شيء» فاستهديت الله فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه: وانخلعتٌ من جميع ما كنت أعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا. وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به. ودفع الكتب التي ألفها على مذاهب أهل السنة إلى الئاس. قالوا إن المعتزلة كانوا قد رفعوا رؤوسهم حتى ظهر يدعوته فجحرهم في أقماع السمسم. رواية غريبة مثّلها أبو الحسن تمثيلًا مقبولاء فاتقى بما أتى صولة العامة»

واستمال قلوبهم وأقنعهم بتوبته عن الاعتزال» ورجوعه عن مذهب لا يخالف ما خرج إليه إلا بما لا بال له. وقد وق في نزعته الجديدة توفيقًا لم يسبق له مثيل. ولما سلكِ طريقًا بين النفي الذي هو مذهب الاعتزال وبين الإثبات الذي هو مذهب أهل التجسيمء وناظر على قوله هذا واحتج لمذهبه؛ مال إليه جماعة وعوّلوا على رأيه منهم الباقلاني وابن فورك وأبو إسحاق الإسفرايني وأبو حامد الغزالي والشهرستاني وفخر الدين الرازي وغيرهم» ونصروا مذهبه وناظروا عليه وجادلوا فيه واستدلوا له في مصنفات كثيرة» فانتشر مذهبه في العراق من نحو سبنة ثمانين وثلاثمئة وانتقل إلى الشام.

يقول ابن خلدون: إن الشيخ أبا الحسن الأشعري إمام المتكلمين توسّط

بين الطرق ونفى التشبيه وأثبت الصفات المعنوية وَقَصَ قصَر التنزيه على ما قصرة 5 السلف» وشهدت له الأآدلة المخصصة لعمومه» فأثبت الصفات الأربع المعنوية والسمع والبصر والكلام القائم بالنفس بطريق النقل والعقل؛ ورد على المبتدعة في ذلك كلهء وتكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقببح» وكمل العقائد في البعثة وأحوال الجنة والتار والثواب والعقاب» وألحق بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئظٍ من بدعة الإمامية من قولهم إنها من عقائد الإيمان وإنه يجب على النبي تعيينها والخروج عن العهدة في ذلك لمن هي له وكذلك على الأمة.

تصدى الأشعري للرد على المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج وغيرهم وقيل: إنه صئف خمسة وخمسين تصنيمًا. وقال بعض الباحثين: إنه عذها أكثر من ثلاثمئة مصئف» وبعضها ردود ونقض أقوال من لا يقول بقولهم من العلماء؛ وقيل: إنه كان ضعيقًا في التأليف قويًا في المناظرة. والصحيح أنه كان قويًا في كليهما يفيض من علمه على ما يجب ويعرف اجتذاب :القلوب إليهء ويهتم لرضا العوام والخواص. صفات. يتحتم تحقيقها في صاجب كل دعوة. أما صفاته الشخصية فخير صغات يستطيع بها من أوتيها استهواء

م كقوف الأجواق

العقول» فلا ينفر منه أحد ولو خالف رأيه. وما كان فيه جمود بعض العلماء ولا تزمٌتهم وعزوفهم: وكان فيه دعابة ومرح ويحب المزاح كثيرًا .

وأما عيشه فكان مضمونًا لا يحتاج في تحصيله إلى كد يأكل من غلة ضيعة وقفها جده بلال بن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري على عقبه» وكانت نفقته كل يوم سبعة عشر درهمّاء وقيل أقل من ذلك» أي إنه كان موسّعًا عليه لا يضطر إلى الرواتب وتولي المناصب بما يقطعه عن غرضه الديني الشريف.

إن في القول بأن أبا الحسن الأشعري بعد أن قضى في مذهب الاعتزال أربعين سنة قد تاب وأناب مجالا للتفكير الطويل. والمعقول أنه بقى على تراتيب مذهبه الأصليء وما جاءه الفيض إلا بالأخذ عن أئمة التترلة؛ وما انفتق ذهنه إلا بأصولهم والتشبع بطرائقهم في المناظرة والاجتهاد والتحقيق.

وكتاب الأشعري في «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين» من أمتع ما كتب عَالَمٌ في الكشف عن فرق الإسلام. أخذ بعضه من الكتب المؤلّفة قبله ونسقه وضمنه آراءه ومنازعه وحشاه بفوائد تاريخية وسياسية» ووصف فيه مسائل علم الكلام واختلاف أرباب المذاهب فيها وصمًا دقيقًا مفهومًا: ومما روى وقائع المطالبين بالخلاقة وفصولًا في الإمامة واعتقاد أهل الفرق فيهاء وفي الحَكمَيْن والحُكم عليهما بما فُعَلا. أطلق في كل ذلك العنان لقلمه حتى إن النبيه المتصفح لكلامه لا يشعر أن الأشعري خالف أصخابه القدماء. وخروجه عن مذهبه الأصلي بعد قضاء أكثر عمره فيه دليل مهارة استوجبها فرط جريته وإخلاصه لدينه.

الأشعري «لم يبدع رأيًا ولم ينشئ مذهبّاء وإنما هو مقرر لمذاهب السلف». مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله فالانتساب إليه إنِما هو باعتبار أنه عَقَدَ على طريق السلف نطاقًا وتمسك بهء وأقام الحجة والبراهين» فضار المقتدي به في ذلك. والسالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريًا». ولمًا قرب حضور أجله قال لأحدهم: اشهد علي أني لا أكمّر أحدًا من أهل هذه

القبلة» لأن الكل يشيرون إلى معبودٍ واحدلء وإنما هذا كله اختلاف العبارات. قال ابن عساكر في تبيين كذب المفتري: وحين كثرت المبتدعة في هذه الأمة وتركوا ظاهر الكتاب والسنة وأنكروا ما ورد به من صفات الله كك نحو الحياة والقدرة والعلم والمشيئة والسمع والبصر والكلام» وجحدوا ما دل غليه من المعراج وعذاب القبر والميزان» وأن الجنة والنار مخلوقتان؛ وأن أهل الإيمان يخرجون من النيران وما لنبينا يكِْ من الحوض والشفاعة» وما لأهل الجنة من الرؤية: وأن الخلفاء الأربعة كانوا محقين فيما قاموا به من الولاية» وزعموا أن شيئًا من ذلك لا يستقيم على العقل ولا يصح في الرأي أخرج الله من نسل أبي موسى الأشعري طبه إمامًا قام بنصرة دين الله وجاهد بلسانه وبنانه. من صد عن سبيل الله . وللأشعري من الكتب المطبوعة «الإيانة فى أصول الديانة» و#ااستحسان الخوض في الكلام؛ وارسالة إلى أهل الئغر يات الأبواب». وأمتعها «مقالات الإسلاميين». وهو كاتب مجيد؛ كُتَبَ الشريعة بلسان عذب لا تعقيد فيه حتى ليستدرجك إلى الاعتقاد بعقيدته من حيث لا تدري: والأشعري يما أصدره من الطبعة الأخيرة من آرائه التي وافقت قبولًا من عظماء الملة» وسرث في الأفكار بدون أن تلقى تصادمًا يُعتدٌ به» قد أراح السواد الأعظم من المسلمين بأن عين لهم حدود المعتقدات؛ فكان واضع أساس مذهب أهل السنة والجماعة» وكان المؤمنون أزعجوا باختلاف الباحثين. قالوا كان من الاعتزال ما كان من تفرّق كلمة الفرق وكان لردٌ الفرق

بعضها على بعض رواج كثيرء ولما تعينت معتقدات التشيع والتسئن وانقرض المعتزلة انقرض بانقراضهم التفكير الحر مع الأسف؛ وبات البحث في هذه الأمور وقمًا على خاضة الخاصة يدرسونه من باب الاطلاع على الشيء.

(6) ا : قدامة بن جعفر أبو الفرج قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد

070

سكن أبو جعفر البصرة ثم انتقل إلى بغدادء وكان من أهل الأدب والكتابة وله مصنفاتء وتولى بعض الدواوين» وولد ابنه قدامة في بغداد على الأرجح» في أول الربع الأخير من القرن الثالث» ونشأ على النصرانية دين أبيه» وتثقف ثقافة إسلامية» فأحكم اللغة والأدب والفقه والكلام والفلسفة والرياضيات وغلب عليه الأدب واللغة. ثم أسلم على يد الخليفة المكتفي» وتولى في سنة 741 بعض الأعمال في دواوين الأموال.

وسكتت الأخبار عن أصل أبي جعفره والغالب أنه فارسي نزل أبوه أو جذه العراق» وتمازج بالمسلمين وتعلم من علومهم ما يستعين به على الكتابة والتصنيف. أما ابنه فتلقف علوم الملة الإسلامية شأن كثير من أذكياء العصور ومنهم ابن المقفع وعلي بن رَبّن ثم امتلوا ملة الإسلام عن علم وثقافة.

يقول المسعودي: (إن أبا الفرج قدامة بن جعفر الكاتب كان حسن التأليف» بارع التصنيف؛ موجز الألفاظ» مقربًا للمعاني» وإذا أردت علم ذلك فانظر إلى كتابه في الأخبار المعروف بكتاب زهر الربيع» وأشرف على كتابه المترْجَم بكتاب الخراج» فإنك تشاهد بهما جقيقة ما ذكرناء وصدق ما وصفنا». وقال ياقوت: إن قدامة أدرك زمن ثعلب والميرد وأبي سعيد السكري :وابن قتيبة وطبقتهم» والأدب يومئذ طري» ققرأ واجتهد وبرع في صناعتي البلاغة والحساب؛ ثم قرأ صدرًا صالحًا من المنطق» وهو لائح على ديباجة

تصانيفه» واشتُّهر في زمانه بالبلاغة ونقد الشعر. وذكر له أسماء كتب كثيرة ألفها. وقال الخطيب البغدادي: هو من مشايخ الكتّاب وعلمائهم: وكان وافر الأدب: حسن المعرفة» وله مصنفات في الكتابة وغيرها. وضرب الحريري المثل في مقدمة مقاماته ببلاغة قدامة فقال: وإن المتصدي بعده (أي بعد البديع الهمذاني) لإنشاء مقامة» ولو أوتي بلاغة قدامة؛ لا يغترف إلا من فضالته .

شهادات كلها متفقة على تفرّد أبي الفرج ببلاغته» وشفوف طبعه وغزارة علمةه؛ عرف بذلك بين الخواص. واعترف له بمزاياه النادرة جهابذة النقد وأئمة البلاغة» وإن لم يشتهر كثيرًا بين العوام» وهؤلاء لا تستفيض شهرة أحد عندهم إن لم يقرب في تآليقه ودروسه هن أفكارهم وتصوراتهم.

وأهمٌ ما لم يُفْفَّد من كتبه كتابه «نقد الشعر» دل فيه على نبوغ وإحاطة» ولو لم يكن من جلال الآداب بالمقام الأعلى ما ناقشه في بعض آرائه في اليديع أئمة الأدب بعده أمثال المرزباني في الموشح» والعسكري في الصناعتين؛ وابن سنان في سر البلاغة» والآمدي في الموازنة بين أبي تمام والبحتري .

أما الكتاب الذي سموه "نقد النثر» ونسبوه إليه فهو مما لم يكتبه» والظاهر أنهم نحلوه إياه. ومن يتأمل عباراته يجدها أشبه بعبارات أهل القرن السادس والسابع» وبلاغته موضع نظر. فقد رأيناه في مقدمة «نقد الشعر؛ يدخل على موضوعه مباشرة وفي مقدمة "نقد النثرة أسجاع تنادي بأن الكتابين لكاتبين متخالفين في الطريقة والأداء.

وكذلك نشك في نسبة كتاب جواهر الألفاظ الذي عزي إليه.

وفي جريدة تآليفه ذكر لكتاب الألفاظ من تأليفه» وبضعة سطور من مقدمته تحمل الناقد على إلحاق كتاب جواهر الألفاظ بكتاب نقد النثر. قال في كتاب الجواهر وهو 2كتابٍ يشتمل على ألفاظ مختلفة تدل على معان متفقة مؤتلفة»

ز الأجدا ل( )سس ييييييي خف

وأبواب موضّونة» بحروف مسجعة مكنونة» متقاربة الأوزان والمباني» متناسبة الوجوه والمعاني؛ تونق أبصار الناظرين» وتروق بصائر المتوسمين» وتتسع بها مذاهب الخطابء وتنفسح معها بلاغة الكتّاب». لأن مؤلف الكلام البليغ المي واللفظ المسجع الصحيح.ء كناظم الجوهر المرصعء ومركب العقد الموشعء يَعُدَّ أكثر أصنافه» ليسهل عليه إتقان رصفه وائتلافه».

أما كتابه #الخراج وصنعة الكتابة»» وهو مما صنفه بعد نحو من عشرين سنة من اشتغاله في دواوين الأموال: فهو نمط آخر من كتابته ليس فيه أثر من آثار السجع ويقل فيه الازدواج. مثال من كتابته في الخراج قوله في ذكر ثغور الإسلام والأمم والأجيال: «الأمم والأجيال المخالفة للإسلام مكتنفة له من جميع أطر افه وغايات أعماله منهم المتقارب من دار مملكتهء ومنهم المتباعد عنها. وكانت ملوك الطوائف الذين يملكهم ذو القرنين يؤدون الأتاوة إلى ملك الرؤم خمس مئة وإحدى عشرة سنة إلى أن - جمع أردشير بن بايك المملكة بعد مشقة وطول مجاهدة فمنع حينئظٍ الأتارة التي كانت الفرس تؤديها إلى الروم» فيتبغي ألا يكون مو دك حر وي منهم للروم؛ وقد جاءت بذلك آيات: يظهر بها حقيقة ما قلته» والله الموفق للمصلحة بقدرثه»ة.

ونتجوز فننقل جملة أخرى من كلامه من هذا الكتاب أيضًا وهو قوله «ثم نتيع ذلك بوصف أحد أيام الغزوات ليكون علم ذلك محصلًا محفوظًا فنقول إن أجهدها مما يعرقه أهل الخبرة من الثغريين أن تقع الغزاة التي تسمى الربيعية لعشرة أيام تخلو من أيار بعد أن يكون الناس قد أربعوا دوابهم وحسنت أحوال خيولهم فيقيمون ثلاثين يومًا وهي بقية أيار وعشرة من حزيران» فإنهم يجدون الكلأ في بلد الروم ممكثا وكأن دوابهم ترتبع ربيعًا ثانياء ثم يقفلون فيقيمون إلى خمسة وعشرين يوما وهي بقية حزيران وخمسة من تموز حتى يقوى ويسمن الظهرء ويجتمع الناس لغزو الصائفة؛ ثم يغزون لعشر تخلو من تموز فيقيمون إلى وقت قفولهم. ستين يومًا. فأما الشواتي فإني

رأيتهم جميعًا يقولون: إن كان لا بد منها فليكن مما لا ييعد فيه ولا يوغل» وليكن مسيره عشرين ليلة بمقدار ما يحمل الرجل لفرسه ما يكفيه على ظهره: وأن يكون ذلك في آخر شباط فيقيم الغزاة إلى أيام تمضي من آذارء فإنهم يجدون العدو في ذلك الوقت أضعف ما يكون نفسًا ودواب ويجدون مواشيهم

كثيرة ثم يرجعون ويربعون دوايهم».

هذا نمط قدامة في الإنشاء وليس فيه أثر من آثار التكلف غير حسن الصناعة وجمال الأداء. ولقائل. أن يقول: ولكن قدامة هنا يقرر حقائق وهناك يكتب أدبًا. فنقول: إن من يدقق يدرك إدراكًا لا تعتوره ريبة أن قائل هذا الكلام لا يرضى لتفسه ذاك التكلف والتعسف.

إن ما أصاب الخزائن من التكبات قضى بأن يضيع القسم الأعظم مما كتبه المؤلفون» وطول الزمن وانتشار الجهل كانا مدعاة على أن تنسب بعض المصنفات إلى غير مصنفيها. ولعل الأمة العربية إذا طبعت كل ما في الشرق والغرب من المخطوطات تصل إلى كشف حقائق تتعذر اليوم الإحاطة بها.

0)

ابن حِبّان البسْتِي أبو حاتم محمد (:0؟)

عربيٌ اتصل نسبه بإلياس بن مضرء ونُسِبٌ في إحدى الروايات إلى دارم ثم إلى تميم بن مر ثم إلى عدنان. نشأ في بْسْت مدينة بين سجستان وغزنين وهراةء لا يعرف عن نشأته إلا ما قالوه من أنه كان مكثرًا من الحديث بالرحلة والشيوخ؛ وأنه سمع الحديث من خلائق في خراسان والعراق والحجاز والشام ومصر والجزيرة وغيرهاء وقال في بعض كتبه: ولعلنا كتبنا عن ألف شيخ ما بين الشاش والإسكندرية.

وَلِيَ قضاء سمرقئد ثم قضاء نسَا وغيرهاء ثم صرف من القضاء بدعوئ أنه زعم أن النبوات علم وعمل» وأنه صنف لأبي الطيب المصعبي كتابًا في القرامطة. وقال بعضهم: إن له أوهامًا أنكرت عليه» وأنه عن عليه بهفوة منه بدرت» ولها محل لو قبلت. وقيل إن الخليفة قتله بدعوى أنه يعرف بعض العلوم الرياضية وهو في الثمانين من عمره! وقيل مات حتف أنفه. والأرجح أن كتابه في القرامطة حمل أفكارًا لا يرضاها السلطان فنقموا منه ما كتب؛ فكان مقتله سياسيًا .

كان البستي عالمًا بالمتون والأسانيد» أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره» وصحيحه فيه أصحٌ من سنن ابن ماجهء وكانت الرحلة بخراسان إلى مصنفاته» لأنه أدرك الأئمة والعلماء والأسانيد العالية: وكان وعاء من

1 ابن حِيّان البْسْيي

أوعية العلم في اللغة والفقه والحديث والوعظء عارفًا بالطب والنجوم والكلام» عاقلا ألمعيًّا وكاتبًا لوذعيًا.

وذكر العارفون أن من الكتب التي تكثر منافعها إن كانت على قدر ما ترجمها به واصفوها مصنفات أبي حاتم؛ وهي في الحديث؛. ومناقب الأئمة» والعلوم وأنواعهاء والهداية إلى علم السئن. وقد سبّلها ووقفها وجمعها في دار رسمها بها جعلها لأصحابه؛ وبنى مسكنًا للغرباء الذين يقيمون بها من أهل الحديث والمتفقهة» وجعل لهم جرايات يستنفقونها داره. وأوصى وصيّه أن تبذل كتبه لمن يريد نسخ شيء منها من غير أن يخرجها من دارها. وتشتت كتبه مع «تطاول الزمان وضعف السلطان واستيلاء ذوي العيث 0 تلك البلاد وجهل أهلهاء فلم تعاوّر بالنسخ» فضاع أصلها ولم يكثر فرعها.

لم نعرف إن كان طبع لابن حبان شيء من كتبه المحررة في العلم الذي اشتّهر به في القاصية والدانيةء وغاية ما طبع له كتاب «روضة العقلاء ونزهة الفضلاء»؛ وهو كتاب بديع قسمه إلى زهاء خمسين مطلبّاء ابتدأ كل مطلب بحديث وأتبعه بما قصد بيانه» ووشاه بشواهد كثيرة من الشعر وغيره» بحيث يستفيد منه الكبير والصغيرء ويتأدب به الأمير والأجير» ويغني غناءه في تربية الرجال والنساءء ببيان معجب وتنسيق جاءت معه فصوله ذات حجم واحدء متوازية الفائدة آخذة من الحسن والإحسان بأوفر نصيب.

ابن حبان ينقل الشعر والنثر بالرواة على أصول المحدثين. ومنظومه طبقة يتنافس فيهاء ثم يأتي من عنده بكلام يذل على بعد غوره ولطف أدائهء وقد يورد في بعض الفصول قصصًا تروق وتعلّم» ويخاطب العقل وما يجدر مي 0 صار إلى النقص»ء ولا ينفع العقل إلا بالاستعمال» كما لا تنفع الأعوان إلا عند الفرصة» ولا ينفع الرأي إلا بالانتحالء كما لا تتم الفرصة إلا بحضور الأعوان».

قال: أنشدني عبد الرحمن بن محمد المقائلي:

فمن كان ذا عقل ولم يك ذا غنى 2 يكون كذي رجل وليست له نعل ومن كان ذا مال ولم يكن ذا حبجى202 يكون كذي نعل وليسسبت له رجل

ومما حكاه قال: سمعت إسحاق بن أحمد القطان البغدادي بتستر يقول: كان لنا جار ببغداد كنا نسميه طبيب القراء؛ كان يتفقد الصالحين ويتعاهدهم؛ فقال لي: دخلت يومًا على أحمد بن حنبل فإذا هو مغموم مكروب فقلت: مالك يا أبا عبد الله. قال: خير. قلت ومع الخيرء قال: امتّجنت بتلك المجنة حتى صُربت ثم عالجوني وبرت إلا أنه بقي في صلبي موضع يوجعني» هو أشد عليَّ من ذلك الضرب. قال: قلت اكشف لي عن صلبك: قال: فكشف لي فلم أر فيه إلا أثر الضرب فقط. فقلت: ليس لي بذي معرفة؛: ولكن سأستخير عن هذا. قال: فخرجت من عنده حتى أتيت صاحب الحبس» وكان بيني وبيئه فضل معرفة» فقلت له: أدخل الحبس في حاجة؟ قال: ادخل. فدخلت وجمعت فتيانهم» وكان معي دريهمات فرقتها عليهم» وجعلت أحدثهم حتى أَنِسُوا بي. ثم قلت: من منكم ضرب أكثر؟ قال: فأخذوا يتفاخرون. حتى اتفقوا على واحد منهم أنه أكثرهم ضربًا وأشدهم صبرًا. قال: فقلت له: أسالك عن شيء؟ قال: هات. فقلت: شيخ ضعيف ليس صناعته كصناعتكم وضرب على الجوع للقتل سياطا يسيرة» إلا أنه لم يمت» وعالجوه وبرأ» إلا أن موضعًا في صلبه يوجعه وجعًا ليس له عليه صبر. قال: فضحك» فقلت: مالك؟ قال الذي عالجه كان حائكّا. قلت: إيش الخبر؟ قال: ترك في صلبه قطعة لحم ميتة لم يقلعهاء قلت: فما الحيلة؟ قال: يبط صلبه وتؤخذ تلك القطعة ويُرمى بهاء وإن تُركت بلغت إلى فؤاده فقتلته. قال: فخرجت من الحبس فدخلت على أحمد بن حنيل فوجدته على حالته؛ فقصصت عليه القصةء قال: ومن يبطه؟ قلت أناء قال: أو تفعل؟ قلت: نعم؛ قال: فقام ودخل البيت ثم خرج وبيده مخدتان وعلى كتفه فوطة» فوضع إحداهما لي والأخري له ثم قعد عليها وقال: استخر الله فكشفت الفوطة عن صلبه وقلت:

7 أين حِبّان البّسْتِي

أرني موضع الوجع قال: ضع إصبعك عليه فإني أخبرك به» فوضعت إصبعي وقلت: هاهنا موضع الوجع؟ قال: هاهنا أحمد الله على العافية. فقلت: هاهنا قال: هاهنا أحمد الله على العافية. فقلت هاهنا قال: هاهنا أسأل الله العافية. قال: فعلمت أنه موضع الوجع» قال: فوضعت المبضع عليه فلما أحسن بحرارة المبضع وضع يذه على رأسه وجعل يقول: اللهم اغفر للمعتصم» حتى بططته. فأخذت القطعة الميتة ورميت بها وشددت العصابة عليه» وهو لا يزيد على قوله: اللهم اغفر للمعتصم. قال: ثم هدأ وسكن ثم قال: كأني كنت معلقًا فأحدرت. قلت: يا أبا عبد الله إن الناس إذا امتحنوا محنة دعوا على من ظلمهم ورأيتك تدعو للمعتصم. قال إني فكرت فيما تقولء وهو ابن عم رسول الله يل فكرهت آني يوم القيامة وبيني وبين أحد من

ومن حكاياته» وحكاياته على الأغلب ذات مغزى سياسي واجتماعي: أنبأنا محمد بن صالح الطيري بالضيّمَرة» حدثنا محمد بن عثمان العجلي قال: لما حدث شريك بحديث الأعمش» عن سالم بن ثوبان: أن النبي كَل قال: «استقيموا لقريش ما استقاموا لكمء فإذا خالفوكم فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم, فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء؛. سعي به على المهدي فبعث إلى شريك نأتاهء فقال: حدثت بها؟ قال: نعم. قال: عمن رويتها؟ قلت: عن الأعمش. قال: ويلي عليه لو عرفت مكان قيره لأخرجته فأحرقته بالئار. قلت: إنه كان مأمونًا على ما يروي. قال: يا زنديق لأقتلنك. قلت: الزنديق من يشرب الخمر ويسفك الدم. قال: والله لأقتلنك. قلت: أو يكفي الله؟ قال: فخرجنا من عنده فاستقبلني الفضل بن الربيع فقال: ليس لك موضع تهرب إليه؟ قلت: بلى» قال: فإنه أمر بقتلك قال: فخرجت إلى ججبّل. وخرجت يومًا أتجسس الخبر فأقبل ملاح من يغداد فاستقبله ملاح آخر من البصرة؛ فسأله ما الخبر؟ قال: مات أمير المؤمنين. قلت: يا ملاح

كنوز الأجداد

من

قرّب» فقرّب. وفي هذه القصة إشارة إلى ظلم العباسيين» وفي أقل منها كانوا يستبيحون إهلاك الناس» ولذلك ما كان ابن حبان من المرضي عنهم في بلاط بغداد على ما يظهر. وما أغناه انطواؤه على علم غزير وخير كثير. أفاد الأمة من كل وجوه الاستفادة فما نال منها إلا كفر ما أسدى وغمط ما أجدى.

: ان 3 د _ذء_

ف أبو الفرج الأصفهاني

علي بن الحسين (65)

قيل: إنه من ولد هشام بن عبد الملك. وساق ياقوت نسبه هكذا: علي بن الحسين بن عبد الرجمن بن مروان بن عبد الله بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. ولد في أصفهانء وأخذ العلم في يغداد عن ابن دريد واين الأنباري والجمحي والأخفش ونفطويه؛ وكتب عليه أن ينتقل في البلاد» وانتهى إلى أن أصبح من ندماء الوزير المهلبي؛ ووصل إلى سيف الدولة بن حمدان. ووصفه ياقوت بالعلّامة النسّابة الأخباري الحُقَطّة الجامع بين سعة الرواية والحذق في الدراسة. قال: لا أعلم لأحد أحسن من تصانيفه في فنها وحسن استيعاب ما يتصدى لجمعه. وكان مع ذلك شاعرًا مجيدًا.

وذكر التنوخي أنه كان يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب ما لم يحفظ مثله أحدء ويحفظ دون ذلك من علوم أخر؛ منها: اللغة والنحو والخرافات والسير والمغازي» ومن آلة المنادمة شيئًا كثيرًا مثل: علم الجوارح والبيطرة ونْتّف من الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك» وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان الظرفاء والشعراء.

كتب المؤلف مصنفات كثيرة أجاد فيهاء وأجلّها كتاب الأغاني جمع فيه الأصوات القديمة وما قيل فيها وتراجم الأدباء والشعراء وأخبار الحضارة

والعلم بما لم يُكُتب لكثيرين أن يجيدوا فيه؛ فالأغاني كتبٌ كثيرة في كتاب» انتفع به كل مؤلّف وكل أديب وكل شاعر وكل ناثر على اختلاف العصورء ولو قد كُيِب له الضياع لَمَقَدَ الأدب العربي بفقده أعظم جزء منهم. ومن عظمة هذا الكتاب أن فيه أخبارًا اقتبسها من كتب لم تصل إليناء وقد حَمَّله أشعارًا وقصصًا من الأدب المكشوف لا تروق الإفرنئج طريقتهاء وتلاهم العرب لعهدنا في الاشمتزاز من كَتّبها وتلاوتها وإنشادها .

وقد استغرب من ترجموا لأبي الفرج بأنه كان على نزعة شيعية مع أنه أموي من صميم بني أمية. والغالب أن بيئته أوحت إليه ذلك» وكانت بعض الكتب التي اعتمد عليها من مؤلفات الشيعة. وقيل: إنه كان يؤلّف بعض الكتب ويرسلها إلى ذوي قرباه من الأمويين في الأندلس ويجيزونه عليها سرًا. وهذا كتابه الأغاني أهداه لسيف الدولة ين حمدان وهو شيعي» قأجازه عليه بألف ديئار» ويلغ الصاحب بن عباد فقال: لقد قصر سيف الدولة» وأنه يستأهل أضعافهاء ووصصف الكتاب فأطنب ثم قال: ولقد اشتملت خزانتي على مثتين وستة آلاف مجلد ما منها ما هو سميري غيره ولا راقني منها سواه. قال أبو محمد المهلبي: سألت أبا الفرج في كم جمعت هذا الكتاب؟ فقال: في خمسين سنة. قال ياقوت: «ولعمري إن هذا الكتابء لجليل القدرء» شائع الذكرء جم الفوائد عظيم العلم» جامع بين الجد البحت» والهزل النحت».

جمع الأصفهاني كتابه ين كتب مّن سبقوه إلى خوض هذه الموضوعات ومن دواوين الشعر والخطب والأخبار ما عزّ على غيره استيفاء مثله. جمعه بذوق عال شفافي حتى لينسى قارئه أن أبا الفرج جمّاعة قل أن يأتي بشيء من عندهء وإذا أتى به كان من الجيّد الممتع» لا يخرج كتابه عن منهاجه ولا يحيد عن ترتيبه. وأسلويه السهل الممتنع في الكتابة» وربما كان كاتبًا أكثر منه شاعرًاء وإن نَسَبٌ المؤلّفون إليه الشعر ووصفوه بالجودة. فالأغاني مفخرةٌ لغة العرب لو اقتصر متأدّبٌ عليه لجاء منه أول أديب؛ لأنه يظفر فيه يأرقٌ الشعر

١7‏ أبو الغرج الأصفهات كله لمم

وأجزل الخطب إلى ما هناك من أخبار وظرّف وسِيّر ومجالس وبدائع كتبها بحرية ظاهرة» وما عمد إلى شيء من التَّقِيّةَ في تقييدها وتدوينها.

نقل صاحب الوافي عن الشيخ شمس الدين قال هذا: رأيت شيخنا ابن تيميّة يضعفه ويتهمه في نقله ويستهول ما يأتي بهء وما علمت فيه جرحًا إلا قول ابن أبي الفوارس أنه خلط قبل أن يموت. وقد أثنى على كتابه الأغاني جماعةٌ من جلَّة الأدباء انتهى. قال ابن غرس الموصلي كتب إليَ أبو تغلب بن ناصر الدولة يأمرني بابتياع كتاب الأغاني فابتعته له بعشرة آلاف درهمء فلما حملته إليه ووقف عليه قال: لقد ظُلم ورّاقة المسكين» وإنه ليساوي عشرة آلاف دينارء ولو فُقِدَ ما قدرت عليه الملوك إلا بالرغائب؛ وأمر أن يكتب له به نسخة أخرى.

ورموا أبا الفرج يأنه كان مستهترًا في سيرتهء شأن بعض الندماء في العصر العباسي. وكيف يمتنع النديم عن أشياء حظرها العرف والشرع وهي معروضة عليه كل ساعة وبها قد ينفق على مخدومه. وكما أوصلته بيئته الأصلية إلى القول بالتشيع لأهل البيت وهو من أسرة منافسة لهم ساقته الندامة على ارتكاب أمور كان يعفٌ عنها لو لم يصل إلى تلك المجالس والملاهي» ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

ثم إن من الطبيعي أن يرجع من يكتب كتاب «مقاتل الطالبيين» إلى مصادرهم ويرشح فكره من أفكارهم» وكما أن من يتوسّع في الترجمة لأبي نواس وينقل شعره العاهر بدون حرج يحكم على المؤلف أنه كان في كتاب «مقاتل الطالبيين» شيعيًا جلدًا' وفي الشعر النواسي خليعًا ماجنًا. وكتاب الأغاني على أيّ حال مَعْلَمَةٌ أدب» أو أكبر مَعْلّمَةٍ في أدب العرب» لا يستغني عنه كاتب ولا مؤلف ولا تلميذ ولا أستاذ. كتبه مؤلفه في السنين الطويلة»

)١(‏ يقول صديقي. الأستاذ المحقق شفيق جبري إنه أمعن النظر كثيرًا في كتاب الأغاني فرأى أن أبا الفرج لم يكن متعصبًا في تشيعه.

كتبه» في لجمسين سنة؛ ولم يذدّخر وسعًا في تجويده؛ فجاء كما أراد هو وأراد الأذي وحاول فى الحركتين اسار فيا أبرا كير أدرة :وفيت قلوية الدارسين والمتلهين لا تعلق لها بغير قراءة الأصل والاعتماد عليه .

ألْف كتاب الأغاني في عصرٍ نضجت فيه الآداب نضئا لم يتيسر لها في

القرون التالية أن وُفقت إلى أكثر منهء فهو بلغته السامية وماذته الواسعة من النمط العالي» وفي جودة تأليفه المثل السائر بين المؤلفات. صرف مؤلغه في تصنيفه نقد عمرهء فخلد اسمه تخليدًا لم يبلغه من ألُّوا مجلداتٍ أكثر من مجلداته؛ ذلك لأن هؤلاء كتبوا برؤوس أناملهم من حاضر الوقت» وكتاب أبي الفرج كتبه بتحقيقه وجمال ذوقه وخلع على ما جمع حلة شائقة من ظرفه. ومجموع هذا دل على نبوغ تفرّد به في هذا الباب من دون أكثر المؤلفين» ومثل هذا التأليف إذا أرادت أمة عظيمة من أمم الحضارة الحديثة أن تخرجه للناس لا يعمل فيه أقل من خمسين عالمًا مختضًا في فنه وأبو الفرج عمل وحدهء وكان نسيج وحده؛ فالأغاني كنز من كنوز الأجداد ومفخرة الآباء والأبناء والأحفاد.

ومما روي من شعره ما قاله في أبعين مفتقر إليك رأيتني لست الملومٌ أنا الملوم لأنني 0 حضوت , دهرًا وفي ل ع إذا كان هذا حالكم يوم أخذكم

ري أُمَلتٌ للإحسان غير الخالق

فما أَذِن البوابٌ لي في لقائكم فما حالكم تالله يوم عطائكم

وذكروا آن صاحب الأغاني كان كاتيًا لركن الدولة حظيًًا عنده محتشمًا لهء وكان يتوقع من الرئيس أبي الفضل بن العميد أن يكرمه ويبجله ويتوفر عليه في دخوله وخروجه وعَدِمٌَ ذلك منه فقال:

مالَْكَ موفورٌ فمايالة

أكْسَبَكَ الثَّيهَ على المُعْدِم

١‏ أبو الفرج الأصفهاني

وَلِغْ إذا جنِتٌ نهضناوإن وإن خرجنا لم تقل مثلما إن كنتٌ ذا علم فمن ذا الذي ولستّ في الغارب من دؤلة تكافأث احوائنا كلها

جئنا تطاولت ولمتُتْهِمٍ نقول: «قدم طرئهُ قدَما ونحن من دونك في المَنْسم فصل على الإنصاف أو فَاضُرم

وقد روى أبو حيان في كتاب الوزيرين من تصئيقه في خبر هذه الأبياث

غير هذا ومن قوله في المهلبي؛: نكا ملذينا رين كراقةا وله من قصيدة يستميحه :

رهنت ثيابي» وحال القضاء وهذا المعاو كيت فد ترى وسكا داري مم نأعو إذا ما تململن تحت الظلام ولاحظن زبعك كالممحلين يؤملن عودي بماينتظرن

أعانَ وما عنّى ومن ومامنًا وردنا نداه مُجدبين اهتيا

دون القضاءء وصدالقدر ت أو دمت مثل ونجزالإبر ل يلقين من برده كل شر وأدمع هاتيك تجري درر تانيز البروةة وج لطر

شغر لطيفا» ولكنه بغيد عن عزة النفس» ما كان يليق صدوره من مثله.

04)

(كم)

لم نعرف شيئًا عن حياة أبي الحسن علي بن عبد العزيز في طفولته وشبابه؛ وغاية ما ترجموا له أنه ولد في جرجان» وأخذ العلم عن بعض علماء نَيُسابورء وطَُوّف في العراق والشام» واشتهر في أنواع العلوم والآداب» وأنه تولى القضاءء وآخر منصب تولاه قاضي قضاة الري. واتصل بالصاحب بن عَبّاد الوزير الأديب» فكان لا يفارقه مقيمًا وظاعئًا ويقول: إنه من أفراد الدهر في كل قسم من أقسام الأدب والعلم. وقالوا: إنه كان حسن السيرة صدوقًا في قضائه؛ يقضي ويفتي على مذهب الشافعي وهو كصاحبه الصاحب معتزلي الرأي والمذهب. وكان أكثر أهل بلده جرجان في عصره حنفية والباقون شفعوية» وللشيعة فيها جلبة وتقع فيها عصبيات على المذاهب.

كان القاضي علي ين عبد العزيز يجمع خط ابن مُقلة إلى نثر الجاحظ ونظم البَحْثّريء فهو إمام في الصناعتين» وإمام في الفقه عظيم: ومؤرخ حجة ثبت» وقد أَلَفٍ في الفقه والتاريخ كما ألف في الأدب والشعر» فهو غزير الفضل صحيح الحجة وديغ النفس» تام المروءة جم الوفاء»ء سلمت يده من الرشاء ونفسه من الدناياء وعرف كيف يقيم العدل» ويذهب بعموم الفضل .

لا نعلم أي الملكتين كانت أقوى في القاضي ابن عبد العزيز الشعر أم النثر؟ ولا أي الفضيلتين أرسخ في قلبه العلم أم العمل؟ وشعره سلس قرضه قصائد ومقطّعات ولا سيما في الغزل» ونثره السهل الممتنع. وما تُنوقل شعره

القاضي علي ين عيد العزيز ش ب 0 _______ ١‏ سس 11

القرن بعد القرن إلا لما فيه من حكم شائقة تتذوقها النفوس! وَنّدر أن يظفر بمثلها في كثير من دواوين الشعراء. وما كان لشعره طابعه الخاص إلا لأنه صورة من أخلاقه» ومنزع من منازعة في الحياة» ومما قال في وضف الشعر:

وما الشعر إلا ما استقر ممدحًا أطاع فلم توجد قوافيه ثُقّرًا

وأطرب مشتاقًا وأرضى مغاضيا ولم تأته الألفاظ حسرى لواغبا

ومن شعره ما جرى مجرى الأمثال. لأنه حوى إبداعًا ليس لغيره مثله» قصيدته المشهورة التي يجب على كل من اتخذ العلم صناعة أن يجعلها

دستورا يسير عليه في حيائه وهي :

يقولون لي فيك انقباض وإنما أرى الناس من داناهم هان عندهم ولم أقض حق العلم إن كان كلما وما زلت منحارًا بعرضي جانبًا إذا قيل هذا منهل قلت قدأرى أنزهها عن بعض ما لا يُشينها وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت ولكنه إن جاء عفرًا قبلته وأقبض ُخطوي عن حظوظ كثيرة وأكرم نفسي أن أضاحك عابسًا وكم طالب رقي يتعماه لم يصل وكم نعمة كانت على الحر نقمة ولم أبتذل قي خدمة العلم مهجتي

رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما ومن أكرمته عزة النفس أكرما بدا طمع صيرتهليَ مبلينا من الذلٌ أعتدٌ الصبيانة مغنما ولكن نفس الحر تحتمل الظما مخافة أقوال الهذا فيمَ أولِمًا وقد رحت في :نفس الكريم معظما كنب فكري إثره مُِئَنَسا وإن مال لم أتبعه هلا وليعما إذا لم أنلها وافر العِرض مكرما وأن أتلقى بالمديحمذمما إليه وإن كان الرئيس المبعظما وكم مغنم يعتذدهالحر مغرما لأخدم من لاقيت لكن لأخدما

0 500 7 وز الأجداد

أأشقى بهغرمًا وأجنيه ذلةً ولو أن أهل العلم صانوه صائهم ولكن أهانوه فهان ودنسوا وما كل ,برف لاج لي بيستغرني ولكن إذا ما اضطرني الفبر لم أبت إلى أن أرى مالا أغصٌّ بذكره ومن مقبطعاته : ماتطعمت لذةالعيش حتى ليس شيء أعرّ عندي من الع إنماالذل قي مخالطةالنا وقال: وقالوا اضطرب في الأرض فالرزق واسع إذا لم يكن في الأرض حُرٌ يعينني وقال: وقالوا توصل بالخضوع على الغنى وبيني وبين المال بايان حرّما

إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما ولو عظّموه في النفوس لعظما محياه بالأطماع حتى تجهّما ولا كل من في الأرض أرضاء منعما أقلب فكري منجدًا ثم متهما إذا قلث قد أسدى إليّ وأنعما

لم فلا تبتغي سواه جليسا س قدعهم وعش ععزيرًا رئيسا

فقلت ولكن مطلب الرزق ضيق ولم يك لي كسب فمن أبن أرزق

وما علموا أن الخضوع هو الفقر عليّ الغنى نفسي الأبيةٌ والدهر

وهذا من الشعر الذي يشعر بعظم نفس صاحيه: ولم يتناقل شعره في الغزل والمديح على رقته تناقل شعر المجيدين مثله: ولكن هذه المعاني وهذه الحكم عَزَّت في شعر الشعراء فأصبحت كَحِكمٍ المتنبي من خير ما خمله

ديوانه .

أما نثره فهو مرسل على الأغلب» تقرأ صفحاتٍ بارعةً منه في كتابه الوساطة بين /١‏ تنب وخختصومه في شعره. ومثله جدير بأن يدافع عن شعر شاعر

2 القاضي علي بن عيد العزيز حلح ‏ حد ٍ الحمل

عظيم» وهو شاعر يعرف من أين تؤكل الكتف؛ يعرف بعلمه وتوسعه في صناعة الكتابة؛ كيف يورد حججه ويصدرها بهذا البيان المرقص المطرب. والسبب في دفاع القاضي أبي الحسن عن المتنبي أن الصاحب بن عباد لما عمل رسالته في إظهار مساوي المتنبي عمل هو كتاب الوساطة» ولم تمنعه صلته بالصاحب عن رده عليه» وما حالت الصداقة دون تزييف رأيه» والحق أولى بالصداقة من كل صديق.

وفي هذا الكتاب كما قال الثعالبي اأحسن وأبدع وأطال وأطاب. وأصاب شاكلة الصوابء واستولى على الأمد في فصل الخطابء وأعرب عن تَبَخْرِهِ في الأدب» وعلم العرب» وتمكنه من جودة الحفظ وقوة النقده. وكتاب الوساطة من أجمل كتب النقد العربي لا نعرف له مثِيلًا قبله» وكأنه تنبأ بطرق الغربيين في نقدهم في العصور المتأخرةء وأوضح لهم المنهاج فساروا عليه وتوسعوا فيه. رد في كتابه أجمل رد على من تحاملوا على المتنبي» وأسقطوه بغير حق. وعرض فيه لجمال هذا الشعر وإبداعه وحِكّمِهِ وبدائعه. وما تأخر عن إيراد ما يرذل من شعره. ومما قال فيه: «وقد تجد كثيرًا من أصحابك ينتحل تفضيل ابن الرومي ويغلو في تقديمه» ونحن نستقرئ القصيدة في شعرهء وهي تناهز المئة أو تربي أو تُضعّفء فلا نعثر فيها إلا بالبيت الذي يروق أو البيتين ثم قد تَسْبْحْ قصائد منه وهي واقعة تبحت ظلها جارية على رسلها لا يحصل السامع منها إلا على عدد القوافي وانتظار الفراغ» وأنت لا نجد لأبي الطيب قصيدة تخلو من أبيات تُختار ومغان تُستفاد» وألفاظ تروق وتعذب» وإبداع يدل على الفطنة والذكاءء وتصرّف لا يصدر إلا عن غزارة واقتدار. ولو تأملت شعر أبي نُوّاس حق التأمل» ثم وازئت بين انحطاطه وارتفاعه» وعددت منفيّه ومختاره: لعظّمت.من قدر صاحبنا .ما صغّرت» ولأكبرت من شأنه ما استحقرت» وعلمت أنك لا ترى لقديم ولا محدث شعرًا أعم اختلالاء وأقبح تفاونًا وأبين اضطرابّاء وأكثر سفسفة»

نوز الأجدا سل ب--__ -ببيبيبي ي تت

وأشد سقوطًا من شعرهء هذا وهو الشيخ المقدَّم؛ والإمام المفضّلء» الذي شَهدَ له خَلّف وأبو عبيدة والأصمعىء ونشر ديوانه الكميت» فهل طمست معاييه محاسئه وهل نقص رديئُة من قدر جيده؟

وتلطّلفت واحتاط قائلًا إنه لم يدّع الإحاطة بشعر الأوائل والأواخرء بل لم يزعم أنه نصفه سماعًا وقراءة. قال وإنما أجسر في الوقت بعد الوقت فأقدم على هذا الحكم انقيادًا للظن» واستنامة إلى ما يغلب على النفس» فأما اليقين الثقة والعلم والإحاطة فمعاذ الله أن أدعيهء ولو أدعيته لوجب ألا تقبله مع علمك بكثرة الشعراء؛ واختلاف الحظوظ وخمول أكثر ما قيل» وضياع جل ما نقل»ء وأظنئك قد سمعت وانتهى إلى علمك أن البحتري أسقط خمسمئة شاعر في عصره فما يؤمنني من وقوع بعض أشعارهم إلى غيري وما يدريني ما فيها».

وقال فيما ندعوه اليوم بالذوق الأدبي: «وأنا أعدل إلى ذكر ما رأيتك تنكر من معانيه وألفاظه؛ وتَعِيب من مذاهبه وأغراضه وتجيل في ذلك الإنكار على حجة أو شبهةء وتعتمد فيما تعنيه على بيئة أو تهمة إذا كان ما قدمت حكايته عنك؛» وما عددته من مطاعنك وأثيته من الأبيات التي استقطعتها وملت على هذا الرجل لأجلها من باب ما يمتحن بالطبع لا بالفكرء ومن القسم الذي لا حظ فيه للمحاجة ولا طريق له إلى المحاكمة؛ وإنما أقصى ما عند عايبه وأكثر معارضه أن يقول فيه جهامة سلبته القبول» وكزازة نفرت عنه النفوس» وهو خال من بهاء الرونق» وحلاوة المنظر؛ وعذوبة المسمعء ودماثة النثر» ورشاقة المعرض» قد حمل التعسف على ديباجته» واحتكم التعمّل في طلاوته. وخالف التكلف بين أطرافه» وظهرث فجاجة التصنع في أعطاقه, واستهلك التعقيد معناه» وقيد العويص مراده؛ وهذا أمر تستخبر به النفوس المهذبةء وتستشهد عليه الأذهان المثقفة. وإنما الكلام أصوات محلها من الأسماع محل النواظر من الأبصارء وأنت قد ترى الصورة تستكمل شرائط

القاضي علي بن عبد العزيز

الحسن» وتسثوفي أوصاف الكمال» وتذهب في الأنف كل مذهب» وتقف من التمام بكل طريق» ثم تجد أخرى دونها في انتظام المحاسن» والتثام الخِلقةء وتناصف الأجزاءء وتقابل الأقسامء وهي أحظى بالحلاوة» وأدنى إلى القبول» وأعلق بالتفس» وأسرع ممازجة للقلب. ..»

وقاضينا هذا كان مؤرخًا أيضًا كما قلناء اختصر تاريخ الطبري. ومما كتب في خطبة كتابه تهذيب التاريخ «لولا التاريخ لما تميز ناسخ من منسوخ» ومتقدم من متأخرء وما استقر من الشرائع» وثبت مما أزيل ورفعء ولا عرف ما كان أسبابهاء وكيف مست الحاجة إليهاء وحصلت وجوه المصلحة فيهاء ولا عرفت مغازي رسول الله وحروبه وسراياه ويعوثه» ومتى قارب ولاين وسارر وخحافت» وفي أي وقت جاهر وكاشف» ونيذ أعداءه وحارب» وكيف دبر أمر الله الذي ابتعثه له وقام بأعباء الحق الذي طوقه نقله» وأي ذلك قَدّم وأبيا أن ادها بدا زبابها كد ولت وإن الولد البر ليتفقد ذلك من آثار والده؛ والصاحب الشفيق ليعنى بمثله من شأن صاحيه الخ. ..»

هذا ما غُرِفَ من حال القاضي العظيمء والمجال لا يتسع لإيراد شواهد من كلامهء وفي كتاب الوساطة نمودج مهم يرجع إليه من شاء.

>35

(19) البلوي أبو محمد عبد النه بن محمد بن غميرٌ بن محفوظ المديني البلوي (الثلث الثاني من القرن الرابع)

قبيلة بَلِيَ (كرضي وعلي) فرع من قضاعة ينتهي نسبها إلى قحطان. ومنازل بَلِىَ اليوم في الوجه من أرض الحجازء جاء منها الصحابة والتابعون والعلماء والفصحاء والقواد. وكانت بلي في الشام فنادى رجل منها: يال قضاعة! فبلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فكتب إلى عامل الشام أن يسير ثلث قضاعة إلى مصر فتفرقت بلي في أرضها. وبَلَويْنا كما قُهِمّ من نسبه حجازي» وكما يُقْهَم من تأليفه مصريء والأرجح أنه نشأ في مصر إن لم يكن ولد فيها. وصفوه بأنه عالم فقيه واعظء ولم يصفوه بأنه مؤرخ مع اعتراف معاصريه له بهذه الصفة. وطعن عليه أهل السنة والشيعة بأنه وضّاع للأحاديث كذاب. ولعله نقل أحاديث لتأييد دعوته؛ وهو أقرب إلى أن يكون إسماعيليًا سبعيّاء وإن كان مذهبه محل نظر بين العلماء والمعاصرين. فقالوا إنه إمامي وقالوا إسماعيلي» ونحن لا نعلق على مذهبه كبير أمر ونقول إنه عالم من علماء المسلمين فقط له كتاب الأبواب (الأنوار؟) وكتاب المعرفة وكتاب الدين وفرائضه؛ ذكر له ذلك صاحب الفهرستء وقيل إن له رحلة الشافعي وأنه طوَّلها ونمّقهاء وقد ظفرنا له بكتاب سيرة أحمد بن طولون» وهذا الذي جلاه للناس بأنه مؤرخ من الطراز الأول. ولولا ظهور كتابه هذا لْسِي اسمه ونَسية نعم نحن لا يهمنا مذهب هذا المؤرخ هنا بقدر ما يهمنا أن نقول إنه وضع

تاريحًا لم يَسْبق أحدٌ إلى وضع مثله؛ وما صنّف بعده أحدٌ على طريقته» وأنه طبع تآليفه في قالب ابتدعه لنفسه» ألا وهو تعليم التاريخ بالقصص؛ فأورد لأحمد بن طولون المتغلب على مصر في القرن الثالث قصضًا وقعت لهء عرف بها نشأته وأدبه وحكمه وإدارته وعدله وظلمه وشجاعته وأريحيته ورحمته وقسوته وكرمه وشرهه في جمع المال وغرامه بالنظام ويُعده عن الفوضى ومراميه السياسية ودخوله في مسائل الخلافة العباسية لأنه بايع ولي العهد ولا يرى أن يعبث بحقوقه وهو خليفة.

نقل المؤلف بعض الحكايات وقدرها تسعون قصة منها خمسون عن ابن الداية في سيرة ابن طولون» وردت في كتابه المكافأة» ومنها أربعون جاء بها من عنده على ما يظهر. وعبارة البلوي إذا وضعت إلى جانب كتابة ابن الداية لا تقل عنها فصاحة وجزالة. وإذ اعتاد البلوي عدم العزو إلى ابن الداية وإلى غيره اختلط الكلامان على ما يخالف عرف المؤرخين والمحدثين. وما كتبه البلوي في كتابه من الفصول ظاهر لمن ينعم النظر والقول بأنهما أَخذا من مصدر واحد وهو أضابير أحمد بن طولون وجزازاته لا يصح على إطلاقهء لأن الموضوعات التي كان يدونها أمين سر ابن طولون بأمر سيذه ليست كلها في موضوع كتاب المكافاة» بل هي عبارة عن أوامر وأحاديث صدرت من لسانه أمام جلاسه ورعيته وكشا وعماله» وأكثرها مما يدخل في موضوع الإدارة والحكم.

ومع أن البلوي كتب تاريخه بعد انقراض الدولة الطولونية بستين سنة جمجم وما صرح عند ذكر مساوئ ابن طولون وقد يعتذر عنه فيما اقترف. وأي مؤرخ في القديم والحديث لم تضطره السياسة إلى استعمال التقية. ومن لم يصانع في أمور كشيرة ‏ يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم

أما من حيث التأليفء فإنه لولا تقدم ابن الداية البلويّ بتأليفه لما أتى كتابه آخدًا بحظ جزيل من الإمتاع وسعة المادة» ولولا أن تاريخ البلوي كتب

في عصر نجا المؤلف فيه من ضرورة المصانعة» لما جاء أقرب إلى الثقة من كتاب ابن الداية؛ وتاريخ اليلوي بما تعرض له من الحوادث سد ثلمة في تاريخنا كانت عظيمة في التواريخ التي وصلت إلينا مما كتبه مؤرخو العرب.

ويْعَدٌ في حسنات هذا التاريخ أنه عرض لتفاصيل كثيرة قد يتخطاها معظم مؤرخينا لا يأبهون لها والدارسون يغتبطون بالوقوف على أشياهها لأنها تجلي أمامهم أشياء يُعْنَى أهل العصر بمثلها. وبذلك نحكم بأننا لم نعهد رجلا من رجال السياسة الإسلامية كصاحب الدولة الطولونية أن تجلت سيرته للأعين تجليًا لم يكتب لغيره؛ وما ذاك إلا لأن ابن طولون عظيم» كيف دار المؤرخ يجد ما يسجله له وهو يكتب حياته ولأن ابن الداية عظيم في المؤرخين والكتاب كما أن البلوي عظيم في المؤرخين والمؤلفين.

يورد البلوي في تاريخه الحوادث مفصّلة ويحلّلها ويعللها أحيانًا ويبدي رأيه ويظهر شعوره» يرويها بأسانيدها على عادة مؤرخي عصره.؛ وإذا اقتبس من عبارة مسجوعة لغيره طرح الأسجاع واكتفى بلب العبارة» وهو يترك السجع أكثر الأحيان ويستعمل الازدواج» وما اقتبسه من ابن الداية يورده في الغالب يعبارته أو يورد على الأقل مقدمته ويزيد عليها شيئًا من عنده.

كتاب البلوي وكتاب ابن الداية من الكتب التي تقرؤها عشر مرات وتحس بعدها أنك تشتهي أيضًا أن تعاود قراءتها؛ ذلك لأنها استوفت عامة شروط التأليف» وكفى أن البلاغة تتدفق من صفحاتها لا تعثر في سبكها وترتيبها على عيب تتعلق به وللقوالب التي تصاغ بها الأفكار دخل عظيم في تأثير الكلام» وما كان لصوغ البلوي هذه الروعة لو لم يكن صادرًا عن نفس رويت من معين الآداب وتمئّلتها تمثلا ظاهرًا.

وهاكم الآن قصة من قصص البلوي لا ندري إن كان جاء بها من عنده أو اقتبسها من ابن الداية.

حدث نسيم الخادم قال: كان أحمد بن طولون مولاي على غاية من الميل

والمحبة لمَعْمّر الجوهري. فلما مات مَعْمّر الجوهري حزن عليه أحمد بن طولون حزنًا عظيمًاء حتى ظهر ذلك منه للناس كلهم فلم يتعزٌّ به ولم يَسْل عنه. فلحزنه عليه كان يبكر كل يوم سَّحَرًا إلى قبره» وأنا معه؛ فيترحم عليه ويقرأ قليلاء ويعود إلى قصره مع الصبح. فكنا عند موافاتنا قبره نجد في كل يوم امرأة قد سبقتنا إلى قبر مقابل قبر مَعْمّره تبكي وتنتحب بحُرقة موجعة مؤلمة لقلب من يُسمعهاء فكانت تزيد في حزن أحمد بن طولون وتبكيه.

فلما كثر ذلك عليه منها قال لها يومّا: يا امرأة أتبيتين هاهنا؟ فقالت: لا أيها الأمير. فعلم أنها قد عرفته. فقالت: وكيف لي لو تهيأ لي المبيت» حتى أبيت ولا أفارق هذا القبرء» وأدفن فيه مع صاحبه. ولكني أسهر ليلي» لما أجد في قلبي؟ فإذا قرب الفجر خرجت وقد شغل الحزن قلبي عن الخوف من وحشة الطريق. فقال لها أحمد بن طولون: وما هذه الحال العظيمة التي استحق بها هذا الفعل منك؟ فقالت: أيها الأمير إنها حال عظيمة عندي» لا يجوز لي أن أذكرها. فقال لها: لا بد أن تخبريني ذلك. اينك هو؟ قالت: لا. قال فأخوك؟ قالت: لا. قال: فزوجك؟ قالت: نعم. قال: أقسمت عليكِ لتخبرني بما استوجب به منك هذا الفعل. فقالت: أيها الأميرء إني أحتشم من ذكره» وأرفغ الأمير عن كشفه. قال لها: إلزامي لك ذكره قد أزال حشمتك» وأقام عذرك.

فقالت: أزوجني أبي لهذا الرجل» وأنا صبية» ما بلغت ميالغ النساء. فلما عقد النكاح سافر سفرًا طال مدة أيسنا منه معها. فخلا بي من النساء من لا خير فيه» وأنا مع أبي وأمي. وأفسدوني واستولوا على عقلي وخملوني على أن ساعدتهم فيما تيب علي مما لم يكن لي منه محيص» وصبوت كما تصبو النساء وحملت. فلما تبين والداي جميعًا ذلك» وزد عليهما ما يرد مثله من المصائب؛ فبينما هما يركضان في الحيرة في أمري إذ قدم هذا الرجل من سفرهء فطالب بإدخالي عليه» فدافعه أبي وأمي بما يُحتاج إلى إصلاحه ليء

ذ الأجداد

رجاء أن يزول ما في جوفي؛ فلم يدعا شيئًا يعمل في طرحه حتى عملاه؛ فما نفع ذلكء لما قضى الله جل اسمه بكونه.

وقربت ولادتي فوافانا هذا الرجل» وقد طالت المدافعة لهء فحلف بالطلاق أنه يأخذني بعد ثلاثة أيام» فلم يجد أبي وأمي بدًّا من إدخالي عليه كَدُفعت إليهء وأنا على حال قد علمها الله جل اسمه غمًا وقلقّاء وأبي وأمي أعظم مما أنا فيه» فلما أُدخلت عليه؛ وأخلِيت معهء انصرفتٌ أمي وسائر أهليء خوفًا من مشاهدة الفضيحة» فلما حصلت معه في الكِلَّة('؟: ضربني الطلق». وزاد الأمر عليّ» فوثبثٌ من الكلة» أريد الخروج من البيت إلى أمي؛ وليس عندي أنها هربت. فما بلغتٌ عتبة باب البيت حتى طرحتٌ الولدٌ من بين رجلي إلى الأرضء وسقطت ولا عقل لي» فوثب هذا الرجل يتأمل» فرأى طفلًا مطروحًا يبكي فصاح بأختهء فسمعته وأنا في كربي وغمي؛ يقول لها: يا أخئي! اقض كل حق لي عليك» بما تأتيه في أمر هذه الامرأة» وانصرف عن البيبت» وتركني مع أختهء فقامت بي أحسن قيام» وتولث من أمري ما لا يتولى مثله أمي : برفق وإشفاقء وانبساط وجه» وحسن خلق» ومزح ومداعبة» حتى كأن الولد منهمء وكل ذلك يزيدني خجلا واحتشامّاء إلا أنه قد سكن قلبي بعض السكون.

وبلغ أبي وأمي خبري فلم يقربني أحد منهما حياء واحتشامًاء ويثٌ ليلتي؛ فلما كان من الغد دخل إليّ بوجه منبسط طلّقَ ضاحك؛. فجلس عند رأسي» وساءلني عن خبريء» وقال لي: ألك حاجة؟ قلت. ودموعي تجري: يبقيك الله. فبكى لبكائي؛ ومضى بنفسه إلى أبي وأمي. فجلف عليهما حتى جاءني بهما وقال لهما: لا مهرب من قضاء الله قدء إني ليس في يدي ولا في أيديكما ولا في يدي أحد من عبيذه جل ذكره منه غير الصبر والحمد له تبارك

وتعالى على البأساء والضراء والحمد لله الذي كان هذا من فيض (؟) الله جل

اسمهةء له الصبر عليه والستر عليكمء واحمدوا الله جل اسمة. قفدذعيا له وشكراه» واستعبدهما بذلك.

فكان كل يوم يدخل إليّ بكرة وبالعشي» يسألني عن حالي: ويسألني عن شيء أشتهيه ويستحلفني على ذلك. فأبوس يديه وأدعو له حتى إذا مضى لي أربعون يوماء وهي أيام النفاس: ودخلت الحمام وضلحت له دخل إلي مستبشرًا طيب النفس» فمازحني .وجلس عندي واستحضر أبي وأمي وأنفق نفقة كبيرة واسعة حسثة » حتى كانت مقام عرس ثانٍ. فلما انقضى يومنا وبات عنديء وجرى بيني وبينه ما يجري بين الرجل وزوجته» وأنا على غاية من الاحتشام والحياء منه وأصبح » وهب لي دئائير كثيرة» وقطع لي ثيابًا اناد فما مضى إلا أشهر حتى حملت فولدت غلامًا فسرٌ به غاية السرور» فكأني انبسطتٌ قليلًا إليهء ودعا أيضًا أبي وأمي وحلف عليهما أن يلزماني ولا ينقطعا عني » وصاغ لي حُلِيًا جسئاء وما ترك شيئًا من إكرامي وسروري حتى يلغه لى » وعاشرتنى أخته ولأمي0" أحسن عشرة» وفعلتٌ معنا أجمل فعل»: فكنا له ولها كالعبيد.

وما زلت معه على حال ما فوقها مزيد من الإحسان والمحبة» حتى مضت لي عشر سنين» وكبر ابني ؛ وحدق القرآن. وعلمه جميع الآداب» وأنجب فعظم بذلك سروره وسروري. ثم اعتلّ علّته هذه التي مات فيها فسمعتهم يقرؤون في الوصية: والذي خلمه من الولدء ولدان ذكران» وهما فلان وفلات؛» وزوجة وهي فلانة أبنة فلان» يريدني: فلما سمعت ذلك لحق قلبي ما فعله؛ فأمسكت» إلا أني لما خرج العدول من عنده» خرجت إليه من وراء

لفق الأولى: وعاشرت. أعي .

د 2 ياد 0 ٠‏ كنود الأجداد مقطع كنت جالسة خلفه فقبلت رأسه ويده؛ وقلت له: يا سيديء لك علىّ من الإحسان والإنعام وجميل الفعل ما قد استعبدتني به» حتى. لو وقفت على أن لك ثلاث نسوة وعدة جوار لحملتهن لك على رأسيء» فكان ذلك أقلّ واجبك علىٌء فكيف يكون لك ولد غير ولدي من امرأة غيري أو جارية» غلا تعرفني ختى أتولى خدمتها بنفسي» وكان ذلك بعض ما تستحقه مني؟ فقال: كأنك أنكرتي ما سمعتيه في وصيتي من ذكري ولدين ذكرين» فقلت: نعم. فحؤّل وجهه عني إلى الحائط فقال لي: ويحكء» هذا وذاك وتشهد ومات.

فأحضرتني أخته ذلك الطفل الذي كنت رميتهء ووالله ما قدّرته يعيش ولا سألت عنه ولا فكرت فيهء فقالت له: يا بني هذه أمك فيس رأسهاء فانكبٌ على رأسي وبكيت ويكت أحت حتهء وإذا بها قد اشترت له دأية» وأفردته في موضع معهاء وكبر فعلمته مع ابنه القرآن وجميع ما علمه ابنه من الآدذاب وأنجب أيضّاء على أنه بعض ولد الجيران» وأحضرت أخاه فقالت له: يا ابن أخي هذا أخوك فتعانقاء ووقف كل منهما على صورة الأمرء واتفقت الحال بينهما فتسخمت أنا وأخته عليه» وجززنا شعورناء ولزمنا الحزن عليه» فماتت أخته حزناء وبقيت أنا وابني وأخوه معي»: وخلف له شيئًا يسدّ حاجتنا. فأنا ألزم قبره ولا أنسى جميل فعلهء ولا يزول من قلبي حزنه. فقال لها أحجمد بن طولون: رحمه الله.ورضي عنه» فما في الدنيا أكرم من هذا الرجل ولا أجمل فعلاء وأجسن الله جزاءك إذ عرفت له مقدار فعله بك وكثر الله في النساء ثلك» فإن يكن لك حاجةء أو نابتك نائبة» فعرفيني فقد لزمئي حقك» ووجب على حفظكء فدعت له وانصرف أحمد بن طولون وقد أبكته وأحزنته .

مه,

)م(

بديع الزمان الهَمَذَانِي أبو الفضل أحمد بن الحسين )6

ثيب إلى هَمَذَانَء وسكن غَرْنة زمناء وتخرج بأبي الحسين أحمد بن فارس» وأخذ عن غيره» وحص بحافظة عجيبة «كان ينشد الشعر لم يسمعه قط وهو أكثر من خمسين بينًا إلا مرة واحدة فيحفظها كلهاء ويؤديها من أولها إلى آخرها لا يخرم حرقاء وينظر في الأربعة والخمسة الأوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة خفيفة ثم يهزها عن ظهر قلبه هزًّا ويسردها سردًا. وهذا حاله في الكتب الواردة وغيرهاء وكان يقترح عليه عمل قصيدة وإنشاء رسالة في معنى بديع وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة. وكان ريما كتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ يآخره ثم هلم جرًا إلى أوله ويخرجه كأحسن شيء وأملحه. ويوشح القصيدة الفريدة من قبله بالرسالة الشريفة من إنشائه» فيقرأ من النظم والنثرء ويروي من التثر والنظم» ويعطي القوافي الكثيرة فيصل بها الأبيات الرشيقة» ويقترح عليه كل عويص وعسير من النظم والنثر» فيرتجله أسرع من القَّرْفء على ريق لم يبلعه؛ ونْفْسِ لا يقطعه؛ وكلامه كله عفو الساعة وفيض البديهة» ومسارفة القلم» ومسابقة اليد للفم؛ وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغريبة بالأبيات العربية فيجمع فيها بين الإبداع والإسراع؟.

قال فيه مترجموه إنه كان #متعصبًا لأهل الحديث والسئة» ما أخرجت همذان بعده مثله». وأوصى (أن يتولى الصلاة عليه أهل الحديث وأهل السئة».

كنوز الأجداد

وهو جماعي يصرح بمذهبه «وينعى على من ينالون من الشيخين ويقول: ولا كل سيرة عدل العمرين. ومما قال في انتشار الرفض : وهذه الكوفة مما اختط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. واه وما ظهر الرفض بها دفعة» ولا وقع الإلحاد فيها وقعة» إنما كان أوله النياحة على الحسين بن على وِلْيًا وذلك ما لم ينكره الأنامء ثم تتاولوا معاوية» فأنكر قوم وتساهل آخرون» فتدحرجوا إلى عثمان» فنفرت الطباع ونبت الأسماعء وكان القراع والوقاع» حتى مضى ذلك القرن وخلف من بعدهم خلف لم يحفظوا حدود هذا الأمرء فارتقى الشتم إلى يقاع. وتناول الشيخين ا .

كان الهمذاني عربيًا مجاهرًا بعربيته في أرض فارسية كما كان صريححا في نحلته في بلاد فيها جماع الأهواء. كتب إلى الشيخ الرئيس أبي عامر «نحن أطال الله بقاء الشيخ إذا تكلمنا في فضل العرب على العجم وعلى سائر الأمم أردنا بالفضل ما أحاطت به الجلود» ولم ننكر أن تكون أمة أحسنّ من العرب ملاابس» وأنعم منها مطاعمء وأكثر ذخائر» وأبسط ممالك» وأعمر مساكن» ولكنا نقول: العرب أوفى وأوفرء وأرقى وأوقرء وأنكى وأنكرء وأعلى وأعلم. وأحلى وأحلمء وأقوى وأقومء وأبلى وأبلغ» وأشجى وأشجعء وأسمى وأسمع» وأعطى وأعطف وألطى وألطف» وأحخصى وأحصف: وأفقى وأآفق» ولا ينكر ذلك إلا وفح وتح ولا يجحذه إلا نغْل نغر. وإنما قدم الله تعالى مُلك العجم ليحتج عليهاء وإنما أخر ملك العرب ليجتج بهاء وما ملكت الغنجم حتى .تواصلت,. وما ملكت العرب إلا حين تضاولت» وما تواصلت العجم إلا يأسًا من نفوسهاء ولا تصاولت العرب إلا لما في رؤوسها. ..؟.

بَرّزْ الهمذاني في الشعر والتثر» ونثره ذو طابع خاص يهتز اهتزاز الغصن الوريف» وتسمع له جميل الحفيف والأفيف» وحفيفه متبعث من نفسه. ورفيففه صادر عن قوى في حسه. وقَّلُ في الكتّاب من أحدث له طريقة

٠‏ - بديع الزمان الهَمَدَانِي

كطريقته؛ وأملى بها صورته وجسّم صوته ونُعَرَنهه وإن كُيبَ لك أن تتدبّره تدرك في يسر وسهولة ما وصلت إليه الأخلاق في عصره» وما حدث من متاعب ولت في البقاع النائية من أرض الشرق» وكأن ما كتب في رسائله لوحة نقشت عليها ما كان في زمنه من التزاويق والتهاويل ومن التعمية والتخليط» فهو يعطيك ما يهمك من الأخبار مما قد تضن به عليك كتب التاريخ والسير. ويرضيك لأنه كان بعيدًا عن التَّقِية لا يهاب شيئًا عند إرادته بث شعوره وأفكاره. صانم بعض الأمراء. لاعتقاده أن من يخاشنهم يضرب ويتكبء وبالتقرب منهم يجمع من نوالهم وجوائزهم ما يعتقد به العقد وتسجل له به ضكاك الضياع» وهكذا كانت طريقة الناس في عصرهء وشعراؤه وكتّابه هم ألستته الناطقة الصداحة.

يتجلى روح الشباب في رسائل أبي الفضل تجلي أغراض أهل زمنه وأغراضه هوء وللشباب وثباتٌ لا يساويهم فيها الشيوخ ولو تكلَّفُوا لها وحشدواء ولو اصطنع الشاب وقار الشيوخ والشيخ جماسة الفتيان لظهر للناس أمرهما وانكشف للمدقق خبيئة نفسهما. وفي كتابة الشياب مطامع وآمال. وفي كتابة الشيوخ حكمة وأناة. . وفي الأولى ابتسامات وتفاؤل» وفي الثانية انقباض وتشاؤم .

وفي المناظرة التي جرت بين الهمناني وأبي بكر الخوارزمي بمشهد من القضاة والفقهاء والأشراف وغيرهم وما ظهر من آثار بديهة أبي الفضل ودهشة أبي بكر وسبرعة خاطر الأول وجمود الثاني ما أطمع في هذا لخ 1 وجعله وراءه في قرض القريض وتحبير الخطب دليل على أن سكرة الشباب أحيانًا أفضل من وقار الشيوخ. هذا والخؤارزمي عَلَّمّ من أعلام الأدب» عظيم في عصره ولكنه شيخ بَرَدَ دمه أو كاد» وصاحبه شاب كله حيوية.

ومع كثرة ما وقع بين المتناظرين تَرفّع الهمذاني عن الشماتة بخصمه وقِت مرضهء فقد هنؤوه بمرض الخوارزمي فأجاب جوايًا دلّ على عظم نفسه

كنوز الأجداد

وقال: «فكيف يشمت بالمحئة من لا يأمنها على نفسهء ولا يعدمها في جنسه. والشامت إن أفلت فليس يفوت» وإن لم يمت فسيموتء وما أقبح الشماتة بمن أمِن الإماتةء فكيف بمن يتوقعها بعد كل لحظةء. وعقب كل لفظة» والدهر عَرْئان”'' طعمه الخيار» وظمآن شربه الأحرارء فهل يشمت المرء بأنياب آكله؛ أم يُسِرٌ العاقل بسلاح قاتله؛ وهذا الفاضل شقاه الله وإن ظهر بالعداوة قليلاء فقد باطناه.ودًا جميلًا: والحرٌ عند الحمية لا يصطادء ولكنه عند الكرم ينقاد» وعند الشدائد تذهب الأحقاد؛ فلا تتصور حالي إلا بصورتها من التوجع لعلته؛ والتحزن لمرضتهء وقاه الله المكروه ووقاني سماع السوء فيه بحوله ولطفه»» ومعنى هذا: أن الهمذاني وإن ألهب للخوارزمي نار هجاءء ونال منه وهو مغتاظ فأسقطه في بديهته وشعره ونثرهء لم تجد الشماتة بمرضه إلى قلبه سبيلًا » وأبى أن يكون من التذالة وسفساف الخلق ما قد يكون على مثله بعض المتباغضين المتلاعتين والمتنافسين المختصمين.

أملى الهمذاني أريعمئة مقامة ما عرف إلا بعضهاء فهو واضع طريقة المقامات وإن قالوا إنه نقلها من غيره» وغيره لم تؤثر له ولا مقامة. ومع أن مقاماته نسق واحد في صنعتها يتحدث بها عن عيسى بن هشامء وينسبها إلى بطلها أبي الفتح الإسكندريء فإن مقاماته على طرافتها كانت دون رسائله في الإبانة عن حالة العصر.

وهذا الضرب من الأدب لم يُفلح كثيرًا عند العرب؛ وهو نوع من القصة المخنوقة تبتدئ وتنتهي على نسقٍ واحدء لا يُقصد بها التعليم أكثر مما يقصد بها بهرجة الألفاظ والاستكثار من زخارف البديع والترصيع والتجنيس» ولا يقال فيها إلا أنها ابنة التطبع لا الطبع. ومقاماته ورسائله تُشعرك بسعة محفوظه في المنظوم والمنفور» وبما وعت حافظته من متن اللغة وآدابها.

)١(‏ غَرْئان: جؤعان. (المراجع)

٠‏ - بديع الزمان الهَمَدَانِيِ

ونئره متساوق متناسب» موجز ز الفقرات بادي القسمات» تكاد تحمل كل فقرة منه معنى بذاته كقوله: هذا سوس لا يقع إلا فى صوف الأيتام؛ وجراد لا يسقط إلا على الزرع الحرام» ولص لا ينقب إلا خزانة الأوقاف» وكردي لا يُغِير إلا على الضعاف. وذئب لا يفترس عباد الله إلا بين الركوع والسجودء ومحارب لا ينهب مال الله إلا بين العهود والشهود.

ولو ادعى مذّع إن الكتابة ما * ختّمت بابن العميد كما قالوا بل بالهمذاني» لكان حمًا وكدفناء الهمذاني لا يُستغني شادٍ في الأدب عن الأخذ عنهء» ومثل ابن العميد كثار غير قلائل» وبعضهم أكتب وأشعر» أخملهم تخلف الدنيا عنهم. وللشهرة أسباب قد تخطئ أعظم مستحق

كن

بقي أن نلمع إلى مكانة بديع الزمان في الجد ومكانته في الهزل. ولا أحسن في الدلالة على ذلك من نقل نموذجين جميلين في هذين الموضوعين» فإنه في المّقامة المَضيرية كان من وراء الغاية في هزلهء كما جرّد كل التجويد في رسالته على وزير محمود بن سبكتكين.

وإليك المقامة المَضيريّة بنصها الرائق: حدثنا عيسى بن هشام قال: كنت بالبصرة ومعي أبو الفتح الإسكندري رجل الفصاجة يدعوها فتجيبه» والبلاغة يأمرها فتطيعه» وحضرنا معه دعوة بعض التجار فقدمت إلينا مَضيرة تَثْنِي على الحضارة» وتترجرج في الغضارة» وتؤذن بالسلامة» وتشهد لمعاوية رحمةه الله بالإمامة» في قصعة يزل عنها الطرف» ويموج فيه الظرف» قلما أخذت من الحُوان مكانهاء ومن القلوب أوطانهاء قام أبو الفتح الإسكندري يلعنها وصاحبهاء ويمقتها وآكلهاء ويثُلبها وطابخهاء وظنناه يمزح فإذا الأمر بالضدء وإذا المزاح عين الجد. وتنجى عن الخوان» وترك مساعدة الإخوان؛ ورفعناها فارتفعت معها القلوب» وسافرت خلفها العيون» وتحلبت لها الأفواه؛ وتلمظت لها الشفاهء واتقدت لها الأكبادء .ومضى في أثرها الفؤاد.

622 1 كنوز الأجداد ولكنا ساعدناه على هجرهاء وسألناه عن أمرها فقال: قصتي معها أطول من مصيبتي فيهاء ولو حدثتكم بها لم آمن المقت» وإضاعة الوقت. قلنا: هات. قال: دعاني بعض التجار إلى مضيرة وأنا ببغداد» ولزمني ملازمة الغريم» والكلب لأصحاب الرقيم» إلى أن أجبته إليها وقمناء فجعل طول الطريق يثني على زوجتهء ويفديها بمهجته» ويصف حذقها في صنعتهاء وتأنقها في طبخها. ويقول: يا مولاي لو رأيتهاء والخرقة في وسطهاء وهي تدور في الدور؛ من التنور إلى القدورء ومن القدور إلى التنورء تنفث بفيها النار» وتدق بيديها الأبزارء ولو رأيت الدخان وقد غبّر في ذلك الوجه الجميل» وأثر في ذلك الخد الصقيل» لرأيت منظرًا تحار فيه العيون» وأنا أعشقها لأنها تعشقني» ومن سعادة المرء أن يرزق المساعدة من حليلته: وأن يسعد بظعينته» ولا سيما إذا كانت من طينتهء وهي ابنة عمي لجا( طينتها طينتي٠‏ ومدينتها مدينتي» وعمومتها عمومتي؛ وأرومتها أرومتي » لكنها أوسع مني خُلقَا وأحسن لقا وصَدّعني بصفات زوجته» حتى انتهينا إلى محلته. ثم قال: يا مولاي ترى هذه المحلة هي أشرف محال بغدادء يتنافس الأخيار في تزولهاء ويتغاير الكبار فى حلولهاء ثم لا يسكنها غير التجار» وإنما المرءٌ بالجارء وداري في السّطة(" من قلادتهاء والنقطة من دائرتهاء كم تقدر يا مولاي أنفق على كل دار منها؟ قُلّه تخميئًا إن لم تعرفه يقيئّاء قلت: الكثيرء فقال: يا سبحان الله ما أكبر هذا الغلطء تقول الكثير فقط. وتنفس الصعداء وقال: سبحان من يعلم الأشياء. وانتهينا إلى باب داره» فقال: هذه داريء كم تقدر يا مولاي أنفقت على هذه الطاقة؟ أتفقت والله عليها فوق الطاقة: ووراء الفاقة. كيف ترى صنعتها وشكلها؟ أرأيت بالله مثلها؟ انظر إلى دقائق الصنعة فيهاء وتأمّل حسن )١(‏ لَبَحتٍ القرابةٌ بيننا لَنَا: دَنْتْ ولصقت. ويقال في المعرفة: هو اين عمي لَحَاء منصوب على

الحال؛ ويقال في النكرة: هو ابن عم لَحّْء بالجرّء لأنه نعثٌ للعمٌ [الوسيط]. (المُراجع) (1) وَسَط القومَ والمكانّ وَسْطًا وسِطَة: جُلْسٌ وَُسَمَلهِم [محيط المحيط]. (المُراجع»

7" بديع الزمان الهّعَذدَانِي 6

تعريجهاء فكأنما تحط بالبركار'''. وانظر إلى حذق النجار فى صنعة هذا الباب» اتخذه من كم. قل: ومن أين أعلم. هو ساج من قطعة واحدة لا مأروضٌ ولا عفن» إذا حُرّك أنّء وإذا نقِر طَنَّء من اتخذه يا سيدي؟ اتخذه أبو إسحاق بن محمد البصري» وهو والله رجل نظيف الآثواب» بصير بصنعة الأبواب» خفيف اليد في العمل» لله در ذلك الرجل» بحياتي لا استعنت إلا به على مثلهء وهذه الحلقة التي تراها اشتريتها في سوق الطرائف من عمران الطرائفي بثلاثة دنانير معزي وكم فيها يا سيدي من الشَّبَّه""» فيها ستة أرطال وهي تدور بلولب في الباب, باللة دورها ثم انقرها وابْصٌرهاء وبحياتي عليك لا اشتريت الحلق إلا منه» فليس يبيع إلا الأعلاق. ثم قرع الباب ودخلنا الدهليز وقال: عَمَّرك الله يا دارء ولا خرّبك يا جدار» فما أمتن حيطانك» وأوثق بنيانك» وأقوى أساسك. تأمل بالله معارجهاء وتبيّن مداخلها وخوارجهاء وسلني كيف حصّلتهاء وكم من حيلة احتلتها حتى عقدتها. كان لي جار يُكنى أبا سليمان يسكن هذه المجلة وله من المال ما لا يسعه الخزن» ومن الصامت ما لا يحصره الوزن. مات رحمه الله وخللّف خَلْقَا أتلفه بين الحم و ثوروم ايو القرة. والققو واعققت أن نوق غاند الاضطراء إلى بيع الدارء فيبيعها في أثناء الضجرء أو يجعلها عرضة للخطر» ثم أراها وقد فاتني شراهاء فأتقطع عليها حسرات إلى يوم الممات» فعمدت إلى أثواب لا تنضٌ تجارتها فحملتها إليه» وعرضتها عليه وساومته على أن يشتريها نسيّة. والمدبر يحسب النسية عطية: والمُتَخَلّف يَْتَدُها هدية؛ وسألته وثيقة بأصل المال ففعل وعقدها لي» ثم تغافلت عن اقتضائه؛ حتى كادت حاشية حاله ترق» فأتيته فاقتضيته» واستمهلني فأنظرته» والتمس غيرها من الثياب فأحضرته» وسألته أن يجعل داره رهينة لدي ووثيقة في يدي ففعل» ثم

(1) البركار: آلة ذات ساقين تُرسّم بها الدوائر [محيط المحيط]. (المراجع) 1 الشَّبّه: النحاس الأصفر [محيط المحيط]. (المُراجع)

0 كنوز الأجداد

درجته بالمعاملات إلى بيعها حتى حصلت لي بجدّ صاعد. وبخت مساعد. وقوة ساعدء ورب ساع لقاعدء وأنا بحمد الله مجدودء وفي مثل هذه الأحوال محمود. وحسبك يا مولاي أني كنت منذ ليال نائمًا في البيت مع من فيه إذ قُرع علينا الباب فقلت: من الطارق المنتاب؟ فإذا امرأة معها عقد لآل في جلدة ماءٍ ورِقَةٍ آل تعرضه للبيع: فأخذته منها إخذة خَلْس”'') واشتريته بثمن بخس. وسيكون له نفع ظاهرء وربح وافر بعون الله تعالى ودولتك». وإنما حدثتك بهذا الحديث لتعلم سعادة جدي في التجارة» والسعادة تنبط الماء من الحجارة؛ الله أكبر لا ينبئتك أصدق من نفسكء ولا أقرب من أَمْيك. اشتريت هذا الحصير في المناداة» وقد أخرج من دور آل الفرات» وقت المصادرات وزمن الغارات. وكنت أطلب مثله منذ الزمن الأطول فلا أجدء والدهر خبلى ليس يُدرى ما يلد. ثم اتفق أني حضرت باب الطاق» وهذا يعرض في الأسواقء فوزنت به كذا وكذا دينارّاء» تأمل بالله دقته ولينه وصنعته ولونه فهو عظيم القدرء ولا يقع مثله إلا في الندرء وإذا كنت سمعت بأبي عمران الحصيري فهو عمله» وله ابن يخلفه الآن في حانوته» لا يوجد أعلاق الحصر إلا عنده» فبحياتي لا اشتريت الحصر إلا من دكانه» فالمؤمن ناصح لإخوانه؛ لا سيما من تحرّم بخوانه.

ونلعود إلى حديث المضيرة» فقد حان وقتٍ الظهيرة. يا غلام: الطست والماء. فقلت الله أكبر ربما قرب الفرجء وسهل المخرجء وتقدم الغلام» فقال: ترى هذا الغلام؛ إنه رومي الأصلء عراقي النشء. تقدَّم يا غلام واحسر عن رأسكء؛ وشّمّر عن ساقكء» وانْض عن ذراعك؛ وافتر عن أسنانك» وأقيل وأدبرء ففعل الغلام ذلك. وقال التاجر: بالله من اشتراه؟ اشتراة والله أبو العباس من النخاس؛ ضع الطست وهات الإبريق» فوضعه

بديع الزمان الهَمَذَانِي

الغلام وأخذه التاجر وقلبه وأدار فيه النظر ثم نقره فقال: انظر إلى هذا الشَّبّه كأنه جذوة اللهب, أو قطعة من الذهب: شَبَّهُ الشام»؛ وصنعة العراق: ليس من خلقان الأعلاق» قد عرف دور الملوك ودارها. تأمل حسئه وسلني متى شتريتة؟ اشتريته والله عام المجاعة» وادخرته لهذه الساعة؛ يا غلام: الإبريق» فقدّمهء وأخذه التاجر فقلبه. ثم قال: وأنبوبه منهء» لا يصلح هذا الإبريق إلا لهذا الظستء ولا يصلح هذا الطست إلا مع هذا الدست» ولا يحسن هذا الدست إلا في هذا البيت»ء ولا يجمل هذا البيت إلا مع هذا الضيف. أرسل الماء يا غلام» فقد حان وقت الطعام. بالله ترى هذا الماء ما أصفاهء أزرق كعين السنور: وصاف كقضيب البلور اسْتَّقِيَ من الفرات» واستّعمل بعد البيات» فجاء كلسان الشمعة» في صفاء الدمعةء وليس الشأن في السقاءء الشأن في الإناء» لا يدلك على نظافة أسبابه» أصدق من نظافة شرابه. وهذا المنديل سَلْني عن قصته فهو نسج جرجان وعمل أرّجان» وقع إلَىّ فاشتريته فاتخذت امرأتي بعضه سراويلاء واتخذت بعضه منديللاء دخل في سراويلها عشرون ذراعًاء وانتزعت من يدها هذا القدر انتزاعًَاء وأسلمته إلى المطرز حتى صنعه كما تراه وطرزه» ثم رددته من السوق. وخزنته في الصندوق» وادّخرته للظراف» من الأضياف» لم تتبذله عرب العامة بأيديهاء ولا النساء لمآقيهاء فلكل علق يومء ولكل آلة قوم. يا غلام الخوان» فقد طال الزمان» والقصاعء فقد طال المصاعء والطعامء فقد كثر الكلام» فأتى الغلام بالخوان» وقلبه التاجر على المكانء ونقره بالبنان» وعجمه بالأسنان» وقال: عمّر الله يغداد فما أجود متاعهاء وأظرف صتاعهاء تأمل بالله هذا الخوان» وانظر إلى عرض متنه؛ وخفة وزنه» وصلابة عوده وحسن شكلهء فقلت: هذا الشكل» فمتى الأكل؟ فقال: الآنء عجّل يا غلام الطعام» تكن الخوان قوائمه منه. قال أبو الفتح: فجاشت نفسي وقلت: قد بقي الخبز وآلاته» والخبز وصفاتهء والحنطة من أين اشتريت أصلاء وكيف اكترى لها حَمْلا»

كنوز الأجداد

وفي أي رحى ظحن؛ وإجانة عُجِنء وأيّ تنور سجرء وخباز استأجرء وبقي الحطب من أين احتطب» ومتى جلبء وكيف صمف حتى جففء وحبس» جتى يبس0ء وبقي الخباز ووصفهء والتلميذ ونعتهء والدقيق ومدحهء والخمير وشرحه؛ء والملح وملاحته» وبقيت السّكُرّجات من اتخذهاء وكيف انتقذهاء ومن استعملهاء ومن عملهاء والخل كيف انتقى عنبهء أو اشترى رطبه؛ وكيف صُهرجت معصرته: واستخلص لبه» وكيف كير حَبّه وكم يساوي دنه. وبقي البقل كيف احتيل له حتى قطف,. وفي أي مبقلة ررصف» وكيف نُوْنْقٌ حتى نظف» وبقيت المضيرة كيف اشترى لحمهاء ووفي شحمهاء ونصبت قدرهاء وأحسك نارهاء ودقت أبزارهاء حتى أجيد طيخهاء وعمّد مرقهاء وهذا خطب يطمء وأمر لا يتمء فقمت. فقال: أين تريد؟ فقلت حاجة أقضيها. فقال: يا مولاي تريد كنيفًا يزري بربيعي الأمير وخريفي الوزير. قد جصص أعلاه؛ وصُهرج أسفله. وسطح سقفه؛ وفرشت بالمرمر أرضهء يزل عن حائطه الذّر فلا يعلقء ويمشي على أرضه الذباب فيزلق» عليه باب غير أنه من خليطي ساج وعاج؛ مزدوجين أحسن ازدواج» يتمنى الضّيف أن يأكل فيهء فقلت: كل أنت من هذا الجراب. لم يكن الكنيف في الحساب. وخرجت نحو الباب» وأسرعت في الذهاب» وجعلت أعدو وهو يتبعني ويصيح: يا أبا الفتح المضيرة؛ وظن الصبيان أن المضيرة لقب لي فصاحوا صياحه فرميت أحدهم بحجرء من فرط الضجرء فلقي رجل الحجر بعمامته» فغاص في هامته: فأخدت من التعال بما قَدُم وحَدّثْء ومن الصفع يما طاب وخبث» وحشرت إلى الحبسء فأقمت عامين في ذلك النحس. فنذرت ألَّا آكل مضيرة ما عشت» فهل أنا في ذا يا آل همذان ظالم؟ قال عيسى بن هشام: فقبلنا عذرهء ونذرنا نذره» وقلنا: قديمًا جنت المضيرة على الأحرارء» وقدمت الأرذال على الأخيار. اه.

ل بديع الزمان الهَمَدَانِي

وهذه رسالته التي تدل على مبلغه من الجد» كتب بها إلى الفضل بن أحمد الإسفرائيني وهو أول من استوزر لأبي القاسم محمود بن سبكتكين فاتح السئد والهند:

إن الله وهو العلي العظيم المعطي ما شاءء مَنَّ على الإنسان بهذا اللسان» خلق ابن آدم وأودع فكيه مضغة لحم يُصرفها في القرون الماضية» ويُخبر بها عن الأمم الآتية. يخبر بها عما كان بعد ما خُلق وعما يكون قبل أن يخلق» ينطق بالتواريخ عما ؤقع من خطب وجرى من حربء وكان من يايس ورطب. وينطق بالوحي عما سيكون بعد»؛ وصدق عن الله بالوعد. ولم ينطق التاريخ بما كان؛ ولا الوحي بما يكون بأن الله تعالى خصٌ أحدًا من عباده ليس النبيين» يما خص به الأمير السيد يمين الدولة وأمين الملة. ودون الجاحد إن جحد أخبار الدولة العباسية» والمدة المروانية» والسئين الحربية» والبيعة الهاشمية» والأيام الأموية» والإمارة العدّوّية» والخلافة التيمية» وعهد الرسالة وزمان الفترة. ولولا الإطالة لعَدَدْنا إلى عاد وثمود بطنًا بطئاء» وإلى نوح وآدم قرنًا قرنّاء ثم لم يجد قائل مقالًا إن ملكا وإن علا أمرهء وعظم قدره وكبر سلطانه وهبت ريحه طرق الهند فأسر طاغيتها بسطة مَلِك ثم خلا وعرض الأرض قوة قلب وصبّح سجستان وهي المدينة العذراء» والخطة العوراء والطيّة الغراء» فأخذ ملكها أخذة عز وعنف» ثم خلاه تخلية فضل ونُطف» ثم لم يلبث أن خاض البحر إلى بهاضية والسيل والليل جئودها والشوك والشجر سلاحهاء والضّج والريج طريقهاء والبر والبحر حصارها والجن والإنس أنصارهاء فقتل رجالها وغئم أموالهاء وساق أقيالهاء وكسر أصنامها وهدم أعلامها. كل ذلك في قُسحة شّتوة قبل أن يتطرقها الصيف»ء توسطها السيف؛ وهو الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء. ثم حكمت علماء الأمة. واتفق قول الأئمة أن سيوف الحق أربعة وسائرها للئار: سيف رسول الله في المشركين» وسيف أبي بكر في المرتدين»

كنوز الأجداد

وسيف علي في الباغين» وسيف القصاص بين المسلمين» وسيوف الأمير وفقه الله في مواقفه لا تخرج عن هذه الأقسام. فسيفه بظاهر هراة فيمن عطل الحد» واتهم بأنه ارتد؛ وسيفه بظاهر غزنة سد في وجه العقوقء نوعًا من الكفر والفسوق؛ وسيفه بظاهر مرو في من نقض العهد بعد تغليظه؛ ونبذ اليمين بعد تأكيده» وسيفه بظاهر سجستان في من نَبّه الحرب بعد رقودهاء وخلع الطاعة بعد قبولهاء وسيفه الآن في ديار الهند سيف قُرنت به الفتوح. وأثنت عليه الملائكة والروح» وذلت به الأصنام» وعد به الإسلام» والنبي عليه السلام؛ واختص بفضله الإمام: واشترك في خيره الأنام» وأرخت بذكره الأيام, وأحفيت بشرحه الأقلام. وسنذكر من حديث الهند وبلادهاء وغلظ أكبادهاء وشدة أحقادهاء وقوة اعتقادهاء وصدق جلادهاء وكثرة أجنادها نبذًا ليعلم السامع أي غزوة غزاه الأمير السيد. إنها بلاد لو لم تُحبها السحاب بدرهاء لأهلكتها الشمس بحرهاء فهي دولة بين الماء والنارء ونيوة بين الشمس والأمطارء تقدمها صعاب الجبال؛ وتحجبها رحاب القفار» ويعصمها ملتفتٌ الغياض» وتحفها طواغي الأنهار. حتى إذا خرقت هذه الحجب خلص على عدد الرمل والحصى رجالاء وشبه الجبال أفيالاء وإنزاع المخاض جلانًاء ومسناف الجمال طعانًا وأركان الجبال ثباتاء ثم لا يعرفون غدرًا ولا بيانًا؛ ولا يخافون موا ولا جياة» ولا يبالون على أي جنبيه وقع الأمرء وينامون وتحتهم الجمرء وربما عمد أحدهم لغير ضرورة داعية ولا حمية ياعئة فاتخذ لرأسه من الطين إكليلاء ثم قوّر قحفه فحشاه فتيلًا. ثم أضرم في الفتيل نارًا ولم يتأوه» والئار تحطمه عضرًا فعضوّاء وتأكله جزءًا فجزءًا. فأما محرق نفسه ومغرقها وآكل لحمه ومفصل عظمه والرامي بها من شاهق فأكثر من أن يعدء وأقلهم من يموت حتف أنفه؛ فإذا مات هذه الميتة أحدهم سُبّ بها أعقابه وعظم عندهم عقابه. بلاد هذه حالهاء وفِيّلة تلك أهوالها وجبال في السماء قلالهاء وفلاة يلمع آلهاء وغياض ضيق مجالهاء وأنهار كثيرة أوخالهاء

٠‏ - بديع الزمان الهمَدَانِي

وطريق طويل مطالهاء ثم الهند ورجالها والهندوانية واستعمالها. زحم الأمير السيد أدام الله ظله هذه الأهوال بمنكبه محتسبًا نفسه مغتمدًا نصر الله وعونه» فركض إليهم بعون من الله لا يخذل. ومدد من الله لا يفبّره وقلب من الأهوال لا يجبن؛ وحثٍ على المطلوب لا يقصرء وسيف على الضريبة لا يدكل. فسهل الله له الصعب: وكشف به الخطب. ورجع ثانيًا من عنانه بالأسارى تنظمهم الأغلال: والسبايا تنقلهم الجمالء والفيلة كأنها الجبال والأموال ولا الرمالء فتح ذخره الله عن الملوك السالفة الخالية» الكفرة الطاغية. الجبابرة العاتية» حتى وسمه بناره» وجعله يعض آثاره. والحمد لله معز الدين وأهله؛ ومذل الشرك وخزيه؛ وصلى الله على محمد وآله.

2 مكل

0)

الخوارزمي أبو بكر محمد بن العباس )85

أصله من طبرستان ومولده ومنشؤه خوارزم» وكان يتسم بالطبري» ويُغرف بالخوارزمي» ويلقب بالطبرخزيء لأنه كانت أمه من خوارزم وأبوه من طبرستان وهو اين أخت ابن جرير الطبري. ادعى أنه معتزلي» وفي الواقع أنه شيعي من نوع لم نعرفه. وخاله الطبري شيخ السنة وعَلَّم أعلام الأمة» فارق وطنه في ريعان عمره وهو قوي المعرفة قويم الأدب وكان قويّا في حفظ اللغة والشعر «وكانت قريحته تقصر عن حفظه؛» وكان يحاضر بأخبار العرب وأيامها وروايتهاء ويدرس كتب اللغة والنحو والشعرء وشعره في جزالته لا يقل عن نثرهء وطلاوة نثره آنية من كثرة ما كتب في المقاصد المختلفة. ولم يزل يتقلب في البلاد ويدخل كور العراق والشام ويأخذ عن العلماء ويقتبس من الشعراء. وقد لقي سيف الدولة فى حلب وخدمه. وورد بخارى وصحب أبا علي البلعمي ثم هجاه» واتصل بالأمير أبي نصر الميكالي واستكثر من مدحهء وداخل أبا الحسن القزويني وأبا المنصور البغوي وأبا الحسن الحكمي فارتفق بهمء وارتفق من الأمير أحمد ومدحهء ونادم كثير بن أحمدء ثم قصد سجستان وتمكن من واليها طاهر بن محمد ومدحه وأخذ صلته. ثم هجاه وأوخشه حتى أطال سجنه؛ ثم نهض إلى غَرْسْستان وكانت خاله مع صاحبها كهي مع طاهر بن شاد. ثم أنه عاود نيسابور وأقام بها إلى أن وفق بقصد حضرة الصاخب بن عياد ومدحه فضمه على ندمائه ووصله بعضد الدولة

كنيواز 'فاركائن وار ولم يَخْلْ الصاحب أيضًا من هجائه؛ ثم عاد إلى نيسابور واستوطنها واقتنى بها ضياعًا وعقارًا» ولما عاد إلى شيراز أجري له رسم يصل إليه في كل سنة بنيسابور مع المال الذي كان يحمل من فارس إلى خراسان. وكان يتعصب لآل بُوَيّه تعصبًا شديدًا ويغض من سلطان خراسان فأطلق لسانه فيه حتى أخذ وحبس وقيد وصودرء وأخذ خطه بمئتي ألف درهمء ثم أطلق سراحه ورد إليه ما أخذ منه فطاب عيشه وارتفع مقداره إلى أن بُلِيَ بمساجلة البديع الهمذاني فانخزل انخزالا شديدًا ونفذ قضاء الله فيه.

هذه خلاصة ما ترجم له الثعالبي في اليتيمة وقد عَرَقْه عيانًاء وسيرته كما رأيت سيرة الشعراء المستجدين يمدح على الهوى ويذم على الهوى ويعلو ويسفل بحسب الحالء وكان إلى ذلك لما استقرت به الحال يدرس. ويملي من محفوظاته وينظم ويكتب في الأغراض التي تنبعث لها نفسه» وشعره شعر أهل الطبقة الثانية من الشعراء» ويجيد في المقطعات إذا كان الموضوع مما تأثر به ونثره فيه البديع» وفيه المتكلف لالتزامه السجع. جاء أكثره مصنوعًا وما أجاد إلا عندما صدر عن عاطفته. وقد بلغ من الغلو مبلعًا قل أن. وصل إلى أكثر منه معظم الشعراء ؤالكتاب» فضاعت لذلك صنعته في غمار إغراقه. ودل على أن فارسيته شديدة وأن إماميته كانت مشوبة بتعصب وعصبية. نقل له الثعالبي طائفة من حِكيِه وأورد له مقطعات من شعره كانت تخرجه عن اتزانه ورويتة أحيانًا مع أن المفروض فيه غير ذلك.

وخير ما خطت أنامل الخوارزمي كتابه إلى جماعة الشيعة بنيسابور وقد كتبه بعاطفتهء وهل التشيع إلا عاطفة وعصبية؟ وإذا قصدت إلى أن تعرف مقدار الصدق في رسالته البديعة تسقط على ترهات لا يدونها في القرطاس من يأخذ من نفسه للحق. معظم الكتاب كالشعراء يتعذر الركون إليهم في تقرير الصدق: وخاصة إذا كانوا من الموتورين وأصحاب الغايات والدعوات» وكم

فى الكتب من اختلاق» والنقاد هم الذين يخرجون من الحديد خيثه ومن

إن من يقول «إن بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن وأتباع الطاغرت والشيطان!04» وفي بني العباس: «وما أصف من قوم هم نطف السكارى في أرحام القيان» وماذا يقال في أهل بيت منهم نبغ البغا وفيهم راح التخنث وغدا وبيهم عرف اللواط!؛ أن يطمس الغرض على بصره ويقول: «وقل في بني العباس» فإنك ستجد بحمد الله تعالى مقالاء وجل في عجائبهم فإنك ترى ما شئت مجالا يُجبى فيئهم فيفرق على الديلمي والتركي» ويحمل إلى المغربي والفرغاني» ويموت إمام من أئمة الهدى وسيد من سادات بيت المصطفى فلا تتبع جنازته ولا تجصص مقبرته» ويموت ضراط لهم أو لاعبء أو مسخرة أو ضارب. فتَحُضٌر جنازته العدول والقضاة» ويعْمُر مسجد التعزية عنه القواد والولاة» ويسبلم فيهم من يعرفونه دهريًا أو سوفسطائيّاء ولا يتعرضون لمن يدرس كتابًا فلسفيًا ومانويّاء ويقتلون مَن عرفوه شيعيّاء ويسفكون دم هن سمى ابنه عليًا. ٠...‏ ويقول في بني العباس إنهم «يولون أنياط السواد وزارتهمء وقلف العجم والطماظم قيادتهم» ويمنعون آل أبي طالب ميراث أمهم وفيء جدهم» يشتهي العلوي الأكلة فيحرمهاء ويقترح على الأيام الشهوة فلا يطعمهاء وخراج مصر والأهوازء وصدقات الحرمين والخجاز تصرف إلى ابن أبي مريم المديني وإلى إبراهيم الموصلي وابن جامع السهمي وإلى زلزل الضارب وبرصوما الزامر. وأقطاع بختيشوع النصراني قوت أهل بلدء وجاري بغا التركي والأفشبين الأشروسني كفاية أمة ذات عددء والمتوكل زعموا يتسبرى باثنى عشر ألف سرية؛ والسيد من سادات أهل البيت يتعفف بزنجية أو سندية» وصفوةٌ مال الخراج مقصور على أرزاق الصفاعئة؛ وعلى موائد المخاتنة» وعلى طعمة الكلابين: ورسوم القرادين» وعلى مخارق وعلوية المغني»؛ وعلى زرزر وعمر ين بانة الملهي»

"١‏ الخوارزمى

ويبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة ويصارفونه على دانق وحبة» ويشترون العوادة بالبدر ويجرون لها ما يفي برزق عسكر مه

إن من يقول هذا ويبالغ ويذم الأمويين والعباسيين هذا الذم المقذع ويعمى عن أعمالهم الحسنة التي توازي أضعاف أضعاف ذلك إن صحت كلهاء مطعون في آرائه» ولا يقنع عاقل بصحة أقواله؛ ولكن بني العباس عرفوا على الغالب نفسيته فطردوه عن بلدهم وحرموه عطاياهم فجال في أطراف ملكهم ينزل على ملوك الطوائف يستجديهم ويمدحهم ويهجوهم. فرسالته إلى شيعته وشتم الأمويين والعباسيين جاءت من هذا السخف» والناقدٍ يرذل من أفكارها أكثر ما أورده. وخير الأدب ما صدق قائله. ومن دوّن الكذب وقال إنه أدب فهو مغبون الصفقة. أما شعره في هجو من غضب عليه فقد حمل مقايح وأقذاعًا لا يليق صدورها عمن يصطنع الوقار والجلال أمثاله.

وفي الوافي: والظاهر أن الخوارزمي كان فيه ملل واستحالة» لأن أبا سعيد أحمد بن شهيب الخوارزمي قال فيه: أبو يكر له أدب وفضل ولكن لا يدوم على الوقاء مودت هإذادامت لخل ‏ فمن وقت الصباح إلى المساء

وبعد فهذا مثال من أدب هذا الأديب. وهذه ضورة من أخلاقه وطعمته» وهذا وفاؤه لمن آووه وأغنوهء وهذه مصانعته لجماعته وإغواؤه لمن يضلل عقولهم. وقد أَْرت له حِكُمٌّ بعضها جميل وأكثر معانيها مبتذلة مأخوذة عمن سبقه. ونعذر مثل الخوارزمي إذا لم يبرّز في حِكمِه ما دام جماع حكمته في حياته أن يَغنى ويّنعم ويغلو ويغرق. ولا يعدم صاحب السخف مهما يلغ من خطته أن يجد مستمعين لقوله وإن كأن كلامه الهراء بعينه.

قال الحصري: كان أبو بكر الخوارزمي رافضيًا غاليًا. وقال ياقرت: قرأت في آخر ديوانه له: بآمل مولدي وبنو جرير فأخوالي ويحكي المرء خاله

كنوؤ الأجداد

فهاأنا رافضي عن تراث وغيريرافضي عن كلاله

صور من ترجموا للخوارزمي هذه الصورة التي نقلناها عنهم» ودلتنا بعض رسائله على مّتَازعهء ولولا هذه المخزيات الملموسة في كتابه لكان بما أتقنه من علوم وآداب آية في فنه. ومع أنه جرى طلقًا مع عاطفته. فقد كانت رسائله مما يتعلم منهء وقليل في حملة الأقلام من جودوا تجويده.

تأمل هذه الظاهرة في أخلاق الخوارزمي تَرَهُ على كثرة ما جنى من مال واعتقد من ضياع ممن يصعب عليهم أداء مال السلطان. فمما كتب إلى صاحب ديوان الحضرة أنه ورد عليه من عمال الخراج من لا أطريه بحرمة ولا أتناوله بطرف ذريعة أو وسيلة. وكأني به وقد حشرني في جملة العامة» وأدخلني في غمار سائر الرعية» ووقفني على جسر قدَّامة الخسران وخلفه الهوان» وفجعني بدريهمات جمعت بتقحم المهالك واختراق المسالك والممالك؛ ودنائير قطعت القفار» وخاضت البحارء وناطحت الحوادث والأقدارء فإن بذلتها أبرزت وفرًا طالما كان مخزوئاء وإن منعتها ايتذلت

وكتب إلى صاحب ديوان الخراج بالحضرة: وإن درهمًا يؤخذ مني لدرهم ثقيل الوضع على السلطان قبيح الأحدوثة في البلدان» ولئن كان يعمر به بيت المال؛ إنه يخرب بيت الجمال. ولئن كان يزيد به عدد الدراهم» إنه لينتقص من عدد المكارم» ولئن كان يسمى في العامة جباية» إنه يسمى في الخاصة خزاية. وللبس أكفان الموتى» وسرق أدوبية المرضىء وقطع الطريق على حجاج بيت الله الحرام» وزوار قبر النبي عليه السلام» أحسن في الأحدوثة وأبعد من العار والنقيصة. من إلزام مشلي خراجاء وسومه غرامة واستخراجًا!2.

وكتب في حالة أخرى إلى صاحب ديوان الحضرة: «فإن رأى أن لا يفجع خراسان يلسانهاء ولا يخليها من سيفها وسنانها فعل». وكتب إلى بعض حكام

الرساتيق: «وما ظن سيدي بضيعة ألزمتني الجزية بعد أن كنت ألزمها الصغير والكبيرء وأستأديها الرعية والأميرء وأخرجتني من عز السلاطين إلى ذل الدهاقين؛ وجمعت علي فتون الأغنياء وغم المساكين» وشغلني صداعها عن أشغال الدنيا والدين» يستغل الناس الغلة» وأنا أستغل القلة والذلة. ويزرعون في الأرض حبّاء فيحصدون حبويّاء وأنا أزرع في قلبي كربًا وأحصد كروبّاء وقد صرت من أجلها أخدم قومًا كنت أستخدمهمء وأسلم على أناس كنت إذا كلموني لا أكلمهم. ويحجبني من لو حضر بابي من قبل حجبته؛» ويعرض عني من لو سألني فيما مضى ما أجبته.

ومن كتاب له إلى صاحب ديوان الحضرة: ولقد خصني من بين الأزمان زمن لئيم؛ ووقع في. قسمي من البخوت بخت ذميمء حيث صرت ألزم خراجًا التزم بنو المدّبر أضعافه للبحتري» وأضايق في ضيعة وهب أمثالها محمد بن الهيثم الغنوي لأبي تمام الطائي حيث قال البحتري: ولم لا أغالي بالضياع وقد دنا علي مداها واستقاماعوجاجها إذا كان لي تربيعها واغتلاها وكان عليكم عشرها وخراجها

وقال أبو تمام الطائي: فدع ذكر الضياع فبي شماس إذا ذكرت وبي عنهانفار ومالي ضيعةغيرالمطايا ‏ وشعرلا يباعولا يعار

للخوارزمي مجازفات تُعُجب وإن حادت عن المعقول مثل قوله لأحد الحجاب لما نكبه ابن عباد: وأنت أيدك الله تعلم أنك كنت من الذل في مكان يتخطاك فيه الناظرء ويدوسك الخف والحافره لا يشرفك نسب ولا يرفعك أدب؛ ولا يرجوك صديقك ولا يخافك عدوكء عن يمينك الخمول» وعن يسارك الذبول» وبيئهما الفقر الذي لو قسم على الأغنياء لصاروا فقراء» والضعف الذي لو فرق على الأقوياء لعادوا ضعفاء؛ تصبح في قُلّ؛ وتمسي في ذلء وتروح إلى أنثى وتغدو على طفل: فأنصفك الدهر

الظالم؛ وانتبه لك البخت النائم» وأراد الله تعالى أن.يرفع من حكمتك» ويقوّم من قنبور حدبتك الخ. وهو كلام فاض باللؤم والشماتة.

كتب إلى الصاحب يعرض نفسه فقال: «فإن أذن الوزير في ورود عسكره المحفوف بجناح النصرة» المكنوف يجوانب الدولة والكرة؛ رأى مني بحمد الله تعالى فارسًا ملء العين» كما سمع مني عالمًا ملء الأذن؛ فيعلم حينئظٍ أن إقباله خرج له تلميذا انتظم فيه فروسية اللسان» وفروسية السيف والسنان» ويكر في معركة الطعان» كما يكر في معركة البيان ويئيت اسمه في جريدة العلماء والفرسان"». وهذا كأكثر ما أثر عنه يفيض منه البأو وتتدفق الدعوى. ومن هذا البحر قوله: «وقد علم الأمير أن والدي رحمه الله تعالى خلف علي ما لو خلفه على أهل بلد لكفاهم» ولو فرقه على فقراء الدنيا لأغناهم. فما زالت صروف الدهر بخوارزم تقاتلني جهرًاء وتخاتلني سرّاء جتى خرجت منها أعرى من حيةء بعد ما كنت أكسى من بصلة: وأفقر من الحجرء بعدما كنت أغنى من الكعبة وأعطل من المحرم؛. وفي هذا أيضًا من الكذب ما لا يقبله طفل .

عمق

ققد

القاضي التَّنُوخِي أبو علي المحسّن بن علي (85؟)

أخذ القاضي عن أثئمة البصرة» ونزل بغداد» وتقلد القضاء زمئا طويلا وعرف رجال السياسة في عصره» ودرس مذاهبهم وأهواءهم» ورأى مشاكل الناس ومتاعبهم فاتسع أفقه وكثرت آدابه وتجاربه. وهو من بيت كل أهله فضلاء وأدباءء كان أبوه عالمًا وأديبّاء وهو عالم وأديب وكان سماعه صحيحًا ويميل للأدب والشعر والأخبار.

أتم ما بدأ به أستاذه الصولي من تدوين أخبار المجتمع العباسي» واقتصر الصولي على أخبار الخلفاء والوزراء والكتاب والشعراء» ودَوّن التنوخي الأخبار على اختلاف مصادرها وأشكالها. وقد يروي القصة بأكثر ألفاظهاء وإن كانت مولدة أو عامية لئلا يضيع من رونقهاء فهو من هذا النظر ناقل صحيح النقل يجوّد تصوير ما وقع بأمانة» ولا يخرم شيئًا مما يبلغه عن الثقات» أو يرى فيه نكتة وعبرة وتسلية.

من مصنفات القاضي التنوخي «الفرج بعد الشدة» و«نشوار المحاضرة» أو جامع التواريخ و«المستجاد من فعلات الأجوادا. ألف كتاب الفرج ليفزع إليه من أناخ الدهر بمكروهه عليهء فيقرأ من الأخبار فيه ما يسلبه ويتعظ به. وكان سبقه إلى مثل هذا الموضوع ثلاثة من المؤلفين كتبوا فيه أوراقاء أما هو فاقتصر على أحسن ما روي من الأخبارء مخالفًا مذهب من تقدمه في التأليف. نوّع الأخبار وجعلها أبوابّاء وعزا ما أخخرجه من الكتب الثلاثة إلى

كنوز الأجداد

مؤلّفيه تأدية للأمانة» واستيثاقًا في الرواية» وتبيينًا لما أتى به من الزيادة فأوجزء وأسقط الحشو وترك الإكثار أي إنه جمع ما هَبٍّ ودب أولاء ثم أسقط ما أسقط وأبقى ما أبقى. وحمل كتابه مع هذا من أنواع الخرافات صنوفًا ومن الأمور النابية عن حد المعقول ضرويّاء ومن أخبار الفساق والمَجَّان ما نقله على علاته إرادة الترويح عن النفوس» وجاء بحكايات ونكات وبعضها مما دخل في كتابه نشوار المحاضرة. وفي الفرج بعد الشدة. يقول الثعالبي في اليتيمة: وله كتاب الفرج بعد الشدة وناهيك بحسنه وإمتاع فنهء وما جرى من الفأل بيمنه. لا جرم أنه أَسْيِّرُ من الأمثال» وأجرى من الخيال.

ومعنى (النشوار» جرة الحيوانات المجترة استعملها بمعنى الحديث. وهو حكايات متقحة منسجمةء كتبت بقلم كاتب تحتذى كتاباته متى ترك التكلف. وتكلفه كان ظاهرًا في مقدمة كتايّيّه الفرج والنشوار. وقد قال في مقدمة النشوار: ولعل قارئها أن يستضعفها إذا وجدها خارجة عن السئن المعروف في الأخبار: الراتبة في الكتب١‏ وذكر أصناف الذين دوّن أخبارهم حتى قطاع الطريق والمتلصصين والخراب والمتخربين واصحاب العصبية والسكاكين وأهل الخسارة والعيارين. ولا تكاد تخطر بالبال طبقة من طبقات الخلق إلا ويعرض لذكر أخبارها. فأثبت من ذلك ما سمعه منذ وعى على نفسه»؛ واعتقد إثبات كل ما سمعه من هذا الجنس مما يحث على قراءته من شعر لمتأخر من المخدثين» أو مجيد من الكتّاب والمتأدبين» أو كلام منثور لرجل من أهل العصر أو رسالة أو كتاب بديع المعنى أو حسن النظم والنثر إلى ما شاكل ذلك من مَل طريء أو خكمة جديدة:» أو نادرة حديثة» أو فائدة قريبة المولدء ليعلم أن الزمان قد أبقى من القرائح والألباب في ضروب العلوم والآداب أكثر مما كان قديمًا أو مثلهء ولكن تَقَبّل أرياب تلك الدول للأدب أظهره ونشرهء وزهد هؤلاء الأئمة في هذا الأدب غمره وسترهء قال: وإلا

و 7 - القناضي الشَّنُوِخِي

فقد خرج من أعمارنا وما قاربها من السنين من مكئون أسرار العلم ما لعله كان معتاصًا على الماضين»: وجرى من الحواث الكبار والانقلابات الخجيبة التي لا يوجد مثله سالقًا في أضعاف هذه السنين ما لو قُيّد بتأليف الكتب لأوفى على ما سلف وتقدم في علو الرتب.

وزاد أن هذه المدونات نوع لم يسبق إلى كتبه» لأنها مقصورة.في الأكثر على ضروب من الأحاديث السابقة والسالفة في زماننا التي تُظلم عندي بأن لا تكتب» وهي تصلح لمن قد فرغ من أكثر العلوم؛ واشتهى قراءة ما يدله على أخلاق أهل الأزمنة وسننهم وطرائقهم وعاداتهم» وأن يقايس بين ما نحن فيه وما مضى» ليعلم كيف ماتت الدنيا وانقلبت الأهواء وانعكست الآراء وفقدت المكارم قال: «وحقًا لو نشر حكيم من أهل تلك الأزمنة حتى يرى ما حصلنا عليه ودفعنا إليه ما شك في قيام الساعة أو أن الناس يُدَلوا بهائم مهملة أو جعلوا آللات غير مستعملة لفقد الأحرار» وشذدة الإعسارء ولطول المتاعب: وتوارت النوائب».

وفي الكتاب ذكر معتقدات الناس وأوهامهم وكثير من الشعر الرائق والتثر الفاتق. ولا نغالي إذا قلنا عن كتاب النشوار أفاد في الكشف عن أحوال القرن الرابع ما لا يستفاد من عشرات من الكتب» ومنها ما لا يستبين هئة ال العصر الذي كتبه فيه إلا بشيءٍ من الفرضيات والاستنتاجات. ولو سلم «النشوار» كله وانتقل إلى أبناء هذا الجيل كما كتبه مؤلفه لكان أصدق صورة عن ذاك الزمن. وعد في فنه من الأمهات.

ومن لم يكتب له مطالعة النشوار يحتاج إلى مثال منه يعطيه فكرة في جلال موضوعه وأسلوبه؛ قال التنوخي: حدثني القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله قال: حدثني مكرم بن أبي بكر عمر أبي الحسن بن مكرم القاضي قال: كنت خصيصضًا بأبي الحسن علي بن عيسى (من أعظم وزراء بئي العباس وأعفهم وأعلمهم) وريما شاورني في شيء من أمره قال: دخلت عليه يومًا وهو مغموم

و نه 200030030300000 كفو الأجداد

جدًا فقدّرتٌ أنه بلغه عن المقتدر أمر كرهه فقلت: هل حدث شيء وأومأت إلى الخليفة فقال: ليس غمي من هذا الجنس ولكن مما أشد منهء فقلت: إن جاز أن أقف عليه فلعلي أقول شيئًاء فقال: نعم كتب إل عاملنا بالثغر أن أسارى المسلمين في بلد الروم كانوا على رفق وصيانة إلى أن ولي آنقًا مُلك الروم حدثان فعسفا الأسارى وأجاعاهم وأعرياهم وعاقباهم وطالباهم بالتنصرء وإنهم في جهد جهيد وبلاء شديد؛ وليس هذا مما لي فيه صلة لأنه أمر لا يبلغه سلطاننا ولا الخليفة يطاوعني. فكنت أنفق الأموال وأجتهد وأجهز الجيوش حتى تطرق القسطنطينية. فقلت: أيها الأمير هاهنا رأي أسهل مما وفع لك يزول به هذا. فقال: قل يا مبارك؛ فقلت: إن بأنطاكية عظيمًا للنصارى يقال له البطرك وببيت المقدس آخر يقال له القاتليق (الجاثليق؟) وأمرهما ينفذ على ملك الروم»؛ حتى إنهما ريما حرما الملك فيحرم عتدهم ويحلانه فيحلٌ» وعند الروم أن من خالف منهم هذين كفرء وأنه لا يتم جلوس الملك ببلد الروم إلا برأي هذين» وأن يكون الملك قد دل إلى بيعتهما وتقرب بهما. والبلدان في سلطانئنا والرجلان في ذمتناء فيأمر الوزير أن يكتب إلى عاملي البلدين بإخضارهما وتعريفهما ما يجري على الأسارى, وأن هذا خارج عن الملةء وأنهما إن لم يزيلا هذا لم يطالب بجريرته غيرهماء وينظر ما يكون الجواب.

قال فاستدعى كاتبًا وأملى عليه كتابين في ذلك وأنفذهما في الحال» وقال سَرّيت عني قليلًا. وافترقنا فلما كان بعد شهرين وأيام» وقد أنسيت الحديث جاءني قرانق”'2 من جهته يطلبني فركبت» وأنا مشغول القلب بمعرفة السبب في ذلك. حتى وصلت إليهء فوجدته مسرورًا» فحين رآني قال: يا هذا أحسن الله جزاءةك عن نفسك وذينك وعني» فقلت: ما الخبر؟ فقال: كان رأيك في

)١(‏ الذي يدل صاحب البريد على الطريق معرب يُروانك.

أمر الأسارى أبرك رأي وأصحهء وهذا رسول العامل قد ورد بالخبر (وأومأ إلى رجل كان بحضرته) وقال له: خبرنا بما جرى» فقال الرجل: أنفذني العامل مع رسول البطرك والقاتليق برسالتهما إلى قسطنطينية وكتبا إلى ملكيهما: إنكما قد خرجتما عن ملة المسيح بما فعلتماه بالأسارى» وليس لكما ذلك فإنه حرام عليكما ومخالف لما أمرنا به المسيح'هن كذا وكذا وعدد أشياء من دينهماء فإما زلتما عن هذا واستأنفتما الإجسان إلى الأسارى وتركتما مطالبتهم بالتنصر وإلا لعناكما على هذين الكرسيين وحرمناكما. قال فمضيت مع الرسول فلما صرنا بقسطنطينية حجبت عن الملكين أيامّاء وخليا بالرسول ثم استدعياني إليهما فسلمت عليهما فقال لي ترجمانهما: يقول لك الملكان إن الذي بلغ ملك العرب من فعلنا بالأسارى كذب وتشنيع» وقد أذنا في إدخالك دار اليلاط لتشاهد أساراكم فترى أحوالهم بخلاق ما يلغكن» وتسمع من شكرهم لتنا ضد ما اتصل بكم. قال: ثم حملت إلى دار البلاط فرأيت الأسارى وكأن وجوههم قد أخرجت من القبور تشهد بالضرر وما كانوا فيه من العذاب إلا أنهم مرفهون في ذلك الوقتء وتأملت إلى ثيابهم فإذا جميعها جَُدّد فعلمت أني منعت من الوصول تلك الأيام حتى عُير زي الأسارى. وقال لي الأسرى: نحن للملكين شاكرون فعل الله بهما وصنعء وأومؤوا إِلِيَ أن الأمر كما كان بلغكمء ولكنه خفف عنا وأحسن إلينا بعد حصولك هاهنا. وقالوا لي: كيف عرفت حالنا ومن تنبه علينا وأنفذك بسبينا. فقلت لهم: ولي الوزارة علي بن عيسى فبلغه ذلك فأنفذ من بغداد وفعل كذا وكذا قال: فلجوا بالدعاء إلى الله تعالى للوزيرء وسمعت امرأة منهم تقول: مر يا على بن عيسى لا نسي الله لك هذا الفعل. قال: فلما سمع ذلك علي بن عيسى أجهش باليكاء وسجد حمدًا لله سبحائه وتعالى وبرٌ الرسول وصرقه» فقلت له: أيها الوزير أسمعك دائمًا تتبرم بالوزارة وتتمنى الانصراف عنها في خلواتك خوفًا من آثامهاء فلو كنت في بيتك هل كنت تقدر أن تحصّل هذا

2 3300 .0 كنوز الأجداد الثواب» ولو أنفقت فيه أكثر مالك» ولا تفعل ولا تتبرم بهذا الأمر فلعل الله يمكنك ويمجري على يديك أمثال هذا الفعل فتفوز بثوابه في الآخرة كما تفردت بشرف الوزارة في الدنيا .

والكتاب الثالث من تأليف القاضي التنوخي «المستجاد من فعلات الأجواد؛ أورد فيه مئة وخمسين قصة في كرماء الجاهلية والإسلام إلى عهده التقطها من أصدق المصادر فجاءت صحيفةً حكمةٌ وأدب واجتماع وأخلاق ذكر فيها من تقدموا عصره كما ذكر في النشوار من كانوا فيه أو قبله بقليل» ورسم به صورة من الكرم قل أن اجتمع مثلها في مصحف واحدء حملت أطايب الشعر وأزاهير جميلة من التثرء. ومنها ما كان من نسجه ومنها ما نسجه من قبله. فكأآن هذا المؤلّف العظيم أحب أن يهذب الناس بحكايات جوّد إيرادها حتى تقع في نفوسهم موقعهاء وهاكم الآن قصة من قصصه في المستجاد وهي مما يجب على كل من يتعاطى الحكم والإدارة أن يجعلها نُصب عينه ودليل حكمه:

قال عبد الله بن سليمان: كنت بحضرة والدي في ديوان الخراج بسر من رأى وهو يتولاه إذ دخل عليه أحمد بن أبي خالد [الصريفيني] الكاتب فقام له أبي من مجلسه وأقعده في صدره» وتشاغل به» فلم ينظر في عمل حتى نهض» ثم قام معه وأمر غلمانه بالخروج بين يديه. فاستعظمت أنا وكلّ من في المجلس هذاء لأن رسم أصجاب الدواوين صغارهم وكبارهم لا يقومون في الديوان لأحد ممن يدخل إليهمء وتبين أبي ذلك في وجهي فقال لي: يا بني إذا خلونا فسلني عن السبب فيما عملته مع هذا الرجل.

قال: وكان أبي يأكل في الديوان وينام فيه ويعمل عشيًا الحسبانات» فلما جلسنا نأكل :لم أذكره إلى أن كاد الطعام ينقضي» فقال لي هو مبتدئا: يا بني شغلك الظعام عما قلت لك تذكرني به؟ فقلت: لاء ولكن أردت أن يكون ذلك على تَلوة فقال: هذا وقت خلوة ثم قال: ألستّ أنكرت والحاضرون

قيامي لأحمد بن أبي خالد في دخوله وخروجه وعما عملته معه؟ فقلت: بلى. قأل: كان هذا يتقَلّد مصر سنين فوليت أعمالها وصرفته عنهاء وقد كانت مدته فيه طالت فتتبعته» فرأيت آثار رجل لم أر أجمل آثَارًا منهء ولا أعفٌ عن أموال السلطان والرعية» ولا رأيت رعية لعامل أشكر من رعيته لهء وكان الحسين الخادم المعروف بعرّق الموت صاحب البريد بمصر أصدق الناس له مع هذاء وكان من أبغض الناس [إِليّ] وأشدهم اضطرابًا في أخلاقه» فلم أتعلق عليه بحجةء ووجدته قد أخر رفع الحسبانات لسنة متقدمة وسنته التي هو فيها ولم يستتمها لصرفي له عنهاء ولم ينفذه على الديوان» قَسَمْته أن يحط من الدخل ويزيد من النفقات والأرزاق؟ ويكسر من البقايا في كل سنة مئة ألف ديئار لآخذها لنفسي» فامتنع من ذلك» فأغلظت له وتوعدته ونزلت معه إلى مئة ألف دينار واحدة للسنتين وحلفت له أيمانًا مغلظة مؤكدة أني لا أقنع منه بأقل منهاء فأقام على امتناعه وقال: لا أخون لنفسي فكيف أخون لغيري» وأزيل ما قام به جاهي من العفاف؟ فحبسته وقيدته قلم يجبء وأقام مقيدًا في الحبس شهورًا. وكتب عرق الموت صاحب البريد إلى المتوكل: وحلف له أن أموال مصر لا تفي بنفقتي ومؤنتي» ويصف أحمد بن أبي خالد ويذكر ميل الرعية إليه وعفته» فأرسل المتوكل بتوليته. فأنا ذات يوم على المائدة آكل إذ وردت علي رقغة أحمد بن أبي خالد يسألني استدعاءه لمهم يلقيه إليّ؛ فلم أشك أنه قد استضر بالحبس والقيد: وقد عزم على الاستجابة لمرادي» قلما غلست يدي دعوته فاستخلائي فأخليته: فقال: أما آن لك يا سيدي أن ترق لي مما أنا فيه من غير ذنب إليك [ولا جرم ولا قديم ذحل] ولا عداوة؟ فقلت: أنت اخترت لنفسك ذلك» وقد سمعتٌ يميني وليس منها مخرج؛ فاستجبٌ لما أريده منك [واخرجاء فأخذ يستعطفني [ويخدمني ويخدعني [فجاءني ضد ما قدرته] فغاظني فشتمته؛ وقلت له هذا الأمر المهم الذي ذكرته لي في رقعتك أنك أردت إلقاءه إلي هو أن تستعطفني وتستجيرني وتخدعني؟ فقال:

كنوز الأجداد

يا سيدي وليس الآن عندك غير هذا؟ فقلت: لاء فقال: إذا كان ليس عندك غير هذاء فاقرأ يا سيدي هذاء وأخرج إلي كتابًا لطيفًا مختومًا في ربع قرطاس ففضته فإذا هو بخط المتوكل الذي أعرفه [يأمرني فيه] بالانصراف وتسليم ما أتولاه إلى أحمد بن أبي خالدء والخروج إليه مما يُلزْمني ورقع الحساب إليه والامتثال لأمره وطاعته» والمسير عن مصر بعد ذلك» فورد علي أقبح مورد لقرب عهد الرجل بشتمي له والإساءة إليه» وأنه في الحال تحت حديدي ومكارهي» فأمسكت مبهوتاء ولم ألبث أن دخل أمير مصر إذ ذاك في أصحابه وغلمانه؛ فوكل بداري وجميع ما أملكه وأصحابي وغلماني وجهابذتي وكتّابي. وجعلت أزحف من الصدر حتى صرت بين يدي أحمد بن أبي خالدء ولست أستطيع القيام وهو في قيوده بعد. فدعا أمير البلد بحداد فحل قيوده» فمددت رجلاي ليوضع فيها القيدء فقال لي: يا أبا أيوب ضُمّ أقدامك» فوثب قائمًا ثم قال لي: يا أبا أيوب: أنت قريب عهد بعمالة هذا البلد» ولا منزل لك فيه ولا صديق ومعك خرم وحاشية: وليس يسعك إلا هذه الدارء وكانت دار العمالة» وأما أنا فأجد عدة مواضع غيرها وليس لي كبير حاشية» ومن نكبة وقيد خرجتٌء فأقِمْ مكانك». وخرج عني وصرف التوكيل عني وعن الدارء وأخذ كتابي وأشياعي إليه؛ فلما انصرف قلت لغلماني: هذا الذي أراه في النوم؟ انظروا من وكل ينا فقالوا: ما وكل بنا أحدّاء فعجبت من ذلك عجبًا شديدّاء وما صليت العصر حتى عاد إلى من كات حمله معه من المتصرفين والكتّاب والجهابذة مطلقين وقالوا: أخجذ خطوطنا برفع الحساب»ء وأمرنا بالملازمة وأطلقناء فازداد عجبيء قلما كان من غد باكرني مسَلّمًا ورحت إليه في عشية ذلك اليوم»ء فأقمت ثلاثين يومًا إن سبقني إلى المجيء وإلا رحت إليه؛ وإن راح إلى وإلا باكرته» وكل يوم تجيئني هداياه وألطافه من الثلج والفاكهة والحيوان والحلوى والطيب.

فلما كان بعد ثلاثين يومًا جاءني فقال لي: قد عشقت مصر يا أبا أيوب

والله ما هي طيبة الهواء ولا عذبة» وإنما تطيب لغير أهلها بالولاية فيها والاكتساب» ولو قد رحلت إلى بغداد وسر من رأى لما أقمت إلا شهرًا؛ ثم تتقلد أجل الأعمال؛ فقلت: والله ما أقمت إلا متوقعًا لأمرك في الخروج» فال: أعطني خط كاتبك بأن عليه القيام بالحساب». واخرج في حفظ الله فأحضرت كاتبي وأخذت خطه كما أراد» وسلّمت الخظ إليهء فقال لي: اخرج أيّ وقت شئت» فخرج من غد هو وأمير مصر وقاضيها ووجوهها وأهلها وشيعوني إلى ظاهر مصر. وقال لي: تقيم في أول منزل على خمسة فراسخ على أن أزيح علة قائد يصحبك برجاله إلى الرملة» فإن الطريق فاسد. فاستوحشت من ذلك وقلت: هذا إنما غرني حتى أخرج كل ما أملكه وجميع ما كسبت فيتمكن منه في ظاهر البلد فيقبضه ثم يردني إلى الحبس والتوكيل والمطالبة؛ ويحتج علي بكتاب ثان» يذكر أنه «صك»؛ فخرجت وأقمت بالمرحلة التي ذكر مستسلمًا للقضاء متوقمًا للشرء إلى أن رأيت أوائل عسكره مقبلّا من مصرء فقلت لعله القائد الذي يريد أن يصحينيه» أو لعله يريد أن يقبض علي به» فأمرت غلماني بمعرفة ذلك وما الخبر؟ فقالوا: العامل أحمد بن أبي خالد قد جاءء فلم أشك في أنه قد ورد البلاء بورودهء فخرجت من مضربي وسلمت عليه؛ فلما جلس قال: أَخْلُوناء فلم أشك في أنه للقبيض على فطار عقليء وقام من كان عندي فلما لم يبق عندي أحد قال: أنا أعلم أن أيامك لم تطل بمصرء ولا حظيت فيها بكبير فائدة» وذلك الباب الذي سألتنيه في ولايتك لم أستجب إليكء وأخرت الإذن لك في الانصراف منذ أول الأمر إلى الآنء لأني تشاغلت بالفراغ لك منه» وقد حططت من الارتفاع وزدت في النفقات في كل سنة خمسة عشر ألف دينار تكون للسنتين ثلاثين ألف دينار وهو يقرب ولا يظهرء ويكون أيسر مما أردته مني في ذلك الوقت. وقد تشاغلت به حتى جمعته لك؛ وهذا المال على البغال» وقد جئتك يه

ديد 1 ا كنوز الأجداد فتقدم إلى من يتسلمه» فتقدمت لقبضه وقبّلت يدهء وقلت قد والله يا سيدي فعلت ما لم تفعل البرامكة» فأنكر ذلك مني وتقبض عنه وقبّل يدي ورجلي.

وقال: هاهنا تواخر انيه أن تقُبله فقلت: ما هو قال: خمسة الاف دينار وقد استحققنها من رزقي» فامتنعت من ذلك» وقلت: فيما قد تفضلت به كفاية» فحلف بالطلاق أن أقبلها منه فقيلتهاء فقال: وهاهنا ألطاف من هدايا مصر أحببت أن أصحبك إياهاء فإنك تمضي إلى كتّاب الدواوين ورؤساء الحضرة فيقولون لك: وَلِيت مصر فأين نصيبنا من هداياها؟ ولم تطل أيامك فتعد ذلك لهمء وقد جمعت لك منه ما يشتمل. عليه هذا النّبّت. وأخرج درجًا فيه ثبت جامع لكل شيء في الدنيا حسن طريف جليل القدر من كل جنسء من ثياب. دبيق وقصب وخدم ويغال ودواب وجمير وفوش وطيب حتى أقلام ومداد ما يكون قيمته مالا كثيرًاء فأمرت بتسلمه وزدت في شكرهء فقال لي: يا سيدي أنا مغرى بحب الفرش وقد استعملت لي بِيئًا أرمنيًا بأرمينية وهو عشر مصليات بمخاتها ومساندها ومساورها ومطارحها وبسطها وهو بطرر مذهبة» قد قام عليّ بخمسة آلاف دينار» على شدة احتياطي» وقد أهديته لك فإن أهديته إلى الوزير عَبّدك وإن أهديته إلى الخليفة ملكته بهء وإِن أبقيته لنفسك وتجملت به كان أحب إلىّء قال: وحمله فما رأيت مثله قطاء ولم تسمح نفسي بإهدائه لأحد ولا باستعماله» فما ابتذلت منه شيئًا يا بني إلا يوم أعذارك» فإني اتخذت منه الصدر ومسائده ومخاده؛ أفتلومني يا بني على أن أقوم لهذا الرجل؟ فقلت: لا والله يا أبي؛ ولا على ما هو أكثر من القيام» لو كان مستظاعًا .

قال: فكان أبي بعد ذلك إذا صرف رجلا عن عمل؛ عامله بكل جميل؛ ويقول: علّمنا ابن أبي خالد أحسن الله جزاءه, حسن الصرف.

5 ال همرك

0( الباقِلانِي القاضي محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر 020

الباقلاني» نسية إلى الباقلا وبَيّعِهه من كبار المتكلمين الأشاعرة ومن زعماء مذهب مالك: ولد في البصرة على أصح الأقوال وسكن بغداد وتولى القضاء «وكان حسن الفقه عظيم الجدل وكانت له يبغداد حلقة عظيمة». وصفوه بأنه «سيف أهل السنة في زمانه وإمام متكلمي أهل الحقك :كان أعرف الناس يعلم الكلام وأحسنهم فيه خاطرّاء وأجودهم لسانّاء وأوضحهم بيانا؛ وأصحهم عبارة»» وقالوا: «كلّ مصنّفِ ببغداد إنما ينقل من كتب الناس إلا القاضي أبا بكر فإن صدره يحوي علمه وعلم الناس»» وقالوا: الو أوصى الرجل بئلث ماله لأفصح الناس لوجب أن يدفع إلى أبي بكر الأشعري». وكان من المكثرين من التأليف والمجودين فيهء يكتب كل ليلة خمسًا وثلاثين ورقة تصنيفًا من حفظه «فإذا صلى الفجر دفع إلى بعض أصحابه ما صِنّفه ليلته وأمره بقراءته عليه وأملى عليه الزيادات فيه2» واحسِبت تواليف القاضي وإملاءاته وقسمت على أيام عمره من مولده إلى موته فوجد أنه يقع لكل يوم منها عشر ورقات أو نحوها». واشتهر القاضي بمناظراته فكان في العراق وفارس يناظر المعتزلة ولما شاع ذكره؛ وهو ما برح في سن الشباب» استدعاه عضد الدولة فناخسرو لمناظرة المعتزلة فى شيرازء وكان عضد الدولة قال في مجلس له إن هذا المجلس عامر بالعلماء إلا أنى لا أرى أحدًا من أهل السنة والأثيات ينصر مذهبهء فقال له قاضي القضاة وكان معتزليًا : إن أهل السنة والأئيات

عامة رعاع أصحاب تقليد وأخبار وروايات يروون الخبر وضده ويعتقدونهما وواحدهما ناسخ للثاني أو متأول. فجاؤوا بالباقلاني وناظر المعتزلة فقيل: إنه غلبهم وحظي عند عضد الدولة البويهي وهذا من الشيعة» وقد ندبه عنه في جواب رسالة إلى الروم فناظر علماءهم في القسطنطينية وقالوا إنه كان أبدًا الظافر في مناظراته. وله أكثر من خمسين مَؤْلَّمًا ولم يُطبع له منها إلا إعجاز القرآن والتمهيد» وألف هذا الكتاب لابن عضد الدولة وقد أسلمه أبوه إليه ليعلمه مذهب أهل السنة» وهو في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة. وفي حرص عضد الدولة على تعليم ابنه مذهب السنة دليل تسامحه وبُعْد نظرهء فإنه رأئى كثرة الأمة من أهل السنة وأكثر رعيته منهمء فأحب أن يتخرج ابنه في مذهبهم حتى يكون ملكا على رأي الأكثرية بعل أبيه .

كان الباقلاني إلى الاعتدال في محاجة المخالفين معتدلا أكثر من غيره ممن يشتمون ويهزؤون ولا يستنكفون من المبادرة إلى تكفير خصمهم» وقد عقد فصلا ممتعًا في آخر كتايه التمهيد عرض فيه لإمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ور » ورَدٌ على من نالوا منهم وقالوا إن خلافتهم موضع نظر ردًا دلّ على علو كعبه في التاريخ وعلى سعة استخراجه ومعرفتة بنقض ما يردّه العقل. كتب كل ذلك من السهل الممتنع بدون سجع ولا تزيّد في الألفاظ. وأسلوبه هذاء كما ظهر من إعجاز القرآن والتمهيد لم يحِدْ عنه» ولذلك حاز القبول. وما رأينا له أسجاعًا إلا في مقدمة كتابيه وهي أسجاع لطيفة لا تَكُلّف

وكتابه «إعجاز القرآن» لم يُسبق لعالم قبله ولا لعالم بعده أن وُفّْقَ إلى تأليف مثلهء وهو على المقصد الذي قصد إليه كتاب في البيان والنقد واللغة حمل فوائد عظيمة في ورقات قليلة. وإلى القارئ نموذْجًا منهء وفيه دليل آخر على سعة علمه في الجدل قال: إن نظم القرآن على تصرف وجوفه واختلاف

مذاهيه خارج عن المعهورد من نظام جميع كلامهمء ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم. وله أسلوب يختص به ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد. وذلك أن الطرق التي يتقيد بها الكلام البديع المنظوم تنقسم إلى أعاريض الشعر على اختلاف أنواعه» ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير المقفى» ثم إلى أصناف الكلام المعدل المسجعء ثم إلى معدل موزون غير مسجع» ثم إلى ما يرسل إرسالا فتطلب فيه الإصابة والإفادة وإفهام المعاني المعترضة على وجه بديع وترتيب لطيف وإن لم يكن معتدلًا في وزنهء وذلك شبيه بجملة الكلام الذي لا يتعمل ولا يتصنع له. .. والقرآن خارج عن هذه الوجوه ومباين لهذه الطرق... إنه ليس من باب السجع ولا فيه شيء منه» وكذلك ليس من قبيل الشعر» لأن من الناس من زعم أنه كلام مسجعء ومنهم من يدعي أن فيه شعرًا كثيرًا. .. فإذا تأمله المتأمل تبين بخروجه عن أصناف كلامهم وأساليب خطابهم ‏ إنه خارج عن العادة وإنه معجزء وهذه خصوصية ترجع على جملة القرآن» وتميّز حاصل في جميعه.

ومنها : أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والغراية والتصرف البديع والمعاني اللطيفة والفوائد الغزيرة والحكم الكثيرة» والتناسب في البلاغة» والتشابه في البراعة» على هذا الطول وعلى هذا القدر. وإنما تنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة وألفاظ قليلة» وإلى شاعرهم قصائد محصورة يقع فيها ما نبينه بعد هذا من الاختلال» ويعترضها ما نكشفه من الاختلاف» ويقع فيها ما نبديه من التعمل والتكلف والتجوز والتعسفء وقد حصل القرآن على اي ا 1 و 1

مرا

2 ََ 1 َحسَنَ لكريثِ ونيا سس كان 2 قمعي هِنهُ و الدنَ سور 2 نت نم

0 شفع إل كر > جتد ين مع شر لل قتشا د يك 0 0 كلام الآدمي إن امتد وقع فيه التفاوت وبان عليه

الاختلال. وهذا المعنى هو غير المعنى الأول الذي بدأنا بذكرهء فتأمله تعرف الفضل .

وإن عجيب نظمه وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج وحِكم وأحكام وإعذار وإنذار ووعد ووعيد وتبشير وتخويف وأوصاف وتعليم أخلاق كريمة وشيم رفيعة وسِيّرٍ مأثورة وغير ذلك من الوجوه التي يشتمل عليها. ونجد كلام البليغ الكامل والشاعر المفلق والخطيب المصقع يختلف على حسب اختلاف هذه الأمور.

فمن الشعراء من يُجَوّد في المدح دون الهجوء ومنهم من يُبَرْزْ في الهجو دون المدحء ومنهم من يسبق في التقريظ دون التأبين» ومنهم من يجود في التأبين دون التقريظء ومنهم من يغرب في وصف الإبل أو الخيل أو سير الليل أو وصف الحرب أو وصف الروض أو وصف الخمر أو الغزل أو غير ذلك مما يشتمل عليه الشعر ويتداوله الكلامء ولذلك صرب المثل بامرئ القيس إذا ركب» والنابغة إذا رهبء. وبزهير إذا رغب» ومثل ذلك يختلف في الخطب والرسائل وسائر أجناس الكلام. ومتى تأملت شعر الشاعر البليغ رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال التي يتصرف فيهاء فيأتي بالغاية في البراعة في معنى» فإذا جاء إلى غيره قضّر عنه ووقف دونه وبان الاختلاف على شعره. ولذلك ضرب المثل بالذين سميتهم لأنه لا خلاف في تقدمهم في صنعة الشعر ولا شك في تبريزهم في مذهب النظم. فإذا كان الاختلال بينًا في شعرهم لاختلاف ما يتصرفون فيه استغنينا عن ذكر من هو دونهمء وكذلك يستغنى به من تفصيل نحو هذا في الخطب والرسائل ونحوها. ثم نجد في الشعراء من يجوّد في الرجز ولا يمكنه نظم القصيد أصلاء ومنهم من ينظم القصيد ولكن يقصر فيه مهما تكلفه أو غمله. ومن الناس من يجود في الكلام

* - الباجلاني

المرسل فإذا أتى بالموزون قصر ونقص نقصانًا عجيبّاء ومنهم من يوجد بضد ذلك.

وقد تأملنا نظم القرآن فوجدنا جميع ما يتصرف فيه من الوجوه التي قدَّمنا ذكرها على حدٌّ واحدٍ في حسن النظم وبديع التأليف والوصفء لا تفاوت فيه ولا انحطاط عن المنزلة العلياء ولا إسفاف فيه إلى الرتبة الدنياء وكذلك قد تأملنا ما يتصرف إليه وجوه الخطاب من الآيات الطويلة والقصيرة» فرأينا الؤإعجاز في جميعها على حد واحد لا يختلف». وكذلك قد يتفاوت كلام الناس عند إعادة ذكر القصة الواحدة» فرأيناه غير مختلف ولا متفاوت بل هو على نهاية البلاغة وغاية البراعة» فعلمنا بذلك أنه مما لا يقدر عليه البشرء لأن الذين يقدرون غليه قد بيئا فيه التفاوت الكثير عند التكرار وعند تباين الوجوه .واختلاف الأسباب التي يتضمن.

وكلام الفصحاء يتفاوت تفاوتًا بِيئًا في الفصل والوصل والعلو والنزول والتقريب والتبعيذ وغير ذلك كما ينقسم إليه الخطاب عند النظم ويئصرف فيه القول عند الضم والجمع. ألا ترى أن كثيرًا من الشعراء قد وُصِفَ بالنقص عند التنقّل من معنى إلى غيره والخروج من باب إلى سواهء حتى إن أهل الصنعة قد اتفقوا على تقصير البحتري مع جودة نظمه وحسن رصفه في الخروج من النسيب إلى المديح» وأطبقوا على أنه لا يحسنه ولا يأتي فيه بشيء» وإنما اتفق له في مواضع معدودة خروج يُرِتَضَى. وتَعقّل مُستحسّن» وكذلك يختلف سبيل غيره عند الخروج من شيء إلى شيء والتحوّل من باب. إلى باب» ونحن نفصل بعد هذا ونفسر هذه الجملة ونبين على أن القرآن على اختلاف ما ينصرف فيه من الوجوه الكثيرة والطرق المختلفة ‏ يجعل المختلف كالمؤتلف والمتباين كالمتناسب والمتنافر في الأفراد إلى حد الآحاد. وهذا أمر عجيب تتبين به الفصاحة وتظهر به البلاغة ويخرج به الكلام عن حد العادة ويتجاوز العرف اه.

0 كنوز الأجداد

والباقلاني كان على فرط اعتداله في المناظرات وردٌ كلام خصومه عارقًا بسياسة العلم وسياسة الخلق» ذكيّا مفرط الذكاء عنده لكل ضيق مخرج»: وفي سفارته عن الملك البويهي إلى ملك الروم قال إن هذا أخبر بمقدمنا فأرسل إلينا من يلقانا وقال: لا تدخلوا على الملك بعمائمكم حتى تنزعوها إلا أن تكون مناديل وحتى تنزعوا أخفافكم؛ فقلت: لا أفعل ولا أدخل إلا بما أنا عليه من الزي واللباس» فإن رضيتم وإلا فخذوا الكتب تقرؤونها وأرسلوا يجوابها وأعود بها. فأخير الملك بذلك فقال: أريد معرفة سبب هذا وامتناعه مما مضى عليه رسمي مع الرسل. فسئل القاضي عن ذلك فقال: أنا رجل من المسلمين وما تحبونه مني ذل وصّغار. والله تعالى قد رفعنا بالإسلام وأعزنا بنبينا محمد يد وأيضًا: فإن من شأن الملوك إذا بعثوا رسلهم إلى ملك آخر رفع أقدارهم ولا يتعمد إذلالهم سيما إذا كان الرسول من أهل العلم» ووضع قدره انهدام جانبه عند الله تعالى وعند المسلمين. فرضي الملك أن يدخجل ومن معه كما يشاؤون. وفي رواية: أن الملك رضي أن يدخل عليه الباقلاني كما جرى رسم الرعية أن يقبل الأرض بين يدي ملوكهاء فرأى أن يضع سريره من وراء باب لطيف لا يمكن أن يدخل أحد منه إلا راكعًا فدخل القاضي من هذا الباب وأجنى وَأعة راكعًا ودخل من الباب مستقبلا الملك: بديره حتى صار بين يديه ثم رفع راسه ونصب ظهره ثم أدار وجهه إلى الملك؛ قعجب الملك من فطنته ووقعت له الهيبة في قلبه. وكانت هذه السفارة سئة 71/1.

ولما اجتمع على أحد الرهيان في حضرة ملك الروم سأله الباقلاني عن أهله وأولاده فتعجب الملك من سؤاله وقال: إننا ننرّه هؤلاء عن الأهل والأولاد فأجاب: أنتم لا تنزهون الله سبحانه عن الأهل والولدء فكأن هؤلاء عندكم أقدس وأجل من الله تعالى؟ ولما سأله الملك عن قصة عائشة وما قيل فيها قال: هما ائنتان قيل فيهما ما فيل: زوج نبينا ومريم بنت عمران؛ نأما زوج نبينا فلم تلد وأما مريم فجاءت. بولد تحمله على كتفها وقد برأغا الله مما رُمِيت به فانقطع الملك ولم يُحِرٌ جوابًا.

رُزق الباقلاني حظًا عظيمًا من البديهة أعانته على التفرد بمناظراته؟ قفيه سرعة الخاطر وفيه الحافظة.ء وبديهته نفعته في مناظراته الدينية ومواقفه السياسية» وقَلّ ظهور أمثاله في العلماء المشهورين. وكثرت تأليفه لأنه كان كابن تيمية لا يرخع إلى الكتب فيما يؤلف بقدر ما يرجع إلى صدره ويغترف

من محفوظه .

وقد ترجم له العلامة بروكلمان في معلمة الإسلام فقال: إنه أدخل في علم الكلام آراء جديدة اقتبسها من الفلسفة اليونانية أو من معتقدات الكنيسة الشرقية كالقول بالأجزاء المفردة والقول بالخلاء والقول أن العَرَضَ لا يحمل عرضًا آخر وأنه لا يبقى زمانين.

رك حي تل

)14(

ابن هنئدو أبو الفرج علي بن الحسين )05

هو من أهل الرَّيّ لا نعرف إن كان من العرب النازلين فيها أو أنه من أصل فارسي. وهو من رجال البلاغة» كاتبٌ شاعر. قالوا كان صاحب أبوة في بلده ولسلفه نباهة بالنيابة وخدمة السلطان هناكء وكان متفلسمقًا قرأ 8 الأوائل على أبي الحسن الوائلي بنيسابور ثم على الحكيم أبي الخير بن الخمار. وكان أحد كتاب الإنشاء في ديوان عضد الدولة. وقال البندنيجي الشاعر هو من أهل الري شاهدته بجرجان في سني بضع عشرة وأربعمثئة كاتبًا بهاء وأنه مشهور في تلك البلاد بجودة الشعر وكثرة الأدب والفضل. وقال فيه صاحب يتيمة الدهر: هو مع ضربه في الآداب والعلوم بالسهام الفائزة» وملكه رقه البلاغة والبراعة» فرد الدهر في الشعرء وأحد أهل الفضل في صيد المعاني الشواردء ونظم الفرائد في القلائد؛ مع تهذيب الألفاظ البليغة وتقريب الأغراض البعيدة.

ومن تآليقه: «أنموذج الحكمة» و«المفتاح» في فوائد علم الطب والرسالة المشرقية؛ و«كتاب النفس» ورسائل وديوان وكتب أخر. وفي كتاب المفتاح أن متكلمًا كان في جواره وصنف كتابًا في إبطال علم الطب. وحث تلامذته على درسه فعرض له صداع فبعث تفسرته إلى الحكيم أبي الخيرء فقال الحكيم أبو الخير لرسوله: قل له ضع تصنيفك في إبطال علم الطب تحت وسادتك وضع عليها رأسك» فإنه لا حاجة لك إلى الطبيب والطب. فما عالجه واحد من

الأطباء حتى اعترف ببطلان كلامه ومزق تصنيفه وتاب. ثم عالجناه وشفاه الله تبارك وتعالى .

وقال: إن أحد المتكلمين في جواره عرض له خناق فعاده؛ فقال له: ما ينفعني من طريق الطب؟ فقلت له: ينفعك ماء الشعير الفاتر مع ماء الرمانين ورَبٌ التوت وخل الجوز وماء الهندباء مع فلوس الخيارشنبر وفصد القيفال (عرق في اليد) وغير ذلك. فقال: وما يضرني؟ فقلت: ما فيه حرارة. فقال: كيف يكون العسل المصفى والعصيدة التمرية؟ فقلت» نعوذ بالله ففيهما هلاكك. فقال لتلامذته: أنا أخالف رأي الأطباء عقيدة ومذهبّاء ولا غقر الله لي إن خالفت عقيدتي وأطعت طبيبًا فقمت من عنده» فتناول العسل والعصيدة ومات قبل غروب الشمس.

وابن هندو كان على ما ظهر مما قاله المؤرخون فيه عالمًا ممتارًا فيما غلب عليه من صئوف الآداب» قعد به الحظ فلم يظهر بالمظهر الذي كان جديرًا به من الرياسات والمقامات» فكان في الديوان كاتبًا دون الدرجات العالية» فأثر ذلك في نفسه وحنق على الدهر والأيام. من ذلك ما حدث به البندنيجي قال: كان الناس يظنون بمنوجهر بن قابوس ما كان في أنيه من الأدب والفضل ولم يكن كذلكء» فلما انتقل الأمر إليه قصد بما يقصد به مثلهء وكان لا يوصل إليه إلا القليل ولا يتقبل ما يمدج بهء ولا يهش لشيء من هذا الجنس لتباعده عنهء وكان مع هذه الحالة فروقة قليل البطش» فمدحه ابن هندو بقصيدة وتأنق فيها وأنشده إياها فلم يفهمها ولم يثبه عليها فقال: يا ويح فضلي أما في الناس من رجل يحنو علي أما في الأرض من ملك لأكرمتك يا فضلي بتركهم| وأستهيئن بالأيام والفلك

فقيل لمنوجهر إنه قد هجاك لأن لقبه كان «فلك المعالي»» فطلبه ليقتله فهرب إلى نيسابور وانفلت منه.

وتحدث أبو الفضل البندنيجي الشاعر قال: كان بابن هندو ضرب من

١‏ 69 كنوز الأجداد

السوداء كان قليل القدرة على شرب النبيذ لأجل ذلك, واتفق أنه كان يومًا عند أبي الفتح بن أبي علي كاتب قابوس بن وشمكير وأنا معهء على عادة لنا في الاجتماعء فدخل أبو علي إلى الموضع ونظر إلى ما كان بأيدينا من الكتب وتناشد هو وابن هندو الشعر وحضر الطعام فأكلنا وانتقلنا إلى مجلس الشراب؛ ولم يطق ابن هندو المساعدة على ذلك فكتب في رقعة كتبها إليه:

إن تكن جنة النعيم ففيها

صالحتني النهى وثاب الغريم من أذى السكر والخمار جحيم

فلما قرأها ضحك وأعفاه من الشرب. وأنشد أبو الفضل له :

قد صيغ قلبي على مقدار حبيهم

القصري» واقتصر على أقداح يسيرة ثم أمسك فسأله الزيادة فلم يفعل وقال:

أرى الخمر نارًا والنفوس جواهرا

فلا تفضحن النفس يومًا بشربها وله أيضًا:

تعرضت الدنيابلذة مطعم

أراد سفامًا أن يمورّهقبحها

فلا تخدعينا بالشراب فإننا وله :

ضعت بأهل الريّ في أهلها

صرت بها بعد بلوغالمنى وله :

فإن شُربت أبدت طباع الجوهر إذا لم تثق منها بحسن السرائر

وزخرف موشي من اللبس رائق قتلتا نهانا في طلاب الحقائق

أحمد أن تبلغ أبي البلغة

إذا ما عقدنا نعمة عند جاحد

رجعنا فعفيئنا الجميل بضده وله أيضًا:

وكافربيالمعادأمسى

قالاغتنملذة الليالي

طال هوه وجاء يهذي

أأخطأالعالمون طدًا وله:

حللت وقاري في شادن

غداوجههكعبةللجمال وله :

ألا رب مولى غرّني من عهوده

اكأندنقة ند نا اسعففة

عجيب لأخلاق اللثام كأنهم وله:

يقولون لي ما بال عينك مذ رأت

فقلت زنت عيني بطلعة وجهه وقال:

فَرّض خيامك من أرض تضام بها

وارحل إذا كانت الأوطان منقصة

ولم نره إلا جموحًا عن الشكر كناك يجازي صاحب الشر بالشرٌ

ينكيني فوقة انوت وعدّعن آجحذليريب

وأنت من بينهم مصيب

ولي قلبهالحجرالأسود

فأصدق في ودي له ويمين هو عن الكرم المعجون في شيمتي نهوا

محاسن هذا الظبي أدمعها هطل فكان لها من صوب أدمعها غسل

وجانب الذل إن الذل يجتنب فمندل الهند في أوطائنه خحطب

هذه أمثلة جميلة من شعرة الذي حوى النكات مع السلاسة والإبداع. بقي أن ننقل ما أثر له من التثرء فمنه: إنما المرء حيث يجعل نفسه. عفَّلم العلم في

ذ الأجدا د ا وى ل هه

ذاتك» وصغر الدنيا في عينك» واخرج من سلطان شهواتك» وكن ضعيمًا عند الهزل» قويًا عند الجدء ولا تلم أحدًا عن فعل يمكن أن يعتذر منهء ولا ترفع شكايتك إلا إلى من يرى نفعه عندك حتى تكون حكيمًا كاملًا. ومن كلماته: العاقل لا يكلف نفسه ما لا يطيق» ولا يسعى فيما لا يدرك» ولا ينظر فيما لا يعنيه » ولا يلفق إلا بقدر ما يستفيد» ولا يلتمس الجزاء إلا بقدر ما عند صاحبه من الاستطاعة .

وكانت الحكمة تظهر في شعره. يشبه في ذلك المتنبي كثيرًا. وقد التقط حكم اليونان وجمعها في مصنف سماه: «الكلم الروخانية من الجكم اليونانية» أثبت من كلمات الفلاسفة اليونانيين ما يجري مع الأمثال السوائرء ويدخل في النوادر. دون ما يعد من غامض الفلسفة.» ويحصل معتاه بعد الكلقةء فجمع من شواردها ما ساعد عليه الوقت واستحضره الحفظء ناسبًا أكثره إلى قائليهء وشافيًا خفيه بما يجليه.

بدأ بحكم لأفلاطون» وقد استغرقت نحو نصف المجموعة:» ثم ثناها بأرسطاطاليس» ثم سقراط» ثم بمحاورات جرت بين أريجانس وسقراط» ثم كلمات لاميروس فالاسكندر فباسيليوس ففيثاغورس فبقراط فجالينوس فديمستانس فزينون فديقوميس ففيلمون فنوموس فأكسانوقراطس فغورس فديمطس فديوجانس إلى غيرهم من الفلاسفة غير المشهورين في أديئا المتعارف .

فمما نقله من حِكمٍ أفلاطون: لا تصحبوا الأشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة منهم. وقال: لا تقسروا أولادكم على آدابكمء فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم. وقال: لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده؛ فإن الناس لا يسألون عن مدة الغمل» وإنما يسألون عن جودته. وقال: إذا أقبلت الدولة خدمت الشهرات العقول» وإذا أديرت خدفت العقول الشهوات.

قال أفلاطن: (لغة في أفلاطون) لا تَكْمُل خيرية الرجل حتى يكون صديقًا

24> أين هد بن هندو لصحتس بت تت )سب

لمتعاديين. وقال: اتقوا صولة الكريم إذا جاع. واللثيم إذا شبع. وقال: مرت الرؤساء أسهل من رئاسة السفلة. موقع الصواب من الجهال مثل موقع الجهل من العقلاء. إذا بلغ المرء من الدنيا فوق مقداره تنكرت أخلاقه للناس. لا تصحب الشريرء فإن طبعك يسرق منه وأنت لا تدري. وقال: لا تفارق طاعة الرأي والصبر في كل أموركء فإنك إن لم تحرز الحظ الذي تبغيه كنت قد أحرزت العذر. قال المؤلف قد أحسن الشاعر في هذا حيث يقول: لأبلغ عذرًا أو أتال رغيبة ممبلغ نفس عذرها مثل منجح وقال: موت الصالح راحة لنفسه. وموت الطالح راحة للناس. قال المؤلف: قريب من هذا ما يحكى عن غير أفلاطن: ابْكِ على العاقل يوم يموت» وعلى الأحمق حتى يموت. وقال: الفضيلة تجمع أهلها على المحبة والرذيلة تفرق بين أهلها بالتناقر والبغضة» ألا ترى أن الصادق يحب الصادق ويستنيم إليه» وكذلك الثقة مع الثقة والحسن الخلق مع الحسن الخلقء وترى الكاذب يبغض الكاذب والسارق يخاف السارق وكل واحدٍ منهما حَذِرَ من مجاورة صاحبه. وقال: المصغي إلى الذم شريك لقائله؛ قال بعض الشعراء: والسامعالذمشريك له والمطعمالمأكول كالآكل وقال: الفقير إذا تشبه بالغني كان كمن به الورم ويوهم الناس أنه سمين وهو يستر ما به من الورم. قال المؤلف: كأن أبا الطيب المتنبي لَحَط هذا الكلام حيث يقول: أميذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم وقال أرسطوطاليس: الحكيم الصالح لا يخادوع أحدّاء والعاقل الكامل لا يخدعه أحد. قال المؤلف: أن يكون الإنسان مخدوعًا ليس بصفة محمودة» لأنه يدخل في باب الغباوة» وربما ظن الناس أنه صفة مدح لما يسمعون من قولهم الكريم مخدوع: ومن قول الشاعر:

000 كفوز الأجداد إن الكريم إذا ما خودع انخدعا ومن قول الآخر: خادع خليفتنا عنها بمسألة إنالخليفةللسؤالينخدع وليس الأمر كما يظنون وإنما المراد بالانخداع هاهنا التكلف مع المعرفة بالخديعة. وقد صرح أيو تمام الطائي بالواجب في هذا المعنى فقال: ليس الغبِي بسيد في قومه ‏ لكن سيد قومهالمتغابي وقال: يا إسكندر لا يكوننٌ لجائزتك حدء فإن ذلك أبسط للأمل فيك. وقال: يا إسكندر اعمر ما خرب مما أنشأه من تقدمك يعمر ما تبنيه من يعقبك. وقيل لسقراط: لمَ لا نرى أثر حزن فيك؟ قال: لأني لا أملك ما أحزن عليه إذا عدمته. قال بعض الشعراء: ألم تر أن الدهر يهدممابينى ويأخذماأعطى ويفسد ما أسدى تنو سير ابرق نا يسو كه عفد نكا يضاف له كهنا وقال أوميرس: الكذاب لا يصلح لشيء حتى يصلح الثعلب للذئب. وقال: الإنسان الخيّر أفضل من جميع الحيوان الذي على وجه الأرض» والإنسان الشرير أخسٌ من جميع الحيوان الذي على وجه الأرض. وقال: إني لأعجب من الناس إن مكتهم الله من الاقتداء بالملائكة فيدعون ذلك ويميلون للاقتداء بالبهاكم. قال المؤلف: عندهم أن التفلسف هو الاقتداء بالله تعالى وأن تعلم الحق وتفعل الخير. ومن كلام باسيليوس الملك: لا تغتر يحسن الكلام إذا كان الغرض منه ضارًا فإن الذين يَسَمُون الناس يخلطون السم بالحلاوات: ولا يصعين عليك الكلام الغليظ إذا كان الغرض منه نافعّاء فإن أكثر الأدوية الجالبة للصحة مرة بشعة .

من كلام فيثاغورس» ويقال: إنه أول: فيلسوف اجتمعت إليه التلاميذ قال

ا 0 سخ د لابنه: أوصيك بعشرة أشياء فاحفظها تسلم: لا تلاح حديدّاء ولا تشارب غيوراء ولا تساكن حسودًاء ولا تجاور جاهلاء ولا تناهض من هو أقوى منكء ولا تؤاخ مرائيّاء ولا تعامل كذابّاء ولا تكفر مجالسة التساء. ولا ساحن بل والعاشرة هي عمدة الوصية وبها سلامة نفسك ألا تستودع سرك أحدًا .

من كلام ديمستانس الخطيب» قال: يجب على من اصطنع معروفا أن يتناساه من ساعته». ويجب على من أسدي إليه معروف أن يكون ذكره نصب عينيه. قال المؤلف: قيل في يحبى بن الفضل : ينسى الذي كان من معروفه أبدَا إلى الرجال ولا ينسى الذي يعد

من كلام ديوجانس الكلبي - والكلبيون فرقة من الفلاسفة يستهينون بالعادات مثل أن يأكلوا فى الطرقات ويلبسوا ما اتفق ويناموا حيث اتفق ولذلك شبهوا بالكلاب درائ ميوجاندى فلوقا منيودًا أي : ملقوطا يرمى بالحجارة. فقال له لا ترم فلعلك تصيب تصيب أباك وأنث لا تدري. قال المؤلف: نقل شاعر من العرب هذا المعتى فقال: لاتهجونأسنٌ منك فربما ‏ تهجواأباك وأنت لاتدري

من كلام فندروس قال: كما أن الجسد إذا فارقته النفس فاح منه النتن في الخارج. كذلك الجاهل الذي عدم الحكمة لا يخرج من فيه لفظة إلا كانت أَذى ونتنًا على سامعهاء وكما أن الجسد لا يشعر بما يظهر منه من النتن لأنه ميت: كذلك لا يحس الجاهل بنتن. كلامه لأنه ميث التمييز.

قبل لسطيحوس: إن أوميروس يكذب كثيرًا فقال: الذي يطلب من الشاعر إنما هو الكلام الحسن اللذيذء نأما الصدق فإنما يطلب من الأنبياء عليهم السلام.

نه 20

(6)

التوحيدي (515)

علي بن محمد بن العباس التوحيدي» نسبة إلى التوحيد نوعٌ من التمر كان يبيعه أبوه بالعراق؛ أو إلى التوحيد لقب المعتزلة» وكانوا يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيدء وهو الأرجح. وقال الذهبي: وأبو جيان هو الذي نسب نفسه إلى التوحيد» كما سمى ابن تومرت أتباعه فال الموحدون» وكما سمى صوفية الفلاسفة نفوسهم بأهل الوحدة وأهل الاتحاد. قيل: إنه شيرازي. وقيل: نيسابوري. وقيل: واسطي. وكنيته أبو حيان. ولد في أواخر العقد الثاني من القرن الرابع» وجاء بغداد صغيرًا. وسواء كان من أصل فارسي أو عربي فليس في ثقافته أثر ظاهر للفارسية يصح للحكم به على نسبه. قيل: إنه مات بشيراز سنة .84١5‏

تخرج بالسيرافي والرّماني بالنحوء ويالفقهِ الشافعي بأبي حامد المَرُوروزي وأبي بكر الشافعي» وحضر بين سنتي ”5١-0١‏ دروس يحيى بن عدي وأبي سليمان المنطقي وغيرهما من الفلاسفة مثل أبي الحسن العامري وأبي النفيس الرياضي الفيلسوف.

وصفه ياقوت: أنه كان جاحظيًا يسلك في تصانيفه مسلك الجاحظ ويشتهي أن ينتظم في سلكهء فهو شيخ الصوفية» وفيلسوف الأدباء» وأديب الفلاسفة؛ ومحقق أهل الكلام» ومتكلم المحققين» وإماغ البلغاء. فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاءً وفطنةٌ وفصاحة ومكنةٌء كثير التحصيل للعلوم في كل

فن» محفظة واسع الرواية .والدراية. وقال فيه: إنه كان صوفي السمت والهيئة وإنه كان فقيرًا صابرًا. وعَدّه السبكي في طبقات الشافعية من المؤرخين.

ولم يكن للتوحيدي مرتزق من السلطان؛ واشتغل زمئًا بالوراقة في بغداد. ولما ترامى إليه نبأ مُكارم ابن العميد والصاحب بن عباد من وزراء آل بُرَيْهِ في الشرق» وكانا من حماة الأدب كالوزير المهلبي وسيف الدولة بن حمدان قصدهما في بلديهما فلم يحظ بطائل. وكان من الصاحب أن عرض عليه نسخ كتاب في ثلاثين مجلدًا. فقال نسخ مثله يأتي على العمر والبصرء والوراقة كانت موجودة بيغداد. فأخذ الصاحب في نفسه عليه وعاد إلى وطنه وهجاهما في كتاب أسماه مثالب الوزيرين أورد فيه حكايات من ثلبهماء ومنها ما عزاه إلى بعض من روى عنهم .

وإذا فاتت التوحيدي عوارف ابن العميد وابن عباد فقد أكرمه الوزيران ابن سعدان وابن العارض. ولابن سعدان أنّف كتابٌ الصداقة والصديق ولابن العارض كتاب الإمتاع والمؤانسة. وللدٌّلجي بشيراز ألف كتاب المحاضرات. وله غير ذلك من الكتب» طبع منها الصداقة والصديق والمقابسات وثمرات العلوم. وأهم ما طبع من كتبه كتاب الإمتاع والمؤانسة ينم عن مبلغ صاحبه من الأدب والعلم والفلسفة والتاريخ والرواية» وفيه تقريع وتقريظ ونقد ولمز ووعظ وإرشاد وأسئلة وأجوبة وروايات ومساجلات ومحاضرات ومحاضر جلسات بأسلوب جديد حوى كل مفيد؛ يدل على شدة تصرفه بالكلام والتلاعب بالآراء والأفكار وهو من نوع الأدب الطريف يدخل عقل المطالع بلا استئذان ويمتعه فيه بكل عجيب.

دون فيه ما دار بينه وبين الوزير ابن العارض في أربعين ليلة عرض فيها لموضوعات جمة في الشعر والكتابة والتفسير والحديث والفلسفة والكلام والملح والمجون والتاريخ والتصوف والطبيعة والحيوان ونفث فيه كما قال - كل ما كان في نفسه من جد وهزل» وغث وسمين»؛ وشاحب ونضير؛ وفكاهة

كنوز الأجداد

وطيب وأدب. واحتجاج واعتذارء واعتلال واستدلال» وأشياء من طريف الممالحة على وجهٍ قَلَّ أن حمل كتاب للقدماء في الأدب مثل هذه الأبحاث الطريفة» فإن أكثر كتب القدماء نقول ينقل المتأخر عن المتقدم؛ لا يعزون على الأكثر إلى المصدر المأخوذ منه» وكتاب الإمتاع يحوي ما تحوي كتب القدماء؛ ويكثر فيه الجديد الذي لم يسبق إليه. وأما الطريف حمًا فهو مجالس العلماء ومحاضرات الحكماء والحكم على المشهورين منهم» صورهم صورة غريبة فصور بهم عصرهم بحسنه وقبحه.

وكان الوزير ابن العارض الذي جرت هذه الفوائد في مجلسهء على ما ظهر من أسئلته وأجوبته في تلك الأسمار على جانب من العلم والفهم ومعرفة بالسياسة» وكان إلى هذا يعرف ضعف صاحبه الملك ويخاقه فقال عن نفسه: إنه وصل إلى المجلس مرة فقيل له أعدت الخلعة فالبسها على الطائر الأسعدء فقال: أفعل وفي تذكرتي أشياء لا بد عن ذكرها وعرضهاء فقال: يتقدم بكذا وكذاء ويفعل كذا وكذا فقال صاحبه: عندي جميع ذلك. أمض هذا كله واصنع فيه ما ترى وما فوق يدك يدء ولا عليك لأحد اعتراض. فانقلب الوزير إلى زاوية في الحجرة وأخذت تتحدر دموعه» ويعلو شهيقه» ويتوالى نشيجه. فسئل الوزير عن سب بكائه فقال: إني عرضتٌ على صاحبي تذكرة مشتملة على أشياء مختلفة فأمضاها كلها ولم يناظرني في شيءٍ منها ولا زادني شيئًا فيها ولا ناظرني عليها ولعلي قد بلوته بهاء وأخفيت مغزاي في ضمنهاء فخيّل إلى بهذه الحالة أن غيري يقف موقفي فيقول فيّ قولًا مزخرقاء وينسب إليّ أمرًا مزيقًا فيُمضي ذلك أيضًا له كما أمضاه لي. وصدق الوزيره فإن الملك لم يلبث أن قتله بوشاية منافس له.

سأل التوجيدي مسامره الوزير من أول ليلة أن يأذن له في كاف المخاطبة وتاء المواجهة حتى يتخلص من مزاحمة الكناية ومضايقة التعريض ويركب جدد القول من غير تقية ولا تخاش ولا محاباة» فقال له: لك ذلك وأنت

المأذون فيه وكذلك غيرك وقال: إن الله تعالى على علو شأنه؛ وبسطة ملكه. وقدرته على جميع خلقهء يواجه بالتاء والكاف»ء ولو كان بالكناية بالهاء رفعة وجلالة وقدر ورتبة وتقديس وتمجيد لكان الله أحق بذلك ومقدّمًا فيه» وكذلك رسول الله يَكخِ والأنبياء قبله عليهم السلام وأصحابه َي والتابعون لهم بإحسان رحمة الله عليهم. وهكذا الخلفاء فقد كان يقال للخليفة: يا أمير المؤمئين أعزك اللهء ويا عمر أصلحك الله. وما عاب هذا أحد وما أَنِفٌ منه

حسيب ولا نسيب» ولا أباه كبير ولا شريف. وإني لأعجب من قوم يرغبون عن هذا أو شبهه ويحسبون أن في ذلك ضعة أو نقيصة أو خطأ أو زراية وأظن ذلك لععجزهم وفسولتهم» وما يجدونه من الغضاضة في أنفسهم وقال: فيهات لا تكون الرياسة حتى تصفو من شوائب الخيلاء» ومن مقابح الزهو والكبرياء.

وبالقليل الذي نجا من كتب أبي حيان استدللنا أنه كان متصوفًا وفيلسوقًاء آيةٌ في العلوم المعادية والعلوم المعاشية؛ لا يتلكأ في الأخذ من كل علم ولا يتعفف من الطعن فيمن لا ترضيه طريقتهم»ء وربما سجل لبعضهم شيئًا من الهنات» وأغفل كثيرًا من حسناتهم» وبهذا كثر خصومه فخاصموه في علمه وفي رزقهء وهو النابغة الذي يمضي القرن والقرنان ولا ينغ مثله في تفكيره.

أضاق أبو حيان في آخر عمره فأحرق كتبه سنة أربعمئة» فقال لمن عذله على فعلته: ثم اعلم؛ علمك الله الخير» أن هذه الكتب حوت من أصئاف العلم سره وعلانيته» فأما ما كان سرًا فلم أجد له من يتحلى بحقيقته راغبّاء وأما ما كان علانية فلم أصب من يحرص عليه طالبّاء على أني جمعت أكثرها للناس» ولطلب المثالة منهم. ولعقد الرياسة بينهم» ومد الجاه عندهم. فحرمت .ذلك كله. .. ومما شحذ العزم على ذلك ورفع الحجاب عنه أني فقدت ولدًا نجيبّاء وصديقًا حبيبّاء وصاحبًا قريبّاء وتابعًا أديباء ورئيسًا منيباء فشق علي أن أدعها لقوم يتلاعبون بهاء ويدنسون عرضي إذا نظروا فيهاء

ويشمتون بسهوي وغلطي إذا تصفحوهاء ويتراءون نقصي وعيبي من أجلهاء فإن قلت ولمّ نيمهم بسوء الظن» وتقرّع جماعتهم بهذا العيب» فجوابي لك أن غياني منهم في الحياة» هو الذي حقق ظني بهم بعد الممات» وكيف أتركها لأناس جاورتهم عشرين سنة فما صحّ لي من أحدهم ودادء ولا ظهر لي من إنسان منهم حفاظ» ولقد اضطررت بيئهم بعد الشهرة والمعرفة في أوقات كثيرة إلى أكل الخُضِر في الصحراءء» وإلى التكفف الفاضح عئد الخاصة والعامةء وإلى بيع الدين والمروءة» وإلى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق» وإلى ما لا يحسن بالحر أن يرسمه بالقلم» ويطرح في قلب صاحبه الألمء وأحوال الزمان بادية لعينيك: بارزة بين مسائك وصباحك» وليس ما قلته يخافي عليك» مع معرفتك وفطنتك» وشدة تتبعك وتفرغك. . .

قال: والله يا سيدي لو لم أتعظ إلا بمن فقدته من الإخوان والأخدان» في هذا الصقع من الغرباء والأدباء والأحباء لكفى» فكيف بمن كانت العين تقرٌ بهم والنفس تستنير بقربهم. فقدتهم بالعراق والحجاز والجبل والريّ وما والى هذه المواضع» وتواتر إليّ نعيّهم؛ واشتدت الواعية بهمء فهل أنا إلا من عنصرهم» وهل لي محيد عن مصيرهم. .. وماذا أقول وسامعي يصدق أن زمانا أحوج مثلي إلى ما بلغكء لزمان تدمع له العين حزنًا وأسى. ويتقطع عليه القلب غيظا وجوّى» وضنى وشجىء وما يصنع بما كان» وحدث وبان» إن احتبجت على العلم في خاصة نفسي فقليل» والله تعالى شاف كاف» وإن احتجت إليه للناس» ففي الصدر منه ما يملا القرطاس بعد القرطاس» إلى أن تفنى الأنفاس بعد الأنفاس. فلم تُعَنَي عينيء أيدك الله بعد هذا بالحير والورق والجلدء والقراءة والمقابلة والتصحيح» وبالسواد والبياض» وهل أدرك السلف في الدين الدرجات العلى إلا بالعمل الصالح وإخلاص المعتقد والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا وخدع بالزبرج وهوى بصاحيه إلى الهبوط. وهل وصل الحكماء والقدماء إلى السعادة العظمى إلا بالاقتصاد في

60 .. التوحيدي

خرف

السعي وإلا بالرضا بالميسورء وإلا ببذل ما قضل عن الحاجة للسائل والمحروم. وختم كتابه بقوله : «على أني لو علمت في أي حال غلب على ما فعلته»ء وعند أي مرضء وعلى أي عسرة وفاقة» لعرفت من عذري أضعاف ما أبديته» واحتججت لي بأكثر ما نشرته وطويته».

بلغ التشاؤم أقصى حده من نفسه فأتى مأ أتى من إحراق كتبه وهو في عشر التسعين وقد أدقعه الفقر واستولى عليه اليأس» وغلبت عليه السويداء؛ ونفس عظيمة كنفس التوحيدي لم تحقق الأيام أطماعهاء وفشل في مادياته وهي السّلّم إلى معنوياتهء لا بد أنه عَدِمِ اتزانه في شيخوخته» والطموح إلى العلا كان متجليًًا فيه في الكهولة وانقلب في الشيخوخة إلى قنوط» وزاده ما ناله من أعدائه ومنهم من كان هو السيب الأول في استجلاب عداوتهم يما وصفهم به في كتبه من النقائتص؛ وما أرى أنه سلم من لسانه إلا أساتذته كعيسى الرماني وأبي سليمان المنطقي ويحيى بن عدي وغيرهم» أما من عداهم فذكر مساوئهم على الغالب»ء وما جتح لذكر محاسئهم مع أنهم كانوا يعدون شيئًا في عصرهم ومصرهم.

قالوا: إنه كان قليل الرضا عند الإساءة إليه والإحسان.» الذم شأنه والثلب دكانه؛ يشتكي صرف زمانه؛ ويبكي في تضاعيفه على حرمانه وقد لامه أستاذه السيرافي يومًا وهو ينقل ذم أعرابي بقوله: «تأبى إلا الاشتغال بالقدح والذم وثلب الناس»6» فأجاب: «أدام الله الأستاذ. شغل كل إنسان بما هو مبتلى به مدفوع إليه؛ .

أما اتهام بعض الأردياء الأغبياء لشيخنا التوحيدي بالزندقة فهي تهمة ألصقت بأكثر من ظَهَرَ التجدد في أفكارهم وآرائهم» وما خلا قرن من قرون الإسلام من كثيرين اتهموا بما هم منه أبرياء» ومنهم من عُذّبوا أو قتلوا ومنهم من عاشوا مشردين بعيدين عن عيالهم وأهلهم وعشيرتهم وأوطانهم» وكان حظهم من الكآبة والبؤس غير قليل» ولو كُتب للحكومات أن تحسن سياستهم

كنوز الأجداد

لأتت على أيديهم خيرات جسيمة للعلم والعقل والمدنية. وصفه صاحب تاريخ بغداد وصاحب معجم الأدياء بأنه كان يتألّه أي يتنسك ويتعبدء والناس على

ثقَةَ من دينه وصحة عقيدته .

يتجلّى النبوغ وسعة الإدراك وفرط التجدد في كتب التوحيدي» وكتبه من الأسفار التي يود الناظر فيها أن يعود على قراءتها مرات فتنجلي له أمور ما انجلت له في قراءتها أول مرة. هكذا كان في المقابسات؛ وهي وصف مجالس العلماء؛ ولا سيما أحاديث أستاذه أبي سليمان المنطقي محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني» ذكر فيها بعض ما وقع إليه من مفاوضات علماء مشهورين كانوا في بغداد يختلفون إلى مجلس أستاذه» ومنه أكثر مروياته. فيذاكرون في موضوعات شتى في الفلسفة وما وراء الطبيعة والأدب وأكثرها على طريقة السؤال والجواب». وكان فيهم المجوسي والصابي واليهودي واليعقوبي والنسطوري والملحد والمعتزلي والشافعي والشيعي.

وذكر في كتاب الصداقة والصديق ما يتصل بالوفاق والخلاف» والهجر والصلة والعتب» والمذق والإخلاصء والرياء والنفاق» والحيلة والخداع. والاستقامة والالتواء» والاستكانة والاحتجاج والاعتذار. قال: ولو أردنا أن نجمع ما قال كل ناظم في شعره» وكل ناثر من لفظه لكان ذلك عسرًا بل متعذرّاء فإن أنفاس الناس في هذا الياب طويلة» وما من أحد إلا وله في هذا الفن حصة. لأنه لا يخلو أحد من جار أو معامل أو حميم أو صاحب أو رفيق أو سكن أو حبيب أو صديق أو أليف أو قريب أو بعيد أو ولي أو خليطء كما لا يخلو أيضًا من عدو أو كاشح أو مداج أو مكاشف أو حاسد أو شامت أو منافق أو مؤذ أو منابذ أو معاند أو مزل أو مضل أو مغل. ..

قال: فقدثٌ كلّ مؤنس وصاحبء. ومرافق ومشفقء والله لربما صليت في الجامع فلا أرى إلى جنبي من يصلي معي» فإن اتفق فبقّال أو عضّارء أو ندّاف أو قصّابء ومن إذا وقف إلى جانبي أسدرني يصنانه» وأسكرني بنتنه»

0-0 التوحيدي 2

فقد أمسيت غريب الحال؛ غريب اللفظ» غريب النحلة» غريب الخلق» مستأنسًا بالوحشة» قانعًا بالوحدة» معتادًا للصمتء ملازمًا للحيرة» محتملا للأذىء يائسًا من جميع من ترى. . .

ورسالته ثمرات العلوم كتبها لقوم لم يفهموا مقصده من العلم وتأوّلوا كلامه فَجَبّهّهم بما كتب وأجاد. قال فيها: ولعمري ما زال الناس يعتادون التقاذف والتقارف» ولكن كانوا يرون التساعف والتناصف» ولا يتناسون بينهم التعاون والتوازر والترادف والتناصرء والذي هاجني لهذه الشكوى» وأحوجني إلى هذه الدعوىء قول من قال منتكم: ليس للمتطق مدخل في الققه. ولا للفلسفة اتصال بالدين» ولا للحكمة تأثير في الأحكامء وهذا كلام من لو أنعم النظرء واستقصى الحالء لوقف على ما عليه فيه» وعرف ما له منه؛ فكان يستبدل بالخلاف وفاقّاء وبالمنازعة خلاقاء عاب هذا الرجل المنطق وهجن طريقة الأوائل: وزرى على الحكمة. وفيّل رأي الناظر فيهاء وقبح اختيار الباحث عنها؛ وهذا كله إن لم يكن قله سوء تحصيلء فإنه يوشك أن يكون ضيق عطن» وحرج صدرء ومجازفة في القول» وانحرافًا عن الصزاب.

وفي الحق: إن كتابه الإمتاع والمؤانسة أمتع كتبه وأجمعها للفوائد» وقد حل فيه مشكلات عظيمة منه القول في رسائل إخوان الصفا قال: «سأل الوزير أبا حيان التوحيدي في حدود سئة 71/7 عن إخوان الصفا بقوله: إني لا أزال أسمع من زيد بن رفاعة قولًا يريبني» ومذهبًا لا عهد لي به؛ وكناية عما لا أحققه» وإشارة على ما لا يتوضح شيء منهء يذكر الخروف ويذكر النقط؛ ويزعم أن الباء لم تنقط من تجت واحدة إلا لسيب والتاء لم تنقط من.فوق اثنتين إلا لعبلة» والألف لم تُعجم إلا لغرض وأشباه هذا. وأشهد منه في عُرض ذلك دعوى يتعاظم بهاء وينتفخ بذكرهاء فما حليثه: وما شأنه» وما دخلته؟ فقد بلغني يا أبا حيان أنك تغشاه وتجلس إليهء وتكثر عنده؛ ولك مع نوادر معجبة» ومن طالت عشرته لإنسان صدقت خبرته» وأمكن اطلاعه على

كنوز الأجداد

مستكن رأيه» وخافي مذهبه» قلت: أيها الوزير» أنت الذي تعرفه قبلي قديمًا وحديئًا بالاختيار والاستخدامء وله منك الإمرة القديمة» والنسبة المعروفة. فقال: دع هذا وصفه لي؛ فقلت: هناك ذكاء غالب» وذهن وقاد» ومتسع في قول النظم والنثرء مع الكتابة البارعة في الحساب والبلاغة» وحفظ أيام الناس» وسماع المقالات» وتبصر في الآراء والديانات» وتصرف في كل فن» إما بالشدو الموهمء وإما بالتوسط المفهمء وإما بالتناهي المفحمء قال: فعلى هذا ما مذهبه؟ قلت: لا يُنْسَبٍ إلى شيء. ولا يُعْرّف برهط» لجيشانه بكل شيء» وغليانه بكل باب» ولاختلاف ما يبدو من بسطته ببيانه وسطوته بلسانهء وقد أقام بالبصرة زمنًا طويلًا وصادف بها جماعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة» منهم أبو سليمان محمد بن معشر البستي ويعرف. بالمقدسي» وأبيو الحسن علي بن هارون الزنجاني وأبو أحمد المهرجاني والعَوّفِي وغيرهم فصحبهم وخدمهم .

قوكانت هذه العصابة قد تألفث بالعشرة» وتصافت بالصداقة» واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة» فوضغوا بينهم مذهبًا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله» وذلك أنهم قالوا: إن الشريعة قد دنست بالجهالات واختلظت بالضلالات» ولا سبيل إلى غسلها وتظهيرها إلا بالفلسفة لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية» والمصصلحة الاجتهادية» وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال» وصنفوا خمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة علميها وعمليهاء وأفردوا لها فهرسًا وسموها #رسائل إخوان الصفا» وكتموا فيها أسماءهمء وبثوها في الوراقين» ووهبوها للناس: وحشوا هذه الرسائل بالكلمات الدينية والأمثال الشرعية» والحروف المحتملة والطرق المموهة.

«قال الوزير: فهل رأيتَ هذه الرسائل؟ قلت: قد رأيت جملة منهاء وهي مبئوثة من كل فن بلا إشباع ولا كفاية؛ وفيها خرافات وكنايات» وتلفيقات

وتلزيقات, وحَمّلت عدةٌ منها إلى شيخنا أبي سليمان المنطقي السجستاني محمد بن بهرامء وعرضتها عليه فنظر فيها أيامًا وتبحرها طويلًا ثم ردّها علىٌ وقال: تعبوا وما أغنواء ونَصِبوا وما أجدواء وحاموا وما وردواء وغَنّوًا وما أطربواء ونسجوا فهلهلواء ومشطوا ففلفلواء ظنوا ما لا يكون ولا يمكن ولا يستطاعء ظنوا أنه يمكنهم أن يدسوا الفلسفة التي هي علم النجوم والأفلاك والمقادير والمجسطي واثار الطبيعة؛ والموسيقا الذي هو معرفة النغم والإيقاعات والنقرات والأوزان» والمنطق الذي هو اعتبار الأقوال بالإضافات والكميات والكيفيات في الشريعة» وأن يربطوا الشريعة في الفلسفة. وهذا مرام دونه حددء وقد تورد على هؤلاء قوم كاتوا أحدٌ أنيايًا» وأحضر أسبايّاء وأعظم أقدارّاء وأرفع أخطارّاء وأوسع قوّى. وأوثق عرّاء فلم يتم لهم ما أرادوهء ولا بلغوا منه ما أملوهء وحصلوا على لوثات قبيحة» ولطخات واضحة موحشة» وعواقب مخزية» فقال له البخاري بين العياس: ولِم ذلك أيها الشيخ؟ فقال: إن الشريعة مأخوذة عن الله يق بوساطة السفير بيئه وبين الخلق» من طريق الوحي وباب المناجاة» وشهادة الآيات وظهور المعجزات؛ وفي أثنائها ما لا سبيل إلى البحث عنه والغوص فيه» ولا بد من التسليم المدعو إليه؛ والمنبّه عليه وهناك يسقط «لِم» ويبطل «كيف» ويزوك «هلا؛ ويذهب «لو وليت» في الريح..©.

لا جرم أن القارئ سيدرك مما نقلناه من نماذج أقواله إلى أي موطن من مواطن البلاغة بلغ قلم التوحيديء ويقف على دقة معانيه ورقة ألفاظه. وهاكم نموذجًا آخر مما كتبه لصاحب الوزير: بسم الله الرحمن الرحيم. أيها الوزيرء جعل الله أقدار دهرك جارية على تحكم آمالك» ووصل توفيقه بمبالغ مرادك في أقوالك وأفعالك. ومكنك من نواصي أعدائك؛ وثبت أواخي دولتك على ما في نفوس أوليائك. يجب على كل من آتاه الله رأيًا ثاقباء ونصحًا حاضراء وتنبهًا نافعَاء» أن يخدمك. متحريًا لرسوخ دعائم المملكة بسياستك وريادتك»

٠ 0744‏ كنوز الأجداد

قاضيًا بذلك حق الله عليه في تقويتك وحياظتك. وإني أرى على بابك جماعة ليست بالكثيرة - ولعلها دون العشرة ‏ يؤثرون لقاءك والوصول إليك؛ لما تجن صدورهم من النصائح النافعة» والبلاغات المجدية» والدلالات المفيدة؛ ويرون أنهم إذا أهلوا لذلك فقد قضوا حقنكء. وأدوا ما وجب عليهم من حرمتك؛ وبلغوا بذلك مرادهم من تفضلك واصطناعك» وتقديمك وتكريمك» والحجاب قد حال بينهم وبينك» ولكل منهم وسيلة شافعة وخدمة للخيرات جامعة: منهم ‏ وهو أهل الوفاء ‏ ذوو كفاية وأمانة ونباهة ولباقة» ومنهم من يصلح للعمل. الجليل» ولرتق الفتق العظيم» ومنهم من يُمتِع إذا نادم» ويشكر . إذ اصطنع» ويبذل المجهود إذا رّفع» ومنهم من ينظم الدر إذا مدج» ويُضحك الئغر إذا مزح» ومنهم من قعد به الدهر لسِنّْه العالية وجلابيبه البالية» فهو موضع الأجر المذخورء وناطق بالشكر المنظوم والمتثورء ومنهم طائفة أخرى قد عكفوا في بيوتهم على ما يُعنيهم من أحوال أنقسهمء في تزجية عيشهم. وعمارة آخرتهم ؛ وهم مع ذلك من وراء خصاصة مرة: ومؤن غليظة وحاجات متوالية» ولهم العلم والحكمة والبيان والتجربة» ولو وثقوا بأنهم إذا عَرَضوا أنفسهم عليك» وجهزوا ما معهم من الأدب والفضل إليك حظوا منك» واعتزوا بك: لجضروا بابك» وجشموا المشقة إليك» لكن اليأس قد غلب عليهم؛ وضعفت مُنّتهمء وعكس أملهم؛ ورأوا أن سف التراب أخف من الوقوف على الأبواب» إذا دنوا منها دُفعوا عنهاء فلو لحظت هؤلاء كلهم بفضلك» وأدنيتهم بسعة ذرعك وكرم خيمك» وأصغيت إلى مقالتهم يسمعك؛ وقابلتهم بملء عينك؛» كان في ذلك بقاء للنعمة عليك؛» وصيت فاش يذكرك» وثواب مؤجل في صحيفتك. وثناء معجل عند قريبك وبعيدك» والأيام معروفة بالتقلب والليالي ماخضة مما يتعجب منه ذو اللب» والمجدود من جد في ججدهء أعني من كان جده في الدنيا موصولًا بحظه من الآخرة» ولأن يوكل العاقل بالاعتبار بغيرهء: خخير من أن يوكل غيره بالاعتبار به.

0 .. التوحيدي :4ل

أيها الوزير اصطناع الرجال صناعة قائمة برأسهاء قلّ من يفي بربهاء أو يتأتى لهاء أو يعرف حلاوتهاء وهي غير الكتابة التي تتعلق بالبلاغة والحساب. وسمعت ابن سورين يقول: آخر من شاهدنا ممن عرف الاصطناع واستحلى الصنائع» وارتاح للذكر الطيب واهتز للمديح» وطرب على نغمة السائل» واغتنم خلة المحتاجء وانتهب الكرم انتهايّاء والتهب في عشق الثناء التهايّاء أبو محمد المهلبي؛ فإنه قدم قومًا ونوّه بهم ونبه على فضلهمء وأحوج الناظرين في أمر الملك إليهم وإلى كفايتهم؛ منهم أبو الفضل العباس بن الحسين» ومنهم ابن معروف القاضي»؛ ومنهم أبو عبد الله اليرني» ومنهم أبو إسحاق الصابي؛ وأبو الخطاب الصابي» ومنهم أحمد الطويل» ومنهم أبو العلاء صاعدء ومنهم أبو أحمد بن الهيثم وابن حفص صاحب الديوان وفلان وفلان» هؤلاء إلى غير هؤلاء» كأبي تمام الزينبي وأبي بكر الزهري وابن قريعة وأبي حامد المروروزي» وأبي عبد الله البصري وأبي سعيد السيرافي»: وأبي محمد الفارسي وابن درستويه وابن البقال والسري ومن لا يحصى كثرة من التجار والعدول.

وقال لي ابن سورين: كان أبو محمد يطرب على اصطناع الرجال كما يطرب سامع الغناء على الشبابير (آلة موسيقية)؛ ويرتاح كما يرتاح مدير الكأس على العشائر. وقال عنه إنه قال: والله لأكونن في دولة الديلم أول من يذكر إِنْ فاتني أنْ كنت في دولة بني العباس'آخر من يُذكر اه.

هذا أسلوب التوحيدي السهل الممتنع. وشعره قليل» وقد قال عن نفسه: لست من الشعر والشعراء في شيء.

يمى

0 الثعالبى

أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري (9؟؛)

هذه التسبة إلى خياطة جلود التعالب وعملها. قيل له ذلك لأنه كان فَرَّاءً. نشأ فى نيسابور وطاف البلاد. والغالب أنه من أصل عربى» أخذ عن أبى بكر الوا روسل وسمّاه بعضهم جاحظ نيسابور. قال ابن خلكان فيه : إنه كان في وقته راعي تَلّعات العلم؛ وجامع أشتات النثر والنظم»: رأس المؤلفين في زمانه» سار ذكره سير المثل. وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب» وتواليفه كثيرة. وأكبر كتبه يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر وفيه يقول ابن ٠‏ قلاقس: أتينات افسعناز التتمتفة أنتكار افتكنا و قسيية ماتواوعاشت بعدهم فلذاك سميت اليتيمة

كان شاعرًا عظيمًا وكاتبًا مُجيدًا يعرف ما يختار ويدع» وفي كل ما كتب أجاد وأبدع ونم عن ذوق ظريف في الشعر والتثر.

وما جوّد الثعالبي هذه الإجادة النادرة في تأليف اليتيمة إلا لأنه تصدى لتصنيفها والعمر في إقباله؛ ثم تعاورها بالزيادة والنقص إلى أوان نضجه واكتماله قال: «وحين أَعَرْنُه على الأيام بصري وأَعَدْتٌ فيه نظري تبَّينتُ مصداق ما قرأثه في بعض الكتب أن أول ما يبدو من ضعف ابن آدم أنه لا يكتب كتايًا فيبيت عنده ليلة إلا أحب في غدها أن يزيد فيه أو ينقص منه»ء هذا في ليلة واحدة» فكيف في سنين عدة؟0 والنسخة الأخيرة التي اعتمدها

من اليتيمة تجمع امن بدائع أعيان الفضل ونجوم الأرض من أهل العصر ومن تقدمهم قليلًا وسبقهم يسيرًا تتضمن من ظُرْفهِم ومُلّحِههم لطائف أمتع من بواكير الرياحين والثمارء وأطيب من فَوْح نسيم الأسحار بروائح الأنوار والأزهار ما لم تتضمنه النسنخة السائرة الأولى: والشرط في هذه الأجرى إيراد لبّ اللب وحبة القلب وناظر العين ونكتة الكلمة وواسطة العقد ونقش القصّء مع كلام في الإشارة إلى النظائر والأحاسن والسرقات» فتأخذ في طريق الاختصار ونَذٍ من أخبار المذكورين وعُرَرٍ من فصوص فصول المترسّلين يميل إلى جانب الاقتصار».

بدأ بشعراء الشام وفضّلهم في البلاغة على غيرهم وقال: إن السبب في تبريز القوم قديمًا وحديثًا على من سواهم في الشعر قربهم من خطط العرب ولا سيما أهل الحجاز ويعدهم عن بلاد العجمء وسلامة ألسنتهم من الفسباد العارض لألسنة أهل العراق بمجاورة الفرس والتبط ومداخلتهم إياهم؛ فجمع شعراء العصر من أهل الشام بين فصاحة البداوة وحلاوة الحضارة. قال: كانت أشعار الإسلاميين أرقى من أشعار الجاهليين وأشعار المحدثين» ثم كانت أشعار العصريين أجمع لنوادر المجاسن و أنظم لنطائف البدائع من أشعار سائر المذكورين ولانتهائها إلى أبعد غايات الحسن وبلوغها أقصى غايات الجودة والظرف» تكاد تخرج من باب الإعجاب إلى الإعجاز» ومن حدٌ الشعر إلى السحرء فكأن الزمان اذّخر لنا من نتائج خواطرهم وثمرات قرائجهم وأبكار أفكارهم أتم الألفاظ والمعاني استيفاء لأقسام البراعة» وأوفرها نصيبًا من كمال الصئعة وروئق الطلاؤة.

بدأ اليتيمة بسيف الدولة والذين كانوا من شعرائه في الذروة» ثم شعراء مصر والمغرب والموصضل» وشعراء بني بُوَيْهِ وكتّابهم. وشعراء البصرة والعراق وخدهء ثم يغداد وحدهاء وأصبهان والجبل وفارس والأهواز وجرجان وطبرستان وخوارزم وخراسان ونيسابور وغيرهم من أهل البلاد التي نسي

اسمها إلا من كتب التاريخ وتقويم البلان» وكانت تقيم للآداب أسوافًا وتفضل على الأدباء والشعراء فتنضر أوراقه وتينع ثماره.

وكتابه الثاني فقه اللغة وأسرار العربية وهو كتاب كاد يحيط باللغة. قَسَمَهُ أبوابًا وضمٌ كل معنى إلى شكله وكل لفظ إلى ما يمائله؛ وجعله في متناول الخواص والعوام والبئنات والبنين» وهو كتاب آخذ بناصية الكمال من أوله إلى آخرهء قدّمه لأبي الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي» وكان أقام عنده زمنًا في ضيعته فيروزآباد من رستاق جوين وأَمدَّه بكتب من خزانته حتى كتب هذا الكتاب الدال على إغراقه في النظام والتنسيق ما يكاد يكون فيه منقطع النظير.

وكتابه الثالث «ثمار القلوب في المضاف والمنسوبة ليس أقل من الثاني تنسيقًا وجمالاء وقد خَرّجه افي أحد وستين ابا ينطق كل منها بذكر ما يشتمل عليه أولاء ويفصح عن الاستشهاد وسياق المراد آخرّاء وما منها إلا ما يتعلق من المثل بسبب» ويوفي من اللغة والشعر على طرف» ويضرب في التشبيهات والاستعارات بسهمء ويأخذ من الأخبار والأنساب يقسمء ويُجيل في خصائص البلدان والأماكن قَدَحَاء ويّجري في أعاجيب الأحاديث شوظا» وكتابه هذا كله علم وبحث.

أما كتبه الصغيرة فكثيرة» وكلها من الإمتاع والإجادة في القمة؛ منها أحاسن كلام النبي والصحابة التابعين وملوك الجاهلية وملوك الإسلام ومنها: كتاب من غاب عنه المطرب؛ وأحسن ما سمعت: والكنايات والتمثيل والمبهج: وسحر البلاغة؛ والإعجاز والإيجاز والأمثال» ويرد الأكباد في الأعداد» وخاص الخاص» وسر الأدب». وغرر أخبار ملوك الفرسء» والفرائد والقلائدء ونثو النظم وحل العقدء والكناية والتعريضء ولطائف المعارف» واللطائف والظرائف؛ والمؤنس الوحيدء ومرآة المروءات» ومكارم الأخلاق والمنتحل إلى غير ذلك مما طبع لهء وكله مجموعة فوائد وغرر في اللغة

والتاريخ وتراجم الشعراء وأشعارهم والأدباء وأخبارهم والكتّاب ومنثورهم «جمع فيها أشعار الناس ورسائلهم وأخبارهم وأحوالهم دلالة على كثرة اطلاعه. ينقل ما ينقل من الكتب المعتمدة المشهورة في عصره ويضم بعضه بنظام راق وعلم واسع يستفيد منه المتعلم والمتفكه حتى لتتألف من كتبه خزانة لطيفة. وكان يُلقى المشهورين من الشعراء الممتازين ويستنشدهم شعرهم ويقتبس أحاديثهم ويأخذ من دواوينهم. ومن هؤلاء الذين عاضرهم ضم كتابه طائفة عظيمة كانوا حلية زمانهم وسادة أبناء صناعتهم. ولم يتقزز من تقل أكثر الشعر بذاءة كشعر الواساني وابن الحجاج مثلاء فجاءت يتيمته مرآة العصر الذي كُتبت فيه ومثالا من أدب أهله ومن سبقهم إلى الأرض.

وأعظم ما نفعه في تآليفه تنقّله في حواضر الإسلام وأَخْذَّه من الكتب الموقوفة وكتب الخواص ما طاب له وكفاه أن نشأ في نيسابورء وكانت في زمنه أَعْمّرَ مدن الدنيا بالعلم والأدبء كادت تفوق بغداد في القرن الثالث والرابع» ونيسابور كأصفهان نبغ بها من كل صئف من أصناف الرجال المشتغلين بعقولهم ما يتعذر إحصاؤه.

ومن شعره:

وسائل عن دمعي السائلٍ

قلت له والأرضُ في ناظري

يُلِيتٌواللهبمملوكة

فإِنْ لحَاني عاذلٌ في الهوى ومنه :

سقّغلتُ لححَيْني في فراش لؤْمئه

ومامّرَّضٌ بي غير حبّي وإنما

وحالٍ لوني الكاسني الحائل أوسع منها كفةالحابل يومًا فماالعاذلٌبالعادلٍ

أضم إلى قلبي جناحَ مهيض

وكتب إلى أبي نصر سهل بن المرزبان» ولقد لسعته عقرب على قدمه فلما وجدت وقتلت زال الوجع» بهذه الأبيات:

ياعملةٌالأمراءٍ والورْراءِ يا غرةً الزمنٍ البهيم وناظرٌ ال 00 0 عقرب وثبث 2 رتم نَقَتْ باللّسع أعظم مُرْتقى إن ذُقْتَ ضرّاء العقارب 6 يا طيبٌ لسعةٍ عقرب درياقها وله: ١‏ ديونٌ أنقضث ظهري وجورٌ وفقباثٌ الكفاف وأي عيش

يا عِذَةَ الأدياءٍ والشعراء كرم الصميم وواحدٌ الفضلاء

قدم بها تخطو إلى العلياء أ ِ حنتٌُ عليهارتبة لعظماء

بعقارب الأصداغ في سراء ريقٌ الحبيب بقهوةعذراء

لنارالقلب مني كالأئثافي من الأيام شاب لهعٌدافي لمن يمنى بققدان الكفاني

ومن شعره ما كتبه إلى الأمير أبي الفضل الميكالي:

مر

لك في المغفاخر معجزات جِمّة

بحرات بحرّفي البلاغة شابه وترسل الصابي يزين علوّه كالتّؤر أو كالسحر أو كالبدر أو شكرًا فكم من فقرة لك كالغنى وإذا تفتّق نؤر شعرك ناضرًا أرجلت فرسان الكلام ورضت أف ونقشت في فص الزمان بدائعًا

ومن شغره:

أبدًا لغيرك في الورى لم تجمع شعر الوليد وحُسْن لفظ الأصمعي خط ابن مقلة ذو المحل الأرفع كالوشي في برد عليه موشع وافى الكريم بُعَيّد فقر مدقع فالحسن بين مرصّع ومصرع راس البديع وأثت أمجد مبدع تزري بآثار الربي ع الممرع

ولم أجِذْ خيلة تُبقي على رَمَفي2 قَبَّلتُ عبن رسولي إذ رآك بها

ىق

00

أبو الريحان البيرُونِي )54)

معنى بيرون بالفارسية خارج. والبيرؤني (بكسر الياء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وضم الراء وبعدها الواو في آخخرها التون) نسبة إلى خارج حُوارزم؛ فإن بها من يكون خارح البلد ولا يكون من اليلد نفسه.

ييرون منشأ أبي الريحان ومولده بلدة طيبة فيها غرائب وعجائب» ولا غرو فإن الدر ساكن الصدف. قال السمعاني: وما علمنا هذه الغرائب ولم نعرف عن مَنْشْئْه وأساتيذه شيئًاء وغاية ما انتهى إلينا من بعض المظانٌ أنه تلميذ أبي نصر مئصور بن علي الرياضي المشهور» ولعل هذا ممن أدرك الأربعمثة من

الهجرة.

سافر البيروني في بلاد الهند أربعين سنة؛ وزادت تصانيفه على حمل بعير» رأى ياقوت فهرستها في وقف الجامع بمرو في نحو الستين ورقة بخط مكتظ» وهي في النجوم والرياضيات والمنطق والحكمة والتاريخ» طبع منها بعض علماء الألمان ثلاثة كتب فقط فقرأنا فيها كل مفيد. قال ياقوت: إنه لما صنف القانون المسعودي أجازه السلطان محمود بن سبكتكين بِحِمْل فيل من نقده الفضي؛ فرده إلى الخزاتة بعذر الاستغناء عنه ورفض العادة في الاستغناء به. وكان رحمه الله مكبًا على تحصيل العلوم منصبًا إلى تصنيف الكتب؛ لا يكاد يفارق يده القلمء وعينه النظرء وقلبه الكقرء إلا في يومّي النيروز والمهرجان من السنة لإعداد ما تمس إليه الحاجة في المعاش. وهو أعظم

- أبو الريحان البيرُوني

رياضي قام في هذه الملة «لم يَشْقَّ المحضرون غباره ولم يلحق المضمّرون المجيدون مضمارهة.

دخل عليه أحد أصدقائه وهو يجود بنفسه فقال: كيف قلت لي يومًا حساب الجدات الفاسدة؟ فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال لي: يا هذا أُودّع الدنيا وأنا عالجٌّ بهذه المسألة ألا يكون خيرًا من أن أخليها وأنا جاهل بها. فأعدت ذلك عليه وحفظه» وعلمنى ما وعد» وخرجت من عنله وأنا في الطريق فسمعت الصراخ . ْ

دخل البيروني الهند مع ابن سبكتكين لما فتحها وأقام بينهم وتعلم لغتهم واقتبس علومهمء وفيها ألف كتابه الذي لا نظير له في حرية الفكر وإنصاف المخالف في الدين والمذهب والمَعَنْوَنَ بتحقيق ما للهند من مقالة مقبولة في العقل أو مرذولة. وهو من أجل الأسفار التي وضعها علماء الإسلام في الملل والنْحَل. لم يكد علماء هذا العصر يكتبون مثلها مجردة عن الغرض عند الكلام على المخالف. ومن كتيه المطبوعة: «الآثار الباقية عن القرون الخالية»؛ وهو في النجوم والتاريخ ألّفْه للأمير شمس المعالي وبين فيه التواريخ التي تستعملها الأمم. والاختلاف في الأصول التي هي مبادثها وفيه فوائد تاريخية عن ملوك آشور ويابل وكلدة والقبط واليونان والروم. قالوا وكان طيب العشرة خليعًا في ألفاظه عفيمًا في أفعاله» لم يأت الزمان بمثله علمًا وفهمًا. وله شعر منحط عن نثره كان يقوله في المناسبات وفيه بذاءة أحياناء وكان على عَججمته معجبًا باللغة العربية؛ ولم يؤلف في غيرها ويقول: إن الهجو بالعربية أحب إليه من المدح بالفارسية.

غاية ما عُرِفٌَ عن البيروني أنه فارسيٌ شغِفتَ بحب العربء .وكان بَعْدٌ من أئمة اللغة العربية وأدبائهاء يضاف ذلك إلى علومه الكثيرة في الرياضيات والنجوم والتاريخ والمِلّل والنّحَل. صحب الملوك فأفادهم أكثر مما استفاده مهم وكان على عزوفي وزهدء لا هم له إلا تحصيل العلم ويثه في الناس»ء

واعتماده في ذلك على التأليف. ويقول العلامة بروكلمان: إنه كانت بينه وبين الحكيم ابن سينا مكاتباتٌ كان من مجموعها كتابة الآثار الباقية. ولما تحت الهند على يد محمود بن سبكتكتين درس فيها العلوم اليونانية وأخذ من كنوز العلوم الهندية.

ولم نُعرف جميعٌ أساتذة البيروني؛ وخوارزم كانت في عصره دار علم كسائر العواصم الإسلامية الكبرى. والبيروني مثل للأنظار وهو كبير وسكتوا عن نشأته وأساتيذهء وكان قبل أن يلغ الكهولة رجلا مذكورًا بدليل أنه كان من جملة رجال صاحب غزنة.

ومن تصفح كتاب الهند والآثار الباقية يدرك مكانة هذا العالم الذي لم يترجم له مترجموه بما يستحقه من التوسع» ولعلهم كانوا يفضّلون عليه بعض أرباب الحديث والفقهء وهو الذي أتى أمته بجديد وخدمها فأقاد ولم يستخدمها في مظهر له ولا في طلب دنياء هو أحد أفراد نوابغ يُعَذُونَ على الأصابع» ومن أولئك تُعَدٌ مئات ممن لم يبدع جديدًا ومعظم ما دونوه وتناقشوا فيه لو حذف من الخزائن تعد كأنها لم تفقد شيئًا. أخلض للعلم وما شغف بغيره وما طلب عن غيره بديلًا .

قال البيروني: جل خطر الملوك عن المجازاة بالانتقام.

ليس للملك أن يحسد إلا على حسن التدبير والسياسة.

الملك أقل الناس خوفًا من الفقر وأكثر الناس خطرًا وقربًا إلى الهلاك» فليس له أن يبخل ويجبن» فإن ما قلَّ عنده لا يكثر وما كثر لا يعدم.

امن يبطل إحسان المحسن.

العاقل من استغنى بتدبير اليوم عن تدبير الغد.

لا تحقر الأمر الصغير قللأمر الصغير موضع يُنتفّع بهء وللأمر الكيير موقع لا يستغنى عنه.

ما اجتمعت عليه الألفة والعادة واصطلجتٌ عليه العامة فلا تخالفه.

*07‏ أبو الريحان البيروتي

من كفاء التأديب بالكلام لا يؤدّب بالسوط والسيف. مدارسة أخلاق الحكماء والعلماء تَحِيِى السنة الحسنة وثّمِيت البدعة السئن الصالحة علامات الخير والحق.

0)

الماوردي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب (-6:)

الماوردي نسبة إلى بيع ماء الوردء نشأ في البصرة وتلقى العلم فيهاء وهو إمام في الفقه والأصول والتفسير» بصير بالعربية والأدب» من أعظم الكتّاب» معتدل في تأليفه» هادئ في أفكاره: أوحد في فنه وفهمهء محمود الطريقة» مطمئن النفس» حريص على الاستفادة» بعيد عن الدعوى والهوى. تولّى القضاء في بلدان كثيرة ثم غدا أقضى القضاةء يفتي بمذهب الشافعي» وقيل إنه كان فيه ميل إلى الاعتزال.

قال الصفدي: إنه كان متّهمًا بالاعتزال» وكان لا يتظاهر بالانتساب إليهم» ولكن لا يوافقهم على خََلّْقَ القرآن ولا يرى صحة الرواية بالإجازة» وإنه شافعي المذهب. وكان القادر قد تقدم إلى أربعة من الأئمة في المذاهب الأربعة ليضع له كل واحدٍ مختصرًا في الفقه» فوضع الماوردي الإقناع» ووضع القدوري مختصره» ووضع من الحنابلة واحد مختصراء وعرضت عليه فخرج الخادم إلى الماوردي وقال له: قال لك أمير المؤمنين: حفظ الله علمك كما حفظت علينا ديننا. وتلقّب بأقضى القضاة إلى أن توفي.

هذا غاية ما كتبه المؤرخون فيه. وأجمل ما خص به أسلوبه في أسفاره: «الأحكام السلطانية» و#أدب الدنيا والدين؟ و«أعلام النبوة» و«قانون الوزارة؛ وفيها تنجلى شخصيته عن معرفة ثاقبة بأمور الدولة؛ واضطلاع واسع بتاريخ الحركات الفكرية والسياسية في الإسلام.

لم يقتصر الماوردي على الأخذ عن الشيوخ وتصمّح ما خلّفه من تقدّموه» بل قَرَنَ إلى علمه تجاربٌ تنبئ عن نفسهاء ومعارف منوعة لقِمّها من الحياة وما عاناه من مشاكل العالم؛ وعُمّر حتى بلغ السادسة والثمانين» فكان له دور سكون ارتاح فيه من هزاهز العيش ومشاكل الناس» وانصرف إلى التأليف

وخدمة العلم .

تتمثل الماوردي وأنت تقرأ «الأحكام السلطانية» كأنك تقرأ كتاب عالم عصري قتل الأيام تجربة» ودوّن زيدة الأحكام التي تشغل الأذهان. وكُتّبه من الكتب التي تدعوك إلى نفسها أبدًا وتتحبّب إليك» إذا تصمّحتها مره ساقتك بدون تعمّد إلى معاودة قراءتهاء وكلما تلوتها انصرفت عنها بجديد.

حمًا إن الأحكام السلطانية مرجمٌ فريد في بابه» ولو لم يكن له غيره من المصنفات لعُدَّ في زمرة من أبدعوا الإبداع كله في مصنفاتهم. وإذا حدقت النظر في هذا المصئّف تراءى لك أن الماوردي لم يتقن من فئون العلم غير هذا الذي يحدثك فيه ويفيض عليك منه. ذلك لأنه لم يقتصر على الأخذ عن الشيوخء وتَمَهُم نصوص العلماء في الكتاب والسنة» بل شفع علمه بتجاربه وما درسه بذاته وهدته إليه الأحوال. جمع إلى معرفته الواسعة معرفة أصول الإسلام وفروعه وعلمه وعمله ومنطوقه ومفهومه وكل ذلك يزينه وقوفه على سياسة الخلق» ومهارته في حسن القضاء بينهمء وحسن التأليف لأجيالهم .

أفاض في الأحكام السلطانية في الخلافة وتقليدها والوزارات وأنواعها والإمارات والولايات» والقضاء وضروبه والمظالم والنقابات والجبايات والصدقات والإقطاعات, وأنواع الدواوين وأخكام الجرائم والحسبة والمنكرات والمعروفات إلى ما له مساس بإقامة العدل بين الرعية. جمع ما كان متفرقًا في بطون الدفاتر ونسقه وعلق عليه وخالف عُرْفَ علماء وقته في مسائل اجتهد فيها فتحملوه وما شاكسوه. واكتفى من دنياه بما أعطته فكان خير

كنوز الأجداد

عم سم مم

معلم للناس في حياته وبعد مماته» أتاهم بكتب تُتلى ولا تَبْلى جدَّتها على غابر الأحقاب.

ومن تدر الأحكام السلطانية وقارنه بالأجكام السلطانية للقاضي أبي يعلى يتبيّن له الفرق بين رجل أفاده دخوله في المجتمع؛ ورجل درس الحديث والفقه واقتصبر على ما تلقّاه في مجالس العلماء جاء كتابه نظريّاء وكان كتاب الماوردي عمليًا. وكتابه هذا ما أمتع هذا الإمتاغ إلا لأن صاحبه كان.قاضيًا لامعًا وسياسيًا مبررّاء يقل في أهل صناعته أمثاله؛ وأوحت إليه مسائل الخلق والدول أشياء أجسن تلقّفها وتصويرها والانتفاع بها.

كان الماوردئ: قادرًا على ضبط نفسه فيما ليس منه ضرر على الدين أو الدنياء يبتعد عمن إذا رأى محبرة تطيّر منهاء وإن وجد كتابًا أعرض عنهء وإن رأى متحلّيًا بالعلم هرب منه؛ كأنه لم ير عالمًا مقبلاء وجاهلا مدبرًا. قال: ولقد رأيت من هذه الطبقة جماعة ذوي منازل وأحوالء كنت أجفي عتهم ما يصحبني من محبرة وكتاب» لثلا أكون عندهم مستئقلاء وإن كان البعد عنهم مؤنسًا ومصلححاء والقرب منهم موحشًا مفسدًا.

وكان إذا عرض أمر يعود على الدين بالضرر يستأسد ويزمجر» وينزع ثوب السياسي ويلبس ثوب العالم الشجاع؛ على ما كان مته لما أمر الخليفة أن ياد في ألقاب جلال الدولة بن بوَيْهِ لقب “ملك الملوك» فما أفتى المارردي مع من أفتى بجواز ذلك؛» مع أنه كان من خواص جلال الدولة» ولما أفتى بالمنع انقطع عنهء نطلبه جلال الدولة فمضى إليه على وجل شانيد؛ فلما دخل عليه قال له: أنا أتجِمّة تحقّق أنك لو حابيت أحدًا لحابيتني لما بيني وبينك: وما حملك إلا الدين». فزاد بذلك محلك عندي. ولذا قال المؤرخون: أنه كان محترما عند الخلفاء والملوك «وكان ذا منزلة من ملوك بني بويه يرسلونه في التوسطات بينهم وبين من يناوثهم»ء ويرتضون بوساطته ويقئعون بتقريراته».

وكتابه الثاني : «أدب الدنيا والدين» من أمتع ما كتب علماء الأخلاق

والتربية» مصادره الكتاب والسنة وأقوال الحكماء والبلغاء» وفيه طائفة من الشعر البديع والتثر المنسجم. ومما قال عن نفسه في كتابه هذا: «ومما أنذرك به من حالي أنني صَنْفتٌ في البيوع كتابًا جمعتٌ فيه ما استطعت من كتب الناس» وأجهدت فيه نفسي وكددت فيه خاطري حتى إذا تهذّب واستكمل» وكدت امف به وتصورت أنني أشد الناس اضطلاعًا يعلمه» حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان فسألاني عن بيع عقداه في البادية على شروط تضمنت أربع مسائل لم أعرف لواحدة منها جوابّاء فأطرقت مفكُرّاء وبحالي وحالهما معتبرًاء فقالا: ما عندك فيما سألنا جواب. وأنت زعيم هذه الجماعة؟ فقلت: لا. فقالا: واهًا لك. وانصرفا ثم أتيا من يتقدمه في العلم كثير من أصحايه» فسألاه فأجابهما مسرعًا يما أقنعهما وانصرفا عنه راضيَيّن بجوابه» حامدَّيْن لعلمه. قال فبقيت مرتبكا وبحالهما وحالي معتيراء وإنني على ما كنت عليه في تلك المسائل إلى وقتي. فكان ذلك زاجر نصيحة» ونذير عظة» تذلل بها قياد النفس» وانخفض لها جناح الععغجبء توفيقًا مُنحته» ورشدًا أوتيته » وحقٌّ على من ترك العجب بما يحسن أن يدع التكلف لما لا يحسنء فقديمًا نْهَى الناسنٌ عنهماء واستعاذوا بالله منهما».

وعلى ما عرف به الماوردي من بعد النظر والتحري في قضائه أورد أشياء في كتابه أعلام النبوة إذا وُْضعتٌ على محك النقد كانت مثار العجب منه؛ وهو الراوية الحسن الرواية والنقادة الذي يمتاز باستخراج السقيم من السليم» وقد نُسب إليه هذان البيتان: وفي الجهل قبل الموت موث لأهله فأجسادهم دون القبور قُبُورٌ وإن امرأ لم يَحْيَ بالعلم صدره فليس له حتى الممات نُسُورْ

5--ه2

)19(

ابن حزم أبو محمد علي (467)

كان جذه الأعلى أول من أسلم» وكان مولى يزيد بن أبي سفيان الأموي. وأصل أهله من فارسء وجده الخامس خلف أول من دخل الأندلس من آبائه؛ وسكن أول أمره في قرية مَنْت لِيْشم من إقليم الزاوية في عمل أونبه من كورة لَب غرب الأندلس» وسكن أبوه قرطبة» ووَزِرٌ للمنصور محمد بن أبي عامر.

ولد علي سنة 84" في قصر ما عرف فيه إلا النعيم والنعم في صباه؛ وتولى النساء تربيته» رَبّي في حجورهنء» ونشأ بين أيديهن» ولم يَعْرف غيرهن» ولا جالس الرجال إلا وهو في حَدٌ الشباب وحين تبقّل وجهه. وهنّ علّمنه القرآن» ورَرَّيْنه كثيرًا من الأشعارء ودَرّئْنه في الخطء فكانت ثقافته أرقى ثقافة يثقفها أبناء العظماء. وما كانت المظاهر الخلابة التي شاهدها في قصر أبيه لتحول دون رغبته في التناغي بالعلم والغرام بالأدب» وما كان ذاك الثراء ليبطره فيشغل نفسه بما لا يجدي عليه في حياته. وناقش مرة أحد علماء الأندلس فقال له هذا: إن أكثر مطالعاته كانت على سراج الحرس فأجابه عليّ: إن أكثر مطالعاته كانت على منائر الذهب والفضة:» يريد أن الغئى أمنع لطلب العلم من الفقر.

ولما تغلب البربر على قرطبة وعليٌ في الخامسة عشرة من عمره انتقل أبوه من دورهم المحدثة بالجانب الشرقي من قرطبة في ربض الزاهرة إلى دورهم

القديمة في الجانب الغربي» ثم انتهب اليربر دورهم في الجانب الغربي هذا ونزلوا فيهاء فخرج عن قرطبة وسكن المَّرِيّة. وقال ابن حزم: إنهم شغلوا ابالنكبات وباعتداء أرباب دولة هشام المؤيد» وامتحنوا بالاعتقال والترقيب والإغرام الفادح والاستتار. وأرزمت الفتنة وألقت باعها وعَمّت الناس وخَصّتنا» ثم تُكبه صاحب المَرِيّة بدعرى أنه يسعى في القيام بدعوة الدولة الأموية فاعتقل أشهرّاء ثم أخرج على جهة التغريب» ثم ضار إلى حصن القصر ولقي صاحبه التُجيبي فأقام عنده شهورًا «في خير دار إقامة وبين خير أهل وجيران4» ثم ركب البحر قاصدًا بَلْنْسِية عند ظهور أمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد وسكن بها وتولى له الوزارة ثم تولاها لهشام المعتمد بالله.

هذه بالإجمال سيرة ابن حزم السياسية إلى العقد الثالث من عمره. ولما رأى ما رأى من تقلقل الدول في الأندلس وعزفت نفسه عن أمور «الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك» أقبل على قراءة العلوم وتقييد الآثار والانتفاع بدروس أجل رجال عصره.

نبغ ابن حزم في الأدب والفلسفة والطب والحديث والفقه والتاريخ» وكان أصريًا نظارًا كاتبًا شاعرّاء يرتجل الشعر ويبتده الخطب ويضع الكتب» وكان «أجممّ أهل الأندلس قاطبةٌ لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار»» «وكان شافعيًا أولا ثم صار ظاهريًا على مذهب داود بن علي بن خلف الأصفهاني ومن قال بقوله من أهل الظاهر ونفاة القياس»» وناضل عن مذهيه الجديد فئال منه فقهاء الأندلس» وكان أكثرهم يميل إلى القول بمذهب مالك» ولولا أن حال صاحب المَّرِيّة دون تحاملهم عليه لأوردوه حتفهء واكتفوا بأن أحرقوا بعض كتبه في إحدى ساحات إشبيلية وحرموا النظر فيما كتب» ولولا أن حمل بعض تلاميذه كتبه إلى الشرق لما انتشرت في الآفاق. أما هو فظل على كثرة معانديه يقرأ ويُقرئ ويدرّس في بلده حتى مضى لسبيله .

حنكن 97 امسا موه

وفي إحراق ابن عباد كتبه قال ابن حزم:

فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي يسير معي حيث استقلت ركائبي دعوني من إحراق رق وكافد وإلا فعودوا في المكاتب يدأة كذاك النصارى يحرقون إذا عَلتَ وقال: لا يشمتن حاسدي أن نكبة عرضت ذو الفضل كالتين طورا حت قن ومن شعره: قالوا تحمّظ فإن الناس قد كثرت تاغل عجوي لى خير اني لا وإنني مولع بالنص لست إلى لا أنعني لمقاييس أقول بها يا برد ذا القول في قلبي وفي. كبدي دعهم يعضوا على صم الحصى كمدًا

تضمنه القرطاس بل هو في صدري وينزل إن أنزل ويدفن في قبري وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري فكم دون ما تبغون لله من سر

أكفهم القرآن في مدن الثغر

تالجمو اجن على جالابنةر 1 وقارة في ذرى تاج على ملك

أقوالهم وأقاويل الورى محن أقول بالرأي إذ في رأيهم فتن سواه أنحو ولا في نصبره أهن في الدين بل حسبي القرآن والسئن ويا سروري به لو أنهم فطنوا من مات من قوله عندي له كفن

ومما عدوه عليه أنه كانت «له مجالس مع أولي المذاهب المرفوضة من أهل الإسلام»؛ أي إنه كان يجتمع إلى غير السواد الأعظمء» وعابوا عليه أنه خالف أرسطو في بعض آرائه» كأن الاجتماع بالمخالف ونقد صاحب الرأي من الكبائر. والذي يُنْتَقَد عليه في الحقيقة إنحاؤه على بعض الأئمة ومغالاته في رد كل من خالف ملهبه من فرق الإسلامء يُستعمل لههجة قاسية حتى قالوا إنه كان يصك معارضه في علمه صك الجندلء ويُنشقه أخَرٌ من الخردل.

قالوا: وكان مما يزيد في شنآنه تشيّعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم بالشرق والأندلس» واعتقاد صحة إمامتهم وانحرافه عمن سواهم من قريش.

قال عن نفسه معتذرًا عما يبدو في كلامه من الشدة على من لم يتبع مذهبه إنه كانت به علة شديدة أصابته فولدت عليه ربوًا في الطحال شديدّاء فولّد ذلك عليه من الضجر وضيق الحلق وقلة الصبر والنزق أمرًا جاشت به نفسه. وقال أنه انتفع بمحكِ أهلٍ الجهل منفعة عظيمة» وهي أنه توقد طبعه» واختدم خاطرهء وحَبِيَ فكرهء وتهيج نشاطه فكان ذلك سيبًا إلى تواليف عظيمة النفع؛ ولولا استثارتهم ساكتهء واقتداحهم كامنهء ما انبعثثٌ لتلك التواليف.

وقال عن نفسه إنه جبل على طبيعتَيّن لا يهنؤه معهما عيش أبدًا وهما: وفاء لا يشوبه تلون» قد استوت فيه الحضرة والمغيب والياطن والظاهرء وعزة نفس لا تقر على الضيم مهتمة لأقل ما يرد عليها من تغيّر المعارف مؤثرة للموت عليه. فكل واحدة من هاتين السجيتيّن تدعو إلى نفسها وقال: وإني لأجفى فاحتمل وأستعمل الأناة الطويلة والتلوّم الذي لا يكاد يطيقه أحدء فإذا أفرط الأمر وحميت نفسي تصبّرت وفي القلب ما فيه.

وقال: غاظني أهل الجهل مرتين من عمري؛ إحداهما بكلامهم فيما لا يحسنونه أيام جهلي» والثانية بسكوتهم على الكلام بحضرتي» فهم أبدًا ساكتون عما ينفعهم ناطقون فيما يضرهم. وسرّني أهل العلم مرتين من عمري؛ إحداهما بتعليمي أيام جهلي والثانية بمذاكرتي أيام علمي.

كان اين حزم يعرف كيف يحاحٌ المخالفين له ويبنَّهم؛ لأنه كان أرقى منهم كما ظهرء مع ما أوتيه من بلاغة اللسان وبلاغة القلمء وحضور الذهن » ووفرة المادة» وشدة الإخلاص والصدق» ولما ضاق به مخالفوه ذرعًا لجؤوا إلى السلطان فما استطاعوا أن يذلوه وهو العزيز» ولا أن ينتقصوه وهو الكامل» ولا أن يُجَهْلوه وهو العالم؛ وكيف يصلون إلى غاياتهم منه وهو الذي انتشرت في الأقطار كتبه في حياتهء وما وسع حتى أعداؤه في رأيه أن

نَ الأجدا لز ل سببيبيبيي ف

يتكروا فضله العظيم. ألّف تاليف كثيرة بلغت نحو أربعمئة مصنف تدخل في ثمانين ألف ورقة؛ فكان أكثر علماء الإسلام تآليف بعد ابن جرير الطبري.

وأنت أيها القارئ العزيز إذا أحببت أن تقرأ نمطا عجيبًا من رد اين حزم على مخالفيه وكيف يزيف أقوالهم ويشتد في حوارهم طالع «الفصل في الملل والأهواء والنْحَل)؛ وإذا شئت أن تطلع على الحكم فيما اختلف فيه الناس من أصول الأحكام في الدين فطالع كتابه الجامع «الإحكام في أصول الأحكام»» وإذا سَمَتْ بك همتك إلى التبحر في الحجاج ومعرفة الاختلاف وتصحيح الدلائل المؤدية إلى معرفة الحق مما تنازع الناس فيهء والإشراف على أحكام القرآن والوقوف على جمهرة السنئن الثابتة عن رسول الله وتمييزها مما لم يصحء والوقوف على الثقات من رواة الأخبار وتمييزهم من غيرهم» والتنبيه على قساد القياس وتناقضه»ء وتناقض القائلين به» فليكن تصفحك لكتابه «المحلّى». وإذا جنحت إلى تعرف حكمة العشق يُطلعك بمجالس في الحب وعلم النفس على تحليل أرواح النساء والرجال وكشف أسرار الجنسين» وفي كل أولئك تدرك مبلغ ابن حزم من حرية القول ويُعْد التفكيرء وتتبيّن درحة أدبه على ما لا يخطر ببالك صدور مثله عن مثله. فاقرأ كتابه البارع «طوق الحمامة في الألفة والألاف» يثبت لك من هذا أت ابن حزم لا يقول بالتّقية وهو القائل: «ولا أنسك نسكًا أعجميّاء ومن أدى الفرائض المأمور بها واجتنئب المحارم المنهي عنهاء ولم يكين الفضل فيما بينه وبين الناس فقد وقع عليه اسم الإحسانء ودعني مما سوى ذلك". ومن أحب أن يقرأ فلسفته في الأخلاق وما يصلح الجماعات والمجتمعات» فليقرأ كتابه #مداواة النفوس» وهذا كتاب كله زبدة يجزئ قارئه عن كثير مما كُتب في موضوعه ويبيّن درجته من الحكمة.

ذاك بعض كتبه التي تخطّتها حملات خصومه فَسَلِمت؛ وإنك لتقرأ أسفاره في الشريعة فتدهش لما ترى من إحاطته بأطراف كل موضوع خاض عبابة:

4 أبن حز ِ شاها

كأن مسائل الدين صفحة واحدة ماثلة أمام عينه استظهرها في الصغر واستخرج أيام, نضج عقله وعلمه. كل ما فيها من دقائق الحقائق. فكان بهذا جما من أعظم علماء الإسلام لم يجئ في بابه بضعة رجال من غياره.

ابن حزم إمام في كل شأن: في الدين والحكمة والأخلاق والأدب والتاريخ: وفي كل ما أتقن من علم وتَمَئّله وألّف فيه فهو جد عظيم يملك عليك نفسك وأنت تنظر فيما شرح أو بسط وحاور وجادلء يتعاظمك بسلطان علمه فدُكبره وتُكُبر أدبه» ويعجبك بشدة غيرته على بث دعوته» ويسوءك أن يسيء إليه معاصروه وهو الذي كان كله إخسانًا. ومن «طوق الحمامة» تعرف أي أديب هوء ومن «المحلىة تدرك أي عالم دينتي هوء وتنادي لا تبالي: هكذا فليكن العلماء. ناهيك من رجل ينشأ على الفضائل الموهوية والمكسوبة» ولم يلهه ترف القصور عن الاستغراق في معالجة صعاب المسائل. ولمًا عَلِمِ تقصيره في بعض الفروع الشرعية وهو في نحو الثلائين من عمره غاد فقعد مقعد المتعلم بين أيبي العلماء يحضّبل ما فاته؛ وما برح يتلقى عن الشيوخ حتى بلغ درجة الاجتهادء وأَعْظِم بها من مرتبة لا ينالها في قطره وعصره إلا من استحتبها الااستحقاق كله». خصوصًا وهو بين ظهراني خصماء غير رحماء وأعداء أردياء» يحسدونه على نعمته ونعمة آبائه؛ وعلى علمه وعلى مكانته ورجاحته .

(0)

ابن زيدون أبو الوليد أحمد بن عبد النه بن زيدون (570)

هو من قبيلة مخزوم النازلة في الأندلس» وأهله من صدورها المعروفين بالحكم والقضاء. ولد في قرطبة سنة 45. ومات أبوه فأسلمه أوصياؤه إلى أعاظم من علماء عصره فتأدَّبٍ بأدبهمء وظهرت عليه أمارات النجابة وهو في سن العشرين» واستفاضت شهرته في الأدب والحكمة ومعاتاة السياسة ولمّا يبلغ الخامسة والعشرين.

ولمّا حاول دعاة بني أمية أن يعيدوا الملك فيهم» وثار أهل قرطبة لطرد البربر عن ديارهم»؛ اضطر اين زيدون بحكم مكانة بيته إلى خوض تلك بعد جلاء البربر عن تلك الأصقاع.

واحن ابن زيدوة ولّادة بنت المستكفي بالله فما عَمَّه0١‏ أن نازعه حبها ابن عبدوس وزير ابن جهورء فهجاه ابن زيدون وهَدَأ به فأضمر له الحقد وما زال يشي به عند الملك حتى اتهمه بأنه يدعو للدولة الأموية: فاعتقله ثم رَقَّ له ابنه الوليد بن جهور فأطلقه من اعتقاله. ولكن كانت ولادة قد خرجت عن حكم ابن زيدون. وتشرد في الأقطار مدة» ثم رجع إلى قرطبة يخدم الوليد بن جهور بعد وفاة أبيه فوضع ثقته به» وسفر عنه إلى ملوك الأطراف»

)١(‏ ماعَتَّمَ أنْ قَعَلَّ كذا: ما لبث وما أبطأ [محيط المحيط]. (المُراجع)

ثم غضب عليه ففرّ. وكان يقيم تارةً في دانية وأخرى في باجة وطورًا في إشبيلية» إلى أن اتصل بالمعتضد أمير إشبيلية فجعله أمين ميره ثم ولاه أعظم وزاراته؛ وظل بعد وفاة المعتضد على خدمة ابنه المعتمد فأعانة على فتح قرطبة وجعل متها عاصمة ملكه؛ وكان منافسه في بلاط المعتمد الوزير ابن عمار قد زج باين زيدون في فتنة نشبت بسبب اليهود فهلك» فخزنت عليه عشيرته في قرطبة حزنًا شديدًا .

ترجم له صاحب الذخيرة بقوله: كان أبو الوليد صاحب منثور ومنظوم» وخاتمة شعراء بنى مخزوم؛ أحد من جر الأيام جرّاء وفاق الأنام طرّاء وصرف السلطان نفعًا وضراء ووسع البيان نظمًا ونثرّاء على أدب ليس للبحر تدفقهء ولا للبدر تألقه؛ وشعر ليس للسحر بيانه» ولا للنجوم الزُعر اقترانه» وحظ من التثر غريب المباني» شعري الألفاظ والمعاني.

ووصفه صاحب القلائد بقوله: زعيم الفئة القرطبية» ونشأة الدولة الجهورية» الذي بهر بنظامه؛ وظهر كالبدر ليلة تمامهء فجاء من القول بسحرء وقلده أبهى نحرء لم يصرفه إلا بين ريحان وراحء ولم يطلعه إلا في سماء مؤانسات وأفراح» ولا تعدّى به الرؤساء والملوك» ولا تروّى منه إلا حظوة كالشمس عند الدلوك؛ فشرف بضائعة» وأرهف بدائعه وروائعه. وكلقت به تلك الدولة حتى صار ملهج لسانهاء وحلّ من عينها مكان إنسانها.

أطلقوا على ابن زيدون لقب «بحتري المغرب» لسلاسة شعره وجزالة رصفه. وذكر العارفون بعلو طبقة الشعر أن أبا بكر بن عمار وأبا الوليد بن زيدون كاتا فى حسن الشعر فرسَي رهان ورضيعَيْ لبان» وقال أكثر الأدياء بالأندلس إنهما أشعر أهل عصرهم. والمعقول أن يذهب كل شاعر بمزية لا يشاركه فيها غيره؛ فابن هانئ لا تنحط طبقته عن طبقة ابن زيدونء وهكذا إذا أردنا المقارنة بين كبراء شعراء الأندلس.

وإذا أجمع أرباب المعرفة على تفرد ابن زيدون في الشعرء فإن منهم من

ن الأحدا ته افد

أشار إلى أن نثره شعر أيضّاء أي إنه نازل عن طبقته بين الكتاب؛ ففي شعره كل معاني الإحسانء أما نثره فتحسن فيه روحًا شعريّاء وهذا لا يستحب كل حين. والطبيعة على ما علمنا لا تجود على كل إنسان بإتقان الصناعتين» ولا بد أن تمتاز الملكة فى الأولى عن الأخرى. كان هوى ابن زيدون بالشعر ليله ونهاره» ونثره ارهن يستخدمه عند الحاجة ويجيد؛ ولكن لا كالشعر الذي أخذ من روحه وقلبه.

وكما كان آية فيما يكتب كان كذلك فيما يخطب: غزير البيان» متدفق الطبع؛ فصيح اللسان» حاضر البديهة. قال أحد وزراء إشبيلية وفيه دليل على سعة بيانه: لعهدي بأبي الوليد قائمًا على جنازة بعض حُرّمهء والناس يُعزُونه على اختلاف طبقاتهم» فما سمع يجيب أحدًا بمثل ما أجاب به غيره» لسعة ميدانه وحضور جنانه. وذكروا أن أقل ما كان في تلك الجنازة وهو وزير ألف رئيس ممن يتعين عليه أن يتشكر له» فيحتاج في هذا المقام إلى ألف عيارة مضمونها الشكرء وهذا كثير إلى الغاية لا سيما من محزون فقد قطعة من كبده . ولكنه صوب العقول إذا انبرت ١‏ سحائب من هأعقبت بسحاب

ترى هل يدين ابن زيدون بشهرته لأدبه وشعره» ووزاراته وسغاراته؛ أم أن لغرامه بولّادة دخلا كبيرًا فيما كان له من عظمة. قد يهيم أعظم منه بأعظم من محبوبته ولا يدري جمهرة الناس بهماء وغرام اين زيدون عظم في العيون» لأنه كان في حسناء تقول الشعر وتعرف أدب الملوك» فهي كانت تدرك كل الإدراك ما عند عشيقها من صفات تليق ببنات الملوك» وهو موقن أنه لا يجد في بئات السوقة أمثالها بجمالها وكمالهاء وكان من ذلك الشعر الذي كله

روح وحسنن ٠.‏

وصف اين زيدون أول اتصاله بخنبيبته بقوله.

كنت في أيام الشباب» وغمرة التصابء هائمًا بغادة» تدعى ولّادة» فلما قدر اللقاء؛ وساعد القضاء كتبت إليّ: ترقب إذا جنّ الظلام زيارتي فإني رأيت الليل أكتم للسر وبي منك ما لو كان بالبدر ما بدا ويالليل ما أدجى وبالنجم لم يَسْرٍ

فلما طوى النهار كافورهء ونشر الليل عنيرهء أقبلت بقدٌ كالقضيب وردف كالكثيب» وقد أطبقت نرجس المقل» على ورد الخجل» فملت إلى روض مدبجء وظل سجسج ١‏ وقد قامت رايات أشجاره» وقاضت سلاسل أنهاره. ودر الطل منثور» وجيب الراح مزرورهء فلما شببنا نارها وأدركت فينا ثارهاء باح كل منا بحبه» وشكا اليم ما بقلبه؛ وبتنا بليلة نجني أقحوان الثغورء ونقطف. رمان الصدورء فلما انفصلت عنها صياحاء أنشدتها ارتياحًا : وَدَعَ الصبرّ محبٌ ودَعَكُْ ذائعٌ من سرهمااستودعك

لح ايا ودر زادَ في تلك الخطا إذ شيّعك 55 الجدو محماء ويك ٠عتقطالة‏ زفانا اطلهعنيك إذيَظن بَعَدَك لَيْلِي فلكم بتّأشكوقِصَرٌ الليلمعك

ويذهب الفكر إلى أن هذه العبارة ليست لابن زيدون» بل صاغها غيره والمعنى له أو هكذا وقع غرام ولادة في قلب ابن زيدون؛ وهو يُعْذر على ما بدا من هيامه لأنها استوفت على ما يظهر جميع صفات المعشوقات.

شتهر في الآفاق شعره يسبب هذه الصبابة النادرة في العاشقين» وما كان الغرام نفسه السيب الأكبر في شهرته بل لأنه غرام كان على غير مثال.

ومن أشهر قصائده فيها القصيدة التي اشتهرت كل الاشتهار: أضحى التنائي بديلًا من تدانينا 2 وناب.عن طيب لقيانا تجافينا بنْتم ونا فما ابتّلت جوانحنا شوقًا إليكم ولا جفت/مآقينا يكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

حالت لفقدكمأيامنا فغدت إذ جانب العيش طلق من تألفنا ومنها : لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم لا تحسبوانأيكم عنايغيرنا والله ما طلبت أهواؤنا بدلا ولا استفدنا خليلا عنك يشغلنا إلخ. . . وله فى ولادة: يا نازَخًا وضمير القلب مكواه عل الليالي تبقيني إلى أملٍ وله يتشوّق إليها : إني ذكرتكِ بالزهراء مشتاقا وللنسيم اعتلالٌ في أصائله والروض عن مائه الفضي ميتسم يوم كأيام لذات لنااتصرمت نلهو بما يستميل العين من زهر كأن أعينه إذ عاينت أرقي إلخ. . وله يتشوق إليها أيضًا: غريب. بأقصى الشرق يشكر للصّبا

ومورد اللهو صاف من تصافيتا

رأيًاولمنتقلدغيرهدينا إن طال ما غمّر النأي المحبينا

منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا

ولا اتخذنا بديلا منك يسلينا

أنستك دنياك عبذا أنت مولاه فليس يجري يبال منك ذكراه الدهرٌ يَعَلِمُ والأيامٌ معناه

والأفق طلقٌ ووجه الأرض قد راقا كأنما رَقٌ.لي فاعتِلٌ إشفاقا كما حللت غن اللبات أطواقا بِثّما لها حين نام الدهر سراقا جال الندى فيه حتي مال أعناقا بكتٌ لما بي فجال الدمع رقراقا

تحملها منه السلام إلى الغرب

وما ضر أنفاس الصبا في احتمالها

جسم إلى قلب

سلام فتى يهديه +

ولا يبعد أن يكون ما قاله في ولّادة أكثر مما روىق الرواة في ديوانه. امتنعوا من نقله كما امتنع صاحب الذخيرة من نقل شعر ولّادة لأن فيه هجاءً.

وكما أجاد كل الإجادة ف

في التغزل بولادة أجاد أيضًا في مدح ابن جهور

والمعتمد والمعتضد. وا ب دلاوو لازت ايم

ومدح غيرهم. فشعره ف

وشعره في وما أحلى قوله:

نياحيت أعدائي لأنك منهم

أصبحت تُسخطني فأمنحك الرضا

يا بن الك يله ونهاره

قد كان فِي شكوى الصبابة راحة

فى الملوك والوزراء والأصجاب شعر دنياه ومناصبه؛ الغزل والنسيب وتغزله بولّادة شعر لذاته وتعيمه .

يامن يصح بمقلتيه ويسقم ضَاوتظا نم فلا أتظا

فالحسن بينهما مضيء مظلم

لوأنني أشكو على من يرحم

وله؛ وقد قال صاحب الذخيرة إنه كتب بها من يطليوس أيام تكدره

عليهاء وهي من غرر نظامه ودرر كلامه :

يادمع صب ما شئت شعت أن تصويبا إن الرزايا أصيحت ضرويا قد ملا الشوق الحشا ثدوبا ليت القبولأحدئت هبوبا بالأفق المهدي إلينا طيبا يبره حر الكبدالمشبوبا فشوقا قد سكم التخريبا

ويا فؤدي أنأن تذوبا لمأرلي في أهلها ضريبا في الغرب إن رحت به غريبا أضنى الضنئا إذ أبعد الطبيبا ريح يروح عهدها قريبا تعطرت منهالتصبا جنويا يامتبعًااسادهالتأويبا أما سمعت المثل المضروبا

إلخ. . وقال من أخرى: أنت معنى الضنى وسر الضلوع أنت والشمس ضَرّتان ولكن ليس بالمؤيسي تكلفك العق إنماأنتء والحسودمُعنى وقال: ما جال بعدك لحظي في سنا القمر ولا استطلت زمام الليل من أسف يا ليت ذاك السواد الجون متصل جمعت معنى الهرى في لحظ طرفك لي

وسبيل الهوى وقصد الدموع لك عند الغروب فضل الطلوع ب دلالّا من الرضا المطبوع كوكب يستقيم بعد الرجوع

إلا ذكرتك ذكرالعين بالأئر قداستعار سواد القلب والبصر إن الحوار لمفهوم من الحور

هذه نماذج قليلة من شعره المرقص المطربء أما نثره فألطف ما وصفوه به أنه أقرب إلى الشعر. ولس معنى هذا أن فيه ما يعاب وهو على كل أحط من شعره وفيه التكلف ماثل أحيانًا. وقد ملأ بعض رسائله بمسائل تاريخية وإشارات أدبية ومنازع هزلية وجدية» شرحها الشراح ودلوا على ما فيها من

لمع أدبية وغيرها.

وهذه رسالة كتب بها إلى رئيسه أبي الوليد بن جهور من ملوك الطوائف بالأندلس (447) يستعطفه لما كان في اعتقاله:

يا نولاي وسيدي الذي ودادي له واعتمادي عليه واعتدادي به ومن أبقاه الله ماضي حدّ العزم» واري زند الأمل؛ ثابت عهد النعمة.

إذا سلبتني أعزك الله لباس إنعامك» وعطلتني من حلي إيناسك» وأظمأتني إلى برود إسعافك» ونفضت بي كف حياطتك» وغضضت عني طرف

٠‏ ابن زيدون

حمايتك» بعد أن نظر الأعمى إلى تأميلي لك؛ وسمع الأصم ثنائي عليك» وأحسٌ الجماد باستنادي إليك» فلا غرو فقد يغص الماءٌ شاربهء ويقثل الدواء المستشفي بهء ويؤتى الحذر من مأمنه؛ وتكون منية المتمني في أمنيته؛ #والحين قد يسبق جهد الحريص». كل المصائب قد تمرٌّ على الفتى ١‏ وتهون غير شماتةالحساد وإني لأتجلد وأري الشامتين «أني لريب الدهر لا أتضعضع؛ فأقول: هل أنا إلا يد أدماها سوارهاء وجبين عض به إكليله» ومشرفي ألصقه بالأرض صاقلهء وسمهري عرضه على النار مثقفه» وعبد ذهب به سيده مذهب الذي يقول: فقّساليزدجرا ومن يك حازمًا فليَّفْس أحيانًا على منيرحم هذا العتب محهود عواقبه» وهله النَبُوة غمرة ثم تنجلي: وهذه النكبة «سحابة صيف عن قليل تقشع؟. ولن يريبني من سيدي إن أبطأ سحابه؛ أو تأخر غير ضنين غناؤه» فأبطأ الدلاء فيضًا أملؤهاء وأثقل السحاب مشيًا أحفلهاء وأنفع الحيا ما صادف جدبّاء وألذ الشراب ما أصاب غليلًا» ومع اليوم غدء ولكل أجل كتاب. له الحمد على اغتباله» ولا عتب عليه في إغفاله. وإن يكن الفعل الذي ساءً واحدًّا فأفعالهاللاتي سررن ألوف وأعود فأقول: ما هذا الذنب الذي لم يسعه غفوك؛ والجهل الذي لم يأت من ورائه حلمك». والتطاول الذي لم يستغرقه تطولك» والتحامل الذي لم يف به احتمالك. لا أخلو من أن أكون بريئًا فأين عدلك؛ أو مسيئًا فأين فضلك. إلا يكن دَلبٌ فعدلك واسعم أو كان لي ذَنْبٌ ففضلك أوسع حنانيك قد بلغ السيل الّبى» ونالئي ما حسبي به وكفى» وما أرائي إلا لو أمرت بالسجود لآدم فأبيتٌ واستكبرت» وقال لي نوح اركب معنا فقلت: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء؛ وأمرّت ببناء صرح لعلي أظلع إلى إله

موسى» وعكفتٌ على العجل» واعتديتٌ في السبت» وتعاطيتٌ فعقرت» وشربتٌ من النهر الذي ابِتُلِىَ به جيوش طالوت. وقُدْتٌ الفيل لأبرهة. وعاهدت قريشًا على ما في الصحيفةء وتأوّلت في بيعة العقبة» ونفرت إلى العير ببدر» وانخذلتٌ بثلث الئاس يوم أحدء وتخلّفتٌ عن صلاة العصر في بني قريظة» .وجئت بالإفك على عائشة الصديقة» وأنفت من إمارة أسامة» وزعمت أن خلافة أبي بكر كانت فَلْتَة» ورؤيت رمحي من كتبية خالد» ومزقت الأديم الذي باركت يد الله عليه؛ وضحيت بالأشمط الذي عنوان المسجود به» وبذلت لقطام ثلاثةآلان رعبدوقينة وضرب علي بالحسام المصمم

. .. والله ما غششتك بعد النصيحة» ولا انحرفت عنك بعد.الصاغية» ولا نصبت لك بعد التشيع فيك؛ ولا أزمعت يأسًا منك مع ضمان تكلفت به الثقة عنك» وعهد أخذه حسن الظن بك» ففيم عبث الجفاء بأزمتي» وعاث العقوق في مواتي» وتمكن الضياع من رسائلي» ولم ضاقت منه أهبتي؛ وأكدت مطالبي» وعلام رضيت من المركب بالتعليق بل من الغنيمة بالإياب» وإني غلبني المغلب». وفخر علي العاجز الضعيف. ولطمتني غير ذات سوار. ومالك لم تمنع مني قبل أن افترس» وتدركني ولما أمزق» أم كيف لا تنضرم جوانح الأكفاء حسدًا لي على الخصوص بك وتنقطع أنفاس النظراء منافسة في الكرامة عليك» وقد زانني اسم خدمتك؛ وزهاني رسم نعمتك» وأبليت البلاء الجميل في سماطك» وقمت المقام المحمود في بساطك.

والرسالة مطولة اكتفينا منها بهذا دلالة على أسلوب ابن زيدون في النثر.

وله رسالة خباطب بها أبا مروان بن حيّان مؤرخ الأندلس وقد أهداه أخمالا من الزيت والبُرٌ في سنة ممحلة قال في فصل منها: والذي أسكن إليه من حسن قبولك وجميل تأويلك؛ أقابل بالحقير وأواجه بالتافه اليسير ويعلم الله تعالى أني لو ناصفتك عمري ما رأيت أن ذلك كفؤ بقدرك ولا وفاء ببرك

فكيف ما دونهء فلك المنزلة التي لا تسامى» والجلالة التي لا توازى» وما شيء وإن جل إلا محتقر لك مستصغر عند محلك. ويصل مع موصل كتابي هذا ما ثبت ذكره في المدرجة طيه وأنت بمعاليك تتفضل بقبوله وتصل أجمل صلة بالتغاضي عن رتاحته (؟) والاستجازة لنزارته؛ مقتضيًا بذلك شكري وحمدي» ومستبدًا منهما بجميع ما عندي.

قد يسأل من تلا هذه النموذجات القليلة من نظم ابن زيدون ونثره واطلع على جانب من حياته السياسية: هل كان اشتهازه بشعره النادر أم كان بما

اضوو

ساس من أمور الملك وتئقل بين صاحبَئ قرطبة وإشبيلية يجالس الملوك في خلواتهم ويصيرونه في خواصهم وصحابتهم ويسفر لهم في مهماتهم ثم يغضبون عليه ويعتقلونه أو يصبح طريدًا شريدًا؟ الأرجح أن استفاضة شهرته أتت من حبّه واد والأرجح أن غرامه بها زاد في طلاوة أدبه. ومتى أدرك الكائب والشاعر أن كلامه سيتلوه من يعجب به يتأنق فيه إلى التي ليس بعدها ويمده الله بمدد لا يدرك سره.

قالوا: إن عبث الأغنياء وموت الفقراء لا يّحَسٌ بهماء وعبث أبي الوليد اشتهر وذاع وملا القلوب والأسماعء فكان في ذلك سعادته بأدبه حيّا وميئّاء وكذلك كان شأن عمر بن أبي ربيعة. سبحانه خَصٌّ من شاء بما شاء.

723

25 ماك

إلقه عبد القاهر الجرجاني

ابو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن وقيل ابن عبد الواحد (50 سس 895)

خلاصة ما قال فيه مترجموه: أنه كان من كبار أئمة العربية أخذها عن أبي الحسين الفارسي النحوي ابن أخت أبي علي الفارسي» وقرأ على القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني واغترف من بحره» وكان إذا ذكره في كتبه تبخبخ به وشمخ بأنفه بالانتماء إليه؛ وكان يُرحل إليه من الآفاقء ولَّقّب بالنحويء» وقال صاحب الطراز: إنه عُلّم المحقّقين» وأول من أسس قواعد علم البلاغة» وفكٌ قيد الغرائب بالتقييد» وفتح أزهاره من أكمامهاء وفتق أزراره بعد استغلاقها واستبهامها. وقالوا إنه شافعي المذهب متكلّمٌ على طريقة الأشعري مع تديّن وورع» ولم يخرج من بلده. وقالوا: إنه كتب كتبّا في النحو منها شرح الإيضاح في ثلاثين مجلدًا وله غيره. وأهم كتبه المطبوعة: «دلائل الإعجاز» و«أسرار البلاغة» وبهما خلد اسمه في عالم الأدب. ودلائل الإعجاز صحيفة من الأدب العالي لم يُكْتّبٍ البيان ولا النحو ولا الفقه بمثل هذا اللسان العذب. ولا نجازف إذا قلنا إن جودة كلام عبد القاهر في تقرير القواعد والدساتير قل أن يدانيه فيه أحد من المصنفين» ونعني بالمصنفين أرباب التواليف في قرون ازدهار اللغة والكتابة. تظن نفسك وأنت تتلو فصلا من دلائل الإعجاز أنك في كتاب أدب كيب بسلاسة وعذوبة لا في كتاب عِلْم جافٌ يقرر حقائق ويأتي بمسائل فيحلهاء ويناقش مخالفيه ويغضب منهم ويغضبهمء ويورد من الأمثلة ما يؤيد دعواه. وربما لا نعدو الحق إذا قلنا: إن

١‏ -. عبد القاهر الجرجاني

عبد القاهر كاتب القرن الخامس. وهو أكتّبٌ من صديقه جار الله الرمخشري» فجار الله إنما اشتغل بمتن اللغة كثيراء وهذا انصرف إلى البيان والتبيين وجمع بين صحة المبانى وجودة المعانى. وخصلة أخرى وهى أنك إذا قرأت صفحة من دلائل الإعجاز تعتقد لساعتك أن المؤلف من الرعيل الذين همضموا ما تعلمواء وعرفوا كيف يحملونه إلى من يحاولون تعليمهم.

كان الجرجاني ينظم الشعر في يعض ما تتأثر به نفسهء وعَرَفْنا بالقليل الذي رَوَوْه عنه أنه كان حانقًا على الأيام متبرّمًا بأهل زمانه. فمما عزوه إليه

وهو مشهور قوله:

2 : 4 كبر على العلم يا خليلي وفك بيدا" تفكن سيحيدا

ومل إلى الجهل ميل هائم فالشّغْد في طالغ البهائم

وله في شكاية أبناء الزمان واستيلاء نقصهم على فضله :

وله أيضًا: لايوحشنك أنهم ماارتاحوا فهم كقوم عُلَّقَتُ بإزائهم ومن شعره: لا تأمنالنفثةمن شاعر فإنذمنيمدحكم كاذبًا

ءة توغ الستانة والتسصيبالة إلاو»عتمهالنتذالة

مماجلاهعليهم المداح بيض المرائي والوجوه قباح

مادام حيًّا سالمّاناطقا

يحسن أن يهجوكم صادقا

ذكروا له شعره ؤولم يذكروا كتابته» وكتابته هي موضع السمو فيه» ذلك

(؟) وفي المصدر نفسه: حمارّاء بدل بليدًا.

كتوز الأجداد

لأنه لم يتولٌ من أعمال السلطان ما تكتب له به شهرة» وجرت عادة أصحاب التراجم أن يهتموا أبدًا بتلقط شعر المترجم لهم أكثر من اهتمامهم بالتقاط نثر الناثرين وكتابة المنشئين.

ومن كلامه يصف كساد سوق الفضل في عصره: «ثم إنا وإن كنا في زمان هو على ما هو عليه من إحالة الأمور عن جهاتهاء وتحويل الأشياء عن حالاتهاء ونقل النفوس عن طباعهاء وقلب الحقائق المحموذة إلى أضدادهاء ودهر ليس للفضل وأهله لديه إلا الشر صرفاء والغيظ بحتّاء وإلا ما يدهش عقولهم. ويسلبهم معقولهم» حتى صار أعجز الناس رأيًا عند الجميع من كانت له همة في أن يستفيد علمّاء أو يزداد فهماء أو يكتسب فضلاء أو يجعل له ذلك بحال شغلا؟.

الازدواج في كلام عيد القادر أكثر من السجع» وإذا سجع فسجعه ينطوي على معنى آخر قد لا تجده في السجعة الأولى» ورصف الألفاظ ومتانة التراكيب هو محل العجب في كلامه. ونرى أن عدم التكلف في إرسال جمله هو الذي سلس به بيانه. انظر إليه يقول في وصف إعجاز القرآن لا يخرج عما يقوله في درس أو يحاور به شخصًا: فإذا كنت لا تشك في أن لا معنى لبقاء المعجزة بالقرآن إلا أن الوصف الذي له كان معجرًا قائم فيه أبدًا وأن الطريق إلى العلم به موجود والوصول إليه ممكن فانظر أيّ رجل تكون إذا أنت زهدت في أن تعرف حجة الله تعالى» وآثرت الجهل فيه على العلم» وعدم الاستبانة على وجودهاء وكان التقليد فيها أحب إليك» والتعويل على علم غيره آثر لديك. ونح الهوى عنك» وراجع عقلك؛ واصدقٌ نفسكه يَبِنْ لك فحش الغلط فيما رأيت» وقيح الخطأ الذي توهمت. وهل رأيت رأيًا أعجزء واخختيارًا أقبح» ممن كره أن تعرف حجة الله تعالى» من الجهة التي إذا عرفت عنها كانت أنور وأبهر» وأقوى وأقهرء وآثر أَلّا يقرى سلطانها على الشرك كل القوة ولا تعلو على الكفر كل العلو.

- عبد القاهر الجرجاني

ونختم الكلام في هذا العظيم» ونحن معترفون بالعجز عن توفيته بععض حقهء بقوله في خلط بعض المفسرين في عدم التفريق بين الحقيقة والمجاز في الألفاظ قال: ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير علم أن تومّموا أبدًا في الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل أنها على ظواهرها فيفسدوا المعتى بذلك ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسهم والسامع منهم العلم بموضوع البلاغة وبمكان الشرف» وناهيك بهم إذا هم أخذوا في ذكر الوجوه وجعلوا يكثرون في غير طائل. هناك ترى ما شئت من باب. جهل قد فتحوه» وزند ضلالة قد قدحوا به.

5

0 أبو عبيد البكري

عبد الله بن عبد العزيرٌ بن محمد (47غ)

كان جدّه قاضيًا في لَبْلةَ وأبوه من الأمراءء وكان قائدًا فى شلطيش وأوئْية من قواد الخليفة الأموي هشام المؤيد. ولما سقطت دولته ولم يستطع أينه عبد العزيز بعده أن يعصي أمير إشبيلية المعتضد» وكان هذا يرمي إلى توحيد إمارات الأندلس بأسرهاء قَرّ من شلطيش بذخائره سرًا ومعه ابنه عبد الله ثم اعتصم بقرطبة. وفي هذه المدينة نشأ أبو عبيد وأتم ثقافته على أعاظم علماء تلك الحاضرة. ثم اتصل بأمير المّرِيّة وتصرّف لهء وفيها أخذ عن ابن حيان مؤرخ الأندلس وَسَّفْرَ عن صاحب المريّة» ولما استولى المرابطون على الأندلس اعتزل العمل في قرطبة وانصرف إلى العلم والتأليف.

اشتّهر البكري بالشعرء ومعظم شهرته بأبحاثه اللغوية والجغرافية والأدبية والتاريخية. قال ابن مكتوم: إنه من أهل شلطيش سكن قرطبة يكنى أبا عبيد؛ روى عن أبي مروان ين حيان وأبي بكر المصحفي وأبي العباس العذري» سمع منه بالمريّة» وأجاز له أبو عمر بن عبد البر الحافظ وغيرهم» وكان من أهل اللغة والآداب الواسعة والمعرفة بمعاني الشعر والغريب والأنساب والأخبار متقنًا لما قيدهء ضابظًا لما كتبه» جميل الكتبء مهتمًا بهاء يُمسكها في ثياب الشَّرْب (أي الرقيق من الكتان) وغيرها إكرامًا لها وصيانة. رواه ابن يُشكوال.

وترجمه الفتح بن خاقان في قلائد العقيان بما صورته: عالم الأوان

ومصئّفه» ومقرط البيان ومشئفهء بتواليف كأنها الخرائدء» وتصانيفف أبهى من القلائدء حلّى يها من الزمان عاطلاء وأرسل بها غمام الإحسان هاطلاء وَضَعَها في فئون مختلفة وأنواع» وأقطعها ما شاء من إتقان وإبداع. وأما الأدب فهو كان منتهاه. ومحل سّهاه وقطب مداره»ء وقَلّك تمامه وإبداره. وكان كل ملك من ملوك الأندلس يتهاداه تهادي المقل للكرىء والآذان للبشرى» على هَُنَاتِ كانت فيه فإنه رحمه الله مباكر للراح ولا يصبحو من خمارهاء ولا يمحو رسم إذمانه من مضمارهاء ولا يُريح إلا على تعاطيهاء ولا يستريح إلا على معاطيهاء قد اتخذ إدمانها هَجيره» ونيظذ من الإقلاع عنها نبذ عاصم بن الأيمن مجيرهء فإذا حان انقراض شعبان وانصرامه كانت فيه مستبشعة الذكرء مستشنعة التكرء تمجّها: الأوهام والخواطرء.. ويثبتها السماع المتواتر.

وقد أثبت ما يشهد لك بتقدمه: ويريك منتهى قلمه. رأيته وأنا غلام ما أقمر هلالي» ولا نبع في الذكاء كوثري ولا زلالي؛: في مجلس ابن منظورء وهو في هيئة كأنما كسيت بالبهاء والنور؛ وله سَبّلة يروق العيون إيماضهاء ويغرق السوادً بياضّهاء وقد بلغ سن ابن محلم» وهو يتكلم فيغوق كل متكلم. فجرى ذكر أبن مقلة وخطه» وأفيض في رفعه وحطه فقال: خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ودّت جوارحه لو أصيحت مقلا فالدر يصفرٌ لاستحسانه حسدًا والورديّحمرٌ من إبداعه خجلا

وله فصل في كتاب راجع به الفقيه الأستاذ أبا الجسن بن دري رحمهما

الله :

وتالله أني لأطعم. جَنَى معجاورتك فيقف في اللّهاةء وأجد لتخيل مجالستك ما يجده الغريق للنجاة؛ وأعتقد في مجاورتك ما يعتقده الجبان في الحياة.

متى تخطئ الأيام فيّ بأن أرى بغيضًا ينائي أو حبيبًا يقرب

كنوز الأجداد

ورأيت رغبتك في الكتاب الذي لم يتحرر ولم يتهذبء. وكيف التفرغٌ لقضاء أرب» والتشاط قد ولى وذهب» فما أجده إلا كما قيل:

وبعد فقد رأيت مما ترجم له صاحب القلائد كيف طعن عليه لإدمانه ابنة العنقود» وكيف شهد ضمنًا بأنه يمتنع عن تعاطيها في شهر رمضان أي إنه مؤمن بخطيئته. والغالب أن طول عشرته للملوك والأمراء جنت عليه من هذه الناحية فزادته غراما بالخمرء وحسناته الكثيرة تغفر له هذه الزلة؛ ولو لم يكن من كبار العلماء ما كانت تعد شيئًا يذكرء والسكارى أكثر من الصحاة.

وأهم ما وضع أبو عبيد من التآليف معجم ما استعجم ذكر فيه جملة ما ورد في الحديث والأخبار والتواريخ والأسفار من المنازل والديار والقرى والأمصار والجبال والآثار والمياه والآبار والدارات والحرار منسوبة محدودة. وأفاض في المقدمة في الكلام على جزيرة العرب وحدودها وقبائلها وما إلى ذلك من الفوائد الجغرافية واللغوية والنحوية. وعده السيوطي في النحاة وترجم له في طبقاتهم.

رتّب أبو: عبيد معجمه على حروف أبي جاد: وهي طريقة المغاربة في المعاجم وغيرها؛ وذلك لتسهل عليه المبالغة في التنقيح في كل صفحة من صفجاته ولكتابه من أسمه نصيبي (معجم ما استعجم) وكان» كما قال أحد البلدان وشعراء الأقدمين والحديث. وعلق أستاذنا طاهر الجزائري على نسختنا أن عدد الأسماء التي في هذا المعجم نحو .4٠٠١‏ وأما الأبيات فهي

ورّزق أبو يبك تحطلاً كبيرًا من النقد يشهد له مججمه الذي طبّقت الآفاق شهرئُّهء وكان آيةٌ تدقيقه وضبطهء وكذلك كان كتابه «التنبيه على أوهام أبي على فى أماليه؛ تَقَدَ فيه أمالى أبي علي القالي» وفيه أيضًا مثال من أدبه الجمء

قال في مقدمته: «هذا كتاب نبّهت فيه على أوهام أبي علي في أماليه تنبيه المنصف لا المتعسف ولا المعاند» محتجًا على جميع ذلك بالشاهد والدليل. فإني رأيت من تولّى مثل هذا من الرد على العلماء؛ والإصلاح لأغلاطهم والتنبيه على أوهامهم» لم يعدل في كثير مما رده عليهم» ولا أنصف في جمل مما نُسب إليهم: وأبو علي رحمه الله من الحفظ وسعة العلم والتبل» ومن الثقة في الضبط والنقل» بالمحل الذي لا يُجَهَل؛ وبحيث يقصر عنه من الثناء الأحفل» ولكن البشر غير معصومين من الزلل؛ ولا مبرّئين من الوهم والخطل» والعالم من عدت هفوانه» وأحصيت سُقّطاته. وكفى المرء نبلا أن تَعَلَّ معايبه». وبهذا الأدب نقد ذاك الروايةٌ العظيم المشهود له في كل نادٍ فدلٌ أيضًا على صفاء نفسه وعالي خُلقِه.

هذا غاية ما عرف من سيرة فريد قطره ووحيد فنّهء ابن الأندلس العظيم في عهد تردّيها السياسي» وقد وقاه الله شر السياسة فلم ينغمس فيها كما انغمس أجدادهء فأحبه ملوكهم وأخذوا يتهادونه» ووسيلته إليهم بل وسيلتهم إليه أدبه وعلمه. أَلِفَنْهِ نفوسهم واغتبطوا بمنادمته فأعطى لكل عمل وقته» حقّق وأجاد في تحقيقه؛ وأبدع فأحسن في إبداعه» لا تقول وأنت تنظر في موضوعاته وهي مما لا تقبله كل الأذواق إلا أنك في صحابة رجل جذَّاب الحديث يأخذ كلامة بمجامع القلوب وأنه تمكل ما حمل عن أولثك العظماءء ولا سيما ابن حيان مؤرخ الأندلس وكاتبه الأكتب. وإذا لم تكتب له الشهرة من طريق السياسة وفيها ما فيها من إضاعة العمر على الأكثرء فقد كُتبت له الشهرة بتأليفه: وكنت بيئته صالحة كل الصلاح لمن كان في مثل حاله من المؤلفين» عرف ما عند المشايخ وما عند الخاصة والعامة وما عند الملوك والعظماء ووقف على ما يجري في مجالسهم وما تّجول فيه أفكارهم.

تممدهجمى

)0 الراغب الأصفهاني

الحسين بن محمد )6.0

لاتصال العلماء والأدباء يرجال السلطان وتصرفهم لهم في القضاء والعمالات أو تقريهم منهم بالمنادمة والتأديب والشعر دخلّ كبير في استفاضة شهرتهم وتنائل آرائهم وتآليفهم. وكم من عظيم لم يتولٌ قضاء ولا عملا للدولة بقى على خمول لا يكاد يشعر بهء ولا يعرفه غير بعض أبناء حيّه؛ ومنهم على ما يظهر الراغب الأصفهاني.

لم يترجم له حتى أصحاب الطبقات من أهل مذهبه» وغاية ما اتصل بنا من أخباره: أنه كان صاحب لغة وعربية وحديث وشعر وكتابة وأخلاق وحكمة» وأنه عارف بعلوم الأوائل وغير ذلكء» وأنه كان مقبولًا عند الخاصة والعامة ومن أئمة السنة شافعي المذهبء وقرنوه بالغزالي» وقيل عن الغزالي كان يستصحب كتايه الذريعة ويستحسنه لنفاستهء وأن القاضى البيضاوي اعتمد على كتابه مفردات الراغب في التفسير. ١‏

أما أين قرأ الراغب وعمن أخذء وكيف نبغ وكيف نفع إلى غير ذلك من خصائصه وحليته ورحلته فمل نقف على شيء منه يبل الغُلّة. وكانت أصفهان في أيامه عُشْنٌ العلماء والأئمة على ما كانت نيسابور» لم تكد تخرج مدينة من المدن في فارس أمثالهم في كل فن ولا سيما الحديث وحفاظه على أننا لا نعرف إن كان الراغب نشأ في تلك المدينة الجميلة أم أنها موطن أسرته وهو عاش في مدينة أخرى من فارس .

الراغب الأصفهاني

وكأن لسان الحال نادى من غفلوا أو تغافلوا عن التنويه به في كتبهم: إنكم يا هؤلاء إذا أهماتموني فالقدرة تعلّقت بِأنْ تناقلَ الناس كتبي وانتفعوا بها في مختلف الأعصار والأقطار. وهل يستغني طالب الوقوف على أسرار التنزيل عن الأخذ من كتابه «المفردات في غريب القرآن»» وقد شاع بين الناس باسم «مفردات الراغب؛؟ وهل تسد حاجة المتفقّه بغير كتابه «الذريعة إلى مكارم الشريعة» إذا أراد الجمع بين أحكام الشرع ومكارمه علمًا وعملًا؟ وهل يتم أدب المتأدّب إذا لم يأخذ من كتابه #محاضرات الأدباء ومحاولات الشعراء والبلغاء؟ الذي أطلق عليه الناس اسم «محاضرات الراغب» تخفيفا فاقترن باسمه على الدهر؟ وهل المتعلم في غنية عن مدارسة كتابه «تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين؟.

الراغب لا يتكلم عن نفسه؛ بل ينقل في العلم والأدب ‏ اللهم إذا حكمنا عليه بما بقي لنا من ممتع تراثه هذاء وهي الكتب الأربعة السابقة د كلام من تقدمه ويضع الدساتير ويختط الخططء وقد امتاز بأن العقل يتجلَّى في سطوره؛ء فهو من أعظم العلماء الذين يحسنون استخراج الآي من القرآن ويوردونها عند الاقتضاء دليلا على ما يريدون الإفاضة فيه. ومن أعظم من طبقرا الحكمة أي علم العقل على الشرعء كما امتاز بتنسيق فصول كتبه وسهولة عبارتها مع بلاغتهاء واقتصاره في تقريره على ما يجب أن يبقى في الذهن ولا تعافه النفس لطوله ولفه ودورانه.

يقول لك الراغب في المفردات: «إن أول ما يحتاج أن يُشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية؛ ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل. المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بئاءِ ما يريد أن يبنيه» وليس ذلك نافعًا في علوم القرآن فقطء بل هو نافع في كل علم من علوم الشرعء فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمهء وعليها

كنوز الأجداد

اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكمهمء وإليها مَفْرِع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم. ..»

ويقول لك في الذريعة: إنه باكتساب المكرمة يستحق الإنسان أن يوصف بكونه خليفة الله تعالى المعني بقوله تعالى : إن الى الأ خيكة» . وبقوله تعالى: 0 ضٍِ فَيَدظرَ كيف تَعْمَلُونَ» وبقوله تعالى: دغر الى جَتلَك عليك الأرض ريق يتم دَدَ بنضى تيكس إَنتلخ فى نآ > 0 خلافة 0 بطهارة النفس كما أن أشرف العبادات لا تصح إلا بطهارة الجسم .

ويقول لك في تفصيل النشأتين: *إن العقل لن يهتدي إلا بالشرع والشرع لا يتبيّن إلا بالعقل» فالعقل كالأمنّ والشرع كالبناء» ولن يغني أس ما لم يكن بناء» ولن يثبت بناء ما لم يكن أس. وأيضًا : فالعقل كالبصر والشرع كالشعاع. لسوتي الفحر نا لعن شماع فرع ار ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصرء 0 قال الله تعالى: طيَكآمْلَّ لسكب هَدْ جَادكُ رَسْومًا 0 ا ا يَمَدِى به أله مي أتبَعَ رضواكة شق الل وَيَحْرِجهُم ع اش رك ألنُورٍ يإِذْنْقِ وَيهَدِيهِرْ وأيضًا: فالعقل كالسراج والشرع كالزيت الذي يمده؛ ذل كات لم بل الساع ونال بك سر ل لوت قال الله تعالى : هله وُرُ اتوت وَلَايضٍ مكل روه كيفكزز فيا مِسَبَاة اح الْيِصَبَامُ ا 6 6 شي ع كع رسكو ل 1 تو هه يَكدُ با جِى؛ وَلَرْ كز تنسحة مَادٌ وُرٌ عَلَ هر جدى أَنَهُ يري من يتنه والله ل لباك وأيضًا: فالشرع عقل من خارج» والعقل شرع من داخل وهما متعاضدان بل متحدان؛ ولكون الشرع عقلا من خارج سلب الله تعالى اسم العقل من الكافر في غير موضع من القرآن نحو قوله: ظأحُم بكم عدئ هه لا

؟ ‏ الرا. اغب الأصفهاني _

4 ولكون العقل شرعًا من داخل قال في وصف العقل: ار لي قْطر النّاس علب ل يدل لَِلْقٍ أله ديلت التيك لْقَيَمْ © فسمى العقل دِينّاء ولكونهما متحدّيّن قال: «نُورٌ عل نُْرِ» أي: نور الشرع ونور العقل» ثم قال: «مترى أله لَهُ لور من يَنَا3ُ» فجعلهما نورًا واحدّاء فالشرع إذا فقد العقل عجز عن أكثر الأمور عجز العين عند فقد الشعاع».

بَيْنا يقول لك هذا إذا به في محاضراته أديبٌ لا يتورّع عن نقل كل ما ندعوه بالأدب الواقع أو المكشوف في جملة ما ينقل من فرائد الشعر وبتيمات النثر» هو هناك أديب على أكمل وجه عرف به أديب ويقول: «ومن لا يتحلى في مجلس اللهو إلا بمعرفة اللغة والنحو كان من الحصر صورة ممثلة أو بهيمة مهملة» ومن لا يتبع طرفًا من الفضائل المخلدة من ألسئة الأوائل كان ناقص العقل .

ويبدأ كتابه بباب العقل والعلم. فهو معلّمٌ صادق في كل ما كتب لا يحب التزمّت ويبعد عن التَّقِية» ويلقّنك ما يعتقد صحته وفصاحته بدون مواربة. كتب كتابه هذا لأمير من أولئك الأمراء على ما يظهر وخاطبه بسيدنا عمر الله بمكانه مرابع الكرم» ليجعل هذه المحاضرات «صيقل الفهم ومادة العلم» لأنه كان ممن سلك في زمانه طريقًا قلَّ سالكوهء جعل مراعاة الأدب شعاره ودثاره.

قالوا: إن فضل الراغب» صاحب اللغة والعربية والحديث والشعر والكتابة والأخلاق والحكمة وعلوم الأوائل وغير ذلك» أشهر من أن يوصف. وفي اروضات الجنات»: كفاه منقبة أن له قبول العامة والخاصة أي: أهل السنة والشيعة.

هذه نتفة من سيرة عظيم الشرع ونابغة العقل» ولم نعرفه إلا كما عرفنا أكثر العلماء؛ مثلوهم لأعيننا كبارًا من أول يوم وما وقفوا على بيوتهم ونشأتهم ودراستهم وشيوخهم ومعاشهم وصفاتهم وما وقع لهم من الأحداث في حياتهم مما كانوا لا يرون فيه كبير أمر وممن لا نتصور الرجال إلا به.

32 © 2ك.

ليه العَرّائي

أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي زه6.6)

من الرواة من يُشْدّدون الزاي من الغزالي ومنهم من يخمّفها وهي الرواية الشائعة. ولد أبو حامد بطوس من بلاد خراسان سنة خمسين وأربعمئة» وقيل: إنه ولد في غزالة من أعمال طوس » وقيل : كان والده يغزل الصوف. ويبيعه. وحرص الأب على أن يكون ابنه فقيهًا لحبه الفقهاء واختلاطه بهمء وأوصى به وبأخيه أحد الصوفية وقال: إنه يأسف أسمًا عظيمًا على عدم تعلمه الخط وأشتهي استدراك ما فاتني في ولديّ هذين» فَعَلْمْهِما ولا عليك أن تنفذ جميع ما أخلفه لهما. فلما مات أقبل الصوفي على تعليمهما إلى أن فني المال فجعلهما في مدرسة ليحصلا على قوتهما. وكان الغزالي يحكي هذا ويقول: طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله.

قرا أبو حامد في صباه طرفًا صالحًا من الفقه ببلده ثم سافر إلى جرجان واتصل بأبي نصر الإسماعيلي» وعلق عنه التعليقة» ثم رجع إلى طوس» ثم قدم نيسابور ولازم إمام الحرمين : ونبغ في أيام أستاذه» هذا وصدّف وهو شاب. قال سبط ابن الجوزي: وتفقّه على أبي المعالي الجويني وبرع في النظر في مدة قريبة وفاق الأقران وتوجد وصنف الكتب الحسان في الأصول والفروع التي تفرد بحسن وضعها وترتيبها وتحقيق الكلام فيها حتى إنه صنف في حياة أستاذه الجريني فنظر في كتابه المسمى بالمنحول فقال: دفنتني وأنا حي » مل صبرت حتى أموت» وأراد أن كتابك قد غمّلى على كتابي. ولما

غ؟ ‏ القدًا 2 القدالية ا ا د 14

هلك أستاذه قصد الوزير نظام الملك؛ وكان مجلسه مجمع أهل العلم وملاذهم» فناظر العلماء فاعترفوا بفضله فولاه التدريس في المدرسة النظامية ببغداد فُقَدِمها في سنة ة أربع وثمانين وأربعمئة: فأعجب الخلقٌ حَسَنٌ كلامه وكمال فضله وفصاحته. وبعد سنين قضاها في النظامية خرج إلى الحج ودخل دمشق وبيت المقدسء ثم عاد إلى جلّق وأخذ يطوف الأصقاع؛ فدخل مصر وتوجّه منها إلى الإسكندرية فأقام بها مدة حاول على ما يظهر أن يركب البحر من الإسكندرية إلى المغرب ليلتحق بابن تومرت صاحب الدولة هناك. وكان جاء العراق وأخذ عن أبي حامد مذهب الأشعري» فلما عاد إلى المغرب قام في المصامدة يفقههم ويعلمهم. فلما بلغت أيا حامد وفاة ابن تومرت رجع. وقيل: إن الغزالي كان يُبُطن مذهبًا سياسيًا أراد أن يتعاون مع تلميذه ابن تومرت على تحقيقه خدمة للدين أو بغية قيام دولة فتية. وعاد أبو حامد إلى نيسابور ودرس مدة بالمدرسة النظامية» ثم رجع إلى طوس واتخذ إلى جانب داره مدرسة للفقهاء وخانقاهًا للصوفية» ووزع أوقاته على وظائف من تلاوة القرآن ومجالسة أرياب القلوبٍ وتدريس طلبة العلم» إلى أن انتقل إلى جوار ربه.

لق الغزالي صوقيًا ومارس التصوف زمئاء و لعن العلم كلب عليه لبر في الفقه والكلام والفلسفة» ورّزق لسانًا بليعًا وقلمًا سيالا وحافظة نادرة وذاكرة واعية وجرأة لا يَنِي معها عن الصدع بالحق الذي عرفه» والنور الذي قُذف في قلبه» وكثيرًا ما نعى على علماء السوء الذين نافقوا في دينهم» وتقرّبوا من الأمراء والسلاطين بالعبث بالدنيا والدين. وإِنَّ رجلا يحضر مجلس درسه في النظاهية ببغداد ثلثمئة عالم من الأعيان المدرسين» وأكثر من مئة من أبناء الأمراءء لأهل أن يُمْسّد ويُسَعَى به إلى الملوك.

ولقد طَعَنَ في بعض كتبه المصِتّفة في أسرار المعاملات فقام المشاغيون يزعمون أن فيها ما يخالف مذهب الأصحاب المتقدمين والمشايخ المتكلمين

كتوز الأجداد

وقالوا: إن العدول عن مذهب الأشعري ولو في قيد شبرٍ كفرٌء ومباينته ولو في شيءٍ نزر ضلالٌ وحُْسْرء فكتب رسالة «التفرقة بين الإسلام والزندقة». ومما قال فيها: «واستحقر من لا يُحسد ولا يُقذف» واستصغر من بالكفر أو الضلال لا يُعرف». فأي داع أكمل وأعقل من سيد المرسلين ككلِهِ وقد قالوا: إنه مجنون من المجانين» وأي كلام أجل وأصدق من كلام رب العالمين وقد قالوا: إنه أساطير الأولين. وإياك أن تشتغل بخصامهم» وتطمع في إفحامهم: فتطمع في غير مطمعء وتصوّت فَنٍ غير مسمعء أما. سمعت ما قيل : كل العداوة قد ترجى سلامتها إلا عداوةٌ من عاداك من حسد

قيل: إنه صنف الإحياء في دمشق وقت اغترايه فانتفع الخلق به لاحتوائه على أدب الشريعة بأسلوب مرتب منظم حتى قال فيه بعض المحققين: لو لم يكن للناس من الكتب التي صنفها الفقهاء الجامعون في تصانيفهم بين النقل والنظر والفكر والأثر غيره لكفى»» وغالى بعضهم ققال: لو ضاعت الشريعة لأجزأ الإحياء عنها. لا جرم أنه كتاب التربية الإسلامية العالية مشوب بقليل من التصوف والدعوة إلى مجاهدة النفس والعزوف عن الدنيا.

أملى المؤلف من ذلك أجزاءً كبيرة فيها إفاضة في كل ما أثر. ولو كان فيه الضعيف من الأثر. وكل ما فيه ينم عن فكر على أي جال طبق فيه الغابر على الجاضرء وأبدع في التأليف وتفنّن في حصر مسائل بعينها ومناقشتها. فالإحياء كتاب حمل ما جاء عن الشارع» يخلص منه قارئه إلى ما رآه مؤلفه من البدع والضلالات ورده باعتدال. ولما كان التصوف غالبا عليه خصوصًا في أخريات أيامه رشح قلمه منه بالضرورة رشحات لا يقول بأكثرها بعض الراسخين في العلم من الأقدمين والمحدثين». لأنها تزهّد الناس في الحياة» والحياة تتوقف على عمل وجهادء وهذا ما فهم من روح الشريعة. وكأن الغزالي ظَلَّبَ الكثيرٌ من المؤمنين ليصح له القليلء وهوممن لا يرى التضييق والحرجء ويقول: إن من أشد الناس غلرًا وإسرافًا طائفة من المتكلمين كمّروا عوامٌ المسلمين

وزعموا أن من لا يعرف الكلام معرفتهم » ولم يعرف العقائد الشرعية بأدلتهم التي حرروها فهو كافر. فقال: «إنهم ضيّقوا رحمة انله الواسعة على عباده أولاء وجعلوا الجنة وقفًا على شرذمة يسيرة من المتكلمين؟.

حمل الإحياء آراء كثيرة للغزالي كاد يتفرد بها منها: الشيخ في قومه كالنبي في أمتهء وليس ذلك لكثرة ماله ولا لكبر شخصه ولا لزيادة قوتهء بل لزيادة تجربته التي هي ثمرة عقله» ولذلك ترى الأتراك والأكراد وأجلاف العرب وسائر الخلق مع قرب منزلتهم من رتبة البهائم يوقرون المشايخ بالطبع. ومنها: فأكثر الناس جاهلون بالشرع في شروط الصلاة في البلاد» فكيف في القرى والبوادي ومنهم الأعراب والأكراد والتركماينة وسائر أصناف الخلق. ومنها: أن الفتوى قام بها جماعة ولا يخلو بلد من جهلة الفروض المهملة ولا يلتفت الفقهاءٍ إليها وأقربها الطب إذ لا يوجد في أكثر البلاد طبيب مسلم يجوز اعتماد شهادته فيما يعرّل فيه على قول الطبيب شرعًاء ولا يرغب أحد من الفقهاء في الاشتغال به. ومنها في الكلام على غرام بعض الفقهاء في المناظرات: ولا ترى المتناظرين يهتمون بانتقاد المسائل التي تعم البلوق بالفتوى فيها بل يطلبون الطبوليات التي تسمع فيتسع مجال الجهل فيها. أطلق الطبوليات والطبول على المسائل التي يراد بها الشهرة. ومنها: ولا ينفك المُناظر عن التكبّر على الأقران والأمثال والترفّع إلى فوق قدرهء حتى إنهم ليتقاتلون على مجلس من المجالس يتنافسون فيه في الارتفاع والانخفاض والقرب من وسادة الصدر واليعد منهاء والتقدم في الدخول عند مضايق الطرق.

من أجمل الظاهرات في تآليف الغزالي: أنه يبسط الكلام ويأتي بحجج خصومه وينقضها على نظام مدقق» ففي كتاب تهافت الفلاسفة» قال: إن أقوم الفلاسفة بالتقل والتحقيق من المتفلسفة في الإسلام الفارابي أبو النصر ؤابن سيئا. قباقتصر على إيطال ما اختاروه ورأؤه الصحيح من مذهب رؤسائهم»

9 6 كنوز الأجداد

ورأى تكفيرهم في ثلاث مسائل فقط: قدم العالم وقولهم إن الجواهر كلها قديمة» وقولهم: إن الله لا يحيط علمًا بالجزئيات الحادثة من الأشخاصء وإتكارهم بعث الأجساد وحشرها.

قال: وما عدا هذه المسائل الثلاث من تصرفهم في الصناعات الإلهية واعتقاد التوخيد فيها فمذهبهم قريب من مذاهب المعتزلة» ومذهبهم في تلازم الأسباب الطبيعية هو الذي صرح المعتزلة به في التولدء وكذلك جميع ما نقلناه عنهم قد نطق به فريق من فرق الإسلام إلا هذه الأصول الثلاثة» فمن يرى تكفير أهل البدع من فرق الإسلام يكفرهم أيضّاء ومن يتوقف عن التكفير يقتصر على تكفيرهم بهذه المسائل.

وصرح بمثل هذا في كتابه «الاقتصاد في الاعتقاد» فقال: الذين يُصدَّقون بالصانع والنبوة ويصدقون النبي» ولكن يعتقدون أمورًا تخالف نصوص الشرع ويقولون: إن النبي محقء وما قصد بما ذكره إلا صلاح الخلق» ولكن لم يقدر على التصريح بالحق لكلال أفهام الخلق عن دركه» وهؤلاء هم القلاسفة ويجب القطع بتكفيرهم في ثلاث مسائل : إنكارهم حشر الأجساد والتعذيب بالنار والتنعيم في الجنة» وقولهم: إن الله لا يعلم الجزئيات وإنما يعلم الكليات» وقولهم: إن العالم قديم وإن الله تعالى متقدم على العالم بالرتبة.

ولولا أن الخوض في مباحث. الفلسفة يخرجنا عن موضوعنا لنقلنا زيدة ما رد به ابن رشد على الغزالي في كتابه «تهافت التهافت» وهو الكتاب الذي كسره فيلسوف الغرب في الإسلام على نقد تهافت الفلاسفة للغزالي. ولا يزال الفقهاء والفلاسفة مختلفين منذ انتشرت الفلسفة في الأمة الإسلامية. كل يصحح رأيه ويرمي مخالفه بالبهتان والضلال.

افتح أي كتاب أو رسالة من تأليف الغزالي تقعْ في الحال على منزعه وتَنْشَّقْ .ريح تصوفه وتّدركُ مبلغ عطفه على المتصوفة» وهو الذي اعتقد أن «حاصل علمهم قطع عقبات التفسء. والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها

الخبيثة» حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى». وكان عنده أن أصناف الطالبين أربع فرق: المتكلمون والباطنية والفلاسفة والصوفية: وقال: إنه درس مذاهب هؤلاء كلها درسًا عميقًا ثم تعلّق قلبه بالصوفية. ورأى الثلاث الفرق الأولى ليست الطريق الموصل إلى الحق» فحاول أن يحمل الناس على الأخذ بنزعة ما نزع إليها لولا مزاج خاص فيه» عنينا بذلك التصوف. وهذه نقطة الضعف في الغزالي أعلم علماء الشافعية على الإطلاق»؛ وأي كبير أو أي إنسان تجرد من الضعف!

وكتابه «المنقذ من الضلال» هو تقاييد ما عرض له من أول أمره إلى قبيل وفاته بسئين قليلة قال فيه: «ولم أزل في عنفوان شبابي منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ العشرين إلى الآن وقد أناف السن على الخمسين أقتحم لجة هذا البحر العميق وأخوض غمرته خوض الجسور لا خوض الجبان الحذورء وأتوغل في كل مظلمةء وأتهجم على كل مشكلة؛ وأتقحم كل ورطة» وأتفحص عن عقيدة كل فرقةء واستكشف أسرار مذهب كل طائفة» لأميّر بين محق وميطل» ومتسئن ومبتدع. ... وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبي وديدني من أول أمري وريعان عمري» غريزة زفطرة من الله وضعتا في جبلتي لا باختياري وحيلتي. حتى انحلت عني رابطة التقليد وانكسرت على العقائد الموروثة».

ورأى علم الكلام بعد أن حصّله وعقله وصدّف فيه غير وافٍ بمقصوده فتركه؛ وبعد الفراغ منه أخذ بالتعمق في الفلسفة لأن. «من لا يقف على منتهى ذلك العلم حتى يساوي أعلمهم في أصل العلم ثم يزيد عليه ويجاوز درجته؛ لا يغني الغناء المطلوب. قال: إنه لم.ير أحدًا من علماء الإسلام صرف همته وعنايته إلى ذلك فاستبان له الضرر من علوم الفلاسفة بعد البحث الشديد» ونظر كذلك في مذهب التعليم أو الباطنية» وبعد أن وصفهم ووصف علومهم قال: فهذه خقيقة حالهم فاخبرهم تَقْلِهِمء فلما خبرناهم نفضنا اليد عنهم أيضًا.

كنوز الأجداد

ووصف السبب الذي حداه على ترك التدريس بالمدرسة النظامية في بغداد» وقد تولى التدريس فيها أربع عشرة سنة كان فيها موضع إعجاب العلماء» ققال: إنه رأى ألا مطمع له في سعادة الآخرة إلا بالتقوى. وكفت النفس عن الهوى. وإن ذلك لا يتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال» ورأى نيته في التدريس غير خالصة لوجه الله» بل باعثها طلب الجاه وانتشار الصيت»؛ فصمّم على الخروج من بغدادء وشهوات الدنيا تتجاذيه سلاسلها إلى المقام»ء ومنادي الإيمان يناديه: الرحيل الرحيل. فلم يزل يتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعي الآخرة قريبًا من ستة أشهرء أصيب خلالها بشيء من عقدة اللسانء وقطع الأطباء طمعهم عن العلاج؛ فصح عزمه على مغادرة تلك البلاد معرضًا عن الجاه والمال والأهل والولد والأصحاب» وأظهر عزمه على الخروج إلى مكة وهو يورّي في نفسه سفر الشام خذرًا أن يطلع الخليفة وجملة الأصحاب على عزمه في المقام بالشام» فتلطف بلطائف الحيل في الخروج عن يغداد على عزم ألا يعاودهاء واستهدف لأئمة أهل العراق كافة إذ لم يكن فيهم من يجرّز أن يكون الإعراض عما كان فيه سببًا دينيًا. قال: وكان ذلك مبلغهم من العلم «ففارقت بغداد وفرّقت ما كان معي من .المال» ولم أدّخر إلا قدر الكفناف وقوت الأطفال ترخٌصًا بأن مال العراق مرصد للمصالح لكونه وققًا على المسلمين؛ فلم أرَ في العالم مالا يأخذه العالِم أصلح منهكا ,

قال: «ثم دخلت الشام وأقمت به قريبًا من سنتين لا شغل لي إلا العزلة والخلوة والرياضة والمجاهدة اشتغالا بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وتصفية القلب لذكر الله تعالى كما كنت حصلته من علم الصوفية» فكنت أعتكف مدة في مسجد دمشق أصعد متارة المسجد طول النهار وأغلق بابها على نفسي». قال: ثم تحركثٌ فيه داعيةٌ فريضة الحج ولم يذكر هنا أنه زار مصر ودجل الإسكندرية إلى أن قال: ودمت على ذلك مقدار عشر سنين وانكشف لي :في

4" العَزّالى - ظ3َظ»>

أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤهاء والقدر الذي أذكره لينتفع به أني علمت يقيتًا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة» وإن سيرتهم أحسن السيرء وطريقتهم أصوب الطرق إلى آخر قوله.

قال: وبعد طول الغربة وإلحاح الأهل بالعودة؛ أمر سلطان الوقت» من نفسه لا بتحريك من خارج» أمر إلزام بالنهوض إلى نيسابور لتدارك هذه الفترة» وبلغ الإلزام حدًا كاد ينتهي لو اصررت على الخلاف إلى حدّ الوحشةء وبعد أن استشار جماعة من أرباب القلوب والمشاهدات عرف أن هذه الحركة مبدأ خير ورشد قدرها الله سبحانه على رأس هذه المثئة» وقدر عليه سبحانه بإحياء دينه» يشير إلى ما ورد في الأثر: من أن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سئة من يجدّد لها أمر دينها. وبعد عزلة إحدى عشرة سنئة عاد إلى نيسابور.

كتب الغزالي زهاء سبعين مصنفًا بين كتاب في مجلدة أو مجلدات وبين رسالة. طبع منها لحسن الحظ نحو خمسين بنيت أكثرها على فكر خاص ذات موضوع تشتد حاجة المسلمين إليه. وألّف بالفارسية كتاب: «التبر المسبوك في نصيحة الملوك» وعبّبه غيره واعمدة المحققين وبرهان اليقين' أُلّفْ للسلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي. وكتب بالفارسية كيمياء السعادة وخلاصة التصانيف. ومن تآليفه: «فضائح الباطنيةة أهداه إلى الخليفة المستظهر العباسي وكتبه بإشارته على ما يظهر»ء وله: «القسطاس المستقيم» و«#المضئون به على غير أهله» ومن أجل كتبه: «المستصفى» في الأصول؛ وعلم الفقه وأصوله يأخذ كما قال من صفو الشرع والعقل سواء السبيل فلا هو تصرف بسحض العقول بخيث لا يتلقاه الشرع بالقبول» ولا هو مبني على.محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأبيد والتسويد». يقول شيخنا العلامة طاهر الجزائري: إن أهم الكتب التي أُلَّفت في هذا العهد على طريقة المتكلمين أربعة كتب: كتاب البرهان لإمام الجرمين» والمستصفى للغزائي» وهما من أهل السنة» وكتاب

العمد للقاضي عبد الجبارء وشرحه المعتمد لأبي الحسين البصري وهما من المعتزلة .

ومن تآليفه: «معارج القدس في مدارج معرفة النفس» يريد به العروج من مدارج معرفة النفس إلى معرفة الحق جل جلاله يعتمد في فهمه على المنطق «أما الجامد البليد الذي يأخذ العلم بالتقليدء فهو عن معرفة مثل هذه العلوم بعيد» إذ كل ميسّر لما بخلق له1.

ولم تصادف كتب الغزالي إجماعًا على قبولها ولعلها أحرزت أكثرية» فقأصحاب الحديث ومنهم ابن تيمية يزيفونهاء والمتضوفة» على ما غمست فيه من التصوف» لم يرضوا كثيرًا عنهاء مع أن كتبه من أحسن ما كتب في عصره وفي العصور الأخيرة في معنى التصوف. يقول ابن تيمية في النبوات: إن أبا امه الخزائن بين علا الحسلمن وبين علماة الفلاستةء -علياة المبدا شي يذمونه على ما شارك فيه الفلاسفة مما يخالف دين الإسلامء والفلاسفة يعيبونه على ما بقي معه من الإسلام» وعلى كونه لم ينسلخ منه بالكلية إلى قول الفلاسفة» ولهذا كان الحفيد ابن رشد ينشد فيه: يومًا يمان إذا ما جئت ذايمن وإذلقيت مَعْديًا فعدنان

ولما دخلت كتب الغزالي المغرب أمر أمير المسلمين بإحراقهاء وتوعّد بالوعيد الشديد من سفك الدم واستتصال المال إلى من وجد عنده شيء متها واشتد الأمر في ذلك؛ ثم رفع عنها هذا الحرج وضعف التضييق عن كتبه والنظر فيها .

وذمه أبو نصر القشيري على الفلسغةء وكانوا يقولون: أبو حامد قد أمرضه الشفاء ‏ كتاب شفاء ابن سيئا - ولبعض العلماء كلام كثير في ذمه على ما دخل فيه من الفلسفة» ولعلماء الأندلس في ذلك مجموع كثير. وذكروا أن الغزالي قال في ميزان العمل: إن الفاضل له ثلاث عقائد: عقيدة مع العوام يعيش بها في الدنيا كالققه مثلاء وعقيدة مع الطلبة يدرّسها لهم كالكلام»

غ“ ‏ القّدًا ٠-7٠ _______‏ يبب 978 )اس

الثالثة لا يطلع عليه أحد إلا الخواص» ولهذا صنف الكتب المضنون بها على غير أهلها؛ وهي فلسفة محضة سلك فيها مسلك ابن سينا .

قال ابن الجوزي في «تلبيس إبليس»: إن أبا حامد صنف للصوفية كتاب الإحياء على طريقة القوم» وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانهاء وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه» وقال كلامًا من جنس كلام الباطنية. وأن الصوفية في حال يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون أصوانًا ويقتبسون منهم فوائد» ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور إلى درجات يضيق عنها نطاق العقل!

وقال سبط ابن الجوزي في المرآة: إن الغزالي أخذ في تصنيف. الإحياء في القدس ثم تمّمه في دمشق إلا أنه وضعه على مذهب الصوفية وترك فيه قانون الفقه .

وكيف كان حكم بعض العلماء على الغزالي» فإن الهنات التي عزوها إليه لا تقدح كثيرًا في كتبه» ومن سعادته: أن آراءه تُنوقلت وهو حي حتى قال: إنه سمع مرة أحد المدرسين في دمشق يقول: وقال الغزالي؛ فترك البلد من الغدء والناس لا يعرفون أن الغزالي حاضر في الدرسء» قال: إنه فعل ذلك مخافة أن يقع في الغرور.

هق

0)

أبو محمد القاسم بن علي البصري

)017(

الحريري نسبة لصنع الحرير أو بيعه» نشأ الحريري عليها ثم تركها وانقطع للعلم والأدب» فبرز في النحو واللغة وفي الثثر والشعره ولَقَّب بالشيخ الرئيس» وتولى في بلده «المشان» على مقربة من البصرة منصب: صاحب الخبر (الاستخبارات):؛ واشتهر بالغنى. ويُحكى أنه كان يملك ثمانية عشر ألف نخلة» وكان يغشى منزله في البصرة عظماء القوم وفضلاؤهم.

وقال سبط الجوزي: ولم يزل الحريري صاحب الخبر بالبصرة في ديوان الخليفة» ووجدت هذا المنصب لأولاده إلى آخر العهد المقتفويء وله رسائل معجبة وكلام غريب كالضّرَب ماله ضريب. .. كان مسكته البصرة في محلة بني حرام وبيت عمله المشان.

هذا ما عرف من حياته المادية» وحياته الأدبية عظيمة» وعظمتها بتأليف المقامات التي كانت كما قال فيها تحتوي على حِدٌ القول وهزله»؛ ورقيق اللفظ وجزله؛ وغرر البيان ودرره» وملح الأدب ونوادرهء إلى ما وشحها به من الآيات ومحاسن الكنايات» ورصعه فيها من الأمثال العربية» واللطائف الأدبية» والأحاجي النحوية» والفتاوى اللغوية» والرسائل المبتكرة» والخطب المحبرة» والمواعظ المبكية» والأضاحيك الملهية.

وَصَفه ابن خلكان بأنه أحد أئمة عصره» ورُزق بالمقامات الحظوة التامة» لما اشتملت عليه من كلام العرب .من لغاتها وأمثالهاء ورموز أسرار كلامهاء

قال: ومن عرفها حق معرفتهاء استدل بها على فضل. هذا الرجل وكثرة اطلاعه وغزارة مادته. وكان سببب وضعه لها ما حكاه ولده أبو القاسم عبد الله قال: كان أبي جالسًا في مسجد بني حرام فدخل شيخ ذو طمرين عليه أهبة السفرء رث الحال» فصيح الكلام؛ حسن العبارة» فسأل الجماعة من أين الشيخ؟ فقال: من سروج. فاستخبروه عن كنيته فقال أبو زيدء فعمل أبي المقامة المعروفة بالحرامية وهي الثامنة والأربعون وعزاها إلى أبي زيد المذكور واشتهرت فبلغ خبرها وزير المسترشد بالله؛ قيل: إنه القاشاني؛ وقيل: ابن صدقة» فأعجبته وأشار على والدي أن يضم إليها غيرها فأتمها خمسين مقامة» وإلى الوزير المذكور أشار الحريري في خطية المقامات بقوله : فأشار من إشارته ُكمء وطاعته عُنمء إلى أن أنشئ مقامات أتلو فيها تلو البديعء وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع.

وأما تسمية الراوي بالحارث بن همّامء فإنما عنى به نفسهء وهو مأخوذ من قوله ككلةِ: «كلكم حارث وكلكم همّام». فالحارث الكاسب والهمّام الكثير الاهتمام. وما من شخص إلا وهو حارث وهمام» لأن كل واحد كاسب يهتم

5

قال الحريري: فاجتمع عندي عشية ذلك اليوم ‏ يوم رؤية أبي زيد السروجي ‏ فضلاء البصرة فحيكت لهم ما شاهدت من ذلك السائل فحكي كل واجد منهم أنه سمع من هذا السائل في مسجده معنى آخر فضلًا مما سمعت» وكان يغير في كل مسجد زيه وشكله فتغجبوا منهء فأنشأت المقامة الحرامية» ثم بنيت عليها سائر المقامات. عملها أربعين مقامة أولًا ثم حملها من البصرة إلى بغداد وادّعاهاء فلم يصدقه في ذلك جماعة من الأدباءء وقالوا: إنها ليست من تصنيفهء بل هي لرجل مغربي من أهل البلاغة مات بالبصرة ووقعت أوراقه إليه فادّعاهاء فاستدعاه الوزير إلى الديوان وسأله عن صناعته فقال: أنا رجل منْشئ. فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عيّنهاء فانفرد في ناحية من

5 22 كنوز الأجداد

الديوان وأخذ الدواة والورقة ومكث زمنًا كثيرًا فلم يفتح الله سيحانه عليه بشيء من ذلك. فقام وهو خجلان» فلما رجع إلى بلده عمل عشر مقامات أخر وسيّرّهن واعتذر من عيّه وحَصّره في الديوان مما لحقه من المهابة. والغالب: أن وظيفته الرسمية شهرت اسمه في البصرة وبغداد وهو لا يعدم حيلة لبلوغ الشهرة. وكان في حياته يباهي بأنه أمر بنسخ سبعمئة نسخة من مقاماته» وتعاورها الشراح بالشرح شأنهم في كل كتاب نفيس. وترجمت في غهدنا إلى عدة لغات ومنها الألمانية والإنكليزية وعني بدراستها كثير من المستعربين من علماء المشرقيات معجبين بها وبصاحبها . فتح بديع الزمان الطريق أمام الحريريي بما أنشأ من مقاماته» والبديع أقرب إلى عدم التكلف» وتصنيع الحريري ظاهرء إلا أنه مقبول. ومقاماته كلها متشابهة وموضوعاتها ليست مما يأخذ بالألباب. لا تشبه القصة التي وضع الإفرنج طريقتها ولا تشبه طريقة الأخبار على ما ترى مثالا منها في كتب طيفور والصولي والقاضي التنوخي وأبي حيان» هي من نمط يكاد يكون جديدًا أو غير تلك الأنماط المتعارفة» والمحور الذي تدور عليه التفنن في إيراد الألفغاظ وصياغتها على الأسلوب الذي عرف في عصر الحريري وهو أرقى أسلوب في نظر الأدياء يومئذٍ. يقة المقامات بعيده عن التوسع في الخيال والتفئن بما ترتاج إليه نفس القارئ. لأن طالب المقامات لا يبغي منها إلا اللغة أولُا وفي سبيل التقاط دررها يغتفر هذا التكلف. ولو خلت المقامات من هذا التحبير ما رزق بها صاحبها هذه الحظوة؛ وما تتاقل طلاب الأدب كلامه خلقًا عن سلف وما تنافس في تفهم قصاحته من يُقِرّهِ على طريقته ومن لا يقره. فالمقامات ينظر فيها الأدباء أولّا على النكات الأدبية واللغوية ؤقيها من الشعر المستملح قدر غير يسير» وربما كان النقد إلى نثره أكثر من نقد شعره لأن الشعر تسر عيويه بقوافيه وأوزانه.وليس كذلك التثر.

فمن سجعه المتكلف. وقد يقع له في أول المقامة قوله: «ظعنت إلى دمياط عام هياط ومياط' «أزمعت الشخوص إلى برقعيد وقد شمت يرق عيد؛ «آنست من قلبي القساوة حين. حللت ساوة؛ «يممت مياقارقين مع رفقة موافقين'! «عاشرت بقطيعة الربيع في إبان الربيع» «حللت سوق الأهواز لابسًا حلة الأعوازة «الجأني حكم دهر قاسط إلى أن أنتجع واسط» #أصعدت إلى صعدة وأنا ذو شطاط يحكي الصعدة واشتداد يبدو بنات صعدة» (فطوحت على مرو ولا غرو» «أزمعت التبريز من تبريز حين نبت بالذليل والعزيز وخلت من المجير والمجيز» «نزع بي إلى حلب شوق غلب وطلب يا له من طلب» الخ.

ويقال على الجملة: إن أسلوب المقامات أسلوب خاص بدأه البديع وكمل بالحريري والزمخشري نقج معهما واحترق بعدهما. هو أسلوب لا يصلح للرسائل ولا للخطب ولا للتأليف» جعل لهذا النوع من الفكاهة والحكاية استعذبه أهل عصور السجع ولذَّ لهم كثيرًا فما حاسبوا صاحيه إن كان كلامه منطويًا على المعاني والخيالاث» وبقيت للمقامات روعتها ما دام السجع راتسا فلما كسدت سوقه» وكانت. قائمة منذ القرن الثالث إلى القرن الثالث عشر أي مدة ألف سنة» زهد رجال الأدب في هذا الضرب من الكلام الذي حرم الانسجام» وراحوا ينظرون في الكتب المسجوعة نظرهم على أثر تاريخي غريب يقدرون نسجه ولا يتكلفون احتذاء مثاله.

وملاك الأمر في السجع كما قال ابن الأثير في المثل السائر: أن تكون كل واحدة من السجعتين المزدوجتين مشتملة على معنى غير المعتى الذي اشتملت عليه أختهاء فإن كان المعنى فيهما سواء فذاك هو التطويل بعيئه؛ لأن التطويل إنما هو الدلالة على المعنى بألفاظ يمكن الدلالة عليه بدونهاء وإذا وردت سجعتان تدلان على معنى واحد كانت إحداهما كافية في الدلالة عليه؛ وجل كلام الناس. المسجوع جار عليه» وإذا تأملت كتابة المفلقين ممن تقدم كالصابي وابن العميد وابن عباد وفلان وفلان فإنك ترى أكثر المسجوع

منه كذلك والأقل منه على ما أشرت إليه. ولقد تصفحت المقامات الحريرية والخطب النباتية على غرام الناس بهما وإكبابهم عليهما فوجذت الأكثر من السجع فيهما على الأسلوب الذي أنكرته. هذا ما قاله ابن الأثير صاحب البأو العجيب بكلامه؛ وسجعه ما خلا من هذه المآخذء وسجع الحريري إنما كان نمطا خاصًا بالمقامات. وهاكم نموذجًا من نثره وبديع شعره في المقامة الدينارية :

روى الحارث بن همام قال: نظمني وأخدانًا لي ناد» لم يخب فيه منادء ولا كبا قدح زناد» ولا ذكث نار عناد» فبينا نحن نتجاذب فيه أطراف الأناشيدء ونتوارد طرف الأسانيدء إذ وقف بنا شخص عليه سمل» وفي مشيته قزل» فقال: يا أخاير الذخائرء وبشائر العشائر عموا صباحًاء وانعموا اصطباحًاء وانظروا إلى من كان ذا ندي وَندى وجدة وجدى. وعقار وقرى» ومقار وقرى؛ فما زال به قطوب الخطوب» وحروب الكروب» وشرر شر الحسودء وانتياب النوب السود حتى صفرت الراحة» وقرعت الساحة؛ وغار المنيع » ونبا المربع» وأقوى المجمع: وأقض المضجع: واستحالت الحال» وأعول العيال» وخلت المرابط» ورحم الغابط.. وأودي الناطق والصامت» ورثى لنا الحاسد والشامت» وآل ينا الدهر الموقع» والققر المدقع» إلى أن اجتذينا الوجىء واغتذينا الشجى» واستبطنا الجوى» وطوينا الأخشاء على الطوىء واكتحلنا السهاد» واستوطنا الوهادء واستوطأنا القتاد» وتناسينا الافتدادء واستطبنا الحين المجتاح» واستبطأنا اليوم المتاح» قهل أو حر أسٍ » أو سمج مواسء فوالذي استخرجني من قيلةء لقد أمسيت أخا عيلة»

قال الحارث بن همام: فأويت لمفاقرهء ولويت إلى استئباط فقره؛ فأبرزت ديتاراء وقِلت له اختباراء إن مدحته نظمّاء فهو لك حتماء فانبرى ينشد في الجال» من غير اتتحال:

أكرم به أصفر راقت صفرته مأثورة سمعته وشهرته وقارنت نجح المساعي خطرته كأنمامنالقلوب نقرته وإن تفانت أو توانت عترته وحبذامغناته وتصرته ومترف لولاهءدامت حسرته وبدرتعةأنزلته يدرتئه أسرّ نجواه فلانت شرته

جوّابٍ آفاق ترامت سفرته قدأودعت سرالغئي أسرته ومُحببت على الأنام غرّته بهيصول من حوته صرته يا حبذا نضاره ونضرته

كمآمريهاستتيت إمرته وجيش همهزمتهكرته وكم أسير أسلمتهأسرته وحق مولى أيدعغته فطرته

لولا التقى لقلت جلت قدرته

ثم يسط يذه بعد ما أتنشدف وقال: أنجَرّ حر ما وعد وسح خالٌ إذ

رعدء فتبذت الدينار إليه» وقلت له: خذه غير مأسوف عليه؛ فوضعه في فيه وقال: بارك الله فيه» ثم شمر للانثناءء بعد توفيه الثناء» فتشأت لي من فكاهتة نشوة غرام» سهلت علي ائتناف اغترام» فجردت دينارًا آخر وقلت: هل لك في أن تذمهء ثم تضمه» فأنشد مرتجلًا وشدا عجلا:

تبّالهمن خادع مماذق يبدو برصفين لعين الرامق وحبهعبدذوي الحقائق لولاه لم تقطعيمين سارق ولا اشمأزباخل من طارق

ولا ١‏ 94 ستعيذ من حسوه راشق

أصفر ذي .وجهين كالمنافق زيئةمعشوق ولون عاشق يدعو إلى ارتكاب سخط الخالق ولا بدت مظلمةمن فاسق ولا شكا الممطول مطل العائق وشرماقيهمن الخلائق

أنْ ليس يغني عنك في المضائق إلاإذافرفررالابق وامًّا لمن يقذفه من حالق ‏ ومن إذا نا جاه نجوى الوامق قال له قولالمحق الصادق لارأي في وصلك لي ففارق

فقلت له: ما أغزر وَيْلّكء فقال والشرط أَمْلّكء فتفحته بالدينار الثاني» وقلت له عوذهما بالمثاني» فألقاه في فمهء وقرنه بتوأمه» وانكفأ يحمد مغداه: ويمد النادي ونداه.

قال الحارث بن همام: فناجاني قلبي بأنه أبو زيدء وأنَّ تعارجه لكيد. فاستعدته وقلت له قد عُرِفْت بِوَشيكء فاستقم في مَشْيِك. فقال: إن كنت ابن همام فَحيّيت بإكرام» وحييت بين كرام» فقلت: أنا الحارث: فكيف حالك والحؤادث» فقال: أتقلب في الحالين بؤس ورخاءء واتقلب مع الريحين زعزع ورخاء؛ فقلت كيف ادعيت القزل» وما مثلك من هزل» فاستسر بشره الذي كان تجلى» ثم أنشد حين ولَّى : تعارجت لا رغبة في العرج وألقي حبلئ على غاربي. ٠‏ وأسلك نسلكامن قدامرج فإن لامني القوم قلت اعذروا ‏ وليس على أعرج من خرج

ومن شعره الذي خلا من التكلف قوله: بعدالوجى والتعب يقصر : عنها : عيبي

ولكن لأقرع باب الفرج

َ | ٠. 5 35 3 و‎

ومامبعي لخحرردلة إنارتحلت راجالهة وإن تخلفتت عنالر

حقت درا اأعي العطب

وجاركم في حرم مالاذمرتاعببكم ولا اوسنت تلن امحل لساءكم ضري الذي ولحو يوتحم سحي وماحوتمهعرفتي فتيبواتي للعاكين

رج ت قدي الأدب وعهقني فيهأبي

ولب اجكل من حنا كن الؤصنول إلن ادرف الذى يللي ايز زيد

إذا ا ماحويت جتى نخلة وإماسقطت على بيدر وها فبيشين إناما تفط ولاتوغلنإذاماسبح وحاطب بهاث وجاوب بسوف ولا تكشرنٌ على صاحب

فلاتقربنهاإلى قايل فحوصل من الستبل الحاصل ست فإن السلامة في الساحل وبعآجلًا منك بالعاجل فمامل قط سوى الواصل

نموذجات لا تخلو من نكتة وخفة روح. ومن شعره في 1 لحكمة :

كفوز الأجداد

لا تقعدن على ضر ومسغبة

وانظر بعينيك هل أرض معطلة

فعمٌ عما تشيرالأغبياءبه

وارحل ركابك عن ربع ظمئت به

واستنزل الريّ من درٌ السحاب به ومن الحكم قوله:

لاتزرمن تحب في كل شهر

ومن شعرة .

أخمد بحلمك ما يذكيه ذو سعة

فالحلم أفضل ما ازدان اللبيب به

لكي يقال عزيز النفس مصطبر من النيات كأرض حفها الشجر فأيّ فضل لعودمالهثمر إلى الجناب الذي يهمي به المطر بُلّت يداك بيه فليهنك الظفر

غيريوم ولا تزده عليه

من نار غيظك واصفح إن جنى جاني والأخذ بالعفو أحلى ما جتى جاني

وبقدر ما تحمل المقامات من ألفاظ وألغاز و أحاج يحمل كتابه «درة الغواص في أوهام الخواص؛ من تحقيقات لغوية ونقد تراكيب سرت على الألسن والأقلام في عهده. وهذا أيضًا نموذج من أسلوبه فيه: «. .. ومثله في

اختلاف الرواية قول عروة بن أذينة : لقد علمت وما الإسراف من خلقي

أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

فروى أكثرهم لفظة الإسراف بالسين المغفلة وبعضهم بالشين المعجمة ليكون معناها التطلع إلى الشيء والاستشراف:له وهو اختيار المرتضى أبي القاسم الموسوي رحمه الله. ولهذا البيت حكاية تحث على استشعار اليقين وإعلاق الأمل بالخالق دون المخلوقين فجنحته بها تحلية لعاطله وتبهة على صدق قائله. وهي ما رويته من عدة طرق: أن عروة هذا وقد على هشام بن عبد الملك في جماعة من الشعراء فلما دخلوا عليه عرف"عروة فقال له:

ألست القائل:

هم ١‏ 5 رايع ل[ لاوم

لقد علمت وما الإسراف من خلقي أن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى له فيعئيني تطلبه ولوقعدت آأتاني لا يعتّيني

واراك قد جثت تضرب من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق فقال له: لقد وعظت يا أمير المؤمنين فبالغت في الوعظ وأذكرت ما أنسانيه الذهر. وخرج من فوره إلى راحلته فركبها وسار راجعًا نحو الحجاز. فمكث هشام يومه غافلا عنه» فلما كان في الليل تعار على فراشه فذكره وقال في نفسه: رجل من قفريش قال حكمة ووفد إلىّ فجبهته ورددته عن بحاجته» وهو مع هذا شاعر لا آمن ما يقول. فلما أصبح سأل عنه فأخبر بانصرافه فقال: لا جرم ليعلمن أن الرزق سيأتيه. ثم دعا بمولى له وأعطاه ألفي دينار وقال له: الحق بهذه ابن أذينة فأعطه إياها فسار إليه فلم يدركه إلا وقد دخل بيتهء فقرع الباب عليه فخرج فأعطاه المال. فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له: كيف رأيت قولي» سعيت فأكديت» ورجعت إلى ببتي فأتاني فيه الرزق.

ا ا جه صل

(ك)

الزمخشري أبو القاسم محمود بن عمر (معده)

ولد أبو القاسم الزمخشري سنة 5517 في قرية كبيرة من قرى زمخشر من بلاد خوارزم (وتوفي في جرجانية خوارزم) وأخذ العلم في بخارى وورد بغداد غير مرةء وأخذ الأدب عن أبي الحسن علي ابن المظفر النيسابوري وتخرج بأبي مَضْر محمود بن جرير الضبي الأصفهاني. وكان هذا وحيد دهره في علم اللغة والنحو والطب. أقام بخوارزم مدة وتخرج به جماعة من الأكابر منهم الزمخشريء وهو الذي أدخل إلى خوارزم مذهب المعتزلة ونشره بهاء فاجتمع عليه الخلق لجلالته وتمذهبوا بمذهبه» ومنهم الزمخشريء وكان حنفيًا فأخذ بمذهب أهل العدل والتوحيد وجاهر به.

أخذ أبو القاسم عن كثير من الشيوخ في خوارزم والعراق» وجاور في مكة فتلقب يجار الله وفخر خوارزم. وما منعه من التنقل في الأقطار ما كان من عاهة في رجلهء وكان أصابه في شبابه خراج فيها فقطعها ووضع عوضها رجلا من خشب. وكان مقبولا من القلوب كثير الأصحاب والتلامذة» وعلل هو إشادة العلماء والشعراء بذكره يما رأوا من حسن النصح للمسلمين» وبلوغ الشفقة على المستفيدين» وقطع المطامع. وعزة النفس» والإقبال على خويصته. فهذه الصفات أورثته مكانة زادت في الإقبال عليه» وحببت الأخذ عنه والانتفاع بكتبه ‏

كان جار الله إمامًا في التفسيرء وتفسيره الكشاف من خير التفاسير وهو

7 الزمخشر لي مبتبيييو ىس سس

المعتمد عند أكثر طلاب هذا العلم في عصرنا هذا وقبلهء وكتابه لأساس البلاغة» وفيه فرّق بين الحقيقة والمجاز آية في التحقيق. واشتهر له بالطبع كتب أخرى وهذان الكتابان أجلهما. ومن كتبه: «الفائق في غريب الحديث» لم يقتصر فيه على أحاديث الرسول بل تعرض لشرح أحاديث الصحابة والتابعين وتابعيهم فهو كتاب جيد في بليغ القول جعله كأساس البلاغة على حروف المعجم وشرحه. ومن كتبه مقدمة الأدب ومقاماته» وأطباق الذهب في المواعظ والخطبء وأعجب العجب شرح لامية العرب» وكتاب الجبال والأمكتة والمياءء والكلم النوابغ أو نوابغ الكلمء والمفصل في صناعة الإعراب. وكلها مفيدة لا تخرج عن اللغة والإعراب»؛ والمفصل أمتنها وأفيدها لما حمل من شواهد تدعم القواعد. أما طريقته في الإنشاء فطريقة أهل القرن الخامس والسادس إلا أنها تنم عن تمكنه في اللغة تمكنًا عظيمًا. ونعني بهذه الطريقة اعتماده على التسجيع في كلامه حتى كاد يأتي على محاسن كلامه ويذهب برونق بلاغته»ء ولا نحيل القارئ إلا على مقدمتي الكشاف والأساس وهما كتاباه الخالدان» ولو عرتا من السجع لاستجمعتا أسياب الكمال كله: وكذلك مقاماته وأطواقه ونوابغ كلمه. ومن رأيه : إن ما سماه الناس البديع من تحسين الألفاظ وتزيينها بطلب الطباق فيها والتجنيس والترصيع لا يملح ولا يبرع حتى يوازي مصنوعه مطبوعه؛ وإلا فما قلق في أماكنه» ونبا عن مواقعه: فمنبوذ بالعراء» مرفوض عند الخطباء والشعراء؛.

واضطلاع الزمخشري باللغة اضطلاع اللغوي الذي تمثل ما نقل وبوّبه ونسقه وأبرزه في قالب أخرجه من جفاف اللغة بعض الشيء. ومن يطالع كتبه يستفد لغةٌ وألفاظًا وتراكيب فصيحة:ء أما البلاغة وهي في السبك فأمر ثان» ذلك لأن عصره متأخر وهو يقصد في الكشاف والمفصل ومقدمة الأدب إمداد من يريد إتقان العربية بالمادة اللازمة بادئ بدءء ثم هو وإن درس دراسة عظيمة قل أن يتيسر مثلها لغير أبناء العربية لا يخرج عن كونه أعجميًا وبيئته

كنوز الأجداد 0 عه غالبة عليه؛ على كثرة مقامه في أرض العربء قالوا: وكان لا ينطق بلغته الأصلية إلا إذا أراد أن يشرح شيئًا لمن يأخذون عنه»ء وإلا فهو يتكلم العربية» وقد فاخر في مقدمة المفصل بنفسه فقال: الله أحمد على أن جعلني من علماء العربية. وجبلني على الغضب للعرب والعصبية. وحيده على أن لم ينضو إلى لفيف الشعوبية قال: ولعل الذين يغضون من العربية ويضعونٍ من مقدارهاء ويريدون أن يخفضوا ما رفع الله من منارها حيث لم يجعل خيرة رسله وخير كتبه في عُججم خلقه ولكن في عربه» لا يبعنؤن عن الشعوبية منابذة للحق الأبلج» وزيعًا عن سواء المنهج: والذي يقضي منه العجب حال هؤلاء في قلة إنصافهم»ء وفرط جورهم واعتسافهم» وذلك أنهم لا يجدون علمًا من العلوم الإسلامية فقهها وكلامها وعِلْمَي تفسيرها وأخبارها إلا وافتقاره إلى العربية بين لا يزيغ.

إن الرجل الذي ضَرب به المثل في علم الأدب وكان الغاية في أدب النقس والعزوف عن الدنيا لم يخل من حساد أيضّاء ومن كلامه يخاطبهم :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به وأكتمهكتمانهلي أسلم فإن حنفيًا قلت قالوا بأنيي أبيح الطّلا وهو الشراب المحرم وإن مالكيًًا قلت قالوا بأنني أبيخ لهم أكل الكللاب وهم هم

وإن شافعيًا قلت قالوا بأنني

وإن حنيليًا قلت قالوا بأنني

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه

تعجبت من هذا الزمان وأهله

وأخرني دهري وقدّم معشرا

ومذ أفلح الجهال أيقنت أنتي وقال:

فقيل ل ل يشي دم يقولون تيس ليس يدري ويفهم أنا الميم والأيام أفلح أعلم

زمان كل حب فيهخِجحِبٌ وطعمالجل تح للويناق لهم سوق بضاعتهنفاق قنافقفالنفاق له نفاق

ولما مات أستاذه أبو مُضِر قال في رثائه: وقائلةهماهذهالدررالتي تساقطها عيناك سمطين سمطين فقلت لها الدر الذي كان قد ملا أبو مضر أذني تساقط من عيني

أصيب جار الله في سنة ثنتي عشرة بعد الخمسمئة بالمرضة المنهكة التي سماها المنذرة فكانت سبب إنابته وفيئته» فأخذ على نفسه الميثاق أن منّ الله عليه بالصحة ألّا يطأ بأخمصه عتبة السلطان» ولا واصل يخدمة السلطان أذياله» وأن يربأ بنفسه ولسانه عن قرض الشعر فيهم» ورقع العقيرة في المدح بين أيديهم» وأن يَعفٌ عن ارتزاق عطياتهم» وافتراض صلاتهم» مرسومًا وإدرارًا وتسويقًا ونجوه؛ ويجد في إسقاط اسمه من الديوان».

إن ما خلفه الزمخشري من مصنفاته لا غنية لطالب لغة العرب عن تدارسه كلما عرض له مشكل من مشاكلهاء وكلها منسوجة أجمل نسج» مرتبة خير ترتيب واضحة كل الإيضاح» ليست بالمطولة حتى يملها الطالب ولا بالمختصرة. حتى ينقطع دون بغيته» ومن حفظ الكشاف والأساس والفائق والمفصل جاء منه عالم لا يحتاج إلى أشياء كثيرة أخرى .

وى

7 ابن القاللانسي حمزة بن أسد بن علي أبو يعلى التميمي (هههة)

ترجم له اين عساكر فوصفه بالعميد وأنه كانت له عناية بالحديث» وكان أديبًا له خط حسن ونثر ونظمء وكان فيه تخصص. وصنع تاريخًا للحوادث بعد سنة أربعين وأربعمئة إلى حين وفاته؛ وتولى رئاسة دمشق مرتين» وكان يكتب له في سماعه أبو العلاء المسلم بن القلانسي فذكر أنه هو وأنه كذلك كان

وفي تاريخ الإسلام: أنه كان كاتيًا أديبّاء وجمع بين كتابة الإنشاء وكتابة الحساب» وحمدت ولايته. توفي في عشر التسعين. وفي طبقات الأدباء: أنه الأديب الكاتب الشاعر المؤرخ» كان من أعيان دمشق ومن أفاضلها المبرزين» ولي رثاسة ديوانها مرتين. وقالوا فيه أيضًا: أنه كان كاتبًا مترسلا أي متثيئًا ومعنى أنه كان فيه تخصص أنه يعرف علومًا اختص بها لا يعرفها غيره أو فاق فيها غيره.

وكل ذلك لا يفي بالغرض في الترجمة له وكأن السياسة غالت أدبه. والرياسات تقتضي صرف أوقات. ولم يصرح من ترجم لابن القلانسي هل كانت ملكة السياسة فيه أمتن أم ملكة العلم والأدب؟ وعندي: أن كل واحد منهما أعان الشق الآخر على النموء ولولا أدبه ما وصل إلى هذه المرتبة؛ ولولا سياسته ما انتفعت به بلده وعد من حسناته؛ ولولا جميل أخلاقه ما حمدت ولايته. والأرجح: أن ابن القلانسي حصر جهوده في مدينته وما ينفعها

37١‏ أبن القلانسى 2 - انلقن

ولم يتعد اجتهاده إلى بحث غيرها فأنقص ذلك من شهرته» ولو رحل إلى عواصم أخرى وأطال الرحلة لذكرته تواريخ هذا الشرق القريب ولعرفنا أمورًا نجهلها عنه مما شغل به في خدمة وطنه.

أنّف ابن القلانسي تاريخه وسماه الذيل» وكان فيه قسم لأواخر عهد الفاطميين وقد ذكر من ظلمهم وتقلقل سياستهم ما كان فيه حجة لأنه دمشقي يكتب في دولة ظالمة تحكم أمة يخالف سوادها الأعظم في مذهبهم. وهو من سياسة البلدة في صميمها ومن بعد النظر وسعة العقل بالمكان الأسمى.

وَضَفَ بعضٌ رجال الفواطم وبعضٌ ملوكهم أجمل وصف كما أحسن الإحسان كله في الترجمة لمن ترجم لهم من الطارئين على الفيحاء من العلماء؛ ومنهم من رثاهم على قرب عهده بصداقتهم. وما أجمل قوله في وصف الحاكم بأمر الله: وقال المغالون في المذهب إنه غائب في سره (؟) ولا بد أن يؤوب» ومستتر في غيبه ولا بد أن يرجع إلى منصبه ويثوب. ووّصَفَ ولاية معلى بن حيدرة بن منزو على دمشق وقد وليها قهرًا وغلبة وقسرًا من غير تقليد: ولم يَلْقّ أهل البلد من التعجرف والظلم والعسف بعد جيش بن الصمصامة ما لقره في ولايته. وفي أيام الفاطميين تغلب على دمشق قسام الحارثي من أهل تلفيتا في جبل سنير وكان ترّايًا ينقل التراب على ظهور الدواب.

ومن ذكاء ابن القلانسي: أنه كان يلتزم الكتمان في. بعضن الأحوال» وببخاصة هو يعرف أن الدول في عصره متقلقلة متحولة» فمن فاطمية إلى سلجوقية إلى نورية» وهو لا يعرف لمن تتم الغلبة الأخيرة» ولهذا كان يجمجم أحياناء وهو على صواب في جمجمته؛ ويتقي وهو غير أثم في تَقِيْته قال: ولمًا اضطربت المسالك والأعمال» وانطلقت أيدي التركمان والحرامية في الإفساد في الأطراف؛ واستولى نور الدين محمود على دمشق قال قصيدة

5-5-5 ب ا

مطولة وقال: إنها نظمت (للمجهول) في صفغة هذه الحال أبيات شعر تنطق بذكرها بأنها له لأنه سبق له أن نظم في الحكم كثيرًا. جاء في آخرها :

ومن ذا الذي ينجو من الدهر سالمًا ومن رام ضفوًا في الحياة فما يرى فإياك لا تغيط مليكًا يملكه فإن كان ذا عدل وأمن لخائف وقل للذي يبني الحصون لحفظه فكم ملك قد شاد قصرًا مزخرقًا وأصبح ذاك القصر من بعد بهجة وفي مثل هذا عبرة ومواعظ ومن:شعره: يامن تملك قلبي طرفه فغدا أمنن بوصل لعلي أستجير به لا برأالله قلبي من تخوفه إذا ترنم قمري على قَتَنِ وكم أَسِرٌ نمرامي ثم أعلثه لا برّد الله شوقي إن نويت لكم وله أيضًا: يا نفس لا تجزع من شدة عَظُمت كم شدة عرضث ثم انجلت ومضت وله أيضًا؛

إذا ما أتاه الأمر والله خاتمه (؟) له صفو عيش والحمام يحاومه ودعه فإن الدهر لا شك قاصمه فلا شك أن الله بالعدل راحمه رويدك ما تبني فدهرك هادمه وقارق ما قد شاده وهو عادمه وقد درست آثاره ومعالمه

بها يتناسى المرء ما هو عازمه

معنبًا بين أشواق وأشجان من سطوة البين في صد وهجران ولا يزيد فؤادي غير أحزان إن شبت حبي له يومًا بسلوان في ليلة زاد في حزئي وأشجاني وليس يخفى لكم سري وإعلاني تغيِّرّالي بمالأويسلوان

وأيقني من إله الخلق بالفرج من بعد تأثيرها في المال والمهج

7 أبن القلاذ : ب مفا وسلة ا لج جا مت |‏ 0 وق الشتسه

إياك تقنط عند كل شديدة ‏ فشدائدالأيامسوف تهون وانظر أوائل كل أمر حادث أبدّاكماهوكائن سيكون

وبعد فليس تاريخه المختصر الذي جعله على السنين ومزجت فيه السياسة بوفيات الرجال هو كل ما يجب أن يخلفه ابن القلانسي المغنن البارع. والغالب: أن مشاغل البلد وسياستها شغلته عن وضع تآليف؛ وقد طال عمرهء إذا لم يؤلفها أمثالهء فمن يؤلفها بيد أنه لم يفعل. والرئاسات مهما كانت أعباؤها خفيفة تستغرق الوقت» وهو ما قصد من تاريخه إلا الوفاء بغرض إن لم يقم هو به ضاعت حوادث كثيرة من تاريخ الإسلام ولا سيما تاريخ بلدهء وهو يحبه ويتفانى في محبته خصوصًا ما كان منها متعلقًا بأخبار الفاطميين الذين شهد ظلمهم الفظيع وتعصبهم الذميم لا يدوّن بعضها أشياعهم وأتباعهم .

/

١ 97 : | 1 نٌ‎

)4 البيهقي

ظهير الدين أبو الحسن علي ين زيد (6160)

البيهقى هذا من سلالة حُزيمة بن ثايت الملقّب بذي الشهادتين صاحب رسول الله يدي وكان خزيمة قاتل مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في صفين سنة تسع وثلائين وقتل في جملة من قتل من عظماء الملة» ونزل أيتاء خزيمة فارس وما أنستهم بيئتهم الجديدة نسبهم العربي الصحيح ولا أدخلت الضيم على لغتهم وأضافوا إليها لغة أخرى وأدبًا حديئاء شأن ألوف من العرب حلوا أرض العجم .

وفي قصبة سابزوار من نواحي بيهق من أعمال نيسابور عاصمة خراسان ولد ظهير الدين سنة 444ه من أب عالم وأم حافظة للقرآن عالمة بوجوه تفاسيره. ثم رحل به أبوه إلى ناحية ششتممذ من قرى تلك العمالة» ولوالده بها ضياع. فأسلمه إلى الكتَّاب وحفظ كتاب الهادي للشادي» والسامي في الأسامي من تصنيف الميداني صاحب الأمثال» واستظهر المصادر للزوزني» والتلخيص في النحو. والمجمل في اللغة. وحخنضر بتيسابور دروس أبي جعفر المقرئ مصنف كتاب ينابيع اللغة» وحفظ كتابه تاج المصادرء وقرأ عليه نحو ابن فضال وفصلًا من كتابه المقتصد والأمثال لأبي عبيد والأمثال للميكالي. ثم حضر درس الميداني وصحح عليه السامي في الأسامي ومجمع الأمثال وكتاب المصادر للقاضي والمنتحل وغريب الحديث لأبي عبيد وصحاح اللخة للجوهري. وأخذ الكلام عن إبراهيم الحراز» وسمع من محمد الفزاري غريب

الحديث للخطابي. واختلف مدة إلى الإمام أبي الهيصم الهروي وقرأ عليه ما شاء من دقائق العلوم .

وانتقل بعد وفاة والده إلى مرو فقرأ على يحيى بن عبد الملك بن عبيد بن صاعد ووصفه بأنه كان ملكا في صورة إنسان». وخاض في المناظرة والمجادلة سئة جرداء حتى رضي عن نفسه ورضي عنه أستاذه. وأخذ يعقد مجالس الوعظ في الجوامع. وكان في تلك الحقبة ينظر في الحساب والجبر والمقابلة وأحكام النجومء فأتم هذه الصناعة في خراسان على أستاذها عثمان بن جاذوكار فصار فيها مشارًا إليه؛ ومضى إلى سرخس وقد شهد من نفسه أنه مقصر في علم الحكمة فاتصل بالطبسي النصري ولم يفارقه إلا في سنة 015 أي, بعد أن بلغ من العمر سيعة وثلاثين عامًا .

هذا ما كُتب للبيهقي أن يدرسه من العلوم» وهؤلاء من أخذ عنهم من الأئمة. روى ذلك صاحب طيبقات الأدباءء. ولم يقل لنا كيف أتقن الفارسية حتى ألّف فيها أيضًا فكأنه عدَّها شيئًا طارئًا عليه لا شأن له بالنسبة إلى الفروع التي أتقنها بالعربية» فجاء كاتبًا شاعرًا واعظًا مؤلمًا مفكرًا. أو أن من ترجم له ذكر النواحي التي أهمته من حياته وما احتفل بما أتقن من أمور أخرى لا تخلو من أثر في تكوين شخصيته العظيمة.

وقد عدد ياقوت كتبه فكانت أربعة وسبعين كتابّاء منها ما دخل في مجلدين فأكثر» ومعظمها في العلوم الدينية» ومنها ما كان في الأدب والتاريخ مثل تتمة دمية القصرء ودرة الوشاح» ومشارب التجارب» وعرائس النفائس» وذخائر الحكم» ومنها بضعة كتب في الحكمة ككتاب أسرار الحكم وأطعمة المرضى والمعالجات الاعتبارية» وكتاب السموم وكتاب في الحساب وخلاصة الزيجة وأساس الأدوية وخواصها ومنافعها وهو المعنئون يتفاسير العقاقير» وكتاب أمثلة الأعمال النجومية وكتاب مؤامراتهاء وكتاب معرفة ذات الحلقة والكرة والأسطرلاب؛ وكتاب أحكام القراءات إلى غير ذلك.

ووضع بضعة كتب بالفارسية ومنها تاريخ بيهق. ويقول الصفدي في الوافي بالوفيات: للبيهقي تاريخ بيهقء لعله كتبه بالعربية أو كتبه بالفارسية أولَا ثم نقله إلى العربية (طبع. في أوروبا).

وقد ذكر صاحب المعجم طرفًا من شعره وقال إنه كان يبتده الشعر. ونقل ما قاله العماد الكاتب الأصفهاني في الخريدة من وصفه له بالرياسة والشرف» وروى ما قاله والد العماد في معرض الثناء على البيهقي أنه ما نظر إلى نظيره ولا مثلت لعيئيه عين مثله. وذكره ابن خلكان في ترجمة الباخرزي صاحب

دمية القصر. ومن شعره:

يا خالق الخلق حَمّلت الورى

وعبدك الآن صطغى ماؤه واو هزه

تراجعت الأمور على قفاها

وتستيق الحوادث مقدمات وقال. من قصيدة:

إلى كم أرجّي من زماني مسرة

ويال على الطاووس ألوان ريشه

وللدهر تفريق الأحبةعادة

لق ساف المال السميرن اشر

وبينهم ذل المطامع عرّة

انها لشي الما عدت شارك

بع سه الكل الجر

وقد شاب من رأس الزمان قَذال وعلم الفتى قا عليه وبال وللجهل داء في الظباع مضال وأخلاقهم للمخزيات عَيال وعندهم كسب الجرام جلال

وترجم له الصفدي في الوافي واستشهد له من شعره بقصيدة جاء في

مطلعها: سرى طيفه وهنا ولي فيه مطمع

ويرق الأماني في دجى. الهجر يلمع

وعلق عليها بقوله: شعر متوسط واستعارات بعيدة» وأراد بقوله فسكن ماء العين البيت أن يذكر الأربعة العناصر كما قال الآخر: جفوني تذكي نارها نار حاسدي ‏ إذا الريح جاءتنا يريًا ترابها

فلم يلطف مثل هذا؟.

كان البيهقي سنيًا جماعيّاء وكثرة أهل بلده متشيعة غالية» يُفهم ذلك من ْتِ مشايخه الذين أخذ عنهم وكانوا من أهل السنة والجماعة. شهد في أيامه مشهدًا مؤلمّاء شهد الغرّ الترك يخربون في سنتي 048 و0806 بلاد خراسان ولا سيما نيسابور دار العلم فيها ويدكون جوامعها ويحرقون خزائن كتبها ويقتلون علماءها ويخربون مدارس الشافعية والحنفية.

قضى ظهير الدين حياته متعلمًا يرتاد البلاد ويلقى الرجال ويأخذ عنهم وتثقف ثقافة جمعت بين علم الآخرة والدنيا فكان عالمًا واعظًا متكلمًا أديبًا مؤرحًا حكيمًا طَبيبّاء وانصرف إلى التأليف والوعظ والتدريس وتمحض للعلوم والآداب» وكان فوض إليه» وهو في السايعة والعشرين من سنه» قضاء بيهق فقال عن نفسه: إنه بخل بزمانه وعمره على إنفاقه في مثل هذه الأمور التي قصاراها ما قال شُرّيح القاضي: أصبحت ونصف الناس علي غضبان» والغالب أنه كان من الموسع عليهم يعيش من ريع ما تركه له أبوه من ملك» فما أحب التصرف ولا تولى القضاء.

للمؤلف كتاب تتمة صوان الحكمة تأليف أبي سليمان المنطقي السجستاني من حكماء القرن الرابع» وهو الذي نشرناه باسم تاريخ حكماء الإسلام ولم يذكر المؤلف في التتمة ما سبق تصاحب الصوان ذكره لإيقانه أنه جَرّد في الترجمة لهم؛ واقتصر على بعض حكماء خوارزم وخخراسان وفارس والعراق. والتتمة كتاب في الفلسفة فيه تراجم حكماء اليونان خاصة. ولم يتعرض لذكر أحد .من الشام وإفريقية والأندلس. وكان على ما يظهر من بُعد المؤلف عن الشام وما وراءهاء وشدة الحروب الصليبية في أيامهء وانقطاع المواصلات

60 كنوز الأجداد بين الشرق والغرب معذرة على ما يظهر عن قصوره في الترجمة لأهل الحكمة من أبناء الشرق القريب. على أن سوق الفلسفة كانت كاسدة في الشام ومصر وغيرهما من أقطار الإسلام» حاشا الأندلس» فإن عظماء فلاسفتها ثبغوا في تلك الخقبة. وفي الحق أن مصر والشام لم تخرج فلاسفة كما أخرجت أرض العجم والأندلس» وكان غرامهما بالحديث والفقه والشعر ثم التاريخ ونقل علوم القذماء.

فمعظم من ترجم لهم البيهقي كانوا من أهل القرن الخامس والسادس وبعضهم من الصابئة والمجوس واليهود واليعاقبة والنساطرة ممن نشؤوا في ديار الإسلام وكتبوا تآليف بلغته. وأكثر غير المسلمين فيهم من أهل القرن الثالث والرايع ممن اقتبسوا الحكمة من يونان. ويمكن أن يقال: إن تتمة صوان الحكمة كُتب في زمن نضجت فيه الفلسفة عند المسلمين. ولم ينشأ في القرن السابع وما يعده فلاسفة عظماء على ما كان في القرن الثالث إلى السادس» ولا قام عالم من عيار الرازي والبيروني وابن هيثم وابن زهر وابن باجة إلا على الندرة» وفي القرون الكثيرة مثل ابن خلدون في إفريقية وكمال الدين بن يونس في الموصل .

وعرفنا ممن ترجم لهم المؤلف كثيرًا من الحكماء والمهندسين والأطباء والفلكيين والمنجمين وما كان لهم من تصانيف في الطب والحكمة والنجوم والهندسة وما وضعوه من الأزياج والتقاويم؛ وعرفنا بعض الأماكن التي حفظت فيها كتب الحكمة وضتانة الحكماء بهاء ورأيه فيما قرأه واستفاده» وغرام الملوك والسوقة بالأزياج وأخذ الطوالع من الأفلاك» ومبلغ اعتقادهم في صحتها على ما كان العرب في الجاهلية يعتقدوتن بالجن.

وأدركنا حرص أصحاب السلطان على ارتباط الحكماء والأطباء بهم والانقطاع إلى قصورهم» وأن بعض العظماء كانوا يشاركون مشاركة حسنة في العلمء وإن من الحكماء من تجردت نفوسهم عن المطامع فكانت نسبة

8 البيهقي لك 222222222222 لالط

الزاهدين فيهم أعلى من نسبتها في الفقهاء والمتصوفةء وأن الألفاظ الطنانة استفاضت في عصر المؤلف وقبله بعد أن كان يكتفي بتكنية مثل ابن سينا بأبي علي والفارابي بأبي نصر على جلالة قدرهما في العلوم والحكمة» وعرفنا من كتابه أن التعصب كان بعيدًا جدًا عن الحكماء» وعهدنا بأكثر المؤلفين في تلك القرون يترجمون لأهل الإسلام كما يترجمون لمن لم يمتل مِلّته بدون غرض ولا هوّى. وقد ترجم المؤلف لنحو عشرين منهم من أصل مئة وخمسة عشر حكيمّاء وأعطاهم حقهم غير منقوص عادًا لهم جزءًا من أجزاء العلم الإسلامي» ومفخرة من مفاخر تلك الأقطار كأهل صناعتهم من المسلمين حذو القذة بالقذة.

وأتانا كتابه ببرهان آخر على أن المدنية الإسلامية وجدة لا تتجزأء وأن كل قطر متمم للأقطار الأخرى». فإذا كانت خراسان خصت برجال الحكمة» فالأقطار السائرة أخرجت رجالا في فروع العلم غير قليلة» وإذا امتازت دمشق مثلّا بمؤرخيها وشعرائها ومحدثيهاء فإن بغداد امتازت بفقهائها ومؤدبيها وندمائها .

ترجم البيهقي من ترجم لهم بالإيجاز على الأكثرء وقد توسع في ترجمة ابن سينا خاصة» وأوجز في الترجمة للفارابي والبيروني والرازي وابن الهيثم وابن سهلان والراغب ومسكويه والبتاني وأبي زيد البلخي والبوزجاني ويحيى بن عدي وحنين ابن إسحاق وابن الضبي .

ومن أهم ما حرص على ذكره ما أثر لهم من حِكم لطيفة اهتم بالتقاطها أكثر من اهتمامه بتدوين سني ولاداتهم ووفياتهم. وقد يُغْفِل ترجمة الرجل ويكتفي بنقل ما عَزي إليه من كلام جميل» وكثيرًا ما يَذكر الرجل بكنيته فقط» ولا يُعْنَى بتحقيق اسمه واسم أبيه» وقد يذكر أم الرجل كما يذكر أباه.

وقد صور لنا كيف كانت تعج نيسابور وأصفهان وجرجان وزنجان وشيراز ومرو والري وبلخ وغزنة بالحكماء؛ هذا وهو لم يترجم لغير التابهين» وهناك

ل كنوز الأجداد المغمورونء وهناك الشادون ممن لم يُكْتَبٍ لهم حظ الانضمام إلى المترجم لهم. علمنا مبلغ عناية أهل عصره بالأخذ من كتب أرسطو والفارابي وابن سينا. وأتانا المؤلف ببرهان آخر على أن العريية كانت في بلاد فارس كما هي في كل بلد دخله الإسلام لغة الدين والعلم والدولة» وإنه قل في هؤلاء الحكماء من كتب كتبه يغير العربية وندر فيهم من ألّفوا باللغتين العربية والفارسية .

وإذا جثنا نعارض بين تراجم حكماء الإسلام للبيهقي وطبقات الحكماء للقفطي نجد لكل من الكتابين مزية اختص بها لا يكاد يشاركه فيها صنوه فالقفطي ألف كتايه بعد البيهقي بنحو مثة سنة وفيه تراجم حكماء اليونان وبعضهم لم نعرف عنه شيئًا إلا من كتابه. أما البيهقي فترجم لعظماء من فلاسفة الإسلام لم يتعرض لهم القفطي لأنه لم يطلع على ما كتب سلفه ولو وقع القفطي على ما دون البيهقي قبله لضم تراجمهم إلى كتابه» وهم أحرياء أن يُحشروا إلى جانب أمثالهم من حكماء الأندلس ومصر والشام والعراق وغيرهاء وكذلك رأينا البيهقي أغفل جماعة أبي حيان التوحيدي لعدم اطلاعه على أمرهم .

2 3-0

)5 الحافظ ابن عساكر أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله بن عبد الله بن الحسن الملقب ثقة الدين والمعروف بابن عساكر (0187)

معظم من ترجموا للحافظ ابن عساكر ومنهم ابنه في سماعاته لم يذكروه بهذه الكنية؛ وقيل: إنه ما كان يرتاح إلى التكني بهاء ومع ذلك ما اشتهر بغيرها. وبيت اين عساكر من بيوت دمشق المشهورة بالعلم» تسلسل فيها بطنا بعد بطن. وكان خاله أبا المعالي محمد بن يحيى بن علي القرشي قاضي دمشق» وكان الحديث والفقه أهم ما تدور عليه معارفهم. واشتهر بنو عساكر بالتقوى والتصدي لنفع الناس في دينهم.

ولد الحافظ في دمشق سنة تسع وتسعين وأربعمئة وأخذ شيئًا من العلم عن أهله وانتفع بصحبة جده أبي الفضل في النحوء وتفقه في حداثته على الفقيه أبي الحسن السلمي» ورحل في صباه إلى الشرق رحلة دامت خمس سنين» وقام برحلات غيرها طالت أشهرّاء وسمع بمكة ومنى والمدينة والكوفة وأصبهان القديمة واليهودية ومرو الشاهجان ونيسابور وهراة وسرخس وأبيورد وطوس وبسطام والري وزنجان وببلاد كثيرة في العراق وخراسان والجزيرة والشام والججاز.

والظاهر أنه اكتفى بمن أخذ عنهم من الشيوخ في هذا الجزء من آسيا ولم يتعدها إلى إفريقية» لما اشتهر من تخلف المصريين في علم الحديث» وحضر الدرس بالمدرسة النظامية في بغداد؛ وعلق مسائل الخلاف على أبي سعيد

الكرماني. وبلغ عدة شيوخه ألقًا وثلاثمئة شيخ وثمانين امرأة ونيقاء وممن أخذ عنهم فأكثر أبو سعيد السمعاني» وروى هو عئه وكان رفيقه فى بعض

حفل وطاب الحافظ بما تلقاة من محدثي عصره وعلماثه؛ فغدا محدّث الشام ومن أعيان فقهاء الشافعية» بل «فخر الشافعية وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم» و«غلب عليه الحديث واشتهر به وبالغ في طلبه إلى أن جمع مئه ما لم يتفق لغيره». قال ابن خلكان: «وصنف التصانيف المفيدة وخرّج التخاريج؛ وكان حَسَّنَ الكلام على الأحاديث محظوظا في الجمع والتأليف». وقالوا فيه: إنه كان #مواظبًا على صلاة الجماعة ملازمًا لقراءة القرآن» وكان يختم في رمضان والعشر كل يوم ختمة:؛ ولم ير إلا في الاشتغال يعلم وعبادة يحاسب نفسه على كل لحظة"» و«لم يجتمع في شيوخه ما اجتمع قيه من لزوم طريقة واحدة منذ أربعين سنة» يلازم الجماعة في الصف المقدمء إلا من عذر مانع6 و«الاعتكاف والمواظبة في الجامع» وإخراج حق الله وعدم التطلع على أسباب الدنياء وإعراضه عن المناصب الدينية كالإمامة والخطابة بعد أن عُرضتا عليه» و«كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي قد بنى له دار الحديث النورية فدرس بها إلى حين وفاته غير ملتفت إلى غيرها ولا متطلع إلى زخرف الدبنيا».

اتصل الحافظ بالمَلِكين العادلين نور الدين محمود بن زنكي وصلاح الدين يوسف بن أيوب اتصالا وثيقًا يأخذان عنه الحديث والفقه» وكان لهما المستشار الأمين ينصح ولا يقول إلا الحق» وكان من تشاكل الأستاذ مع الآخذين عنه في الفكر والسياسة ما عاد بالنفع على الأمة؛ ولو لم يكن الملكان من المعجبين بالحافظ ما اقتطعا من وقتهما الثمين ساعات للتلقي عنه والتبرك بروايته ودرايته» في عصر كثرت فيه المشاكل السياسية من حرب الصليبيين العظيمة وفيها ما يشغل عن كل شيء. ولما مات الحافظ شيع صلاح

8 الحافظ ابن عساكر هه نارفا

الدين جنازته وحضر الصلاة عليه؛ والعظيم يعرف العظيم. ولا نعدو الصواب ذا ادعيئا أن منزلة الحافظ من الملكين العظيمين كانت منزلة الأستاذ من تلميذه أو الأخ من أخيه. ويروى: أنه بينا كان يلقي الحديث على صلاح الدذين في المدرسة العادلية سقطت سرموجة على طرف ثوب السلطان رماها بعض مماليكه عن غير قصد وهو يلعب مع رفاقه» فتشاغل الملك عنهم فالتفت إليه ابن عساكر وكلمه كلامًا فيه بعض اللوم على الإفراط في الحلم» وقال له إنه كان أيام الماضي نور الدين يروي الحديث فيستمع إليه كل من في الدار كأن على رؤوسهم الطير. ونور الدين هو الذي كان السبب في تعجيل الحافظ بتأليف كتابه تاريخ دمشق.

بلغت تآليف ابن عساكر أربعين مصنفقًا وأجلها «تاريخ مدينة دمشق" وأخبارها وتسمية من حلها أو وردها أو اجتاز بنواحيها»» وهو على نسق تاريخ يغداد» أتى فيه بالعجائب كما قال العارفون. قال ابن خلكان: وقد جرى ذكر هذا التاريخ مع العلامة المنذثري حافظ مصر وأخرج منه مجلدّاء وكان الحديث في أمره واستعظامه. ما أظن هذا الرجل إلا عزم على وضع هذا التاريخ من يوم عقل على نفسه وشرع في الجمع من ذلك الوقتء وإلا فالعمر يقصر عن أن يجمع فيه الإنسان مثل هذا الكتاب؛» بعد الاشتغال والتنبه. وأردف ابن خلكان ذلك بقوله: ولقد قال الحق» ومن وقف عليه عرف حقيقة هذا القول» ومتى يتسع للإنسان الوقت حتى يضع مثله؛ وهذا الذي ظهر عو الذي انجتارهء وما صح له هذا إلا بعد مسودات ما يكاد ينضبط حصرها وله غيره تواليف حسنة». وعبارته في مقدمة تاريخه: اورَفِيَ خَبَرَ جمعي له إلى حضرة الملك الكامل العادل الزاهد المجاهد المرابط الهمام أبي القاسم محمود بن زنكي بن آق سئقر ناصر الإمام أدام الله ظل دولته. .. وبلغني تشوقه على الاستنجاز له والاستتمام» ليلمٌ بمطالعة ما تيسر مئه بعض الإلمام» قراجعت العمل فيه راجيا الظفر بالتمام. ...

ومن تآليفه «تبيين كذب المفتري على أبي الحسن الأشعري» وهو كتاب تتجلى فيه شخصيته الدينية كما نم عليه تاريخه العظيم الذي ظهر به تفئنه في الترجمة للناس والعرض لإخبارهم وشعرهم ونثرهم» وقد جمعه على شرط المحدثين بالسند والرواية؛ ولا شك أنه طالع مئات من الكتب ليقتبس ما يلزمه منهاء وهو كنز عظيم من كنوز الأجداد عجز الجماعة عن وضع مثله» فكيف بفرد لم يُعمّر طويلًا بالقياس إلى المعمّرين» ولكن الحافظ بورك له بساعات عمره لما حرص هو على عدم إضاعته .

ما خخرج ابن عساكر عن الحديث والفقه والتاريخ والأخبار والأدب» وهي الموضوعات التي خاض عبابهاء وما كان اعتماده على التقل فقط بل كان يستعمل العقل» وفي القليل مما وصل إلينا من مصنفاته برهان على ذلك. فقد رأيناه معنا بحل المشاكل يناقش ويجادل بعيدًا في الجملة عن تعصب أهل مذهبهء وكأنه أقرب إلى الاجتهاد منه إلى الجمود والتقليد» والوقوف عند أقوال من كان قبله» والتاريخ يوسع العقل ويورث صاحبه نورًا لا يستضيء بمثله عقل من لم يرزق حظًا عظيمًا من النظر فيه.

نفعت الحافظ صفاته الشخصية الممتازة ومن أهمها أمانة المؤرخ وصدق المحدث؛» وهما من أعظم ما يطلب منهماء فكانت له الحظوة التامة عند الأمة وعند الملوك: ومن اشتهر بهذه الصفات الغرٌ كان حريًا بأن يُقيل الناس على ما يقول ويكتب» ومن أهم ما نفعه في دراسته رحلاته المتعددة في ديار الإسلام أيام صباه» وتلقيه العلم على أئمة العلماء؛ والأخذ عمن اشتهر في الأمصار من الرجال فَعَلا سنده وغَزّْر علمه» واتسع أفق نظره وزادت معارقه فيما أخذ نفسه به وذلك بالاطلاع على مجاميع ومصنفات ما كانت تتيسر له في بلده. ولما كان الجدٌ مرماه في عامة أمورهء أدى ذلك إلى جودة إنتاجه ووفرته .

يُعَذُ ابن عساكر من المكثرين من التأليف والمجوّدين فيه؛ أَلّف ما ألّف

لدواع دعتهء ومناسبات تقاضته جهدًا عظيماء ولا قصد له إلا خدمة الإسلام والمسلمين» ولو قد سلمت مصنفاته كلها من التلف لكان منها خزانة لطيفة تنطق بيعد غور صاحبهاء وبها أثبت أن شهرته كفاء علمه الواسع؛ وأنه من أنبغ رجال الدين» عَني بتعبيد الطرق إلى اقتباس العلم وتقريب مناله على المستفيدين .

ترجم للحافظ رفيقه وصديقه الحافظ السمعاني فقال: إنه كان كثير العلم غزير الفضل حافظًا متقئًا ديْئًا خيّرّاء حسن السمت» جمع بين معرفة المتون والأسانيد» متثيثًا محتاطا. وقال العماد في الخريدة: إنه كان يتردد إليه في دمشق ورآه قد صنف تاريخ دمشق وذكر أنه في سبعمئة كراسة كل كراسة عشرون ورقة. وقال إنه في خمسمئة وسيعين جزءّاء والنسخة الجديدة ثمانمئة جزء. قال العماد: وسمعت بعضه منهء ودخلت عليه ذات يوم فعرضت عليه ما أورده السمعاني في جحقه وسمعت المقطعات الثلاث اللامية والتائية والغينية من لفظه. وقال: صدق السمعاني. قال العماد: هو الحافظ الذي تمرد بعلم الحديث والاعتقاد الصحيح, المنرّه عن التشبيه» المحلّى بالتنزيه» المتوحٌد بالتوحيدء المظهر شعار الأشعري بالحد الحديد والجد الجديد والأَيّد السنديد. 5

قال: ومما أنشدنيه لنفسه وقد أعفى الملك نور الدين أهل دمشق من المطالبة بالخشب فورد الخبر باستيلاء عسكره على مصر فكتب إليه يهنئه قصيدة من أبياتها : لما سمحت لأهل الشام بالخشب عُوّضت مصر يما فيها من النشب وإن بذلت لفتح القدس محتسبًا للأجر جوزيت خيرًا غير محتسب ولست تعذر في ترك الجهاد وقد أصبحت تملك من مصر إلى حلب عساك تظفر في الدنيا بحسن ثنا2 وفي القيامة تلقى حسن متقلب

وشعر ابن عساكر شعر الفقهاء. وكان يختم معظم دروسه بإيراد شيء من

6 كنوؤ الأجداد شعره. ونثره أرقى نثر في عصره؛ وإذا ترك السجع واستعمل المرسل كان رصفه من الجيد البديع.

قد يسأل سائل وهل تَعَدَّتْ يا تُرى شهرة ابن عساكر أرض الشام وما إليها أو تجاوزتها إلى بيئات أخرى؟ فالظاهر أنه كان عَلَّمّا في شهرته بين أرباب الحديث وحملة التاريخ في الأقطارء وانتقلت أخبار علمه إلى بلدان ما كان له بحسب الظاهر اتصال بها. وفي حياته كان صيته بحديثه على ما يظهر أكثر من شهرته بتاريخه» وبغد مماته شهر بتاريخه واستفاضت شهرئه حتى سرت إلى الفنين السهلين الصغبين الحديث والتاريخ؛ فلدلك كثر الآخذون من تاليف مؤلّفناء لأنها أخذت بنصيب من التنقيح والإمتاع.

ويكفي أن يقال عن تاريخ دمشق إنه حوى عدة كتب مستقلة» كما قالوا وقد يستغني الناس عن كتاب لأن في غيره ما يشبهه أو يقرب منه» ولكن تاريخ دمشق لا غنية لكل مهذب عن النظر فيه واتخاذه جليسه وسميره» والاعتماد عليه في الوقوف على تراجم من كان لهم شأن في هذا المجتمع. أخذ :عمن سيقة وجوّد الأخذى وتعلقت الأقدار إن. ضاع بعضص مصادره» ولولا أن جمعها في هذا التصنيف الممتع لضاع جانب عظيم من تراجم الرجال؛ وتاريخ هذه الأمة.

ومن أجل هذه المزايا التي جمعها هذا التاريخ كان يُنظر إليه على أنه تاريخ العالم الإسلامي» وينظر إليه أهل كل قطر نظرهم إلى كتاب خوى بغيتهم ولا يستغنون عن الأخذ منه.

وكأن مؤلّفنا شعر بأن الناظرين في تاريخه العظيم قد يعروهم المثل من كثرة أسانيده فحلّاه بالشعر يرويه لمن كان لهم شعر من الرجال؛ ويستطرد استطرادات في محلها للترويح عن النفوس0» فأثبت أنه فنان يحسن التأثير في

24 الحافظ ابن. عساكر ات 2

قلب سامعه. ومع هذا بدا لبعض العلماء من القديم أن يختصروا تاريخه لِيَخفٌ محمله. فاقتصروا منه على ما يروقهم من صفحاته؛ فقد اختصر المؤرخ أبو شامة (7760) ضاحب كتاب الروضتين الأكبر من مختصره فى خمسة عشر مجلدّاء والأصغر في خمس مجلدات» وكان القوم يتلقون من أبي شامة في جامع دمشق تاريخ ابن عساكر وتاريخ الروضتين. واختصر تاريخ دمشق ابن عبد الدائم المقدسي (165) وسماه «فاكهة المجالس وفكاهة الجالس» أخذ ما راقه من الشغر والنثر والجد والهزل وأخبار الماضين والملوك السالفين. وممن اختصره ابن المكرم )!/1١(‏ صاحب لسان العرب في نحو ربعه» وبدر الدين العيني (481/6)» وانتقى منه جلال الدين السيوطي )41١(‏ سماه اتحفة المذاكر المنتقى من تاريخ ابن عساكرةء واختصره من المتأخرين الشيخ عبد القادر بدران. ولتاريخ. دمشق أذيال منها ذيل ولد المصتف القاسم ولم يكملهء وذيل صدر الدين البكري؛ وذيل عمر بن الحاجب» وذيل عليه الحافظ علم الدين البرزالي؛ وذيل أبي يعلي بن القلانسي وغيرهم.

قلنا: إن تاريخ دمشق كتاب عظيم يحمل في تضاعيفه عدة كتب ويسهل استخراج دراسات مختلفة الموضوعات منه. وكان للمؤلف الفضل في جمع هذه الأخبار والأساطير لأنه حرص على ألا يخلّي كتابه مما يفيد جميع الطبقات» وقد يسرد أشياء لا يعتقدها فيما نتحسبء والعقل يمحص وينفي الزغل. وأي كتاب للمحدثين والأقدمين سلم من نقد ومؤاخذة. وكانت أماني الباجثين أن يحمل إليهم الكتاب القديم كما كتبه مؤلفه. وكان يقوم من العلماء القرن بعد القرن من يجمع وينسق وينشره للعبرة أو للتفكهة أو لغير ذلك من المقاصد. وليس من العقل اختيار كل شيء وفي هذا التاريخ ‏ على سقم بعض الروايات ‏ أشياء مهمة من الصحاح تدل على عناية العلماء قديمًا برواية الحديث والفصل. بين صحيحه وسقيمه.

وبَعْدُ فإن عقلًا كعقل الحافظ ابن عساكر من المستحيل أن يقول بهذه

نوز الأجداد لل ل يي ف ادك

الخرافات والأساطير التي وردت في مقدمة تاريخه وهو من أعرف العلماء بالأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ وقد قال العلماء مثلّا كل ما يروى من الأحاديث في فضل البلدان لا أصل له. والمؤرخ قد ينقل أخبار أهل النُحَل والمذاهب من دون أن ينفيها أو يقرّها على ما جرى أبو الريحان البيروني في وصف مذاهب الهند ولم يطعن فيها ولا هزأً بما يعتقد المعتقدون فيهاء واكتفى بتصحبح الرواية وابتعد عن التزيد. ثم إن العلم في القرن السادس كان غير ما هو عليه في هذا القرن» والمؤلف إنما كان يكتب في قرنٍ ما أرتقت فيه العلوم ارتقاءها لعهدناء وما ألف المؤلقون أن يدرسوا التاريخ كما أخذ المعاصرؤن يدرسونه» وكان الفضل في ذلك لاين خلدون واضع فلسفة التاريخ.

)0 عماد الدين الكاتب (097)

قالوا خرج من أصبهان من العلماء والأئمة في كل فن ما لم يخرج من مدينة من المدن» وعلى الخصوص علم الإستاد؛ فإن أعمار أهلها تطول» ولهم مع ذلك عناية وافرة بسماع الحديث؛ وبها من الحفاظ خَلْقّ لا يُسْصَون ولها عدة تواريخ. والعماد الكاتب هو من هذه المدينة الجميلة» نشأ بها وجاء بغداد شابّاء فانتظم في سلك طلبة المدرسة النظامية وتفقه بأجلَّة نقهائها والوركاني» وعاد إلى بغداد واشتغل بصناعة الكتابة فبرع فيها ونبغ. واتصل بالوزير يحبى بن هبيرة فولاه النظر في البصرة ثم بواسط» ولما توفي ابن هبيرة أقام العماد ببغداد مدة متكد العيش» ثم انتقل إلى دمشق فأنزله قاضي القضاة أيوب والد السلطان صلاح الدين» عَرَفَه بتكريت حين كان نجم الدين واليًا عليهاء فلما سمع نجم الدين بوصوله بادر للسلام عليه في منزله ومدحه العماد

بقصيدة جاء في مطلعها : يوم النوى ليس من عمري بمحسوب2 ولا الفراق إلى عيشي بمنسوب وكان القاضي الشهرزوري يذكر العماد عند السلطان نور الدين وذكر له تَقدّمه في العلم والكتابة وأهّله لكتابة الإنشاء؛ فتردد العماد في الدخول فيما

زالا

لم يتقدم له اشتغال طويل بهء مع توفر مواد هذه الصناعة عندهء خوفًا من التقصير فيما لم يمارسهء ثم أقدم بعد الإحجام فباشرها وأجاد فيها حتى زاحم القاضي الفاضل بِمَنْكب ضخم. وكان ينشئع الرسائل بالفارسية أيضًا فيجيد فيها إجادته بالعربية.

وعَلَتْ منزلته عند نور الدين وصار صاحب سرّه وفوّض إليه تدريس المدرسة العمادية» وولّاه الإشراف على ديوان الإنشاء. ولما توفي نور الدين وولي ابنه الملك الصالح إسماعيل أغراه بالعماد جماعةً كانوا يحسدونه ويكرهونه» فخاف على نفسه وخرج من دمشق قاصدًا يغدادء فوصل إلى الموصل ومرض بهاء ولما أَيَلّ من مرضه بلغه خروج. السلطان صلاح الدين من مصر قاصدًا دمشق ليستولي عليهاء فعزم على الرجوع إلى الشام وخرج من الموصل فوصل إلى دمشق وسار منها إلى حلب فلزم بابه ينزل بنزول السلطان ويرحل برحيله .

هذا ما نقله ياقوت» قال: ولم يزل يغشى مجالسه ملازمًا لخدمته» حتى قرّبه واستكتبه واعتمد عليه فتصدّر وزاحم الوزراء وأعيان الدولة» وعلا قدره وطار صيته. قالوا ولما دخل القاضي الفاضل على صلاح الدين لما أدخل عليه العماد الكائب قال له غدًا يأتيك تراجم الأعاجم وما يحلها مثل العماد. فقال له السلطان ما لي عنك مندوحة أنت كاتبي ووزيري ورأيت على وجهك البركة» فإذا استكتبثٌ غيرك تحدّث الناس. ققال: العماد يحل التراجم ولربما أغيب أناء فإذا غبثٌ قام مقامي. وكان إذا انقطع القاضي الفاضل عن الديوان ناب عنه في النظر عليهء وألقى إليه السلطان مقاليده وركن إليه بأسراره فتقدّم الأعيانَ وأشير إليه بالبنان.

وكان عماد الدين محل ثقة القاضي الفاضل آمنًا من توثيه عليه» ولهذا كان يطمئن إليه إذا غاب عن السلطان. وكان شديد الحرص على تحصيل الدنيا؛ وكان. الفاضل يلومه ويعتبه ويعزله ويؤنبه على ذلك فلا يرعوي وله قي

عماد الدين الكاتب تكد لق

هذا حكايات منها: أن رجلا من أهل حمص جاءه بطبق كيزان وتفصيلة كتان قيمة ذلك كله نحو خمسين درهمًاء وسأل حاجة فأخذ قصته وقرأها على السلطان وكان قد بلغه الخبر فلم يجبه» فأعاد العماد عرض القصة وقراءتها مرات في مجالس عدة والسلطان لا يأمر فيها ولا ينهى» ففطن العماد وعلم أن الخبر قد اتصل بالسلطان» فأعاد عرض القصة فلم يجبه عنها. قال: يا مولانا الطبق الذي أحضره صاحب هذه القصة باقٍ إلى الآن لم أتصرّف فيه فإن كان ما ينقضي شغله أعدت عليه طبقه» فضحك السلطان وعجب من دناءة نفسه وأمر بقضاء شغل الرجل.

وكان شديد التهافت على أخذ الختوم الذهب التي تجيء على كتب الفرنج» فوصل منهم كتاب بغير حضوره ففتجه السلطان بيده وأخذ بعض الحاشية الختم؛ فلما جاء العماد قيل له اكتب جواب هذا الكتاب» فقال: يكتب جوابه من أخذ الختمء فعرّ قوله على السلطان وقال له: قم اخرج؛ الوقت ما هو محتاج إليك. فأتى إلى الفاضل وعَرّفه ما كان فقال له: رّح إلى الخانكاه واقعد بها مع الفقراء والبس زيهم» فإذا طلبك السلطان قل أنا دخلت في أمر لا أخرج منهء ثم لا تخرج حتى يأتيك السلطان بنفسه مترضّيًا. وكان من هذا التدبير أن جاءه السلطان وترضًاه. ومن شعره: هي كتبي فليس تصلح من بع دي لغيرالعطرر والإسكاف هي إمامّزاودللعقاقيا ير وإمابطائن للخفاف

ولما توفي صلاح الدين اختِلّت أحوال العماد ولزم بيته وأقبل على التصنيف والإفادة حتى توفي. وله من المصنفات: خريدة القصر وجريدة العصر تراجم شعراء الشام والعراق ومصر والجزيرة والمغرب وفارس ممن كان بعد المئة الخامسة إلى ما بعد سئة سبعين وخمسمئة» وله البرق الشامي والفتح القسي في الفتح القدسي وهذا مطبوع؛ وله غير ذلك من الكتب والدواوين.

أما إنشاؤه فسجع؛ وفي الفتح القسي منه مثال يأتي على حلم الحليم» لما أكثرٌ فيه من الجناس وأتى من أنواع البديع. وقد شهد القاضي الفاضل بأنه كالزناد ظاهره بارد وباطته فيه نار. ونحن نقول إنه شهرته أغظم عن حقيقته. لا جرم أنه متمكن من اللغة يصرّفها كما يشاء بقلمه» وتكلفه لا يخفى على

صاحب هذا الفن. وفي الفصل الذي عقده في الفتح الّسي لوصف نساء الإفرنج اللاتي هُدَيْنَ أنفسهن في الحروب الصليبية للترفيه عن بني قومهن في فلسطين مال بيّن من ذلك. وما قيل في نثره يقال في شعره؛ فإنه يكثر فيه الجناس أيضًا حتى يفقد سلاسته. ولنا أن نقول إنه شاعر أرقى من الوسط وناثر كذلك» هيأت له الأيام شهرةً طالما تخطّت مَن بَذُوه وما ساؤواهم في أديهم وأخلاقهم. ومن قصائده الطوال في مدح السلطان صلاح الدين قصيدة

ضمّنها فتح القدس وفلسطين» قال في مطلعها:

أطيب بأنفاس تطيب لكم نفسا وأسأل عنكم عافيات دوارس معاهدكمما بالها كعهودكم وقد كان في حدس لكم كل طارف أرى ندثان الدهر ينسى حديثه تزول الجبال الراسيات وثابت حسبت حبيبي قاسي القلب وحده ومنها : رأيث صلاح الدين أفضل من غدا وقيل لنا في الأرض سبعة أبحر سجيته الحسنى وشيمته الرضا فل اعدمت أيامنامته مشرقًا

وتعتاض من ذكراكم وحشتي أنسا غدت بلسان الحال ناطقة موسا وقد كررت من درس آثارها درسا وما جئتم من هجركم خالف الجدسا وأما حديث العذر منكم فلا ينسى رسيس غرام في فؤادي لكم أرسى وقلب الذي يهوى بحمل الهوى أقسى

وأشرف من أضحى وأكرم من أمسى ولسنا نرى إلا أنامله الخمسبا وبطشته الكبرى وعزته القعسا

+ . عماد الدين الكاتب

جنودك أملاك السماء وظنهم ومن غزلياته قوله:

أفدي الذي خلبت قلبي لواحظه

صفات ناظره سَقّمٌ يلا ألم

على محياه من نار الصبا شعل ومن حكمياته :

اقنع ولا تطمع فإنالغنى وقال:

وماهلهالأيام إلا صحائف

ولم أر في دهري كدائرة المنى

أعاديك جنا في المعارك أو إنسا

شَكُر بلا قدح مُرْجٌ بلا قوه وورد خديه من ماء الجمال ندي

كمالله في عرة النفقفس لأخذه الضوء امن الث حمر

وت#حهجق

ياقوت‎

عبد النه شهاب الدين

01

كان مولد ياقوت في الرومء وأخذه المسلمون أسيرًا وهو طفل» واشتراه في بغداد تاجرٌ يعرف بعسكر الحمويء فنسب إليه فقيل له: ياقوت الحموي» كما قيل له: الرومي»؛ وجعله سيّده في الكتّاب يتعلم ما يستفيد هو منه في ضبط متاجرهء وقرأ شيئًا من النحو واللغة وشغله مولاه بالأسفارء وفى سنة 5 أعتقه. فاشتغل بالنسخ بالأجرة وحصّل بالمطالعة فوائد. ْ

ودعاه مولاه القديم فأعطاه شيئًا وسفره إلى كيش وعُمان» ولما عاد من سفرته كان سيده قد ماتء» فأعطى أولاده وزوجته ما أرضاهم بهء وبقيت بيده بقية جعلها رأس ماله وسافر بها وجعل بعض تجارته كتبّاء وسهل عليه أن يطوف الشام والعراق والجزيرة وخراسان» واستوطن مرو ودخل خوارزم وجاب البلاد ما بين جيحون والنيل «وكانت له همة عالية في تحصيل المعارف». وشهد غارات التتر في خراسان أيام كونه فيهاء ووصف أعمالهم في الأقطار الإسلامية» وفقد ثروته غير مرة فَعُذَّ من المَفُلوكين”" .

قيل: إنه كان طالع شيئًا من كتب الخوارج فاشتبك في ذهنه منها طرف. قوي؛ وتوجه إلى دمشق في سنة ”27177 وقعد في بعض أسواقها وناظر يعض من يتعصب لعلىٌ كرّم الله وجهه وجرى بينهما كلام أدى إلى ذكره عليًا بما

)0( المفلوك : الفقير [المعجم الوسيط]. (المُراجع)

لا يسوغء فثار الناس غليه ثورة كادوا يقتلونه فَسَلِمَ منهم؛ وخرج من دمشق منهزما .

ويدرك المرء بعد هذه الإلمامة اليسيرة بسيرة ياقوت كيف ساعدته الأقدار فدرس الكتب واستفاد من نّسْخْها وزاده تنقّله في الأقطار توسُعًا في المعارف» فاطلع على ما لم يطلع عليه غير قلائل من المؤلفين» فكان ذلك مما ضاعف الإمتاع بكتبه فككتب لها البقاء لحاجة الناس إليهاء ولأن صاحبها كتبها عن درس ومشاهدة وخبرة» ويمتاز على غيره بأنه عرف جزءًا عظيمًا من ديار الإسلام معرفة أكيدة وأدرك الرجال ولقي شيوخ عصره.

كان ياقوت رقيق العاطفة مرهف الحس دؤويًا على العمل يمل نفسا زكية دراكة. كان صريحًا في قوله لا يدالس ولا يصانع» يقول ما يعلم وإن أغضبّ وأرضىء فيه صَدْعٌ العلماء بالحق وصِدْقٌ الصادقين من الرواة. قال عن نفسه: إني كنت قدمت نيسابور في سنة 5١7‏ وهي الشاذياخ فاستطبتها وصادفت بها من الدهر غفلةً خرج بها عن عادته واشتريت بها جارية تركية لا أرى الله تعالى خَلَّقَ أحسن منها خَلْقَا وجُلّقّاء وصادفتُ من نفسي محلًا كريمّاء ثم أبطرتني النعمة فاحتججت بضيق اليد فبعتها فامتنع علي القرار» وجانبت المأكول والمشروب حتى أشرفت على البوار» فأشار علىّ بعض النصحاء باسترجاعها فعمدت لذلك واجتهدت بكل ما أمكن فلم يكن إلى ذلك سبيل لأن الذي اشتراها كان ممولاء وصادفتٌ من قليه أضعاف ما صادفت مني» وكان لها ميل إليّ يضاعف ميلي إليهاء.فخاطبت مولاها في ردها علي بما أوجبت به على نفسها عقوبة» فقال في ذلك قصيدة يصف الحال: ألا هل ليالي الشاذياخ تؤوب فإني إليهاما حييتٌ طَرَوبٌ يلاد بها تصبي الصبا ويشوقنا ال شمال ويقتاد القلوبٌ جنوب لذاك فؤادي لا يرال مروعًا ودمعي لفقدان الحبيب سكوب

كنوز الأجداد

ويوم فراق لميرده ملالة ‏ محبٌ ولم يجمع عليه حبيب ولم يحد حاوٍ بالرجيل ولم يزع عن الإلف حزن أو يحول كثيب إن ومن أهواه تسمع أَنَْمِي ‏ ويدعوغرامي وجده فيجيب وأبكي فيبكي مسعدًا لي فيلتقي ‏ شهيكقٌ وأنفاس له ونحيب ألايا حبيبًا جال دون بهائه على القرب بابٌ مُحكمٌ ورقيب فَمَنْ يَضْحٌ من داء الخُمار فليس ‏ من خحمارٍ للمحبٌ طبيب بنفسي أفدي من أخبٌ وصاله وَيَهوى وصالي مَيْله ويثيب ونبذل جُهْدَّينا لصَّمْ ل يضمُّنا ويأبى زماني إن ذا لعجيب وقد زعموا أن كل من 3 واجد وما كل أقوال الرجال تُصيب

هذا مثال من شعر ياقوت وكان مُقِلُا منه» وقد أورد له ابن خلكان رسالة مطوّلة كتبها من الموصل إلى القاضي الأكرم القفطي وزير صاحب حلب حين وصوله إلى خوارزم هاريًا من التتر يصف فيها بالسجع ما لقيه من البلاء وما ارتكبه التتر من الشرور. ووصف تلك الديار وأهلها وعلمهم وأخلاقهم وصفًا جيدًا. وفي هذه الرسالة استشهد بأبيات كثيرة من الشعر دلّ بها على وفرة محفوظه وحضور ذاكرته.

ثلائة كتب طبعت لياقوت اشتّهر بها وخلد ذكره: (معجم البلدان) و(المشترك وضعًا والمختلف صقعًا) و(إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)» أو طبقات الأدباء» وكلها مما أحياه المستعربون من الغربيين لهذا الرومي المستعرب العظيم» وقد خدم بها تاريخ الرجال وتاريخ البلدان خدمة عظيمة. فهو في الجغرافيا العربية. والآداب العربية نسيج وحده حقق في كل ما وضع تحقيقًا لا يصل غيره إلى مثله في عصره وبعد عصره.

رنب مغجم البلدان على حروف المعجم؛ وذكر فيه أسماء البلدان

والجبال والأودية والقيعان والقرى والمحال والأوطان والبحار والأنهار والغدران والأصنام والأوثان معتمدًا في تأليفه على من كَتَبَ قبله في تقويم البلدان من العرب وعلى اللغويين ودواوين العرب والمحدثين وتواريخ أهل الأدب» والتقط من أفواه الرواة وتفاريق الكتب وما شاهد في أسفاره وحققه بنفسه من أسماء البلدان ما عظمت به فائدته.

كان ياقوت محتاطًا فيما ينقله عن غيره؛ قال مثلًا في إحدى المدن: ولها قصة بعيدة من الصحة لمفارقتها العادة وأنا بريءٌ من عهدتها إنما أكتب ما وجدته في الكتب المشهورة التي دوتها العقلاء. وقال فيما نقل عن الصين: اوهذا شيء من أخبار الصين الأقصى ذكرته كما وجدته لا أضمن صحتهء فإن كان صحيحًا فقد ظفرت بالغرض» وإن كان كذبًا فتعرف ما تقوله الناس» فإن هذه البلاد شاسعة ما رأينا من مضى إليها فأوغل فيهاء وإنما يقصد التجار أطرافها». وكأنه بما ينقل من الأوهام والخرافات يحاول ألّا يخلي كتابه من كل أطروفة ولو كانت سخيفة» ليستفيد منه الجاهل ويتفكه به العالمء ويزيد به المتعلم الأديب درسّاء وقد توسّع خاصة في الكلام على المدن التي أنشأتها العرنة:

وأموالها ومرافقها وعادياتها وأخلاق أهلهاء ومن خرج منها من المشاهيرء وما وقع قيها من الوقائع التاريخية وما قيل فيها من الأشعار البديعة» فأمتع قارته يكل مفيد حسب ما وصل إليه علمه:؛ ووقع عليه في كتاب أو استقرأه بنفسه ونقله عن الثقات. وهذا جماع ما في معجمه مما أدركه في عصره أو اقتبسه من الأصول المتقنة في خزائن مرو قال: اكانت سهلة التناول» لا يفارق منزلي منها مئتا مجلد وأكثر وبغير رهن» تكون قيمتها مئتى دينار: فكدت أرتع فيها وأقتبس من قواتدهاء وأنساني حبها كل بلدء وألهاني عن الأهل

ز الأجدا حو شه سهه

والولدء وأكثر فوائد هذا الكتاب (معجم البلدان) وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن». وما كان له أن يفارق مرو لولا ورود التتر إلى تلك الأرجاء.

ومن معجم البلدان فقط يتألف ديوان لطيف من المقاطيع والقصائد التي استشهد بهاء وكتاب في عجائب البلدان والخليقة وأخلاق الناس وعاداتهم ودرجة الرفاهية والثروة في عصره أو قبل عصره. ويفيض في كلامه على الحواضر يذكر من خرج منها من الأعيان ولا سيما رجال الحديث» وقد تظفر فيه بتراجم مطولة لرجالٍ أغفل بعض مصنفي الطبقات ذكرهم. وهو كتاب خاص بديار الإسلام والشرق كتب بكثير من التحفظ إذا وقع التنظير بين ما نقله وما نقله المؤلفون في عصره وبعده عصره. فقد قال في الروم مثلا «وفي أخباز بلاد الروم أسماء عجزت عن تحقيقها وضبطهاء فليعذر الناظر في كتابي هذاء ومن كان عنده أهلية ومعرفة وقتل شيئًا منها علمّاء فقد أَِنتٌ له فى إصلاحه مأجورًا». وهذا ديدن العلماء في القديم والحديث» يدعون العاوقين إلى تصحيح هفواتهم أو إلى نقدهم للوصول إلى الحقائق.

أما كتاب «المشترك وضعًا والمفترق صقعًا» فقد انتزعه بنفسه من معجم البلدان؛ واقتصر فيه على ما اتفق من أسماء البقاع لفظّا وخطظّا ووافق شكلا وتَقْطَا وافترق مكانًا وعملاء توفيرًا لوقت المطالع الذي يحب السرعة في تلقّف الفوائد» وبعدًا به عما ذكره في معجمه الكبير من الاشتقاق والشواهد والنكت والفوائد والأخبار والأشعار. ودعا ياقوت على من يختصر بعده كتابه معجم البلدان» وما نجا مع هذا من أناس حاولوا اختصاره» ومنهم صفي الدين عبد المؤمن اختصره وسماه «مراصد الاطلاع1.

بقي أن نطلق القول في كتاب ياقوت الثالث وهو «إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب» وفيه جمع ما وقع من أخبار النحويين واللغويين والنسابين والقراء المشهورين والأخباريين والمؤرخين والوراقين المعروفين والكتاب المشهورين وأضحاب الرسائل المدونة وأرباب الخطوط المتسوبة وكل من

١غ‏ ا يأقوت 5 9--0/08088-9999ين/نز/نز ز ز 0 000000000000ز 0000| | | |2121 (41 )سس

صنف في الأدب تصنيفًاء مثبثًا وفياتهم ومواليدهم وتصانيفهم وأخبارهم وأنسابهم وأشعارهم. قال: فأما من لقيته أو لقيت من لقيه فأورد لك من أخباره وحقائق أموره ما لا أترك لك بعده تشوقًا إلى شيء من خبره» وأنه جمع للبصريين والكوفيين والبغداديين والخراسانيين والحجازيين واليمتيين والمصريين والشاميين والمغربيين وغيرهم على اختلاف البلدان» وذلك على حروف المعجم أيضًا. وقال في الاعتذار عن نفسه ولمن يقول له إن الاشتغال بأمر الدين أهم : إن هذه أخبار قوم عنهم أخذ القرآن والحديث» وبصناعتهم تنال الإمارة ويستقيم أمر السلطان والوزارة» وبعلمهم يتم الإسلامء وباستنباطهم يعرق الحلال من الحرامء وإن كتابه هذا هو علم الملوك والوزراء والكبراء يجعلونه ربيعًا لقلوبهم ونزهة لنفوسهم.

قال: وريما قال بعضهم إن (معجم الأدباء) تصنيفٌ روميّ مملوك وما عسى أن يأتي به؟ إن القوم لا ينظرون ما قيل إنما يسألون عمن قال. ولو عاش ياقوت ورأى القوم بعد أن أتى على كتابه سبعة قرون كيف اشتهر كتاباه معجم البلدان ومعجم الأدباء لا يستغني عنهما باحث ولا أديب» وأثبتت الأيام أنهما من الكتب التي حَوَتْ كل طريف مفيد تزيد على القرون حسنئاء لاغتبط وأدرك أن ما كان يقدر أن الناس يقولونه في كتيه قالوه في أمثاله» ثم ذعب لغط القوالين والطاعنين» وثبت علم العالمين والمتأدبين الباحثين.

ولياقوت كتب كثيرة لم تطبع» وما طبع له كاف في الحكم على سعة علمه وسعة عمله. يقول أحد علماء المشرقيات: ما كان ياقوت إلا بعض أولعك الجمّاعين من المؤلفين عند العرب. أي إنه يُعنى بنقل كلام غيره فليس له يد فيما دَوْنْء ولا صَدْرٌ فيما صَدَّرٌ عن بحث وأعمال قريحة؛ ولكن البحث الشخصي يتمثل في كتب ياقوت ولا سيما في معجم البلدان ثم في معجم الأدباء على ما قلته. ومعجم الأدباء لم يصل إلينا إلا ناقصّاء وما نشر على أنه من ياقوث ينادي على نفسه بأنه ليس له بل هو مدسوس عليهء ويتجلى ذلك

ز الأحجدا -: د 2230000 هموق الأسجدا

لمن يعارض بين التراجم التي هي من محصول قلمه والقصول الأخيرة من الكتاب وقد ألصقت به إلصاقّاء فالفرق بين بين إفاضة ياقوت في الترجمة للرجال والاقتضاب المخزي في التراجم التي نحلوها له.

قات 5

0 عيد اللطيف البغدادي (598)

هذا عالم ندر أن يتسع صدر رجل ما اتسع له صدره من ضروب العلم والآداب. قال العلّامة هوتسما: إنه كان يعرف جميع العلوم المعروفة في عصره. والسيب في تفئنه في العلم نصيحةٌ صدرت له من رجل مغربي نزل بغداد كان كما قال هو عنه ‏ يجلب القلوب بصورته ومنطقه وإيهامه فملأً قلبه شوفًا إلى العلوم كلها. عد له ابن أبي أصيبعة زهاء مئة وخمسين كتابًا ومقالة ورسالة؛ ومنها ما وقع في مجلدات مثل أخبار مصر الكبيرء وكتاب الجامع الكبير في المنطق والطبيعي والإلهي زهاء عشر مجلدات؛ وكتاب القياس يدخل في أربع مجلدات» والسماع الطبيعي مجلدان. ومنها ردود على بعض الفلاسفة مثل ابن سينا والرازي وابن الهيثم» ولم يطبع من جميع كتبه فيما علمنا سوى كتاب المشاهدة والاعتبار في أخبار مصرء وفيه ترجمته بقلمه. وفي هذا الكتاب الصغير حوادثٌ مهمةٌ وقعت في أيامه في مصر والشام وصفها وصف عيان. فنحن إذن لا نعلم شيئًا من تصانيفه يسوغ لنا به إصدار حكم عادل عليه.

قال ابن أبي أصيبعة: كان كثير الاشتغال لا يخلَّى وقثًا من أوقاته من النظر في الكتب والتصنيف والكتابة: والذي وجدته في خظه أشياء كثيرة جدًا بحيث أنه كتب كتبًا كثيرة من تصانيف القدماء. قال: وكان حسن الكلام لكثرة ها يرى في نفسه ويستنقص فضلاء زمانه وكثيرًا من المتقدمين» وكان يكثر

الوقوع في علماء العجم ومصئفاتهم وخصوصًا الشيخ الرئيس ابن سينا ونظرائه .

ولما استوفى حطّه من الأخذ عن علماء بغداد جاء الموصل فلم تعجبه واجتمع بكمال الدين بن يونس وكان ممن يقول بالكيمياء وعبد اللطيف يخالفه في ذلك فرحل عنها ونزل دمشق وفيها ألّْف كتبًا كثيرة .

ثم توجّه إلى زيارة القدس. ثم قصد إلى صلاح الدين بظاهر عكا فاجتمع ببهاء الدين بن شداد قاضي العسكر يومئٍ قال: وكان قد اتصل به شهرتي بالموصل فانبسط إلى وأقبل علىّ وقال: نجتمع بعمادٍ الدين الكاتب» فقمنا إليه وخيمته إلى نخيمة بهاء الدين» فوجدته يكتب. كتابًا إلى الديوان العزيز بقلم الثلث من .غير مسودة وقال: هذا كتاب إلى بلدكم» وذكرني في مسائل في علم الكلام وقالوا قوموا بنا إلى القاضي الفاضل» فدخلنا عليه؛ فرأيت شيحًا ضئيلا كله رأسٌ وقلب وهو يكتب ويملي على اثنين» ووجهه وشفتاه تلعب ألوان الحركات لقوة حرصه في إخراج الكلام؛ وكأنه يكتب يجملة أعضائه. وسألني القاضي الفاضل عن قوله سبحانه وتعالى: #حَوَه ذا جَامُومَا وَفْيَحَتٌ َبْوبُهَا ودَالَ كز حَرَْهَا أين جواب (إذا): وأين جواب (لو) في قوله تعالى: «ولز أن قيْانَا سرت يه الْحِبَالُ وعن مسائل كثيرة: ومع هذا فلا يقطع الكتابة والإملاء. وفال لي: ترجع إلى دمشق وتجري غليك الجرايات فقلت: أريد مصر فقال: السلطان مشغول القلب بأخذ الفرنج عكا وقتل المسلمين بهاء فقلت: لا بد لي من مصرء فكتب لي ورقة صغيرة إلى وكيله بهاء فلما دخلت القاهرة جاءني وكيله» وهو ابن سناء الملك. وكان شيا جليل القدر نافذ الأمرء فأنزلني دارًا قد أزيحت عللها وجاءني بدنائير وغلة» ثم مضى إلى أرباب الدولة وقال هذا ضيف القاضي الفاضل. فدرت الهدايا والضلات من كل جانب» وكان كل عشرة أيام أو نحوها تصل تذكرة القاضي الفاضل إلى ديوان مصر بمهمات الدولة وفيها فصل يؤكد الوصية في حقي. وكان: قصدي

؟؛ ‏ عيد اللطيف البغدادىي - 8 في مصر ثلاثة: ياسين السيميائي» والرئيس موسى بن ميمون اليهودي» وأبو القاسم الشارعي؛ وكلهم جاؤوني. أما ياسين فوجدته محاليًا كذابًا مشعبذًا يشهد للشاقاني بالكيمياء ويشهد له الشاقاني بالسيمياء ويقول عنه: إنه يعلم أعمالا يعجز موسى بن عمران عنهاء وأنه يحضر الذهب المضروب متى شاءء وبأي مقدار شاءء وبأي سكة شاءء وإنه يجعل ماء النيل خيمة ويجلس فيه وأصحابه تحتها. وكان ضعيف الحال. وجاءني موسى فوجدته فاضا لا في الغاية» قد غلب عليه حب الرئاسة وخدمة أرباب الدنيا.. قال وكنت ذات يوم بالمسجد وعندي جمع كثير فدخل شيخ رث الثياب نير الطلعة مقبول الصورة فهابه الجمع ورفعوه فوقهم وأخذت في إتمام كلامي؛ فلما تصرّم المجلس جاءني. إمام المسجد وقال: أتعرف هذا الشيخ؟ هذا أبو القاسم الشارعي» فاعتئقته وقلت إياك أطلبء فأخذته إلى منزلي وأكلنا الطعام وتفاوضنا الحديث فوجدته كما تشتهي الألسن وتلذ الأعين. قال: وكنا إذا تفاوضنا الحديث أغلبه بقوة الجدل وفضل اللسنء ويغلبني بقوة الحجة وظهور المحجة. وأنا لا تلين قناتي لغمزهء ولا أحيد عن جادة الهوى والتعصب برمزه» فصار يحضرني شيئًا بعد شيء من كتب أبي نصر والإسكندر وثامسطيوس» يؤنس بذلك نفاري» ويلين عريكة شماسي» حتى عطفت عليه.

وشاع أن صلاح الدين هادن الفرنج وعاد إلى القدس» فقادت الضرورة إلى التوجه إليه؛ فأخذ من كتب القذماء ما أمكنه» وتوجه إلى القدس قال: فرأيت مَلِكَا عظيمًا يملأ العين روعة» والقلوب محبة؛ قريبًا بعيدًا سهلا مجيبّاء وأصحابه يتشبهون به» يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى : طوَربتنا ما فى 'صدُورِهِم ينْ عل وأول ليل حضرته. وجدت مجلسًا حفلا بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم وهو يحسن الاجتماع والمشاركة» ويأخذ في كيفية بنناء الأسوار وحفر الخنادق» ويتفقّه في ذلك ويأتي بكل معنى بديع. وكان مهتمًا في بناء سور القدس وحفر خخندقه» يتولى ذلك بنفسه ويتقل

يز الأجدا لو ب سس بيب يب ييخ

الحجارة على عاتقه» ويتأسى به جميع الناس الفقراء والأغنياء والأقوياء والضعقاء حتى العماد الكاتب والقاضي الفاضل .

قال: وكتب لي صلاح الدين بثلاثين دينارًا في كل شهر على ديوان الجامع بدمشق» وأطلق أولاده» رواتب حتى تقرّر لي في كل شهر مئة دينارء ورجعت إلى دمشق وأكببت على الاشتغال وإقراء الناس بالجامع. وبعد وفاة صلاح الدين عاد المترجّم له إلى مصر مع ابنه الملك العزيز. وكان في تلك المدة يقرئ الناس بالجامع الأزهر من أول النهار إلى نحو الساعة الرابعة» ووسط النهار يأتي من يقرأ الطب وغيره؛ وآخر النهار يرجع إلى الجامع الأزهر فيقرأ قوم آخرون. وأقام في القاهرة إلى أن ملك الملك العادل أبو بكر بن أيوب الديار المصرية وأكثر الشام والشرق وتفرقت أولاد أخيه الملك الناصر صلاح الدين» فتوجه إلى القدس وأقام بها مدة تع عاد إلى دمشق ومككث بها زمئا ينتفع الناس بعلمه؛ ثم سافر إلى حلب وقصد بلاد الروم وأقام بها سنين كثيرة» وكان في خدمة الملك علاء الدين داود بن بهرام صاحب أرزنجان» وكان مكيئًا عنده عظيم المنزلة وله منه الجامكية الواقرة والافتقادات الكثيرة. ثم توجّه إلى أرزن الروم ورجع إلى أرزنجان فكماخ فديركي فملطية فحلب. وأقام بحلب يشتغل عليه الناس وكان له من شهاب الدين طغريل الخادم أتابك حلب جار حسن ثم خطر له أن يحج ويجعل طريقه على بغداد وأن يقدم بها للخليقة المستنصر بالله أشياء من تصانيفه ولما وصل بغداد مرض وتوقي بها بعد أن غاب عنها خمسًا وأربعين سنة.

ومن كلامه: ينبغي أن تحاسب نفسك كل ليلة إذا أويت إلى منامك وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسئة فتشكر الله عليها وما اكتسبت من سيئة فتستغفر الله متها وتقلع عنهاء وترتب في نفسك ما تعمله في غدك من الحسنات» وتسأل الله الإعانة على ذلك. وقال: أوصيك ألا تأخدذ العلوم من الكتب وإن وثقث من نفسك بقوة الفهم»ء وعليك بالأستاذين في كل علم تطلب اكتسايه»

عيى اللطيف البغدادي

ولو كان الأستاذ ناقصًا فخذ عنه ما عنده حتى تجد أكمل منه» وعليك بتعظيمه وترحيبه» وإن قدرت أن تفيده من دنياك فافعل وإلا فبلسانك وثنائك. وإذا قرأت كتابًا فاحرص كل الحرص على أن تستظهره وتملك معناه وتومّم أن الكتاب قد عدم وأنك مستغن عنه لا تحزن لفقده. وإذا كنت مكبًا على ذراسة كتاب وتفهّمه فإياك أن تشتغل بآخر معه» واصرف الزمان الذي تريد صرفه في غيره إليه. وإياك أن تشتغل يعلمين دفعة واحدة» وواظب على العلم الواحد سنة أو سنتين أو ما شاء الله؛ فإذا قضيت منه وطرك فانتقل إلى علم آخرء ولا تظن أنك إذا حصّلت علمًا فقد اكتفيت» بل تحتاج إلى مراعاته لينمو ولا ينقصء ومراعاته تكون بالمذاكرة والتفكر واشتغال المبتدئ بالتحفظ والتعلم ومباحثة الأقران واشتغال العالم بالتعليم .والتصئيف. وإذا تصديت لتعليم علم أو للمناظرة فيه فلا تمزج به غيره من العلوم» فإن كل علم مكتف بنفسه مستغن عن غيره» فإن استعانتك في علم بعلم عجر عن استيفاء أقسامه. كمن يستعين بلغة في لغة أخرى إذا ضاقت عليه أو جهل بعضها.

قال: ويتبغي للإنسان أن يقرأ التواريخ وأن يطلع على السير وتجارب الأمم فيصير بذلك كأنه في عمره القصير قد أدرك الأمم الخالية وعاصرهم وعاشرهم وعرف خيرهم وشرهم. قال: وينبغي أن تكون سيرته سيرة الصدر الأول؟ فاقرأ سيرة النبي عليه الصلاة والسلام وتتبع أفعاله وأحواله واقتف آثاره وتشبّه به ما أمكنك وبقدر طاقتك» وإذا وقفت على سيرته في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرّضه وتطيبه وتمتعه وتطيبه ومعاملته مع ربه ومع أزواجه وأصحابه وأعدائه وفعلت اليسير من ذلك فأنت السعيد كل السعيد.

قال: وينبغي أن تكثر إيهامك لنفسك ولا تحسن الظن بهاء وتغرض

خواطرك على العلماء وعلى تصانيفهم ١‏ وتَعْيَّتْ ولا تعجل ولا تعجب ؛ فمع العجب العثار ومع الاستبداد الزلل» ومن لم يعرق جبيئه إلى أبواب العلماء

0 00 كنوز الأجداد عرق في الفصيلة ومن لم يخجلوه لم يبجله الناسء ومن لم ييكتوه لم يُسوّدء ومن لم يحتمل ألم التعلّم لم يذ لذة العلم» ومن لم يكدح لم يفلح. وإذا خلوت من التعلم والتفكر فحرك لسانك بذكر الله وبتسابيحه وخاصة عند النوم فيتشرّبه لبك ويتعجّن في خيالك وتتكلم به في منامك؛ وإذا حدث لك فرح وسرور ببعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وأصتاف المنخُصات» وإذا حزبك أمر فاسترجع» وإذا اعترتك غفلة فاستغفر» واجعل الموت نصب عينيك والعلم والتقى زادك في الآخرة. وإذا أردت أن تعصي الله فاطلب مكانًا لا يراك فيهء واعلم أن الناس عيون الله على العبد؛ يريهم خيره وإن أخفاه؛ وشرّه وإِنْ سَتَرّه فباطنه مكشوف لله والله يكشفه لعباده» فعليك أن تجعل باطنك خيرًا من ظاهرك وسِرَّك أصحٌّ من علانيتك» ولا تتألم إذا أعرضت عنك الدنياء فلو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل: وقلما يتعمق في العلم ذو الثروة إلا أن يكون شريف الهمة جدًا أو أن يثري بعد تحصيل العلم. وإني لا أقول إن الدنيا تُغرض عن طالب العلم يل هو الذي يعرض عنها لأن همته مصروفة إلى العلم فلا يبقى له التفات إلى الدنياء والدنيا إنما تحصل يحرص وفكر في وجوههاء فإذا غفل عن أسبايها لم تأته. وأيضًا فإن طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة والمكاسب الدنية وعن أصناف التجاراتء وعن التذلل لأرباب الدنيا والوقوف على أبوابهم ولبعض إخواننا بيت شعر:

من جد في طلب العلوم أفاته ‏ شرف العلوم دناءة التحصيل

وجميع طرق مكاسب الدنيا تحتاج إلى فراغ لها وحذق فيها وصرف الزمان إليهاء والمشتغل بالعلم لا يسعه شيء من ذلك» وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب وتطلبه من غير أن يطلبها طلب مثلهاء وهذا ظلم مته وعدوان» ولكن إذا تمكن الرجل في العلم وشهر به خطب من كل جهة وعرضت عليه المناضب وجاءته الدنيا صاغرة» وأخذها وماء وجهه موفور وعرضه وديته

*؛ ‏ عبد اللظيف البغدادي آ 5 4

مصون. واعلم أن للعلم عبقة وعَرْفًا ينادي على صاحبه» ونورًا وضياء يشرق عليه ويدل عليه» كتاجر المسك لا يخفى مكانه ولا تجهل بضاعته» وكمن يمشي بمشعل في ليل مدلهم. والعالم مع هذا محبوب أيتما كان وكيفما كان لا يجد إلا من يميل إليه ويؤثر قربه ويأنس به ويرتاح بمداناته. واعلم أن العلوم تغور ثم تفورء تفور في زمان وتفور في زمان بمنزلة النبات أو عيون المياه» وتنتقل من قوم إلى قوم ومن صقع إلى صقع .

عالم عظيم استجمع شروط العلم في ذاتهء وانقطع إلا عما شغل قلبه به من صغره من الدرس والتدريس والتأليف والتصئيف» قَظم نفسه عن المظاهر التي لا تأتي المغرم بها إلا من طريق الدولة والسلطان» ولا يتصدر في المجالس إلا بقوة الملوك وما يفضلون به عليه من المراتب. عظم موقعه من نقوس ملوك عصره وكانوا يغتبطون إذا رأى نزول ساحتهم وقبول أعطياتهم يستميلون قلبه بما يرضيهء ليتركوا له وقته يصرفه كما يحب في بث العلم في الناس.

في العادة أن تعظم شهرة العالم بعد وفاتهء وهذا على ما رأينا ضَؤُلتَ شهرته عما كانت عليه في حياته. وكما الباعث على ذلك فقدان كتبه إلا جزءًا صغيرًا من كتاب: وما صنفه من الأسفار غير قليل» وما كتب له البقاء منها أقل من القليل. دثرت كتبه لأنها في موضوعات فلسفية لا يحبّها الفقهاء والمحدثون» والحكماء في ملتنا أفراد يُعَدُونَ على الأصابع في عصور بعينها يعانونها في سرّ ويكتمون عن الدهماء أمرهم؛ فسبحان من له هذا السر في

>39

الف موفق الدين ابو العباس احمد بن القاسم بن خليفة بن يونس السعدي الخزرجي (134)

هو من الخزرج من ولد سعد بن عبادة. ولد بدمشق وقرأ مبادئ الطب على والده؛ ثم اتصل بعلماء أجلاء أخذ عنهم التاربخ والأدب والطب. وممن تلقى عنهم الطب مهذب الدين الدخوار الذي انتهت إليه رئاسة صتاعة الطب في عصره. ولما أقام الدخوار بدمشق شرع في تدريس صناعته» فاجتمع إليه خلق كثير من أعيان الأطباء وغيرهم يقرؤون عليه» وأقام موفق الدين بدمشق لأجل القراءة عليه» وكان يشتغل عليه في المعسكر لما كان أبوه والحكيم الدخوار في خدمة السلطان. قرأ على الدخوار كتب جالينوس ولازمه في وقت معالجته للمرضى فتدرب معه وباشر عندئظٍ أعمال صناعة الطب» وكان مع شيخه لمداواة المرضى في البيمارستان النوري الحكيم عمران من أعيان :الأطباء وأكابرهم في المداواة والتصرف في أنواع العلاجء فتضاعفت الفوائد المقتبسة من اجتماعهما ومما كان يجري بينهما من الكلام في الأمراض ومداواتها ومما كانا يصفانه للمرضى.

فالدخوار هو الذي تخرج به المؤلّف في الطب واقتبس في المعالجة فوائده وفوائد الحكيم عمران. أما شيوخه في الأدب والتاريخ وغيرهما فلم نعرفهم. وكان مبرزًا في الأدب ينثر وينظم» اشتهر بنظمه من مدحه ضدور صناعته»ء وكان يقول الشعر على البديهة ويجتمع إلى الشعراء» ومن أصدقائه

فتيان الشاغوري من أكبر شعراء دمشق في عصره»ء ومن شعره قصيدة فيها إلى دمشق ويمدج موفق الدين عبد السلام. قال فيها:

لعل زمانا قد تقضى بجلق وإن تسمح الأيام من بعد جورها فكم لي إلى أطلالها من تشوف ترنحني الذكرى إليها تشوقًا ومن عجب نار اشتياقي بأضلعي لقد طال عهدي بالديار وأهلها ولو كان للمرءاختيار وقدرة ولكنها الأقدار تحكم في الورى

+ إيرن تم"

يتسوق

يعود وتدنو الدار بعدالتفرق بعدل وأني بالأحبة: نلتقي وكم لي إلى سكانها من تشوق كما رنحت صرف المدام المعتق لها لهب من دمعي المترقرق وكم من صروف البين قلبي قد لقي لقد كان من كل الحروادث يتقي

ومن قصيدة له في الوزير الصاحب أمين الدولة أبي الحسن بن غزال وهو

الذي أهدى إليه كئاب الطبقات:

فؤادي في محبتهمأسير تعن إلى اللعلقي وا فيه ويهوى نسمة هبت سحيرا وإني قانع بعدالتداني ومعسول اللّمى مرالتجني تصدى للصدود ففي فؤادي وقد وصلت جفوني فيه سهدي

وأثى سار ركم يسير بطيفا من خيالهميزور يجور على المحب ولا يجير بوافر هجرهأبدًا همجير فما هذي القطيعة والنفور...

وهبط موفق الدين مصر وأكمل صناعته في المستشفى الناصريء ثم انتقل إلى صرخد في جبل حوران وكان مالكها عز الدين أيبك؛: وفي صرخد هلك

ودفن» وإلى صرخد كتب إليه شرف الدين الرحبي يحثّه على العودة إلى دمشق ويُكرّه إليه البلد الذي نزل به قال :

موفق الدين ما ذا السهو منك على أتعبت نفسك بالنزر الحقير لقد أقمت في بلديزري يساكنه ناءع عن الخير ذي جدب فليس به مضيعًا فيه عمرًا ماله عورض أتحسب العمر مردودًا تصرمه أم تحسب العمر ما ولت لذاذته إذا تولى شباب المرء في نغخص لو كان ما أنت فيه مكسبًا لغنى فكيف مع قلةالجاري وخسته

يآ سر ه

فعذ إلى جنة الدنيا فقد برزت

ولا تقمُ في سواها مع حصول غنى واقطع زمانك طييًا في محاسنها

ما نلت من رتبة في العلم والأدب أرخصتها بعد طول الجد والدأب لا يرتضيه لبيب من ذوي الفطن سوى صخور وخر منه ملتهب إذا تصرّموقتا منهلميؤب هيهات أن يرجع الماضي من الحقب ينال بعد ذهاب العمر بالذهب فما له في بقايا العمر من أرب لما وفى بذهاب العمر في نصب والبعد عن كل ذي فضل وذي أدب لمجتلي الحسن في أثوابها القشب فالعمر فيما سواها غير محتسب وعد إلى اللهو واللذات والطرب

إلى آخر القصيدة فجاويه ابن أبي أصيبعة بقصيدة مدحه بها ومن أبياتها :

وإنني بعدما جد الفراق بنا وكيف. يلتذ عيشًا من أتاح به لم يعرفوا قدر ذي علم لجهلهم أتيت من ضاع فضلي في فناه وهل

والعبد لم يصف لي عيش ولم يطب هذا لزمان إلى قوم من الجظب وليس ذلكفي الجهال بالعجب غباوة العجم تدري فطنة العرب

إلى آخر ما استدللنا به على أنه لم يكن في صرخد على فراش من الورد؛

“8غ ابن أبي أصيبعة

وأن الحاجة أو الشيخوخة دفعته إلى الرضا بالاستخدام عند صاحبها الأعجمي في بلد غلب الجهل على أهله.

هذا ما كان من نشأته وتمحضه لصناعة الطب» وكان من أمره بالبراعة في التأليف أنه ألف كتابه النفيس «عيون الأنباء في طبقات الأطباء؛ واسطة عقد تآليفه؛ والدرة اليتيمة التي خلد فيها على الأيام ذكرهء وذلك في سنة 187 وهو في سن الكهولة» وبقي خمسًا وعشرين سنة يمحو ويثيت كما فعل ابن خلكان في «وفيات الأعيان؟ ترجم فيه للموافق والمخالف» وأنصف جميع من ترجم لهم كأنهم أبناء مذهبه؛ أو كأنهم كلهم أبناء مذهب واحد وهو مذهب العلم. وأودعه نكما وعيونًا في مراتب المتميزين من الأطباء القدماء والمحدثين ومعرفة طبقاتهم على توالي أزمنتهم وأوقاتهم وأودعه نبذة من أقوالهم وحكاياتهم ونوادرهم ومحاوراتهم وشيئًا من أسماء كتبهم ليستدل بذلك على ما خضهم الله تعالى يه من العلمء قال: فإن كثيرًا منهم وإن قدمت أزمانهم وتفاوتت أوقاتهم فإن لهم علينا من النعم قيما صنعوهء والمنن فيما قد جمعوه في كتبهم من علم هذه الصناعة؛ ما هو تفضّل المعلم على تلميذهء والمحسن إلى من أحسن إليه .

قسم كتابه إلى خمسة عشر يايًّا: الياب الأول في كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها. الثاني في طيقات الأطباء الذين ظهرت لهم أجزاء من صناعة الطب وكانوا المبتدئين بها وهم ثلاثة. الثالث في الأطباء اليونانيين الذين هم من نسل اسقيلييوس وهم ستة. الرابع في الأطباء اليونانيين الذين أذاع أبقراط فيهم صناعة الطب وهم تسعة. الخامس في الأطباء الذين كانؤا منذ زمان جالينوس وقريبًا منه. السادس في الأطباء الإسكتدرانين ومن كان في أزمنتهم من الأطباء النصارى وغيرهم. السابع الأطباء الذين كانوا في أول ظهور الإسلام من أطباء العرب وغيرهم وهم عشرة. الثامن في الأطباء السريانيين الذين كانوا في ابتداء ظهور دولة بني العباس وهم أربعة وثلاثون.

التاسع الأطباء النقلة الذين نقلوا كتب الطب وغيره من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وذكر الذين نقلوا لهم وهم سبعة وثلاثون. العاشر الأطباء العرافيون وأطباء الجزيرة وديار بكر وهم اثنان وثمانون طبيبًا. الحادي عشر الأطباء الذين ظهروا في العجم وهم ثلائة وعشرون. الثاني عشر الأطباء الذين كانوا في الهند وهم ستة. الثالث عشر الأطباء الذين ظهروا في بلاد المغرب وأقاموا بها وهم تسعة وثمانون. الرابع عشر الأطياء المشهورون من أطباء مصر وهم سبعة وخمسون. الخامس عشر الأطباء المشهورؤن من أطباء الشام

وهم تسعة وخمسون.

ورنّب من ترجم لهم على سِنِيٌ وفياتهم» ولا تُعَدَّ هذه الطبقات كتايًا للطب والأطباء بل كتاب الحكمة والحكماء والمفتنين من العلماء: يقع القارئ فيه على أشياء في مدنية الإسلام وعيون المسائل الصحية والعلمية وأسماء التراجمة عن اليونانية والسريانية وغيرهما تتراوح فيه بين التعريف بالأطباء والفلاسفة والحكم المستعذبة والأشعار اللطيفة والنثر البديع» فهي كتاب أدب ومحاضرة كما هي كتاب حكمة وطب. تنتقل بين الاستفادة من هذه وترويح النفس بتلك» إلى غير ذلك من الفوائد التاريخية والاجتماعية والطبية عدا .ما فيه من التكات والفكاهات.

ومن فكاهاته ما رواه عن يوحنا بن ماسوية الطبيب العالم المشهور» وكان فُكْهًا ذا دعابة وظرف قال: شكى إليه رجل جربا قد أضر به فأمره بفصد الأكحل من يذه اليمنى» فأعلمه أنه قد فعل. فأمره بفصد الأكحل أيضًا من يده اليسرىق» قذكر أنه فعل. فأمره بشرب المطبوخ فقال: قد فعلث. وأمره بشرب الأصطمخيقونء تأعلمه أنه قد فعل. فأمره بشرب ماء الجبن أسبوعًا وشرب مخيض البقر أسبوعين» فأعلمه أنه قد فعل. فقال له: لم يبق. شيء مما أمر به المتطبيون إلا وقد ذكرت أنك فعلته وبقي شيء مما لم يذكره بقراط ولا جالينوس وكد رأيتاه يعمل على التجربة كثيرًا فاستعمله. فإني أرجو أن

آثت ابن أبى أصيبعة

ينجع علاجك إن شاء الله. فسأله ما هو؟ فقال: ابْتَعْ زوجَئ قراطيس وقطعها رفاعًا صغيرة واكتب في كل رقعة: رخم الله من دعا لمبتلّى بالعافية» وألق نصفها في المسجد الشرقي بمدينة السلام» والنصف الآخبر في المسجد الغربي وفرّقها في المجالس يوم الجمعة» فإني أرجو أن ينفعك الله بالدعاء إذ لم ينفعك بالعلاج .

توسّع المؤلف في حرية القول إلى التي لم يصل زمانه إلى أوسع متها وحرص على نقل الشعر ولا سيما شعر الأطياء» وفيه المستملح وفيه العالي» ولكثرة غرامه بالحرية نشر طائفة من الشعر الذي نصفه بالأدب المكشوف» أراد أن يجعل كتابه مرجعًا كبيرًا وموردًا فائضًا في كل أطروفة وأطروبة. ولما أهدى نسحًا لبعض من يغلب عليهم الوقار حذف هذه الزائدات» ومن رآهم يحبون الأشياء على أصلها استنسخ لهم من كتابه نسخة تامةء وهذا هو السبب في اختلاف النسخ التي ظفر بها طابع الكتاب ‏ قاله أستاذي الجزائري.

والغالب أن الأطباء ومهنتهم تقتضيهم النظر في أعضاء البدن كافة لا يتحرجونء كسائر الشعراء؛ من النظم في الأدب المكشوف تسلية لأنفسهم ولغيرهم في صناعة صعبة تحتاج إلى مرح ودعابة» وقد وقع لهم في عهد المدنية العربية من ذلك أشياء كثيرة قصد بها إدخال السرور على النفوس» ولولا أن بعضهم يشمئزون من ذكر هذه المسائل ما توقفت عن أن أتقدم أول المؤلفين في إثبات ما قالوا ما دام أجدادنا لم يحجموا غن إنشادها وتدوينها أيام عزة الإسلام.

ومن حرية المؤلف أنه نشر النسخة التي كتبها ابن حمويه المتصوف لعمه رشيد الدين علي بن خليفة بإلباسه خرقة التصوف. ولعله قصد بإثباتها في مصنفه لينعي على بعض أهل هذه الطريقة تخريفهم» خصوصًا وقد ادعى اين حمويه أنه أخذها عن والده عن جده وأنه أخذها عن الخضر عليه السلامء

ا 1 1111 د حممز ووم تت

والخضر عن رسول الله يِه والخضر كالعنقاء والمهدي ما جاءا قط. وبئقله هذه النسخة فضح معتقدًا واهيّا بقيى يجوز على عقول العامة قرونًا.

لموفق الدين عدة كتب لم تصل إلينا ووصل إليئا طبقات الأطباء» وهو بجقٌ من الأمهات المعتبرة» حُفظت فيه مطالب مهمة جدًّا لولاه لضاعت على العلم العربي.

)02 2 ابن خلكان شمس الدين أحمد الار بلي

)4(

قاضي القضاة الكَمَلّةه شيخ المؤرخينء عَلَمّْ المحقّقين» المتفئّن في العلوم؛ البارع في تصنيفه؛ العظيم في تفكيره» المُجيد في شعره ونثره؛ ينم ما كتب على ذوق عالٍ في الأدب وعلى اطلاعه الواسع في جميع فروعهء ماهر بالمناسبات والمقارنات» صاحب اليد الباسطة في النقدء» وليس ممن يقنعه النقل المجردء يجمع بين معرفة نفسية الناس ومعرفة التاريخ ومعرفة الشريعة ومعرفة السياسة ومعرفة الأدبء والنفوذ أيدًا إلى الحقائق ومعرفة العلوم المنوعة التي أعانته على التجويد في تأليفه.

ولد سنة ثمان وستمئة في هدينة إربل بمدرسة سلطانها مظفر الدين بن زين الدين» وكان والده يتولى التدريس فيها. وقيل في نسبه أنه ينسب إلى البرامكة فهو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان بن باول بن عبد الله بن شاكل بن الحسين بن مالك بن جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك. قال ابن العديم : إنه من بيت معروف بالفقه والمناصب الديئية. وقال غيره: كان إمامًا عالمًا فقيهًا أديبًا شاعرًا مُفْتَئْاء مجموع فضائل» معدوم النظير في علوم شتى» حجة فيما ينقلهء محقَّقًا لما يوردهء متفرّدًا في علم الأدب والتاريخ» وكان ولي قضاء دمشق مرتين ثم عزل وقدم القاهرة وأفتى ودرس ودام بها نحو سبع سنين ثم أعيد إلى قضاء دمشق وسر الناس بعوده ومدحته الشعراء بعدة قصائد. من ذلك ما قال رشيد الدين الفارقي:

كن سس ب بيب يي

أنت في الشام مثل يوسف فى مصا حر وعندي أن الكرامًٌ جناس ولكل سبع شداد وبعدالس بع عامٌ فيهيغاث الئاس

وقال سعد الدين الفارقي: أذقت الشام سبع سنين جديا غداةهجرتههجرًا جميةة فلمازرتهمنأرض مصر مددت عليهمن كمّيِّكَ نيلا

وكانت مدة مقامه بدمشق عشر سنين كوامل لا تزيد يوما ولا تنقص يوماء وغاد إلى القاهرة فصادف فيها كتبّا كان يؤثر الوقرف عليها فطالعها وأخذ منها .حاجته. اوهو أول من جدد فى أيامه قضاء القضاة من بقية المذاهب» فاستقلوا بالأحكام بعد ما كانوا تكونون من لون فأثرت هذه المأثرة للظاهر بيبرس وكان بينه وبينه صلات ود وشغل. والظاهر هو الذي جعل لكل مذهب من المذاهب الأربعة المعتمدة عند أهل السنة والجماعة قاضيًا يقضي بينهم .

ذكر في مقدمة كتابه أن ما دعاه إلى جمع تاريخه أنه كان مولعًا بالاطلاع على أخبار المتقدمين من أولي النباهة وتواريخ وَفياتهم وموالدهم ومن جمع منهم كل عصر فوقع له منه شيء حمله على الاستزادة وكثرة التتبعء فعمد إلى مطالعة الكتب الموسومة بهذا الفن وأخذ من أقوال الأئمة المتقنين له ما لم يجده في كتاب فرتّبه على حروف المعجمء ولم يذكر أحدًا من الصحابة ولا من التابعين إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثير من الناس إلى معرفة أحوالهمء وكذلك الخلفاء فإنه لم يذكر أجدًا منهمء وذكر جماعة من الأفاضل الذين شاهدهم ونقل عنهم أو كانوا في زمنه ولم يرهم» ولم يَقُصر مختصره على طائفة مخصوصة من العلماء أو الملوك أو الأمراء أو الوزراء أو الشعراء: بل كل مّن له شهرة بين الناسء وقَيّد من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه» وذكر من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة أو شعر أو وسالة ليتفكه به متأمّله ولا يراه مقصورًا على أسلوب واحد فيملّه.

4 أآين جِلّكَان لي ا اي م وو« )سب

والدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إذا كان مغننّاء وأسماه «وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» مما ثبت بالنقل أو السماع وأثبته البيان.

وطلب في مقدمة الكتاب وخاتمته ممن وقف عليه من أهل الدراسة بهذا الشأن ورأى فيه خللًا فهو المُئاب في إصلاحه بعد التثبت فيه. وطلب في آخر كتابه ممن وقف عليه من أهل العلم ورأى فيه شيئًا من الخلل ألا يعجل بالمؤاخذة فيه» قال: فإني توخيت فيه الصحة حسبما ظهر لي مع أنه كما يقال: أبى الله أن يصح إلا كتابه. أي إنه بذل الجهد في التدقيق» فإن ظهر ما فيه خلل بعد ذلك فإنه أجاز العالم المطلع عليه أن يُصلحه؛ وأي أمانة للعلم أعظم من هذه الأمانة.

أعجب علماء المشرقيات بكتاب الوفيات وقالوا: إنه ليس في لغاتهم من كتب التراجم ما يماثله في التحقيق» وما أعجبوا به إلا لأنه نَشّره لما حقق كل ما فيه وتمثله وهضمه» فهو كتاب في التحقيق معجب لا يحتاج مطالِعَةُ عند تلاوة ترجمةٍ من الترجمات إلى مزيد؛ إذا انتهى من الترجمة شرح ما يخشى أن يعسر فهمه على القارئ من ألفاظ لغوية غامضة وكلمات قد تكون مبهمة على القارئ في الجغرافيا والتاريخ والنسب.

وعندي أن هذا هو الكتاب المحررء وهكذا يجب أن تكون الكتب؛ يتعب المؤلف أعوامًا طويلة في تأليفه ليخرجه كسبيكة الذهب فيستريح من يتناوله بعده للاستفادة» ولو كانت كل كتبنا على هذا المثال في التحقيق لسقط قسم كبير من المؤلفات وبقي السليم المفيد والزيدة الخالصة.

قالوا: كان فيه سكون الطائر المعهرد في القضاة وعدم التسرع بما يعرض له بادئ الرأي؛ لا يبت في فصل القضايا إذا رأى في حسمها ضرراء وكذلك فعل بتأليفه فما أخرجه للملا إلا بعد مضغه وهضمه وتذوقه؛ وهي هزية امتاز بها بعض المؤلفين الذين كتب الخلود لمؤلفاتهم. وحسئة أخرى كانت تبدو في كتابه وهي أنه استخدم كل ما خواه صدره من المعارف وما بلغه من عظم

ا 6 كنوز الأجداد

التجارب في القضاء في تأليف كتابه الممتع فقد يكون المؤرخ عند نفسه أنه تام الأدرات بما أحكمه من فنه فيكبو في فئون كانت تلزمه للتحقيق» يدرك هذا النقص كبار المحقّقين.

وعلى استغراق أوقات ابن خلكان في «فصل القضايا الشرعية والأحكام الدينية» وجد وقنًا لمطالعة القدر الممكن من الأمهات يزين بنصوصها كتابه» ووجد وقتًا للتدريس في عدة مدارس بدمشق لم تجتمع لغيره» ولم يبق معه في آخر الوقت سوى الأمينية» وبيد ابنه كمال الدين موسى سوى النجيبية. ولعل لاستئثاره بعدة مدارس على ما لم يجتمع لغيره دخلا في إمالة يعض الوجوه عنه؛ فقتح المجال لحساده أن ين بأمور هو منها بريء» ذلك أن مشايخ المدارس أنكروا ولا شك هذا الطمع من قاضي القضاة» وريما كان باكتفاته بمدرسة واحدة أكبر داع إلى تجويد التدريس والإتقان في العمل» وإرضاء بعض المدرسين بتوزيع هذه التداريس عليهم خير من ضمها في يد واحدة.

وترجم له ابن الكتبي في فوات الوفيات الذي جعله ذيلًا على كتاب ابن خلكان ترجمة من يفرح بالمساوئ ويغضي عن المحاسن واتهمه بحب المرْد وأورد له بيتين يقال إنه قالهما فى ابن صاحب حماة وريما كان يقصد النكتة» وسكت عن محاستهء ولم يذكر كتاب وفيات الأعيان» وأين الأصل من الفرع. الوفيات كله تحقيق والفوات جله تلفيق.

وروى الكتبي: أن ابن خلكان كان في المدرسة العادلية وبيات ليلة يدور حول بركتها ويكرر هذين البيتين إلى أن أصبح وتوضأنا وصلينا والبيتان هما: أناوا ههلك يس من سلامتقي أو أرى القامةالتيا) قدأقامت قيامتي

ونقل له أبيانًا كلها من الغراميات منها : وسرب.ظباء في غدير تخالهم ‏ بُذورًا بأفق الماء تبدو وتغرب يقول عذوني والغرام مصاحبي أما لك عن هذين الصبابة مذهب

؛؛ ‏ ابن جِلّكان

وفي دمك || للول خاضوا كما ترى ومن شعره: ومن شعره: .- شلتمو لي والديار بعيدة وناجاكمو قلبي على البعد والنوى

للنوبه فاقبل شفاعة شيبه

فَخُيّل لي أن الفؤاد لكم مغنى

فأوحشتمو لفظا وآنستمو معنى

2-32

)50)

لسان الدين ابن الخطيب أيو عبد النه محمد بن عبد ائنه السلماني (ثلالا)

أصله من لوشة على مرحلة من غرناطة» كان له بها سلف معروفون في وزارتهاء ونشأ لسان الدين بغرناطة وقرأ وتأدب على مشيختهاء واختص بصحبة الحكيم يحيى بن هذيل وأخذ عنه العلوم الفلسفية» وبرز في الطب وانتحل الأدب» وامتدح السلطان أبا الحجاج من ملوك بني الأحمر فرقّاه إلى خدمته وأثبته في ديوان الكتّاب ببايه» مرؤوسًا بابن الحباب شيخ العٌدوتين في النظم والنثر وسائر العلوم الأدبية. ولما هلك ابن الحباب ولي السلطان محمد بن الخطيب رياسة الكتّاب ببابه وثنّاه بالوزارة ولقبه بهاء فاستقل بذلك وصدرت عنه غرائب من الترسيل في مكاتبات جيرانهم من ملوك العدوة: وسفر عن سلطانه إلى ملك بني مرين بالعدوة معرّيًا بأبيه فجلّى في أغراض سفارته .

ثم هلك السلطان أبو الحجاج ويويع ابنه محمد بالأمر لوقتهء فأقر ابن الخطيب بوزارته كما كان لأبيه» واتخذ لكتابته غيره؛ وجعل ابن الخطيب رديمًا له في أمره وتشاركا في الاستبداد معّاء ثم بعثوا الوزير ابن الخطيب سفيرًا إلى ملك يني مرين مستمدين له على عدوهم الطاغية على عادتهم مع سلفهء فلما قدم على السلطان ومثل بين يديه تقدم الوقد الذي معه من وزراء الأندلس وفقهائها استأذنه في إنشاد شيء من الشعر يقدّمه بين يدي نجواه فأذن له وأنشد وهو قائمء أبيانًا اهتز السلطان لهاء فأذن له في الجلوس وقال له

6 لساأن الدين ابن الخطيب

قبل أن يجلس: ما ترجع إليهم إلا بجميع عطائهم. ثم أثقل كاهلهم بالإحسان وردهم بجميع مطالبهم. قال القاضي أبو القاسم الشريف: لم يُسمع بسفير قضى سفارته قبل أن يسلم على السلطان إلا هذا.

وبعد ذلك اعتقل الرئيس القائم بالدولة هذا الوزير ابن الخطيب وضيق عليه فى محبسه؛ إلى أن شفع فيه. ثم سار في ركاب السلطان إلى وادي آش قادمين على السلطان أبي سالم؛ فأرغد هذا عيش ابن الخطيب في الجراية والإقطاع. ثم استأذن السلطان في التحّل إلى جهات مراكش والوفود على آثار الملك بهاء فأذن وكتب إلى العمال بإتحافه» فبادروا في ذلك وحصل منه على حظ. وعندما مر بسلا في قفوله من سفره دخل مقيرة الملوك بسالة ووقف على قبر السلطان أبي الحسن وأنشد قصيدته على روي الراء الموصولة يرثيه ويستثير به استرجاع ضياعه بغرناطة مطلعها :

إن بان منزلهوشطتتداره ‏ قامت مقامعيانهأخباره قسّمزمانك عبرةأوغيرة ‏ هنائرهوهذهآثاره

فكتب السلطان أبو سالم في ذلك إلى أهل الأندلس بالشفاعة فشفعوه واستقر هو بسلا منتيذا عن سلطانه طول مقامه بالعدوة. ثم عاد السلطان المخلوع إلى ملكه بالأندلس فاستقدم ابن الخطيب من سلا ورده إلى منزلته كما كان؛ وبعد ذلك فصل من الوزارة» ثم أعيد إلى مكانه من الذولة من علو يده وقبول إشارته. وأدركته الغيرة من عثمان بن يحيى مقدم القوم في الدولة فأنكر على السلطان الاستكفاء به والتخوف من هؤلاء الأعياص على ملكه: فحذره السلطان وأخذ في التدبير عليه حتى نكبه وأياه وإخوته وأودعهم المطبق ثم غربهم بعد ذلك؛ وخلا لابن الخطيب الجو وغلب على هوى السلطان ودفع إليه تدبير المملكةء وخلط بينه وبين ندمائه وأهل .خلوتهء وائفرد ابن الخطيب بالحل والعقد» وانصرفت إليه الوجوه وعلقت عليه الآمال»

ذ الأجدا

وغشي بابه الخاصة والكافة وغصت به بطائة السلطان وحاشيته» فتوافقوا على السعاية فيه وقد صم السلطان عن قبولها .

وفى خلال ذلك استحكمت نفرة ابن الخطيب لما بلغه عن البطانة من القدح فيه والسعاية» وربما ميل إليه أن السلظان مال إلى قبولها وأنهم قد أحفظوه عليه» فأجمع التحول عن الأندلس إلى المغرب» فسار إليها في ثلة من فرسانهء ومعه ابنه علي الذي كان من خالصة السلطان» فأجاز إلى سبتة وتلقّاه السلطان بأنواع التكرمة؛ فاهتزت له الدولة» وأركب السلطان خاصته لتلقيه وأحله بمجلسه بمحل الأمن والغبطة» ومن دولته بمكان الشرف والعزة» وطلب إلى صاحب الأندلس أهله وولده فجاء بهم على أكمل الحالات من الأمن والتكرمة. ثم لغط المنافسون له في شأنه» وأغروا سلطانه بتتبع عثراته» وشاع على ألسنة أعدائه كلمات منسوبة إلى الزندقة أحصوها عليه ونسبوها إليه» ورفعت إلى قاضي الحضرة فاسترعاها وسجل عليه بالزندقة» وراجع صاحب الأندلس رأيه فيه وبعث القاضي إلى ملك الغدوة في الانتقام منه وإمضاء حكم الله فيه فصمٌّ لذلك» وأنف لذمته أن تخفر ولجواره أن يرذى» وقال لهم : هلا انتقمتم وهو عندكم وأنتم عالمون يما كان عليه؛ وأما أنا فلا يخلص إليه بذلك أحد ما كان في جواري. ثم وفر الجراية والإقطاع له ولبنيه ولمن جاء من فرسان الأندلس في جملته.

فلما هلك سلطان العدوة سار هو في ركاب الوزير أبي بكر بن غازي القائم» بالدولة فنزل فاس واستكثر من شراء الضياع وتأنق في بناء المساكن واغتراس الجناتث» وحفظ له القائم بالدولة الرسوم التي رسمها له السلطان المتوفى. ولما استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد دار ملكه قيض على ابن الخطيب وأودعوه السجن وطيّروا بالخبر إلى السلطان ابن الأحمر فبعث كاتبه وزيره بعد ابن الخطيب ابن زمرك فقدم على السلطان أبي العباس وأخضر ابن الخطيب بالمشورة في متجلس الخاصة وأهل الشورى» وعرض

لسان الدين ابن الخطيب

عليه بعض كلمات وقعت له في كتابه» فعظم عليه النكير فيهاء فوبّخ ونكل وامبّحِن بالعذاب بمشهدٍ ذلك الملا ثم ثُل”'' إلى محبسه واشتوروا في قتله بموجب تلك المقالات المسجلة عليه» وأفتى بعض الفقهاء فيه. ودس سليمان بن داود رديف وزير السلطان لبعض الأوغاد من حاشيته بقتله» فطوّقوا السجن ليلا ومعهم زعانفة”'' جاؤوا في لفيف الخدم مع سفراء السلطان ابن الأحمر وقتلوه خنقًا في محبسه» وأخرجوا شِلْوَهُ من الغد؛ فدفن ثم أصبح من الغد على شأفة قبره طريححاء وقد جمعت له أعواد وأضرمت عليه نار فاحترق شعره واسود بشره وأعيد إلى حفرته» وكان في ذلك انتهاء محنته. هذا ما قاله ابن خلدون وأتبعه بأن الناس عجبوا من هذه السفاهة التي جاء بها سليمان واعتدوها من هناته وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته. وكان أيام امتحانه بالسجن يتوقع مصيبة الموت فتجيش هواتفه بالشعر يبكي نفسه. ومما قال في ذلك :

بعدنا وإن جاورتتاالبيوت وأتفناست شكتت دقعة وكنا عظامًا فصرناعظامًا وقض] فيوس تم انعد فكم جدّلت ذا الحسام الظبا وكم سيق للقبر في حرقة فقل للعدا ذهب ابن الخطي فمن كان يفرح ملكوله

وجثئنا بوعظ ونحن صموت كجهر الصلاة تلاه القنوت. وكنانقوت فها تحن قوت وذو البخت كم جدلته البخرت فى ملئت من كسهه التخوت ب وفات ومن ذا الذي لا يفوت فقل يفرح اليوم من لاا يمرت

وترجم لسان الدين نفسه ووصفء كيف قلده السلطان الوزارة والقيادة أي

)١١‏ تل فلانًا: ألقاهُ على عُنْقِهِ وحَدّه [المعجم المدرسي]. (المُراجع) (1) الرّيفة والؤّتقة: الردية من كل شيء. (ج) زعائف [المعجم المدرسي1 (المراجع)

أصبح ذا الوزارتين وزير السيف والقلم» واستعمله في السفارة إلى الملوك واستنايه بدار ملكه ورمى إلى يده بخائمه وسيفه. واثتمنه على صوان حضرتة وأعلى مجلسه» وقصر المشورة على نصحه؛ إلى أن كانت الكائنة وحمله أهل الشحناء من أعوان ثورته على القبض عليه بعد أن كبست المنازل والدور» واستكثر من الحرس» واستؤصلت نعمته» ولم تكن بالأندلس من ذوات النظائر ولاربات الأمثال» ولما رد على السلطان أبي عبد الله ملكه عمل في القدوم عليهء وجنح لسان الدين إلى الانفصال لبيت الله الحرام فأراه السلطان أن مؤازرته أكبر القرب» فعدل عن الحج فرمى إليه بمقاليد رأيه. قال: ولم أعدم الاستهداف للشرور والاستعراض. للمحذور والنظر الشزر المنبعث من خزر العيون؛ شيمة من ابتلاه الله بسياسة الدهماء ورعاية سخطة أرزاق. السماء» وقتلة الأنبياء» وعبدة الأهواء؛ ممن لا يجعل لله تعالى إرداة نافذة ولا مشيئة سابقة ولا يقبل معذرة؛ ولا يجمل في الطلب ولا يتلبس مع الله

ا

هذا مجمل حال حسنة الأندلس مع الملوك وكانوا معجبين به لما قُطر عليه من صفات لا نظير لها في رجالهم ورجال عصرهمء وهذا حاله مع الوزراء ومن والاهم وما حاكوه من دسائس ليطرحوه أرضًا ويستأئروا دونه بهذا المقامء فلم يروا أقرب من إثبات الزندقة عليهء .وقتلوه على هذه الصورة الفاجعة» فبكت العيون عظيمًا تضن القرون بظهور مثله .

وإذا جئنا نعرض لأدبه وعلمه فغصن الطيب للمَقّري الذي كسره على وصفه وخصه بأحواله ونقل أخباره ومنظومه ومنثوره يكفينا المؤونة» وهناك تآليفه وهي تبلغ الستين مصنفًا منها ذو المجلدات ومنها المجلد الصغير» لم يبق منها إلا ثلثها كما قال العلامة زيبولد» وأهمها في نظره الإحاطة في أخبار غرناطة» وقد طبع ثلثاه فقط ولم يجدوا منه نسخة تامة صحيحة» وفي هذا الكتاب تجلّى لنا أسلوب لسان الدين في الترجمة للرجال» وعرفنا جمال نثره

ه؛: ‏ لسان الدين اين الخطيب

وجمال شعرهء فما استطعنا أن نقول إنه شاعر ولا إنه كاتب» بل حكمنا له بالمَلَكُتين الكتابة والشعرء وفي كتابته نسقط على تعابير وألفاظ قَلَ أنْ وَقَعَ لأحدٍ من كتّاب الأندلس استعمال مثلها ولا سيما المعاني المبتكرة والتراكيب

البارعة.

أما دعوى الإلحاد على لسان الدين فهي من الدعاوي التي طالما وجهت إلى العظماء من العلماء» وتاريخ المسلمين غاص بمن قتلتهم السياسة» والزندقة حجة في قتلهم. لا جرم أن لسان الدين اعتاد الانطلاق في الفكرء وهو صريح على أبغد غايات الصراحة؛ ولعلهم جمعوا له جملا وقعت في بعض كلامه وأؤّلوها على هواهم حتى صحت لهم دعوى الإلحاد. وفي كتابه الإحاطة نموذجات ظاهرة من هذا القبيل.

وصفه الحاكم ناديس وهو من الملوك الجبابرة قائل الرأي خليع الرسن فقال: وقد أدال اعتقاد الخليفة في باديس بعد وفاته وقدم العهد يتعرف أخبار جبروته وعتوّه على الله سبحانه لما جبلهم عليه من الانقياد للأوهام والانصياع للأضاليل فعلى حفرته اليوم من الازدحام لطلاب الحوائج والشفاء من الأسقام حثى أولو الدواب الوجيعة ما ليس على قبر معروف الكرخي وأبي يزيد البسطامي. ووصف جعفر بن أحمد الخزاعي الغرناطي من مشايخ الطرق» ورقص جماعته في الذكرء فقال: «وريما استدعاهم السلطان إلى مصره محمضًا لطائف نعيمه بأخشيشانهم مبديًا التبرك بهم». قال: والطرق إلى الله تعالى على عدد أنفاس الخلائق. وهذه معان لا يرضاها العامة وبخاضة من استهواهم مثل هؤلاء المشايخ .

وإليكم الآن جُمَأًا قليلة جاءت في مقدمة كتابه الإحاطة في وصف غرناطة: وبَرّدها لذلك من المنقب الشتوي شديد» وتجمد بسببه الأدهان والمائعات» ويتراكم بساجاتها الثلج في بعض السنين» فجسوم أهلها بصجة

. 8

الهواء صلبة» وسحناتهم خشنة؛ وهضومهم قوية» ونفوسهم لمكان الحر

الأجدا لتو ل هه

الغريزي جريئة. وهي دار منعة» وكرسي ملك؛» ومقام حصانة. وكان ابن غانية يقول للمرابطين في مرموتة وقد عوّل عليها للامتساك بدعوتهم «الأندلس درقة وغرناطة قبضتهاء فإذا تجشمتم يا معشر المرابطين القبضة لم تخرج الدرقة من أيديكم». ومن أبدع ما قيل في الاعتذار عن شدة بردها مما هو غريب في معناه قول القاضي أبو بكر بن شبرين: رعى الله من غرناطة متبورَّءى | يسرٌ كثئيبًا أو يجيرطريدا تبرّم منها صاحبي عندما رأى ‏ مسارحها باليرد عدن جليدا هي الشغر صان الله من أهلت به وما حير ئغر لا يكون يرودا

وذكر أن جند دمشق نزلوا كورة البيرة أشرف الكورء وفحصها لا يشبه بشيء من بقاع الأرض طيبًا ولا شرفا إلا بالغوطة غوطة دمشق. وحقيقة كما قال» وأنا رأيتهاء إلا أن غوطة دمشق شجراء وغوطة غرناطة جرداء» وكانت أيام حكم العرب كغوطتنا بأشجارها الملتفة.

ووصف أيام الأندلسيين وعاداتهم فقال: فتيصرهم في المساجد أيام الجمع كأنهم الأزهار المفتحة في البطاح الكريمة تحت الأهوية المعتدلة. قال: وعادة أهل هذه المديئة الانتقال إلى حلل العصير أوان إدراكه بما تشتمل عليه دورهم» والبروز إلى الفحوص بأولادهم وعيالهم» معوّلين في ذلك على شهامتهم وأسلحتهم على أكتاد دوابهم واتصال أمصارهم يحدود أرضه» وحليُهم في القلائد والدمالج والشنوف والخلاخل من الذهب الخالص إلى هذا العهد في أولي الجدة» واللجين في كثير من آلة الرجلين فيمن عداهم. والأحجار النفيسة من الياقرت والزبرجد والزمرد النفيس الجوهر كثير ممن ترتفع طبقاتهم المستندة إلى ظل الدولة أو أصالة معروفة موقرة» وحريمهم حريم جميل موصوف بالحسن وتنعم الجسوم»؛ واسترسال الشعور ونقاء الثغورء وطيب النشرء وخفة الحركات» ونبل الكلام؛ ؤحسن المحاورة؛ إلا أن الطول يندر فيهن» وقد يبلغن من التفنن في الزينة لهذا العهد والمظاهرة

6 لسان الدين ابن الخطيب

بين المصبغات. والتنافس بالذهبيات والديياجات» والتماجن في أشكال الحلي إلى غاية نسأل الله أن يغض عنهن فيها عين الدهرء ويكف كف الغدرء ولا يجعلها من قبيل الابتلاء والفتنة» وأن يغامل جميع من بها بستره» ولا يسلبهم خفي لطفه بعزته وقدرته.

هذه لمعة من سيرة ذي الوازرتين؛ لقَّبه بذلك السلاطين في زمنه» أحط أزمان الأندلس» وقد استولى العدو على معظم قواعدها مثل إشبيلية وقرطبة ومرسية وجيان والمرية. ولقّبهِ الناس بذي العمرين لأنه كان مبتلى بالأرق يسهر الليل إلا أقله» ويصرف هذه الليالي في التأليف والتأمل؛ فكأنه كان يعمل ليله ونهاره.

بست

)45(

شبح الربوة

شمس الدين أبو عبد النه بن أبي طالب الأنصاري

0/0

قال فيه صاحب الدرر الكامنة: إنه كان يصنف في كل علم ‏ سواء عرفه أم لا لفرط ذكائه. وحكمه هذا جائر منبعث. والله أعلم» من كون شيخ الربوة لم يؤلّف كثيرًا في علوم الدين كما كان شأن معاصريه» وألف في علوم لم يعرفوها. قال الصفدي: ولد سنة 545 وعانى الأشغال فمهر في علم الرمل والأوفاق ونخو ذلك» وكان ذكيّا وعبارته حلوة ما تمل محاضرته. وكان يدعي أنه يعرف الكيمياء» ودخل على الأفرم فأوهمه شيئًا من ذلك» فولّاه مشيخة الربوة» وله السياسة في الفراسة وله غيره» ومن شعره :

للنفس وجهان لا تنفك قابلة كنحلة طرفاها في مقابلة ومن شعره في الغوطة : شموس وأقمار من النّؤْر ظلّع كأن عليها من مجاجة طلها نشاوى تثنيها الرياح فتنثني

فيها من اللسع ما فيها من العسل

لذي اللهو في أكنافها متمتع لآلئ إلا أنهامنهاألمع

ولد في دمشق وتوفي في صفد بعد أن لحقه صَمُمْ قبل موته» وذهبت عيئة الواحدة» وكان صبورًا على الفقر والوحدة؛ كثير الآلام والأوجاع. وترجمه الصفدي أيضًا في الوافي فنعته بالصوفي» وقال: إنه المعروف بشيخ حطين أولا ثم بشيخ الربوة آخرّاء رأيته بصفد مرات واجتمعت به مدة مديدة» كان

من أذكياء العالم له قدرة على الدخول في كل علم وجرأة على التصنيف في كل فن؛ رأيت له عدة تصانيف حتى الأطعمة وفي أصول الدين على غير طريق اعتزال ولا أشاعرة ولا حشوية لأنه لم يكن له علم وإنما كان ذكيّاء فيومًا أجده وهو يرى رأي الحكماء ويومًا أراه يرى رأي الحشوية.ويومًا أراه يرى رأي اين سبعين وينحو طريقته. .. وكان له نظم ليس بطائل» وكان ريما عرض علي القصيدة وطلب مني تنقيحها فأغيّر منها كثيرّاء وكان يتكلم في علم الكيمياء ويدّعي فيها أشياءء والظاهر أنه كان يعرف ما يخدع به العقول ويلعب بألباب الأغمار. .. وهو شيخ النجم الحطيني وصاحبه لما كان شيخ خائقاه حطين ببلاد صفد» فورد عليهم إنسان أضافوه وأراد السفر في الليل وعلم النجم أن معه ذهيًا فاتبعه وقتله فبلغت القضية الأمير سيف الدين كرآي نائب صفد إذ ذاكء فأحضر الشيخ شمس الدين المذكور وضربه على ما قيل لي ألف مقرعة وعوقب ثم أفرج عنه قال. وكان فَكة المحاضرة حُلُو المنادرة يتوقد ذكاء» وتوفي ببيمارستان الأمير سيف الدين تنكز بصفد في سنة خمس وعشرين فيما أظن.

وكتابه نخبة الدهر .في عجائب البر والبحر «في العلم يهيئة الأرض وأقاليمها وتقاسيمهاء واختلاف القدماء في ذلك وعلاماتها ومعمورها من البحار المتصلة والمنفصلة؛ والجزائر والجبال والأنهار والحرّات والآجام العظيمة والعيون والممالك ومسالكهاء والأمصار الكبار ورساتيقها والآئار القديمة والعمائر العظيمة والعيون والآبار والينابيع العجيبة» والحيوان النادر الشكل» والنبات الغريب» والمعادن الذائبة والمتطرقة وتوابعها في المعدنية؛ والأحجار الشريفة الثمينة والتي تليها وتشبهها في الشرف والقيمة والتي تلي ذلك مما هو ممتاز من التراب لوصف. خاص أو خاصة ذاتهاء ووصف ألوان الأحجار الثمينة وطبائعها وخواصهاء ونعت بقاعها ومعادنها وذكر أسباب توليدها على ما ذكره الأقدمون». وذكر مساحة الأرض ومسافات أقسامها

نَ الأجداد الكو 55555545455220 لاله شاد

بالساعات والأميال والبَرّد والفراسخ» والدرج الفلكية» وأطوال الجبال وعرضهاء ونعت الأمم المبثوثين فيهاء وذكر معالم أنسابهم وآبائهم الأولين» وذكر عامة اختلاف الأمم المشهورين منهم ونعت خلقهم» وذكر خخمصائتص البلاد المختصة ببقعة دون بقعة» وبلد دون بلد» وذكر ظواهر خصائص البشر المشركة فيها النوع الإنساني دون باقي الحيوانات» ونعت معالم رسوم المليين وأسماء شهورهم وأعيادهم وقرابينهم على ما وجد من آثار علومهم وما يتعلق بلوازم ذلك ولواحقه».

قال: «وختمته يصورة جغرافية دهانًا بالأصباغ وتخطيظًا محررًا على مثل مواقع الأطوال والعروض والأصقاع في المعمور لتكون مثالا حسيًًا مشاهدًا بالحس» يشهد منه ما وضعت وصفه من الهيئة وليكون الوصف برهانًا لما مثلت أمثلته بالجغرافية المذكورة» وكل ما هو من الدهان يها أزرق فهو مثال بجر مالح صَهُّر أو كبّرء دق أو عرضء وفي الزرقة من لون مخالف فهو مثال جبل أو جزيرة» وكل ما هو في ذلك وفي باقيها من لون أخضر فهو مثال بحيرة حلوة ونهر جارء وكذلك طال أو قصر دق أو عرضء وكل ما هو فيها من لون جلناري أو خمري أو أصفر أو حجري أو أبيض أو غير مستطيل مخطط خطوطا بالسواد فهو مثال جيال وَرَبوات مشهورة؛ وكل ما هو صورة خط أسود مستطيل من مشرق الجغرافية إلى مغربها فهو مثال فصل ما بين إقليم وإقليم من الأقاليم السبعة وما وراءهاء أو ما خلف خط الاستواء منهاء وكل ما صورة عمارة وتفصيل حجارة بالتخطيط فهو مثال سور أو برج أو مديئة أو هيكل مشهور في الأرض».

وكتابه عدا فن الجغرافيا يحوي فتونا كثيرة مثل علم الطيقات الأرض وعلم المعادن وعلم. خصائص الشعوب وعلم الإنسان وعلم الحيوان وغلم الأنساب والتاريخ والآثار وغير ذلك. وقد أجاد في وصففب جغرافية الشام فصوّر حالتها. في القرت السابع والثامن+ والأرجح أنه طافها كلهاء ولم يقصر

في جغرافية مصر عن هذه الغاية. أما في بحثه عن الآثار فإنه في الغالب يتلقى كلامه عن الأفواه أو عمن ألفوا في القصص والحكايات والغرائب. وإد وسم كنابه بعجاتب البر والبحرء فهو يحشوه من هذا القبيل» ومنها المفيد مع ذلك» ومنها ما لا يقبله العقل .

أما في الجغرافية فقد وصف بلاد السودان والزنج والبربر وغيرهم في أواسط إفريقية مما لم يطلع عليه علماء الجغرافية إلا في العهد الأخير» وكذلك وصف من أمم جزائر البحر المحيط الهندي وما والاه من الأمم وأورد من أسمائهم ما لا يعرف الآن» أما في أورويا فقد ألم إلمامًا خفيمًا ببعض مدن جنوبهاء أما شمالها فاكتفى على عادة أكثر جغرافيي العرب بأن قال إنه يسكنها أقوام من الإفرنج. أما أميركا فلم تكن قد كشفت في عهدهء ولكن أجاد في الكلام على بحر الظلمات والأفيانوس الأطلانطي وما فيه من الجزر وعلى سواحله من المدن» وما فيه من الصور يدل على تفنن فيهء وأن العرب أيام كانوا أشبه بالغربيين اليوم يميلون إلى تصوير المواد العلمية.

وقال في ذكر توليد الجبال والهضاب والرمال والكلام على كيفية تكوين ذلك وعلته وسببة: قال العلماء بذلك أن الجبال الصغار والتلال قد تكون من الزلازل الكائنة من الرياح المحقونة في الأرض المتموجة تحتها حيث ترفع بعضًا وتخفض بعضّاء ومن صحة ذلك أنه في سنة ثلاث وغشرين وسبعمئة كان المطر في الشام قليلاء وقصرت ينابيع العيون» أرسل الله 38 زلزلة في أيام الصيف فخرجت العيون وزادت الأنهار زيادة بقدر ما كانت ثلاث مرار وأربع مرار. وهذا صحيح وقد يكون باستيلاء الرياح العاصفة على بعض أجزاء الأرض بالكشف والحفر إلى أن يصير ما غلبت عليه غورًا. ومن صحة ذلك أنه في سنة تسع.عشرة وسبعمئة كان على الجبل الأقرع شجر زيتون كثير نيف على ثلاثمئة» فحمله الريح إلى أرض بعيدة بترابه» وكأنه لم يكن مخلونًا إلا من تلك الأرض» وكأنه لم يكن على الجبل شجر مزروع قط. وفي تلك

نهذ الأجدا

السنة أيضًا حملت الريح ديرًا يقال له دير سمعان قريب من تلك الأرض بحجارته ورهبانه» وما كان في الدير من قمحهم وخزينهم وبقرهم ودوابهم وعُدَوِهمء حتى كأنهم لم يكونواء ولم يُعْلّم لهم خبرء ولم يطلع لهم على ثرء وسّطر بذلك محضر شرعي» وطلعوا به إلى السلطان محمد بن قلاوون خلد الله سلطانه ورحم ملوك المسلمين أجمعين. وفي سنة سبعمئة نزل جيل عال شامخ في بيت المقدس بقرب من عين فروج التي على الطريق فبقدر ما كان مرتفعًا توطأ في الأرض وهو إلى الآن أرق مياه تتفق لها حركة على جزءٍ من الأرض دون الآخر فيحفر ما يسيل فيه ويبقى ما لا يسيل فيه رابيّاء ثم لا تزال السيول تغوض في الجزء الأول إلى أن يعود غورًا ويبقى ما انحرف عنه ساميًا. ومن العجب العجيب مغارة بالشام يخرج منها جدول ماء ما يجاوز كعبي قدم الخائض فيهء فإذا دخلها الإنسان وجدها واسعة طويلة المدى نحوًا من أربعة آلاف خطوة تحت الأرضء» والماء يقطر من جوانبهاء وهي كصورة الأز0) الطويل والقبو المبني»: ولكنها مغارة منحوتة وتجد تحت كل ماء قطر من سقفها حجارة جاملة من الماء المتقاطر مختلفة الألوان والشكل» فمنها كهيئة العسل في لونه وكهيفة الثمارء وهيئة النجوم: وهيئة الأعضاءء وهيثة الحبوب» وهيئة النقلء وهيئات مئوعة؛ وكلها حجارة جامدة من تقاطر الماء. أصباغها صادقة في الحمرة والسواد وغيره» وسميت مغارة العجب كذلك قالواء وقد تتكون أنواع الحجارة في النار.

وقال في ذكر نوادر الأحججار الثميئة المهدي بها بعض الملوك إلى. بعض وذكر قيمتها: 3ومن ذلك ما وجد في خزائن الخلفاء والوزراء من الجوهر النفيس والذخائر الفاخرة: الدرة اليتيمية» وسميت بذلك لأنها لم يوجد لها في الدنيا نظير؛ حملها مسلم بن عبد الله العراقي إلى الرشيد فابتاعها منه

(1) الأرّج: بيت يُبتى ظُولًا [محيط المحيط]. (المُراجع)

1 - شيح الريوة نا تشافتت - ا

بتسعين ألف دينار» ومنه الفص الياقوت الأحمر المسمى بالجبل كان وزنه أربعة عشر مثقالا ونصفًا اشتراه الرشيد بثمانين ألف دينار. وكان للمتوكل فص ياقوت أحمر وزنه ستة قراريط اشتراه بستة آلاف دينار» وكان له سبحة فيها مئة حبة جوهر وزن كل حبة مثقال اشتريت كل حبة بألف مثقال. وأهدى بعض ملوك الهند إلى الرشيد قضيب زمرد أطول من ذراع على رأسه تمثال طائر ياقرت أحمر لا قيمة لهء فقوم هذا الطائر بمئة ألف دينار» ودفع مصعب بن الزبير حين أحسنٌ بالقتل إلى مولاه زياد فضا من الياقوت الأحمر وقال: أنج بهذا؛ كانت قيمته ألف ألف درهم. وسقط من يد الرشيد فص في أرض كان يتصيد بها فاغتمٌ لفقده» فذكر له فص ابتاعه صالح صاحب المصلى.بعشرين ألف دينار قأحضره ليكون عوضًا عما سقط منه قلم يره عوضًاء ووهب المأمون للحسن بن سهل عقدًا قيمته ألف ألف درهم ومثة ألف درهم وسحة عشر ألف درهم. وكان فيما أهدى ملك الهند إلى كسرى جام ياقوت أحمر فتجة شبر في شبر مملوء درّاء قيمة كل درة ألف وخمس مئة مثقال. وكان لمحمود صاحب غزنة بجر ياقوت كنصاب المرآة إذا رَكِبَ قبض عليه بيمينه فتبين طرفاه من جانبي يده حيث ينظر إليه الناس».

دولما انهزم أبو الفوارس بن بهاء الدولة من أخيه سلطان الدولة بن بويه أباع جوهرتَيْن كانتا على جبهة فرسه لزين الدولة بعشرين ألف دينار فقال له: من غلطك تجعل هذا على جبهة فرسك وهذه قيمتها. ووجد في خزائن. مروان ابن محمد مائدة جَرْعَ أرضها بيضاء فيها خطوط سود وحمر وسعتها ثلاثة أشبار وأرجلها ذهبء» يقال إنها صنعت على شكل المشتريء من أكل عليها لا يشبع ولا يتخم. ووجد في خزانته أيضًا جام زجاج فرعوني محكم غلظ إصبع وفتحة شبرء وفي وسطه أسد ثابت وقدّامه رجل جاثٍ على ركبتيه؛ وقد وضع سهمًا في قوس بيده يريد أن يرمي الأسدء ولم تعرف له خاصية. وكان لأنوشروان بساط يسميه بساط الشتاء مرصع بأزرق الجوهر وأحمره وأصفره

تنوؤز الأحدا

وأبيضه وأخضره فعمل أخضره مكان أغصان الأشجارء وألوانه بموضع الزهر والنوار؛ فلما أخذ في زمن عمر بن الخطاب ييه في وقعة القادسية حمل إليه في الفيء» فلما رآه عمر قال: إن أمة أدت هذا إلى أميرها لأمناء» ثم فرقه فوقع منه لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه قطعة في قسمه مقدارها شبر في شبر باعها بخمسة عشر ألف دينار.

ولما فتح الملك الظاهر ركن الدين بيبرس كك سيس دخل بعض الغلمان إلى دار صاحب سيس فوجد نردًا بيادقه ياقوت أحمر وأصفر وسكُرّجته من حجر الماس ورقعته زركش» فخطف الغلام النرد فوقع منه قطعتان تركهما داهشًا فوقعت القطعتان المنسيتان في يد الملك الظاهر فقال: ما كان إلا كاملا فاستدعى بعريف سوق. الصرف وأراه القطعتين وقال له إن مسكت من هذا قطعة مع أحد الناس فعلت معك كل خير» فما كان إلا قليلا وقد أتى الغلام ليبيغها فمسك وأتي به إلى الملك فوجدوا الباقي معه فأخذه الملك الظاهر» ودفع إلى الغلام عشرة آلاف درهم.

ولما كان الملك المنصور قلاوون 55 بدمشق سنة اثنتين_وثمانين وستمئة أحضر إليه من المدرسة الجوهرية مائدة ذهب وزنها ثمانية أرطال وربع بالدمشقي وعليها تمثال دجاجة من ذهب وصيصان من ذهبء في منقار كل واحد لؤلؤة بقدر الحمصة؛ وفي منقار الدجاجة درة بقدر البندقة» وفي وسط المائدة سكرجة من زمرد سعتها مثل كفة الميزان التي للدرهم السوقي الكبير مملوءة حبات من الدر» قيل: إن الملك الناصر صاحب حلب أودعها لنجم الدين الجوهري فأكنزها بدهليز مدرسته فوشى بها إلى الملك المنصور جارية من جواري الجوهري وكان على جميع المائذة شبكة من ذهب منسوج صغيرة الأعين حاوية لكل ما في المائدة» ولها ثمان قوائم.

وأهدى مقدم زاوية عكا إلى الملك المنصور :طشنا من ذهب في وسطه بيت مريع له أربعة خروق في أسفله يدخل منها دم الفصاد إلى داخل البيت:

5 شيح الريوة 6 ابا" )

وفي البيت بسقفه تمثال إنسان متوار في البيت ورأسه وعنقه بارز من سقفه وكلما سقط في الطشت من دم الفصاد وزن عشر دراهم ارتفع ذلك التمثال بصدره وظهرت على صدره كتابة عشرة دراهم». ولا يزال كذلك إلى مقدار ثلاث أواق دمشقية» فيقف التمثال قائمًا ويسمع من جوفه كلمة يونانية معناها حسبك حسبك اه.

وكتابه الثاني: «السياسة في علم الفراسة» قال فيه: إن أصول هذا العلم مستئدة إلى العلم الطبيعي وتفاريعه متقررة بالتجارب فكان مثل الطب سواء. وقال: إنه على قسمين أحدهما أن يحصل خاطر في القلب بأن هذا الإنسان من صفته كيت وكيت من غير حصول إمارة جسمانية ولا علامة محسومة. والثاني الاستدلال بالأحوال الظاهرة على الأخلاق الباطنة» وهو غلم يقيني الأصول ظني الفروع. تكلم في القيافة (النظر إلى بشرات الناس وجلودهم) والريافة (معرفة الماء المستجن في الأرض) والعيافة (تتبّع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر في الطرق) وعرض للبحث في أخلاق الحيوان الأول سباع البهائم» أو ذوات الأظلاف والأخفاف والطيور وغيرهاء ونظر في الكفوف والأصابع والأظفار والصدور والبطون والأفخاذ والأعجاز والأوراك وأعضاء النسل والساق والركب» والضحك والتبسم والقهقهة؛ وعلامات الرجل الجاهل الشرير المؤذي» والرجل الخيّر الديّن الحميد الطبع» والكافر والفاجر والسفاك والشجاع والوقح والكذاب والجبان والكسلان والسخي. وتكلم عن الأفلاك والبروج ,

ومما قاله في بيان أخلاق أهل الآفاق: فأهل مصر يغلب.عليهم العقل ونقص الغيرة» وقلة الفطنة وظهور الشح» وتزكية النفس» كثرة الشبق في النساءء وفيهم. المحاكاة والتخيل: وقلة الاعتناء بالأمورء ولا يكادون يحقّقون علماء ولا يعمقون في بحث. وأهل بربر فطناء وغلاظ خريصون حفظاء أشحاء كذابون جفاة ونساؤهم لطاف, والمكر فيهن قليل. وأهل الشام غفول

ٍ كنوز الأجداد زومت شلدد ابل ب-بب-لحلت به

متكبرونٍ مبذرون ممارون شرهونء سليمة قلوبهم منقادون» والغالب عليهم اللهو والعبث بالناس؛ مللون متكرهون دعابون؛ باطنهم الخير وظاهرهم الكبرء مأمونو الغائلة» كثيرو التصديق» فصحاء يخبون المحمذدة. وأهل الروم غلاظ متكلفون صلفون فيهم وفاء أشجاءء وفيهم الغفلة فاشية» ويغلب عليهم الجبن والجهل والهلع وحب جمع المال. وأهل الحجاز أذكياء كرماء مواسون أهل وفاء فهماء حفاظء رقاق الأنفس بشجاعة وإقدام وفهم» وفيهم الدعابة والشبق والتعشق والتخيل والخداع بالنطق» وتأنيث الشمائل وحب اللهو والمعازف» وفي نسائهم الغلمة والكرم. وأهل العبراق غدارون ماكرون منافقون مستهزئون أشحاء ممارون متكبرونء أولو فطنة وذكاء وفهم» ودهاء وخديعة وطمع؛ وتخيل باستعلاء؛ وفيهم البشبق وعدم المبالاة وقلة الوفاء» وفي النساء اغتلام شديد وتحيب إلى الرجال. وأهل العجم أذكياء عقلاء أقوياء الأبدان والنفوس أشحاء أولو فهمء متكبرون محتقرون من سواهم» يحبون الطرب ويشتهون الأحداث دون النساء» ونساؤهم جيدات الطبع متحببات إلى الرجال. وأهل بذخشان أذكياء فطناء أريحيون عصبيون يحبون المحمدة وسفك الدماء. وأهل بذخشان الأسفل أهل طرب ومعازف وتغزل» والجمال فيهم ظاهر؛ وسيما كورة إسكندرية فارس والشح فيهم. وأهل الهند الأعلى شجعان جهلة غفل غدارون كثيرو الشيق خوائون كذابون سيئة أخلاقهم» صبرهم قليل والتميمة فيهم. وأهل الجرزات الهندية صالحون عقلاء حكماء أوفياء» سهل عليهم هلاك أنفسهم بأيديهم. وأهل الصين طياشون مكرة حسدة فطناء أذكياء محاكونء متقنو الصنائع بأيديهم» وفيهم الغدر والتفاق والجبن ظاهر. وأهل التّبت والخطا أشبه بأهل الضين» وفيهم الوفاء وحسن المعاملة» كَل أن يكونوا غير مسرورين. وأهل اليمن مصدقون منقادون» ضفاف النفوس» فيهم الشبق» مأمونو الغائلةء وفيهم تحيل وعجز وغفلة. وأهل الجبشة أهل غفلة وديانة وأمانة ووفاء وحسن محبةء ونقص فهم وغلظ

طبع. وأهل النوبة أهل لعب وعبث وطيش وشح وخيانة وسوء خلق وجهالة وخبث وشبق ودناءة. وأهل السواحل غالبًا أهل أمانة ووفاء وذكاء وشبق ونقص غيرة وسرعة فهم وبطء حفظ. وأهل الجبال غالبا أهل غفلة وغلظة طبع وشح واضطراب حال وعقول وفكر. وأهل المغرب أذكياء ذوو فطن أشحاء سيئون في أخلاقهم متحيلون مهتمون (كذا) غلاظ الطبع أشرار. وأهل الشرق أذكياء فطناء ذوو همم علية» وأنفس أبية ويصائر ثاقبة وكبر ومماراة وشح وسياسة واعتناء بالأمور وعقول رزينة بها مكرة. واليونان علماء عقلاء حكماء أذكياء فطناء فهماءء وفيهم الصلف ورقة الطيع وعلو الهمم. ويقال: ظهرت الحكمة بأدمغة اليونان وألسنة العرب وأيدي الصين.

هذا فصل من فصول كتاب الفراسة وفيه الصحيح وفيه غيرهء أوردته نموذجًا من علم المؤلف وبحثه. يقول ناشر كتاب نخبة الدهر: إن شيخ الربوه من المؤلّفين الجماعين سار على خطة المسعردي وأبي عبيد اليكري»؛ ومع ذلك خص كتابته بالكلام عن المعادن والأحجار الثمينة مما لم يتأت القيام بمثله لمؤلف حتى اليوم .

2

050 ابئ تيمية تقي الدين أحمد بن عبد الجليم الحراني 0

ولد بحران سنة إحدى وستين وستمئة؛ وقَدِم مع والده وأهله إلى دمشق» وكانوا قد خرجوا من بلاد حران مهاجرين بسبب جور التتار وقدموا دمشق سنة سبع وستين. فسمع الحديث من أثمته في دمشق» وسمع مسند أحمد مرات ومعجم الطبراني الكبير والكتب الكبار والأجزاء. وعّني بالحديث وقرأ بنفسه الكثير ولازم السماع مدة سنين» ونسخ وانتقى وكتب الطباق والأثبات» وتعلم الخط والحساب في الكتب؛ واشتغل بالعلوم وجفظ القرآن وأقبل على الفقهء وقرأ أيامًا.في العربية على ابن عبد القوي ثم فهمها وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهمه؛ وبرع في النحوء وأقبل على التفسير إقبالا كليًا حتى حاز فيه قصب السبق» وأحكم أصول الفقه» كل هذا وهو ابن بضع عشرة سنةء فعجب الفضلاء من فرط ذكائته وسيلان ذهنه وقوة حافظته وسرعة إدراكه.

ذاك ما قاله من ترجموا له في نشأته. أما أخلاقه فقالوا: إنه نشأ في تصوف تامء وعفاف وتأله» واقتصاد في الملبس والمأكل؛ ولم يزل على ذلك خلقًا صالحًا برًا بوالديه تقيّا ورعًا عابدًا ناسكًا صوامًا قوامّاء ذاكرًا الله تعالى في كل أمرء رجاعًا إلى الله تعالى في سائر الأحوال والقضاياء وقافًا عند حدود الله تعالى وأوامره ونواهيه» آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر «فارعًا من شهوات المأكل والملبس والجماع. لا لذة له في غير نشر العلم وتدريسه. عرض عليه منصب قضاء القضاة ومشيختّي الشيوخ فلم يقبل» وقبل وظائف

والده في التدريس وله إحدى وعشرون سنة. وكان والده من كبار الحنابلة وأئمتهم» ودرّس هو بعده فاشتّهر أمره وبَعْدَ صيته في العالم»: وما أتى له ثلاثون سنة حتى كان من أعظم علماء عصره؛ بل أعظم عالم في عصره؛ لا تكاد نفسه تشبع من العلمء ولا تَرْرّى من المطالعة» ولا تمل من الاشتغال» ولا تكلّ من البحثء وقّلٌ أن يدخل في باب من أبواب العلوم إلا وقْتِحَ له من ذلك الباب أبواب» واستدرك أشياء في ذلك العلم على حذاق أهله .

وكان يحضر المجالس والمحافل في صغره فيتكلم ويناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يحار منه أعيان البلد. وشرع في الجمع والتأليف وله نحو سبع عشرة سئة. قال الحافظ الزملكاني: كان إذا سثل عن فن من الفنون ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن» وحكم أن أحدًا لا يعرف مثله. كان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك» ولا يُعرف أنه ناظر أحدًا فانقطع معه»ء ولا تكلم في علم من العلوم سواء كان من علوم الشرع أو غيرها إِلّا فاق فيه أهله والمنسوب إليه. وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة والترئيب والتقسيم والتبيين.

وقالوا فيه: «وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام الجمع على كرسي من حفظه فكان ما يقوله من غير توقف ولا تلعثم» وكذا كان يورد الدروس بتؤدة وصوت جهوري فصيح. وانتهت إليه الإمامة في العلم والعمل والزهد والورع والشسجاعة والكرم والتواضع والحلم والأناة والجلالة والمهابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الصدق والأمانة والعفة والصيانة وحسن القصد والإخلاص والابتهال إلى الله تعالى وشدة الخوف منه ودوام المراقبة لهء والتمسك بالأمر والدعاء إلى الله تعالى وحسن الأخلاق ونفع الخلق والإحسان إليهم. وكان رحمه الله سيفًا مسلولًا على المخالفين» وشيّا في

0 ز الأجدا ل( )بابس ييببيبيبيييي في

حلوق أهل الأهواء والميتدعين» وإمامًا قائما ببيان الحق ونصرة الدين. طنت يذكره الأمصارء وضنت بمثله الأعصار».

وقال الذهبي: إنه صار من أكابر العلماء في حياة شيوخه ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراس وأكثرء وفشّر كتاب الله تعالى مدة سنين من ضدره أيام الجمعء وكان يتوقد ذكاء» وسماعاته من الحديثٍ كثيرة» ورجاله وصحته وسقمه مما لا يلحق فيه وأما نقله للفقه ولمذاهب الصحابة والتابعين فضا عن مذاهب الأربعة فليس له فيه نظير. وأما معرفته بالملل والتّحل والأصول والكلام فلا أعلم له فيه مثيلاء ويدري جملة صالحة من اللغة» وعربيته قوية جداء وأما معر فته بالتاريخ والسير قعجب عجيب.

قال: فإن ذكر التفسير فهو حامل لوائهء وإن عد الفقهاء فهو مجتهدهم وأفلسواء وإن سمي المتكلمون فهو فردهم وإليه مرجعهم» وإن لاح ابن سينا يقدم الفلاسفة فلسفهم وبخسهم وهتك أستارهم» وكشف عوارهم. وله يد طولى في معرفة العربية والصرف واللغة» وهو أعظم من أن تصفه كلمي أو تبيئه إشارة قلمي .

وقال في مكانٍ آخر: وله خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم ومعرفة بفنون الحديث» وبالعالي والنازل» وبالصحيح والسقيم مع حفظه لمتوئه الذي انفرد به قلا يبلغ أحد في العصر رتبته ولا يقاربه» وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج مثةء وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند بحيث يصدق عليه أن يقال كل حديث لا يعرفه أبن تيمية فليس بحديث» ولكن الإحاطة لله غير أنه يغترف فيه من بحر وغيره يغترف من السواقي .

وقال أيضًا: كان يقضي منه العجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف

واستدل ورجّح» وكان يحق له الاجتهاد لاجتماع شروطه فيه. قال: وما رأيت أسرع انتزاعًا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منهء ولا أشد استحضارًا للمتون وعزوها منه» كأن السنة تُصب عينيه وعلى طرف لسانه» بعبارة رشيقة وعين مفتوحة. .. ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير فيه» ومن نابذه وخالفه قد ينسبني إلى التغالي فيه» وقد أوذيت من الفريقين: من أصحابه وأضداده. وكان أبيض أسود الرأس واللحية قليل الشيب» شعره إلى شحمة أذنيه كأن عينيه لسانان ناطقان. رَبّعة من الرجال بعيد ما بين المنكبين جَهُوري الصوت فصيحًا سريع القراءة تعتريه حدَّة لكن يقهرها بالحلم.. وقال تعتريه حدة في البحث وغضب تزرع له عداوة في النفوس.

كتب الذهبي إلى السبكي يعاتبه بسبب كلام وقع منه في حق ابن تيمية فأجابه: وأما قول سيدي في الشيخ تقي الدين فالمملوك يتحقق كبير قدره وزخارة بحره ونوسعه في العلوم النقلية والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف, والمملوك يقول ذلك دائمّاء وقدره في نفسبي أكثر من ذلك وأجل مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه وجريه على سنن السلف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفىء وغرابة مثله في هذا الزمان بل من الزمان. وقال ابن سيد الناس إنه برّز في كل فنّ على أبئاء جنئسهء ولم تر عين من رآه مثله» ولا رأت عينه مثل نفسه.

بدأت مخنة شيخ الإسلام لما تمت أدواته وشاعت قتاويه في مسائل وجد منها حساده مدخلا لهم فناقشوه وكقّروه ويَدَّعوه واعتقله الولاة وغَرِّوهء وكان منذ سنة تسع وتسعين ظهرت شخصيته السياسية في البلاد وبدأ تعويل الأمة عليه في دفع أعدائها عنها في نوبة غازان» فقام بأعباء الأمر بنفسه واجتمع بنائبه وجرأ على المغول وتوجه بعد ذلك بعام إلى الديار المصرية لما اشتد

ه

الأمر بالشام من المغول واستصرخ يأركان الدولة وحضهم على الجهاد. ثم

نوز الأجدا 50 ا 1 0 00 دكات

عاد بعد أيام إلى دمشق وظهر اهتمامه بجهاد التتار وتحريضه الأمراء على ذلك إلى ورود الخير بانصرافهم؛ وقيامه القيام المحمود في وقعة شقحخب سنة اثنتين وسبعمئة واجتماعه بالخليفة والسلطان وأرباب الحل والعقد وتحريضهم على الجهاد» ثم توجهه في آخر سنة أربع وسبعمئة لقتال الكسروانيين واستئصال شأفتهم» ثم مناظراته للمخالفين في سنة خمس في المجالس التي عقدت له بحضرة نائب السلطنة الأفرم وظهوره عليهم بالحجة والبيان؛ ورجوعهم إلى قوله طائعين مكرهين. ثم توجهه بعد ذلك في السنة المذكورة إلى الديار المصرية في صحبة قاضي القضاة الشافعية وعقدهم له مجلسًا حين وصوله بحضور القضاة وأكابر الدولة» ثم حبسه في الجب بقلعة الجبل ومعه أخواه سنة ونصمّاء ثم إخراجه بعد ذلك وعقدهم له مجلسًا ظهر فيه على خصومه. ثم عقدهم له مجلسًا سنة سبع لكلامه في طريقة الاتحادية؛ ثم الأمر بتسفيره إلى الشام على البريد؛ ثم الأمر برده من مرحلة وسجنه بحبس القضاة سنة ونصقًا » ثم إخراجه منه وتوجهه إلى الإسكندرية وجعله في برج حبس فيه ثمانية أشهر» ثم توجهه إلى مصر واجتماعه بالسلطان فى مجلس ضم القضاة وأعيان الأمراءء وإكرامه له إكرامًا عظيمًا ومشاورته له في قتل بعض أعدائه وامتناع الشيخ عنن ذلك» ثم سكناه القاهرة» ثم توجهه إلى الشام» ثم ملازمته بدمشق لنشر العلوم وتصنيف الكتب وإفتاء الخلق إلى أن تكلم بمسألة الخلف بالطلاق» فأشار عليه بعض القضاة بترك الإفتاء بها في سنة ثماني عشرة فقبل إشارته دفعًا للفثنة» ثم ورد كتاب السلطان بعد أيام بالمنع من الفتوى بهاء ثم عاد الشيخ إلى الإفتاء بها وقال: لاا يسعني كتمان العلمء وبقي كذلك مدة إلى أن حبسوه بالقلعة خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا ولم يزل على غادته من

الاشتغال والتعليم إلى أن ظفروا له بجواب يتعلق بمسألة شد الرحال إلى قبور

الأنبياء والصالحين» كان أجاب به من نحو عشرين سنة» فشنعوا عليه يسبب

ذلك وورد ممرسوم السلطان في شعبان من سنة ست وعشرين يجعله ني

القلعة» فأخليت له قاعة حسئة وأقام فيها ومعه أخوه يخدمه» فكتب في المسألة التى حبس بسبيها مجلدات عديدة وظهر بعض ما كتبه واشتّهر وآل الأمر إلى أن منع من الكتابة والمطالعة» وأخرجوا ما عنده من الكتب ولم يتركوا دواة ولا قلمًا ولا ورقة» وكتب عقيب ذلك بفحم. وكان إخراج الكتب من عنده من أعظم النقم» وبقي أشهرًا على ذلك وأقبل على التلاوة والعبادة والتهجد حتى أتاه اليقين.

هذا مجمل ما قيل في حالة شيخ الإسلام ومع ما حاول أعداؤه أن ينغصوا عيشه دأب في كل زمن على التأليف فألف ثلثمئة مجلد وكلها في الشرع وفي حل مسائل عويصة من الدين تقرأ فيما وصلنا منها مثالا من علمه النفيس وعلمه الذي عقمت القرون أن يأتي رجل بما يماثله. كثرت تاآليفه لأنه كان يؤلف من صدرهء حفظ الكتاب والسنة وما دون في شروحهما وما قاله العلماء في تفسيرهماء وقد ساعدته كثرة محفوظه وفيض خاطره وسعة بيانه على تدوين حقائق لم يكتب لعالم مثله في موضوعهء ولو لم يكن له إلا منهاج السنة لكفاه على الأيام فخرًا لا يبلى» ففيه مثال من علمه وقوة حجته ومعرفته بالملل والنحل» وإذا قلنا أنه لم يؤلف نظيره في الرد على المخالفين لأهل السنة لصدقنا كل منصف من أهل القبلة .

وكتاب منهاج السنة من أصح الشهادات على علو كعبه في معرفة الشرع وما تقلب عليهء وما حاول يعض أهل الأهواء من العبث بهء وفيما أورده الموافقون والمخالفون من صحيح الآراء وبهرجهاء وكان عئوان مداركه الواسعة بتاريخ الإسلام وتاريخ الملل والنحل» ولو ادعينا أنه لم يأت عالم يعرف ما طرأ على الدين ومذاهب أهله فيه ساعة ساعة ويومًا يومًا ما قدر أحد على رد دعوانا.

رد على المعتزلة وعلى الجهمية وعلى الشيعة وعلى الفلاسفة وعلى غيرهم فجاء بالعجيب من الآراء التي استخرجها من روح الشريعة واستنيطها يبعد

كنوز الأجداد

نظره وشدة بحثه» فما كُتب لإمام من الأئمة في عصره وبعد عصره أن يناقضه ويرد أقوالة.

وعلى كثرة ما حرص الشافعية للتفوق على هذا الحنبلي» وإقناع العلماء بفتاويهم وتزييف فتاويه, ما كانوا معه إلا كالأطفال أمام الرجال» وفي مقدمتهم المشايخ بنو السبكي»؛ وما كان لهم في دولة مصر والشام من السلطان. اعتقلوه في القاهرة والإسكندرية أشهرًا لم تمنعه عن التأليف والتدريس والوعظ» وما حالوا دون إعجاب المنصفين من العلماء به وقول الحق فيه ولا دون تقديس الأمة له يوم موتهء وهي التي عرفته سباقًا إلى كل خير يقصد منه صلاح دنياها ودينهاء وكان له في انتصار دولة المماليك على التتار اليد الطولى التي لا تنكرء ودل أنه في السياسة كما هو في الدين إمام عظيم وأن الدين لا ينفصل عن السياسة في نظره. وما سمع لأحد علماء الدين في عصره صوت مثل صوته في إحقاق الحق ونصرة سلطان الإسلام. ونسبه قوم إلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى فإنه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويطريه فكان ذلك مؤكدًا لطول سجنه. ولم يرض يوم عقد الصلح مع التثار أن يتخلى عن الأسرى من النصارى واليهود فقال أنهم ذمتنا ولا بد من إرجاعهم إلى ديارهم. وكم له من مثل هذه الحسنات الثي أصبحت كأنها قواعد من قواعد الشرع والسياسة لا يستغني عنها خليفة ولا سلطان.

إن استعائة خصوم ابن تيمية بقوة رجال الدولة في مسألة شد الرحال إلى قبور الأنبياء والأولياء والصالحين وفي غير ذلك من البدع التي أقروها والشريعة تنكرها إنكارًا ظاهرًا كما يفهم من آي الكتاب العزيز وهدي الصحابة والتابعين والعلماء العاملين واغتباطهم بما ظنوه ظفرًا لهم في تلك المعركة الشديدة قد كان من نتائجه مسخ الشريعة عند المتأخرين وبقيت الأمة على إقرار الخرافات والبدع إلى يوم الناس هذا في بلاد المسلمين كافة وكأنهم اخترعوا شريعة أخرى استمالوا بها العؤام ومزجوها بالشريعة الأصلية رغم

أنوف الخواص فركبوا عار الأبد ولُعِنوا بما بدّلوا وحرّفواء هو لم يأت ببدع وهم سلَّموا بكل البدع. فكان العالم العامل حقّاء وكانوا غعَبّدة أوهام وضلالات. أراد شرعًا نقيًا من الأدران» وهم تساوت عندهم النقاوة والنفاية لأنهم يقصدون بمناقشاتهم الظهور وكسب قلوب الغوغاء على أي حال.

لو عمت دعوة ابن تيمية» ولدعوته ما يمائلها في المذاهب الإسلامية. ولكنها عنده كانت حارة وعند غيره فاترة» لسلم هذا الدين من تخريف المخرفين على الدهرء ولما سمعنا أحدًا في الديار الإسلامية يدعو لغير الله ولا ضريحًا تشد إليه الرحال بما يخالف الشرعء ولا يعتقذ بالكرامات على ما ينكره دين أتى للتوحيد لا للشرك ولسلامة العقول لا للخبال والخيال.

كان ابن تيمية في النصف الثاني من عمره سراججا وهاجًا أطفأ بعلمه وعمله شهرة أرباب المظاهر من القضاة والعلماءء وكان الصدر المقدم كلما دخل في موضوع ديني أو سياسي»؛ وعبئًا حاول بعض الشافعية والمالكية أن يسلموه للعامة علهم يقتلونه فما استطاعوا أكثر من حجز حريته أشهرًا في سجن ؛ وكان الملوك يحمونه من تعصب خصومه ويعرفون قدره. وكان الملك الناصر صاحب مصر يرفع من مقام ابن تيمية كثيرٌّاء وأراد أن يقتل من أفتوا بخلعه من العلماء؛ وحثه على أن يفتيه في قتل بعضهم فأنكر أن ينال أحدًا منهم بسوء وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم فقال له: إنهم آذؤك وأرادوا قتلك مرارًا. فقال الشيخ من آذاني فهو في حِل» ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منهء أنا لا أنتصر لنفسي». وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح. وكان قاضي المالكية ابن مخلوف يقول: ما رأينا مثل ابن تيمية حَرَّضنا عليه فلم نقدر عليه» وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا. فعل هذا ابن تيمية وخصومه يقولون: يجب التضييق عليه إن لم يقتل وإلا فقد ثبت كفره» ونحن نقول إن هذا هو الفرق العظيم بين أخلاقه وأخلاق مشاكسيه» هم كانوا ممن يهتمون لدنياهم ومظاهرهم وهو كان يهتم للأخرى فقطء وشتان بين

1 كنوز الأجداد ححز نز )بب-ا-اباب _ ب بببباامحتت ته

المطلبَيْن. كان يهتم لنشر الدين والقضاء على البدع بقلبه ولسانه وقلمه وهَمُهم أن يرضى عنهم السلطان فيبقيهم في مناصبهم ويستميلوا العامة فيقيّلوا أيديهم.

هو يقول لنائب قلعة دمشق في فتنة غازان: لو لم يبق فيها إلا حجر واحد فلا تسلمهم ذلك إن استطعت؛ فَسِلّمت القلعة من أذى التتارء وكان يدور كل ليلة على الأسوار يحرض الناس على الصبر والقتال ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط» وكذلك كان شأنه في وفعة شقحب وكان يعد المسلمين بالتصر هذه المرة ويؤكد كلامه في ذلك حتى نصروا على عدوهم. وفي قتال الجرديين والكسروانيين أبان أيضًا عن سياسة رشيدة وأرجع بعض الناشزين من أهلهما إلى الإشلام.

من أهم المسائل التي حاول حساد ابن تيمية أن ينالوا بها منه مسألة شد الرحال إلى قبور الصالحين وغيرهم. قال ابن كثير: إن جواب ابن تيمية في هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء الصالحين؛ وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور. وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة» وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى. والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل بل يستحبها ويندب إليهاء وكتبه ومناسكه تشهد بذلك» ولم يتعرض إلى هذه الزيارة في هذا الوجه في الفتيا ولا قال إنها معصية ولا جكى الإجماع على المنع منها ولا هو جاهل قول الرسول: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة».

ثار عليه مرة جماعة من الحسدة وشكوا منه أن يقيم الحدود ويعزر ويحلق الرؤوس أيضًا وتكلم هو فيمن يشكو منه ذلك وبين خطأهم. وراح مرة في ثلة من أصحابه ومعهم حمجارون وأمرهم بقطع صخرة كانت بنهر قلوط بدمشق تزار وينذر لها فقطعها وأراح المسلمين منها ؤمن الشرك بهاء فأزاح عن المسلمين شبهة كان شرَّها عظيمًا. قال ابن كثير: وبهذا وأمثاله حسدوه وأبرزوا له العداوة» وكذلك بكلامه بابن عنربي وأتياعهء فحسد على ذلك

47 أبن تيمية -

وعودي ولم يصلوا إليه بمكروه» وإنما أخذوه وحبسوه بالجاه. قال: ولم يزل الشيخ ملازمًا لاشتغالٍ الناس في العلوم ونشر العلم وتصنيف الكتب وإفتاء الناس بالكلام والكتابة المطولة والاجتهاد في الأحكام الشرعية. ففي بعض الأحكام يفتي بما أدى إليه اجتهاده من موافقة أثمة المذاهب الأربعة» وفي بعضها يفتي بخلافهم وبخلاف المشهور في مذاهبهم. وله اختيارات كثيرة في مجلدات عديدة أفتى فيها بما أدى إليه اجتهاده» واستدل على ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف.

رجل هذا شأنه يكفره القاضي المالكي ويحاول قتله» والتعزير عند المالكية القتل»: ولا تشتفى نفوس بعض العلماء والسياسيين حتى يتَادّى بدمشق : من اعتقد عقيدة ابن تيمية حَلّ دمه وماله خصوصًا الحتابلة. وجمعوا الحنايلة من صالحية دمشق وغيرها وأشهدوا على أنفسهم أنهم على معتقد الإمام الشافعي .

قال الصلاح الصفدي كان كثيرًا ما ينشدني: تموتالنفوس بأوصايهاا ؤلميدرعرّادهامابها وما أنصفت مهجة تشتكي أذذاها إلى غيرأحبابها

وأنشد على لسان الفقراء (جماعة الطرق): والله ما فقرنااختيار وإئمافقرنااضطرار جماعة كلناكسالى وأكلتامالهعيار تسمعمناإذااجتمعنا حقيقة كلها فشار

0( الذهبي

محمد ين أحمد بن عثمان بن قايماز )000

شمس الدين أبو عبد الله التركماني الفارقي» جاءته النسبة إلى الذهبي لأن والده برع في صنعة الذهب المدقوق وتميّز فيها .

مؤرّخ ولا كالمؤرخين ومحدّث ولا كالمحدثين. هو رجل ساير العقل فتفرد في تآليفه» ونظر في ما حواه صدره من أصناف العلم نظرة بليغة» فأتى بجديد ضمه إلى القديم فسد ثلمة كانت لولاه فارغة» وقام بغرض كان بعضهم يعده نافلة. هو إمام تعب بعلمه حتى يستريح من بعده. .

كُتِب التخليد والتأبيد لتآليفه وجاءت على توخيه فيها الاختصار زيدًا من علم الإسلام وتكملة لتاريخ رجاله» تلمح في صفحاتها بُعْدَ النظر وسداد الرأي» وإنصاف الحكمء وتقف أمامها تُكبر صنع واضعها ومدونهاء وتقول إن دمشق يحق لها إذا عدت فى مفاخرها الحافظ ابن عساكر فى القرن السادس أن تفخر بأنها كانت محال علم الحافظ الذهبي في القرن الثامن» وكلاهما لم تقف شهرته والانتفاع بما كتب عند حد دمشق أو الديار الشامية بل تعدتها إلى الشرق والغرب فغدا من أعظم المؤرخين في المسلمين.

ترجم الصفدي للذهبي في نكت الهميان» وعده في العميان لأنه أضر قبل موته بأربع سنين أو أكثره فقال: حافظ لايجارَى ولافظ لا يبارّى» أتقن الحديث ورجاله. ونظر علله وأحوالهء وعرف تراجم الناس وأزال الإبهام في تواريخهم والالتباس؛ مع ذهن يتوقد ذكاؤه» ويصح إلى الذهب نسبته

الد د لاقي 5-5 1

وانتماؤهء جمع الكثيرء ونفع الجم الغفير» وأكثر من التصنيف» ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف. وقف الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني على تاريخه الكبير المسمى تاريخ الإسلام جزءًا بعد جزء إلى أن أنهاه مطالعة وقال: هذا كتاب علم.

قال الصفدي: اجتمعتٌ به وأخذت عنه وقرأت عليه كثيرًا من تصانيقه. ولم أجد عنده جمود المحدثين» ولا كوذنة النقلة» بل هو فقيه النظرء له دربة بأقوال الناس» ومذاهب الأئمة من السلف وأرياب المقالات. وأعجبني ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثًا يورده حتى يبيّن ما فيه من ضعف متن» أو ظلام إسنادء أو طعن في رواة. والكودنة من الكودن هو البرذون يوكف ويشبّه به البليد يقال: ما أبين الكدانة فيه أي الهجنة. وقالوا فيه: هو «رجل الرجال في كل سبيل كأنما جمعت آلاته في صعيد واحد قنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها» ما زال يخدم هذا الفن ‏ فن الحديث ‏ حتى رسخت فيه قدمه» وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه؛ وضربت باسمه الأمثال» «ورغب الناس في تواليفه ورحلوا إليه بسببها وتداولوها قراءة ونسحًا وسماعًاة.

وهذه الجمل القليلة تنبئع بما حملت نفس الذهبي العظيمة» وما صرف فيه أيام عمره التي بورك له فيها فصنف التصانيف الكثيرة الجليلة منها تاريخ الإسلام الكبير في أحد وعشرين مجلدًا» ومختصره سير النيلاء في عدة مجلدات» ومختصره العبر» وطبقات الحفاظ: وطبقات مشاهير القراء» والتاريخ الممتع في ستة أسفار. وكل ذلك لم يطبع والمطبوع من تآليقه «دول الإسلام» ومشتبه النسبة» وتذهيب التهذيب» وميزان الاعتدال في نقد الرجال وغيره. ومن ألقى نظرة على المشتبه عرف تفرّد الذهبي بمعارف جليلة وأدرك إحاطته. وقد اختصر عدة تواريخ وكتب في الطبقات» وله تصانيف أخرى لم

© م مه م

تستهر‎

كنوز الأجداد سل اوم )سب تن-دتااد ا اااابتتت تت

جمع الذهبي القراءات السبع» وسمع. الحديث بيلاد كثيرة من خلائق يزيدون على ألف ومئتين بالسماع والإجازة» وسمع وأملى ما لا يحصى كثرة من الكتب الكبار والأجزاء على خلق كثير؛. والغالب أنه لم تتعدٌ رخلاته الشام ومصر والحجازء ذكر في تاريخ الإسلام في ترجمة كمال الدين أبي الفرج البغدادي أنه انتهى إليه علو الإسناد في عصره؛ وعُمّر دهرًا طويلًا قال: وكنت في سنة أريع وتسعين وسنة خمس أتلهف على لقيه وأتحسر وما يمكنني الرحلة إليه لمكان الوالد ثم الوالدة.

قال في الدرر الكامنة: إنه تخرج على علماء عصره في دمشق والقاهرة ومَهّرٌ في فن الحديث وجمع فيه المجاميع المفيدة الكثيرة حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفًاء وجمع تاريخ الإسلام فأربى فيه على من تقدمه بتحرير أخبار المحدثين خصوصاء وقطعه من سنة سبيعمئة» واختصر منه مختضرات كثيرة منها : العبرء وسير النبلاء؛ وملخص التاريخ قدر نصفهء وطبقات الحفاظء وطبقات القراءء والإشارة وغير ذلك» واختصر الستن الكبيرة للبيهقي فهدبه وأجاد فيه. وله الميزان في نقد الرجال أجاد فيه أيضًاء واختصر تهذيب الكمال لشيخه المزيي» وخرج لنفسه المعجم الكبير والصغير والمختص بالمحدثين» فذكر فيه غالب الطبقة من أهل ذلك العصرء وعاش الكثير منهم بعده إلى نحو الأربعين سنةء أخرج لغيره من شيوخه ومن أقرانه ومن تلامذته. وقالوا فيه إنه خرج لجماعة من شيوخه وأقرانه وعدل وخرّج وصحح واستدرك وأفاد وانتقى واختصر كثيرًا من تواريخ المتقدمين والمتأخرين.

وطعن عليه ابن الوردي في ذيل تاريخ أبي الفداء وقال: إنه منقطع القرين في معرفة أسماء الرجال محدث كبير مؤرخ» وقال إنه استعجل قبل موته فترجم في تواريخه الأحياء المشهورين بدمشق وغيرهاء واعتمد في ذكر سير الناس على أحداث يجتمعون به وكان قي أنفسهم من الناس» فآذئى بهذا السبب في مصنفاته أعراض خلق من المشهورين.

الن تي 0 0

وكلام ابن الوردي موضع نظر؛ فإن الذهبي يتعذر عليه أن يقف على تراجم المئات ممن ترجم لهم بدون أن يستعين بتلاميذه وأصحابه؛ وهو ليس له تارات. على أحبٍ حتى يعلي منهم ويخفض على هواة» ولكن الناس لا يرضيهم إذا أعطوا حقهم من الترجمة ولو بزيادة قليلة ويغتبطون إذا زادهم المؤلف ما يربو على استحقاقهم. فإن غلطة واحدة غلطها ابن الوردي في المبالغة بأبي الفداء أكبر من كل غلطة للذهبي إذا صح أنه غلط في ترجمة بعضهم., وما راق ابن الوردي إلا الطعن بالذهبي» وأي غلطة أعظم من أن يقول ابن الوردي إنه ليس في الملوك بعد المأمون أفضل من أبي الفداء» وما كان هذا ني حقيقعه أكثر من وال عند المماليك يفل الأرض بين أيديفب لتصفو له عمالة حماة وهذه كل مملكته. وإذا رجعنا إلى تاليفه نجد تازيخه خلاصة ما كتبه ابن الأثير وغيرهء وكتابه تقويم البلدان منقول من كتاب آخر وليس هو بأكثر من فهرس معجم جغرافي»: فكيف يكون من هذه سياسته وهذا علمه ثاني المأمون العباسي!

وبالطبع كان المخالفون للذهبي في مذهيه يطعنون عليه بأنه يتحيّز لجماعته ويحط من أقدار مخالفيه. شنشنة قديمة للنَيّل من المؤلفين بل لنيل المغمورين من المشهورين. قارن حافظ الشام ابن ناصر الدين بين الذهبي والبرزالي والمزي فحكم للمزي بالتفوق في معرفة رجال طبقات الصدر الأول؛ وللبرزالي في العصرين ومن قبلهم من الطبقات القريبة منهم؛ وللذهبي في الطبقات المتوسظة بينهما تأييدًا لقول بعض مشايخهء على أن الأهواء قلما تتغلب على المزي والبرزالي في تراجم الناس بخلاف: الذهبي. أه.

وقالوا: إن الذهبي شديد الميل إلى آراء الحنابلة لا ينصف الأشاعرة في التراجم. وقال فيه السبكي في طبقاته ‏ وينو السبكي من غلاة الشافعية ‏ صنّف التاريخ الكبير وما أجسنه لولا تعصب فيه. وعداوة الشافعية للحنابلة مشهورة. ومثل الذهبي بعلمه يود كل شافخي وكل خحنبلي أن ينطق باسم أهل مذهبه

ذ الأجدا

ويرعاهم وينحي على خصومهمء وهذا يستحيل على من تشبع بروح التاريخ كالحافظ الذهبي؛ وميله إلى الحنايلة أمر طبيعي فهو إمام الحديث» والحنابلة لا يقيمون وزنًا قبل كل شيء لغير الحديث. تولى الذهبي مشيخة الظاهرية قديمًا ومشيخة النفيسية والفاضلية والسكرية وأم الملك الصالحء وتولى في شبابه سنة )7١7(‏ خطابة قرية كفريطنا من الغوطة» وأقام بها ولما تولى درا الحديث الظاهرية نزل عن خطابة كفربطنا. وقيل: إنه ولد في. كفربطنا والأرجح أنه ولد في دمشق» وهو من أصل تركماني وفي أجداده من اسمه قايماز» أما الفارقي فنسبته لميارفارقين من بلاد الجزيرة قريبة من آمِد «ديار بكر» ومن شعره: تولى شبابي كأنلميكن وأقبل شيب عليناتولى ومن عاين المنحنى والتقى ‏ فمابعدهذينإلاالمصلى ومنه : إذا قرأ الحديث علىّ شخص و«-أخلى موضعالوفاةمثلي فما جازى بإحسنان لأني أزيد حياتهويريدقتلي عاش الحافظ خمسًا وسبعين سنة وأنتج هذا الإنتاج العجيب» فهو من أفراد الدهر.

>

)59)

ابن فضل الله العمري شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله )0/25

ولد في دمشق سنة /٠١‏ ومات فيهاء ويتصل نسبه بعمر.بن الخطاب فهو قرشي عدوي عمري» وبيته بيت رئاسة وعلم جاء نقي الدم سامي البيئة. قرأ العربية على ابن قاضي شهبة ثم على قاضي القضاة شمس الدين مسلمء وتفقه على قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله وعلى الشيخ برهان الدين الفزاري» وقرأ الأحكام الصغرى على الشيخ تقي الدين بن تيمية» والعّروض على الشهاب محمود وعلاء الدين الوداعي وقرأ عليه جملة من دواوين العرب» والأصول على الشيخ شمس الدين الأصفهاني: وأخذ اللغة عن الشيخ أثير الدين» وأجازه العارفون أن يفتي على مذهب الشافعي» وروى الحديث عن كثير من الرجال والنساء ومنهن ست الوزراء وست القضاة» وفي بيته وعن أبيه أخذ فن السياسة. وزاده تمرسه بها في ديوان القاهرة لما غدا أمين سر السلطان» والسلطان يومئذٍ الناصر قلاوون أرقى سلاطين المماليك؛ والدولة المصرية في عهده متصلة بالغرب اتصالا وثيقًا وترهبها أوربا لقوتها.

هذا علمه وهؤلاء من تخرج بهم وهم من الأفذاذ في فنونهم» فكأنه خريج مدرسة جامعة في هذا العصصبرء تعاورت تثقيفه أيدي مختصين معروفين» ونمى معلوماته بالعمل أكثر من النظر» ومَّن تأمّل أساتذته وما تلقاه عتهم من المعارف لا يحكم إلا بأنه عالم ديني تبحر في علوم الأدب فقطء ولكنه اعتمد على مطالعاته الخاصة فجاء منه مؤرخ وجغرافي وفلكي وسياسي

2 مح 1

ومهندس ومصور اوكان يكتب من رأس القلم ما يعجز عنه غيره في مدة». وأجمل ما فيه أخلاقه النبيلة وإخلاصه في عامة حالاته.

وصغه ابن كثير بأنه «يشبه القاضي الفاضل في زمانه» وأنه كان حسن الذاكرة» سريع الاستحضارء جيد الحفظء فصيح اللسانء حسن الأخلاق» يحب العلماء والفقراء»» وله مواطن تجلى فيها شدة إخلاصه لدينه وعقيدته وأمانته لسلطانه ودولته. حدث أن أرسل ملك فرنسا #ريد فرنس» إلى السلطان قلاوون رسولا يطلب بيت المقدس على أن يبذل مئتي ألف دينار تعجل» ويحمل في كل سنة دخل نصف البلاد ويطرف بغرائب التحف والهذايا. وحسّن هذا كتاب من كتبة القبط كانوا صاروا رؤساء في الدولة» فقام مؤلفنا هو وأبوه لِيَلُوِيا السلطان عن رأيه إن أصغى إلى أولئك الأفكة» وأزمعا أن يكلما السلطان وإن خُضّبت ثيابهما بالدم. ولما ولي أبوه كتابة السر في القاهرة كان هو يقرأ كتب البريد على السلطان» ثم غضب هذا عليه وصادره واعتقله» ثم رضي عنه واستدعاه واستحلفه على المناصحة» فباشر الإنشاءء وبعد سنتين عزل ورتب له مرتبات عظيمة» وبقي بطالًا إلى أن هلك بحمى الربع يوم عرفة عن تسع وأربعين سئة .

وصفه المقريزي بحدة المزاج وشراسة الخلق وقوة النفس. وإن صحت هذه الشراسة فلا تكون في غير مصلحة الدولة: مثال ذلك أن السلطات قرر في كتابة السر علم الدين ابن القطبء فغض ابن فضل الله من القطب» وقال: إنه قبطي فلم يلتفت السلطان لذلكء» فكتب له توقيعه على كرهء وأمره أن يكتب فيه زيادة في معلومه فامتنع» فعاوده فنقرء وقام بين يدي السلطان مغضبًا وقال: خذمتك علي حرام. فلفظة شراسة شديدة» والأؤلى أن يوصف بصلابة العود أو يُكْتَقَى بقوة النفس.

لابن فضل الله كتابان جليلان لا نظير لهما في بابهماء قل أن ظهرت بعد عصره تآليف في معناهما بلغت هذا المبالغ من التنقيح وعدم الحشو. الأول

ابن فضل الله العمري

أوحى إليه تأليفه صلته بديوان:الإنشاء وهو «كتاب التعريف بالمصطلح الشريف»؛ وهو سِفْر بديع لم يُبّْقِ شاردة في تراتيب الدولة إلا أتى عليها؛ ففيه نموذجات مما يكتب به إلى ملوك الأطراف؛ وكل ما يتعلق بدواوين الملك من رتب المكاتبات وعادات العهود والتقاليد والتفاويض والتواقيع والمراسيم والمناشيرء ونسخ الإيمان والأمانات والدفن والهدن والمواضعات والمفاسخاتء وما هو داخل في نطاق كل مملكة وما هو مضاف إليها من المدن والقلاع والرساتيق.

أما كتابه الثاني الذي ينادي على وجه الدهر باتساع علمه ومعرفته في تقويم البلدان والتاريخ والرجال والأدب. والاجتماع والهندسة والسياسة والفلك والنقش والتصوير والبناء فهو كتاب #مسالك الأبصار في ممالك الأمصارة. جاء الأصل في سبعة وعشرين مجلدًا تحمل الشيء الكثير من جتيعات متاتيه وحين تأعةادر بح فلم ولد سحب ست بعص متها ولا غريبة حتى ذكر الناقل لها لتكون عهدتها عليه ويتبرأ هو منها.

وطريقته في نقل الأخبار التحقيق لأكثر ما يعرف بتكرار السؤال واحدًا بعد واحدء عما علمه من أحوال بلاده وما فيهاء وما اشتملت عليه في الغالب. قال: وكنت أسأل الرجل عن بلاده ثم أسأل الآخر لأقف على الحق» فما اتفقت عليه أقوالهم أو تقاربت أثبتّه وما اختلفت فيه أقؤالهم أو اضطربت تركته. ثم إني أثرك الرجل المسؤول مدة» أناسيه فيها عما قال ثم أعيد عليه السؤال عن بعض ما كنت سألت؛ فإن تَبَتَ على قوله الأول أثبتٌ مقاله» وإن تزلزل أذهبت في الريح أقواله. كل هذا لأتررّى في الرواية وأتوثق في التصحيح .

شرع في وضع مسالك الأبصار أيام الناصر محمد بن قلاوون» ووشّحه باسمه مشفوعًا بألقاب ضخمة:؛ وَسَمَهُ باسم عظيم عاش في نعمته» وكان آل بيت فضل الله في أسبابه ومن صنائعه.

كنوز الأجداد

ل حقه: «هو الإمام الفاضل البليغ المفرّه الحافظء حجة الكتَّاب إمام أهل الأدب» أحد رجالات الزمان كتابة وترسلاء وتوسلا إلى غايات المعالي وتوصلاء وإقدامًا على الأسود في غاباتهاء وإرغامًا لأعدائه بمنع رغائها. . صرف الزمان أمرًا ونهيّا» ودبر العتالك فيد ورأيّاء ووصل الأرزاق بقلمه؛ ورويت تواقيعه وهي سجلات ل- لحكمه وحكمه. ولا أرى أن اسم الكاتب يصدق على غيره ولا يطلق على سواه. .. ولا أعتقد أن بينه وبين القاضي الفاضل من جاء مثله. .. هذا مع ما فيه من لطف أخلاق» وسعة صدر» وبشر محيّا. رزقه الله أربعة أشياء لم أرها اجتمعت في غيره وهي الحافظة» فما طالع شيئًا إلا كان مستحضرًا لأكثرهء والذاكرة التي إذا أراد ذكر شيء من زمن متقدم كان ذلك كأنه مرّ بالأمسء والذكاء الذي يتسلط به على ما أراد؛ وحسن القريحة في النظم والنثر. أما فكره فلعله في ذروة كان أوج الفاضل لها حضيضًا ولا أرى أحذا يلحقه فيه جودة وسرعة. وأما نظمه فلعله لا يلحقه فيه إلا الأفراد. وأضاف الله تعالى له إلى ذلك كله حسن الذوق الذي هو العمدة في كل فنء وهو أحد الأدباء الكمَلّة الذين رأيتهم. وأعني بالكملة الذين يقومون بالأدب علمًا وعملًا في النظم والنثر ومعرفة تراجم أهل عصره؛ وقد تقدمهم على اختلاف طبقاتهم» وبخطوط الأفاضل وأشياخ الكتابة. ثم إنه شارك من رأيته من الكملة في أشياء وانفرد عنهم بأشياء بلغ فيها الغاية لأنه جوّد في الإنشاءء والتثر وهو فيه آية والنظم وسائر فنونه» والترسل البارع عن الملوك. ولم أر من يعرف تواريخ الملوك المغل من لدن جنكيز ان وهلم جرًا معرفته؛ وكذلك ملوك الهند والأتراك. وأما معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم والبلدان وخواصهاء فإنه فيها إمام وقتهء وكذلك معرفة الإسطرلاب وخل التقويم وصور الكواكب. وقد أَذِنَ له العلّامةة شمس الدين الأصفهاني في الإفتاء على المذهب الشافعي؛ فهو حيتئذ أكمل الكملة الذين

5 ابن فضل الله العمري

)سس رأيتهم. ولقد استطرد الكلام يومًا في ذكر القضاة فسرد ذاكرًا القضاة الأربعة الذين عاصرهم شامًا ومصرّاء وألقابهم وأسماءهم وعلامة كل قاض منهم حتى أتى على ما كدت أقضي العجب مما رأيت.

هذا هو العظيم الذي جمع إلى معرفة السياسة علمًا عظيمّاء وما عاقه التصرف للسلطان عن الإكثار من التأليف والإجادة فيه. لم يُعمّر كثيرًا وكان إنتاجه بالقياس إلى أيام عمره عظيمًا جدّاء وأعجب الناس. بما كتب في شيابه وكهولته؛ وماذا كان يتم على يده لو بلغ الشيخوخة. أثر في. الدولة بعقله وإخلاصه؛ وأثر في أندية الأدباء والعلماء بأدبه وفته» فهو واسع أفق النظرء بليغ تام الثقافة» لا يضلح إلا أمثاله لدواوين الملك؛ لم يجمد على ما قرأ وأخذ من بيئته كل نافع حتى إنه ربما كان الفرد الذي يعرف ديار الغرب وأمم الإفرنج» وفيهم صنف كتابًا لم يصلناء ولا عجب أن عرف المغل والترك وغيرهم من أمم الشرق معرفة لم يدانه فيها مدان» وأن يتمثل علمه تمثلًا قلما بلغه مؤلف في عصره ويعذ عصره.

ذكر له الصلاح الكتبي أبيانًا تنم عن حسن ذوقه وجمال أدبه منها:

سَل شجياعن فؤاد نزحا ومجبًا لميذق بعدهم مزجالدمعبذكراهلهم زاره الطيف وهذا عجب وقال: أأحبابنا والعذر مناإليكم أبشكمو شوفًا أباري ببعضه أبيك عير تبرق قل مله وماهو شوق مدةثمينقضي

مثل خدّي من سقاه القدحا

إذا ما شغلنا بالنوى أن نودعا حمام العشايا رنة وتوججعا

أقضي به الليل التمام مروّعا ولا أنهيلقىمحبّامفججعا

ولكنه شوق على القرب والنوي أغصٌالأماقي مدمعًا ثم ملمعا ومن فارق الأحباب في العمر ساعة كمن فارق الأحباب في العمر أجمعا

وى

(6) لصفدي‎ ١

صلاح الدين خليل بن أبيك )9/7)

نبغ في القرن الثامن زمرة من المؤرخين. في الشام ومصر اشتهروا بما نشروا وأمتعوا بما دونوا. فكان في مصر ابن المتوّج والأدفوي والنُوَيري وابن الفرات واين دقماق وبيبرس المنصوري. وفي الشام البرزالي وابن كثير والذهبي وابن فضل الله العمري وأبو الفداء وابن مفلح وابن شاكر وابن الوردي. وكان بعض المؤرخين في هذا العصر من الشاميين أرجح وزنًا من المصريين. ومن نوابغ المؤرخين في الشام أبو الصفاء صلاح الدين الصفدي. كان والده من المماليك من عنصر تركي. وولد ابنه في صفد ونشأ على ما ينشأ عليه أبناء المماليك نشأة عربية خالصة «وتعانى صناعة الرسم فمهر فيهاء ثم ُحبب إليه الأدب فولع به» وكتب الخط الجيدء وذكر عن نفسه أن أباه لم يمكنه من الاشتغال حتى استوفى عشرين سنة» فطلب بنفسه وقال الشعر الحسن » ثم أكثر من النظم والنثر والترسل والتواقيع؛. وكان من ولوعه بالرسم لأول نشأته ما أخرج منه خخطاطا مبدعًاء وقوّى فيه موهبة التصوير في الشعر والنثرء وجَمّل أدبه في كتبه.

لم يَجد الصفدي بغيته من العلم عند علماء بلده» وكان فيه جماعة مشهورون في الحديث والرواية والأدبء فرحل إلى دمشق يقرأ على علمائها وكانوا من 0 الرجال أمثال ابن نباتة وأبي حيان النحوي والحافظ المزي وابن جماعة والحافظ الذهبي وابن سيد الناس؛ وعن الأول أخذ الشعرء

وعن الثاني اللغة» وعن الثالث والرابع الفقه على مذهب الشافعي» وعن الخامس التاريخ» وعن السادس المغازي والسيرء وولي المناصب في دواوين الإنشاء والأموال في صفد والقاهرة ودمشق وحلب والرّحبة؛ ولا ندري إن كان برّز في خدمة الدولة كما برّز بتآليفه. وقد أتقن علوم الأدب والجديث والفقه والتاريخ وغلب عليه التاريخ ولا سيما تاريخ الرجال. قال من ترجموا له إنه من بقايا الرؤساء الأخيار وإنه كان إليه المنتهى في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم» وكان محييًا إلى الناس: حسن العشرة» جميل المودة.

أدب الصفدي من أقعد أساليب الأدب في دهره لا يلتزم السجع كثيرًاء خصوصًا إذا ترجم للرجال» وشعره كثير وبعضه جيد وأجود» ويعد في باب التأليف من المكثرين المجوّدين. كتب بيده كما قال ما يقارب خمسمئة مجلد دخلت في خمسين مصنفًا. قال ولعل الذي كتبته في ذيوان الإنشاء ضعفا ذلك.

وفي كتابة التاريخ راعى ما يراعيه كبار المؤرخين مبن القيود قال مقتبسًا عن غيره: ايشترط في المؤرخ الصدق» وإذا نقل يعتمد اللفظ والمغنى» وألا يكون الذي نقله أخذه من الذاكرة وكتبه بعد ذلك» وأن يسمّي المنقول عنه» فهذه شروط أربعة فيما ينقله؛ ويشترط أيضًا لما يترجمه من عند نفسه ولما عساه يطول في التراجم من القول أو يقصر أن يكون عارقًا بحال صاحب الترجمة علمًا وديئًا وغيرهما من الصفات وهذا عزيز جدّاء وأن يكون حسن العبارة عارقًا بمدلولات: الألفاظء وأن يكون حسن التصورء حتى يتصور حال ترجمته جميع حال ذلك الشخصء ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عليه ولا تنقص عنه» وإلا يغلبه الهوى» فيخيّل إليه هواه الإطناب فني مدح من يحبه والتقصير في غيره بل أن يكون مجردًا عن الهوى وهو عزيرُ» وأن يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه» ويسلك طريق الإنصاف. فهذه شروط أربعة أخرى؛ ولك أن تجعلها خمسة:» لأن حسن تصوره وعمله قد لا يحصل معهما الاستحضار

تسعة شروط في المؤرخ؛ وأصعبها الاطلاع على حال الشخص في العلم؛ فإنه يحتاج إلى المشاركة في علمه؛ والقرب منه حثى يعرف مرتبته».

عمل الصفدي بهذه الشروط شروط المؤرخ في عصره فما استهدف لغضب المترجم لهمء ولا أثار حفائظ الملوك والأمراء؛ وهو لم يعتن كثيرًا بتاريخ السياسة وتدوين وقائع الملوك. وساعده على الظفر بالمواد اللازمة له تنقله في ربوع مصر والشامء وخزائن الكتب يومئذ موفورة» والملوك وأهل الخير من العلماء والأعيان يمدون المدارس والجوامع وغيرها بالكتب»؛ ويتنافس المسلمون في اقتناء كل جيد؛ ويحرصون كل الحرص على الظهور بمظهر الخيرء وعمل كل ما يجلبه لهم وللناس.

كتب الصبفدي في الأدب والتاريخ كثيراء وكتبه في الأدب شروح وتعاليق وتقاييد وكناشات وبعضها مطبوع. وقد طبع له كتاب «نكت الهميان في نكت العميان»؛ وهو في تراجم من أصيبوا بالعمى منذ خلقوا أو أصيبوا به على كبر. وهو منسق تنسيقًا جميلًا كسائر ما طالعناه من كتبه» ومقدمة نكث الهميان من أبدع المقدمات في موضوعهء وإبداعه في كتبه يظهر من مقدماتها. وله كتاب «الشعور بالعور» (تحت الطبع)؛ وشرح لامية العجم للطغرائي (015) أثبت فيه تمكنه من علوم العربية» وقد أورد فيه شيئًا من المجون ومنها الفاحشء وحلى كتابه بنكات وفوائد وأشعار وأخبار تلذّ وتشوق.

أما كتابه العظيم الذي خلد به ذكرهء وما وصلت همم الجمعيات العلمية إلى تصنيف أعظم منه؛ وهو يغنيى عن عشرات من الكتب» ويعد معلمة رجال الإسلام في ثمانية قرون» فهو #الوافي بالوفيات» دخجل في ثلاثين مجلدًا وفيه نجو أربعة عشر ألف ترجمة» ترجم فيه للخلفاء والصحابة والتابعين والأمراء والقضاة والعمال والوزراء والقراء والمحدثين والفقهاء والشيوخ والأتقياء والأولياء والنخاة والأدباء والكتتاب والشغراء والأطباء والعلماء وأهل العقل

270 كنوز الأجداد

والذكاء وأرباب المقالاتٍ ورؤساء المذاهب والمتفلسفين وكلّ من اشتّهروا بعلم وشأن. وقد يطيل ويوجز في ترجمة من ترجم لهم بحسب ما لديه من المواد أو بقدر ما يليق أن يكسوهم من حلة تليق بهم.

ومقدمة هذا الكتاب العظيم من أمتع ما كتب مؤرخ تدل على سعة اطلاعه وسمو أدبه وعلى تدقيقه واستقصائه. وفي كتابه ما في وفيات الأعيان لابن خلكان وطبقات الأدباء لياقوت مع زيادات كثيرة فاتت هذين المؤلفين أو حدثت بعدهما. يقول العلامة كرينكو: إِنَا نجد في كتاب الوافي تراجم كثيرة نحاول عبنًا الظفر بمثلها في الكتب التي تماثل الوافي بموضوعهاء والفهرس التام لأسماء الأشخاص الذين وردت تراجمهم في الأجزاء المعروفة من هذا الكتاب يتألف منها مجلد ضخم .

افتتح الوافي فيمن اسمه محمد فبدأه باسم صاحب الشريعة عليه الصلاة والسلام وثنى بمن اسمه محمد من الأعيانء ثم عاد فساق التراجم على حروف المعجم بعبارة تقرأ فيها التحقيق بهذا الإنشاء الرقيق. وقد خص المقدمة بمصطلحات الأمم ولا سيما العرب والفرس واليهود في حساب السنين والتاريخ وكيفية كتابة التاريخ وفي الأنساب والكنى والألقاب والعلم وفي الهجاء والإملاء واللاختصار وفيمن كتب في التاريخ وفيما يراد بالوفاة والوفيات وفي فائدة التاريخ وصفات المؤرخ وتواريخ الشرق وقد ساق اسيم 7 تاريخًا من تواريخ المشرق وتاريخ المغرب والتواريخ الجامعة وتواريخ الملوك والوزراء والعمال والقضاة والقراء والعلماء والشعراء. قال وأما كتب الجرح والتعديل والأنساب ومعاجم المخدثين ومشيخات الحفاظ والرواة فإنها شيء لا يحصره حدء ولا يقصره عذء ولا يستقصيه ضبطء ولا يستدنيه ريط.

وهذأا نموذج من تراجمه : ناصر الدين ابن المقدسى: ولي سنة 517/8 وكالة بيت المال ونظر جميع

تسيب مه الأوقاف بدمشق وفتح أبواب الظلم وخلع عليه بطرحة غير مرة» وخافه الناس» وظلم. وعسف وعدا طوره وتحامق حتى تبرم به النائب ومن دونة» وكاتبوا فيه فجاء الجواب بالكشف عما أكل من الأوقاف. ومن أموال السلطان والبرطيلء فرسموا عليه بالعذراوية» وضربوه بالمقارع فباع ما يقدر عليه؛ وحمل جملة وذاق الهوانء واشتفى منه الأعادي: وكان قد أخذ من الناصري الزنبقية» وكان يباشر شهادة جامع العقيبة فحضل بينه ويين قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي نفرة فتوجه إلى مصر ودخل على الشجاعي فأدخله على السلطان وأخبره بأشياء منها: أمر بنت الملك الأشرف موسى بن العادل وأنها باعت أملاكهاء وهي سفيهة» تساوي أضعاف ما باعتهء فوكله السلطان وكالة خاصة وعامة فرجع إلى دمشق وطلب مشتري أملاكها بعد أن أثبت سفهها فأبظل بيعهاء واسترجع الأملاك من السيف السامري وغيرهء وأخذ منهم تفاوت المغل وأخذ الخان الذي بناه الملك الناصر قريب الزنجيلية وبساتين بالنيرب ونصف حزرما ودار السعادة وغير ذلك الخ» ثم لب إلى مصر فوجد مشنوقًا بعمامته.

وقال في ترجمة رجار صاحب صقلية: رجار ملك الفرنج صاحب صقلية هلك في الخوانيق سنة ثمان وأربعين وخمسمئة» ويقال فيه أجار بهمزة بدل الراء وجيم مشددة وبعذ الألف راءء كان فيه محبة لأهل العلوم الفلسفية» وهو الذي استقدم إليه الشريف الإدريسي صاحب كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق؛ من العَذْوّة ليصنع له شيئًا في شكل صورة العالم؛ فلما وصل إليه أكرم تُزُّلهء وبالغ في تعظيمه؛ فطلب منه شيئًا من المعادن ليصنع منه ما يريدء فحمل إليه من الغضة الحجر وزن أربعمئة ألف درهمء فصئع منها دوائر كهيئة الأقلاك وركب بعضًا على بعضء ثم شكّلها له على الوضع المخصوصء فأعجب بها رجار ودخل في ذلك ثلث الفضة وأرجح بقليل: وفضل له ما يقارب الثلئين؛ فتركه له إجازة» ‏ 'وأضاف لذلك مئة ألف درهم

59000 كنوز الأجداد

ومركبًا موسمًا كان قد جاء إليه من برشلونة بأنواع الأجلاب الرومية التي تجلب للملوك» وسأله المقام عنده قائلًا: ومتى كنت في بلاد المسلمين لا تأمن ملوكهم على نفسكء؛ ومتى كنت عندي أمنت على نفسكء» فأجايه إلى ذلك ورتب له كفاية لا تكون إلا للملوك» وكان يجيء إليه راكب بغلة فإذا صار عنده يتنحى له عن مجلسه فيأتي فيجلسان معًا وقال له: أريد تحقيق أخبار البلاد بالمعاينة» لا بما ينقل من الكتب» فوقع اختياره على أناس ألبّاء فطناء أذكياء وجهزهم رجار إلى أقاليم الشرق والغرب جنويًا وشمالاء وسفر معهم مصورين ليصوروا ما يشاهدونه عيانّاء وأمرهم بالتقصي والاستيعاب لما لا بد من معرفته. وكان إذا خضر أحد منهم بشكل أثبته الشريف الإدريسي حتى تكامل ما أراد وجعله.مصنفاء وهو كتاب انزهة المشتاق» الذي للشريف الإدريسي. وكان رجار المذكور قد أخذ طرابلس الغرب عَنوة بالسيف في يوم الثلاثاء سادس المحرم سنة إحدى وأربعين وخمسمئة وقتل أهلها وسبى الحريم والأطفال وأخذ الأموال» ثم إنه شرع في تحصينها بالرجال والعدد؛ ثم إنه أخذ المهدية سنة ثلاث وأربعين وخمسمئة لأن صاحبها الحسين بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز الصنهاجي عجز عن مقاومتهء فقخرج من المهدية هاربًا بما خف من التفائس» وخرج مَن قَدَرَ على الخروج. ولما هلك رجار ملك بعده ولد غليلم» وعليه قدم ابن قلاقس الإسكندري سنة ثلاث وستين وخمسمئة وامتدحه بقصيدة» إلى آخر ما قال.

وانظر إلى هذا النموذج من تحقيقه العلمي أتى عليه بالمناسبة في شرح لامية العجم» وذلك رأيه في سلامة الترجمة من. اللغات الأعجمية إلى العربية قال: وللتراجمة في النقل ظريقان أحدهما طريق يوحنا بن البطريق وابن الناعمة الحمصي وغيرهما: وهو ألا ينظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات اليونانية وما تدل عليه من المعنى فيأتي بلفظة مفردة من الكلمات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى فيثبتها وينتقل إلى الأخرىء وكذلك حتى

يأتي على جملة ما يريد تعريبه. وهذه الطريقة رديئة لوجهين أحدهما أنه لا يوجد في الكلمات العربية كلمات تقابل جميع الكلمات اليونانية» ولهذا وقع في خلال هذا التعريب كثير من الألفاظ اليونانية على حالها. الثاني أن خواص التركيب والنسب الإسنادية لا تطابق نظيرها من لغة أخرى دائمًا. وأيضًا يقع الخلل من جهة استعمال المجازات وهي كثيرة في جميع اللغات. الطريق الثاني في التعريب طريقة حنين بن إسحاق والجوهري وغيرهما وهو أن يأتي إلى الجملة فيخصل معناها في ذهنه ويعبر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء ساوت الألفاظ أم خالفتها. وهذه الطريق أجودء ولهذا لم تحتج كتب حنين بن إسحاق إلى تهذيب إلا في العلوم الرياضية لأنه لم يكن قيمًا بها بخلاف كتب الطب والمنطق والطبيعي والإلهي» فإن الذي عربه منها لم يحتج إلى إصلاحء فأما أوقليدس فقد هذبه ثابت بن قرة الحراني وكذلك المجسطي والمتوسطات منها اه.

الت

ابن خلدون ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد

56

جرى أكثر المؤلفين على اتباع سَئَن من قَبْلهِم في نظام تآليفهم ونظام تفكيرهم لا يخرجون عما كتبوه ولا يبدلون فيما دونوه. وقد بلغ ببعضهم أن يأخذوا من الماضين ألفاظهم ومعانيهم لا يخرمون منها حرقاء ولذلك هان التأليف على الضعاق وندر الإيجاد والإجادة. وفي أهل هذه الطبقة من أرباب التواليف تقرأ مئات من الصفحات ولا تخرج منها إلا بزبدة قليلة حتى ليسوء ظنك بالمؤلفين وتعتقد أن منهم من لم يجرؤ على التأليف إلا ليحشر نفسه في زمرتهم فقط.

كان ابن خلدون من النوابع الذين استعملوا عقولهم فيما قرؤواء ورددوا رأيهم فيما رَوَوَاء وفتح لنفسه باب الاستنباط والاستناج فتجلّى بُعد نظره فيما كتب» وأتى بالجديد الذي لم يؤثر عمن قبله مذ كان الإسلام. وما قَلّد القدماء في الموضوع الذي أهمه في فلسفة التاريخ والاجتماع بل ابتدعه ابتداعًا على غير مثال.

وكان التاريخ إلى عصر ابن خلدون لا يتعدى نقل الحوادث؛ تنقل بالرواية كما ينتقل الحديث» وغاية إجادة المجيد فيه أن ينقل ما قرأ وشهد وسمع بأمائة ويترك للقارئ حريته يفكر بنفسه فيما انطوت عليه الحوادث من العبر. وقد تقرأ في التاريخ مجلدًا ضخمًا للأوائل ولا تقع فيه على فكر لمؤلفه ولا ترجيحًا لرواية على أخرى» كأن المؤلف يخشى أن يكفر أو يفجر إذا شد

عن طريق من تقدموه. وقد يكتفي بعض من يترجمون للرجال إذا حاولوا تصوير أحدهم على ما يعتقدونه الصواب أن يلعنوا كل من لا ترضيهم سيرته وعقيدته ليثبتوا للملأ صحة اعتقادهم وسلامة أحكامهم. والمذاهب عندهم العامل الأعظم في المدح والقدح. يجمجمون لا يصرحون, فيظلمون الحق بما يتعمّدون من إلقاء الظلام على سيرة من لا يسعهم إلا طرده من حظيرة الناجين: كأن التاريخ بعض كلام الصّوفية والباطنية له ظاهر وباطن.

ولما سَعِدَ الْجِلّم العربي ينبوغ ابن خلدون» وطبق في التاريخ» الغاير على الحاضر» واستخرج من مادته المبعثرة عصارةٌ مفيدة تألف منها علم برأسه» فيه دَّخْل كبير للعقل ومجال للتفكير» وجعل منه جسمًا حيا وأخرجه بحذاقته من عقمه وجدبه إلى خبضب وإمراع» ولم يعد روايات مروية» وعيارات مسرودة مرصوصة» مطولاتها كمختصراتها وغثها كسمينهاء وآضرٌ”'' فنا يتفنن المفئئون في الأخذ منه والقياس على قواعده وتبدت شخصية المؤلف فيما

أعظم شرف للعِلّم العربي أن يكون واضعٌ فلسفة التاريخ والاجتماع عربيًا صرفًا بأصله وتربيته ومَنْشّئه. كان أجداد ابن خلدون في حضرموت من عرب اليمن ينسبون إلى وائل بن حجر من أقيال العرب. وكان وائل بقية أبناء الملوك. دخل غبلى رسول الله 6 فأدناه وقرّب. مجلسه وبسط له رداءه وأجلسه عليه مع نفسه وقال: «اللهم بارك في وائل وولده؛ واستعمله التبي على الأقيال من حضرموت. وقد دخل جد ابن خلدون خالد بن عثمان أو خلدون بن عثمان الأندلس في القرن الثالث؛ ونزل بقرمونة في رهط من قومه الحضارمة» ثم انتقل إلى إشبيلية في جند اليمن. وتولى أفرادٌ أسرته المناصب الجليلة في دول الأندلس» ونزلوا في القرن السابع تونسء وفيها ولد

(1) آفن يض أَيْضَاءِ عاد» وصار [المعجم المدرسي]. (المُراجع)

١‏ ا كنوز الأجداد عبد الرحمن ونشأ وقرأ على علمائها علوم اللسان والشرع» وقرأ الفلسفة والمنطق» ودخل في خدمة الدولة وهو في الحادية والعشرين من عمره؛ ثم اعتزل الخدمة» ثم دخل في خدمة صاحب تلمسان؛ ثم استّدعي إلى فاس بطلب غلمائها (706) فتقلد أمانة سر السلطان» واغتنم هذه الفرصة لإتمام علمه على علماء المغرب الأقصى وفي سنة /01/ا غضب عليه الملك وسجنه مرتين فقضى في الحبس سنتين ثم أعيد إلى منصبه وججعل قاضيًا للقضاة وعاد فكب أيضًا لما هلك الملكء ثم سمح له بالذهاب إلى ابن ألأحمر صاحب غرناطة وسَفَرَ عنه إلى ملك قشتالة الإسباني فأنجحت سفقارته.

وبعد زمن عاد إلى إفريقية (تونس) وتولى منصب الحاجب» وجمع بين الحجابة والخطابة والتدريس في بلده. وكانث له سفارات بين صاحب تلمسان وصاحب تونس لعقد تحالف بينهما. وبعد حين تخلّى عن منصبه في تلمسان بانهزام صاحبهاء تولى لمن جاء بعده ما كان يتولاه من المناصب. وفي سنة 4 رحل إلى فاس ومنها إلى غرناطة فنفاه صاحبها إلى تلمسان فلقي من أميرها كل تَجِلَّةَ وعندئذٍ رأى اعتزال خدمة الملوك وانقطع إلى قلعة ابن سلامة حيث بدأ بتأليف تاريخه الكبير.

وحخج في سنة 84/! وجاء الإسكندرية والقاهرة ودرّس في الجامع الأزهر وعين قاضي المالكية في مصرء وفي غضون هذه الأيام نكب ابن خلدون نكبة دونها التكبات وهو أن حرمه وأولاده وأمواله حملت في البحر من الغرب إلى الإسكندرية فغرقت كلها في ميتاء هذا الثغر ولم ينج منهم إنسان. وفي سنة ١‏ رافق سلطان مصر إلى الشام في الحملة على تيمورلنك واجتمع إلى هذا الفاتح وقدَّم له هدية كانت عبارة عن مصحف وسجادة وعلب حلوى مصرية» وسأله الفاتح أن يكتب له رسالة فِي جغرافية يلدان المغرب فكتبها. قال ابن خلدون لم اجتمع بتيمورلنك سألني أين بلدك؟ قلت بالمغرب الجواني كانت للملك الأعظم.هئالك فقال: وما معنى الجواني في وصف المغرب؟ فقلت

هو في عرف خطابهم معناه الداخلي؛ أي الأبعد لأن المغرب كله على ساحل البحر الشامي من جنوبه» فالأقرب إلى هنا برقة وإقريقية والمغرب الأوسط وتلمسان وبلاد زنانة» والأقصى فاس ومُرّاكش» وهو معنى الجواني. فقال لي : وأين مكان طنجة من هلك المغرب فقلت. قي الزاوية التي بين البجر المحيط والخليج المسمى بالزقاق ومنها التعدية إلى الأندلس القرب مسافته لأن هناك نحو العشرين ميلًا. ققال: وسلجماسة؟ قلت في الحد ما بين الأرياف والرمال من جهة الجنوب. فقال: لا يقنعني هذا وأحب أن تكتب لي بلاد المغرب كلها أقاصيها وأدانيها وجباله وأنهاره وقراه وأمصارهء فقلت: يحصل ذلك بسعادتك. وكتبت له بعد انصرافي من المجلس ما طلب من ذلك قال: وأوعيت الغرض فيه في مختصر وجيز يكون في قدر أثني عشر من الكراريس المنصقة القطعء قال: ودفعته إليه فأخذه من يدي وأمر موقعه بترجفته إلى اللسان المغلي. ... وكان يحاذر أن يأمره تيمور بالشخوص معه إلى سمرقند فنجا منه بلياقة ورجع أدراجه إلى وادي التيل.

وفي «معلمة الإسلام» أن ابن خلدون ريما ظهرت فيه خصائص سياسية لامعة في المناصب الخطيرة التي تولاهاء بيد أنه لم يتردد قظ في الابتعاد عن رئيس له بالأمس ليدخل من الغد في خدمة آخر:: وأن يكون على الملك السالف إلبّاء» وكان من مهارته بل من صدقه أن يسير إلى جاتب القوي. وقد تدخل مباشرة في عامة سياسة ممالك. شمالي إفريقية والأندلس لعهدهء وكان له من جفلالة مناصبه ما تمككن معه من الحتكم على هله الدول حكم العارف الدرّاكة اه.

هذه حياة ابن خلدون السياسية التي أوحت إليه وضع تأليفه» أعانه على ذلك كما قال عن نفسه انقطاعه أربعة أعوام في قلعة أولاد سلامة متخلَيًا عن الشواغل وأكمل المقدمة «على ذلك التحو. الغريب» الذي اهندى إليه في تلك الخلوة #فسالت فيها شآبيب الكلام والمعاني على الفكر جتى امتخضت زيدتها

كنوز الأجداد جح[ النند د سخ تخت - وتألفت نتائجها؛ وأملى الكثير من حفظه ثم صَحَح ونقح وراجع. والمقدمة في طبيعة العمران وما يعرض له قال: إنا استوفينا من مسائله ما حسبناه كفاية» ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح وعلم مبين يغوص من مسائله على أكثر مما كتبناء فليس على مستبنط الفن إحصاء مسائله» وإنما عليه تعيين موضع العلم وتنويع فصوله وما يتكلم فيه والمتأخرون يلحقون المسائل من بعده شيئًا فشيئًا إلى أن يكمل. وقال: وهذا الفن الذي لاح لنا النظر فيه نجد منه مسائل تجري بالعرض لأهل العلوم في براهين علومهم إلا أنها غير مستوقاة» فإن فاتني شيء في إحصائه واشتبهت بغير مسائله فللناظر المحقق إصلاحه» ولي الفضل لأني نهجت له السبيل» وأوضحت له الطريق أه. فلسف ابن خلدون التاريخ في مقدمته ولم يسبقه إلى ذلك غير أفراد جاءت على أسلات أقلامهم سوانح قليلة لا تكاد تذكر فى جنب هذه الإفاضة. وهذه القواعد التي سنها والدساتير التي اخترعها هي مما لم يختل منه مع الأيام إلا ما لا بال له. فقد زيف أقوالٌ الوضّاعين في أحاديث المهدي وردّها كلها من طريق النقل والعقل» وما جَسّر أحدّ قبله على نقض هذه الخرافة التي قال بها أهل الأهواء؛ ومن سعوا لاستخدام هذا الاسم لإنشاء دولة جديدة. وأبطل علم الكيمياء وأنكر ثمرتهاء وقال باستحالة وجودها وما ينشأ عنها من المفاسد. وقال بفساد صناعة النجوم وتكلم عن الجفر والملاحم فزيف هذين الفئين تزييقًا جيدّاء وتكلم في الدفائن والكنوز وقال إنها لا أصل لها في علم ولا خخبر.

جمع ابن خلدون كل ما تفرق في فقة الشريعة وققه العلوم وما إلى ذلك ونسقها ووحدهاء والقدر الذي جرأ على التصريح به من الأفكار في هذا الباب لا يرتضيه كثير من المنظور إليهم في عصره. وحاول أن يبطل الفلسفة ويبين فساد منتحليهاء ومع هذا قال إن هذا العلم يشحذ الذهن في ترتيب الأدلة والحجاج لتحصل ملكة الجودة والصواب في البراهين: 'فيستولي الناظر

١ه‏ ابن خلدون

فيها على ملكة الإتقان والصواب في الحججاجء ورأى ألا يكب أحد على الفلسفة إذا كان خلوًا من علوم الملة» وقال: إن الفلسفة ببلاد الإفرنجة من أهل رومية وما إليها من العدوة الشمالية نافقة الأسواق لعهده؛ وأن رسومها هناك متجددة ومجالس تعليمها متعددة.

ودعا إلى تعلم الهندسة والعلوم العددية (الحساب والجبر والمقابلة) وعلم الهيئة وعلم المنطق والطب والفلاحة. وجمجم في كلامه على علوم الطلسمات وقال: إن الشريعة جعلت السحر والظلمسات والشعوذة بابًا واحذا لما فيها من الضرر وخصّتّه بالحظر والتحريمء وذكر الإصابة بالعين وما نفاها؛ ونقل كلام غيره القائل إن القاتل بالسحر يُقْئّل والقاتل بالعين لا يُقْمَل: لأن هذا ليس مما يريده ويقصده. وأطال في بيان أسرار الحرف ونقل عمن لقيهم حقيقة الزايرجة.

ومن أحكامه ما لم تنقضه الأيام مثل قوله «إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته6: و«أن حُلّقَ التجار نازل عن خُلّق الأشراف وبعيد عن المروءة» واأن العلماء بين البشر أبعدٍ عن السياسة ومذاهبها». ومن أحكامه ما انتقض مثل العصبية في الدولة لا تدوم إلا أريعة بطون أي مئة وعشرون سنة كما لا تدوم الثروة إلا هذا القدر من السنين. ومنها غلوه في الإنحاء على العرب من أنهم إذا تزلوا بلدا أسرع إليه الخراب وأنهم أبعد الناس عن سياسة الملك وعن الصنائع» والغالب أنه كان يقصد الأعراب سكان البوادي فهؤلاء لم يكن لهم استعداد أهل المدن والقرى» لذلك نزلت الشريعة في أهل المدن وهم الذين قبلوا الدعوة أولّا ونشروهاء ودعواه أن العرب أبعد الناس عن الصنائع ينقضها ما كان للأندلسيين من الصناعات العظيمة التي أدهشت الغربيين لعهدهمء وما هي إلا من صنع أيدي العرب وقرائح علمائهم ومهندسيهم. ودعواه أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم غير صحيحة:؛ ذلك لأن من كان يعضهم يعدونهم من

29 كنوز الأجداد

المؤلفين أعاجم على الأغلب كانت أصول أكثرهم عربية وهم نشؤوا في ديار الفرسء ثم إن الشعوب غير العربية التي تشرفت بالإسلام أكثر عددًا وأوسع ممالك من سكان جزيرة العرب الذين قاموا بكبر هذه الدعوة في السياسة والجندية والإدارة» فشّغِلٍ العرب بالأمر المهمٌ وتركوا الصنائع وما شابهها لأهل البلاد؛ ومع هنا كان من مدنية العرب في جزيرتي صقلية والأندلس ما هو مفخرة الأزمان.

وأخطأ في قوله أنه يُشترط في الحاكم قلة الإفراط في الذكاء ومأخذه من قصة زياد بن أبي سفيان لما عزله عمر بن الخطاب عن العراق وقوله: لم عزلتني يا أمير المؤمنين ألعجز أم لخيانة؟ فقال عمر: لم أعزلك لواحدة منهما ولكني كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس. فأخذ من هذا أن الحاكم لا يكون. مفرط الذكاء والكيس مثل زياد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص لما يتبع ذلك من التعسف وسوء الملكة وحمل الوجود على ما ليس من طبعه؛ قال وتقرر من هذا أن الكيس والذكاء عيب في صاحب السياسة لأنه إفراط في الفكرء كما أن البلادة إقراط في الجمودء والطرفان مذمومان الخ. وهنا استنتاج في غير محلهء ذلك لأن الدول في أشد الحاجة إلى الأذكياء في جميع فروع أعمالهاء ولولا ذكاء مشهود فى رجال بني أمية ما قاموا بما قاموا به من الفتوح التي زيّنوها بمدنية كانت أرقى ما عُرف من نوعها إلى أيامهم. وقوله إن للدول أعمارًا طبيعية وإن الهرم إذا نزل في الدولة لا يرتفع. قد جاءت الأيام بخلافه؛ فإن من دول أوربا ما هو قائم منذ قرون وكلامه هذا أخذه من مشاهداته في دول إفريقية وما إليها.

خرج ابن خلدون على المألوف وما أحب مع هذا أن يجاري عوام المؤلفين في بعض أحكامهم على ساسة الأمة قديمّاء ولذلك قال فيه أحد المعاصرين إنه المدافع عن الدول والمحامي عن الأفراد» فهو رجل دولة يمعن النظر كثيرًا في التقارير التي تعرض عليه فيستخرج منها ما لا يَحْسِن

١ه‏ اين خلدون

استخراجه كل أحدء وقد يعلو في اجتهاده إلى درجة السمو ويكبو أحيانا. من ذلك أنه هفا هفوة فظيعة لما جارى فيها عامة عصره على خرافاته فأثبت الكشف ومعرفة الغيب بما يُستعظم صدوره من مثل عقله فقال: وهذا الكشف كثيرًا ما يعرض لأهل المجاهدة فيدركون من حقائق الوجود ما لا يدركه سواهمء وكذلك يدركون كثيرًا من ١‏ لواقعات قبل وقوعها ويتصرفون بهممهم في كرامات القوم وإخبارهم بالمغيبات وتصرفهم في الكائنات أمر صحيح غير متكرء وإن مال بعض العلماء إلى إنكارها قليس ذلك من الحق! وغريب قوله: وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تأثير في أحوال العالم ليس معدودًا من جتس السحرهء وإنما هو بالإمداد الإلهي لأن طريقتهم 5 8

ونحلتهم من اثار النبوة وتوايعها ولهم في المدذد الولهي حظط على قدر حالهم وإيمانهم .

وبهذا التخريف أثبت أنه من المحافظين مغالٍ في صوفيته مأخودٌ لمغربيته صانم من اعتقدوا هذا وكان يسعة لو لم يعتقد في هذه الخرافات أن يطرح بهذا المبحث عُرْض الحائط ولا يضير المقدمة في شيءٍ بل ينقيها من العوسج والبلان. وهذه الهنات في المقدمة كانت بمثابة عوذة لها من العين» وبذلك يثبت عجز البشر وتغير أفكارهم بتغيير القرون والأجيال.

ومما يشير إلى أنه من المحافظين أيضًا دفاعه عن عثمان وخصومه وعن علي وأولاده وعن يزيد وأبيه وعن الحسين وجماعته وكلهم في نظره مجتهدون وكلهم يريد خدمة الإسلام فقال: وإباك أن تعوّد نفسك أو لسانك التعرض لأحد منهمء ولا تشوش قلبك بالريب في شيءٍ مما وقع منهم؛ والتمسٌ لهم مذاهب الحق وطرقه ما استطعت» فهم أولى الناس بذلك» وبهذا الكلام نزع ابن خلدون ثوب المؤرخ النقّاد ولبس ثوب الواعظ القصاصء أو هو يريد أن يتأدب أدب السياسي المهذب مع الجماعة لا يقول لصاحب الأمر ما يزعجه.

فيرضى بالحالة الحاضرة على علاتهاء ويحاول أن يكم أفواه الرعية لأنها إذا قالت فعلت» وما حسب حسايًا للأهواء البشرية والمطامع الدنيوية فكلهم ما أخطؤوا في نظره» وكأنه يزعم أنهم لا دخل لإرادتهم التي خلقها الله لهم فيما قضوا وأمضواء وأغرب من كل هذا قوله: وأعتقد مع ذلك أن اختلافهم رحمة لمن بعدهم من الأئمة ليقتدي كل واحد بمن يختار! وقد قيل: أي عالم لا يهفوء وأي صارم لا ينبوه وأي جواد لا يكبو.

مقدمة ابن خلدون هي درة تاج أعمال صاحيهاء كتب رسائل وكتبًا قبلها كانت من نمط تآليف معاصريه: شَرْحٌ مبهم؛ وبسّْط موجزء وتَقْلَ ما يحسنء وتاريخه الكبير ليس فيه من جديد إلا القسم المتعلق بالعرب والبربرء وأكثره منقول عن الطبري وابن الأثير. أما المقدمة فهي الكتاب الذي أحدث ثورة في أفكار العرب وعد من أمهات كتب العالم» ولا نعلم كتابًا علميًا ولا دينيًا حاز شهرة المقدمة حاشا الكتب. الستة.

إن اختلاط ابن خلدون بملوك عصره واطلاعه على أسرارهم وسياساتهم وما عاناه من أمرهم ومن ظلمهم عرف بهما يستتر في العادة عمن لا يلابسهم ولم يعلم لهمء وتقلده الوظائف السياسية والإدارية والقضائية» ومعرفته رجال أكثر الأقطار ورجال كل أقق حتى مصر والشام» واطلاعه على نفسية الملوك والعظماء ‏ ومنهم تيمورلنك المخرب العظيم - كل ذلك مما تفرد به ولم يتيسر لغيرهء أضف إلى هذا ذاك الذكاء البراق والأحكام الصحيحة التي خصٌ بها دون سائر معاصريهء حتى لقد ترجم له صِنْوّه وصديقه لسان الدين بن الخطيب بأنه متقدم في فنون عقلية ونقلية وفخر من مفاجر الغرب. قال هذا وابن خلدون في. حد الكهولة فماذا كان يقول فيه بعد أن نضج في كل شيءة لا جرم أنه يقول: إنه مفخرة الغرب والشرق والإسلام والعرب.

ولنا أن ندّعئَ بعد كل هذا أن ابن خلدون كان في تاريخه الكبير محافظًا

6١‏ أدب كلدو" الااع

كسائر من تقدمه وفي المقدمة حرًا؛ لأنه صاغها من علم واسع تخمّر في قلبه وتقلّب في صدره ثم أبرزها في خمسة أشهر في هذه الحلة العجيبة.

ويقضي الإنصاف بأن نُسْلِك ابن خلدون في سلك المجدّدين والمصلحين» ولما فوّض إليه منصب الكتابة في الدولة وهو في أول العقد الثالث من عمره صدرت الكتب عن ديوانه خالية من السجعء فاستغرب أهل الدولة هذا واتبعوه في طريقته» وكانت الدول الإسلامية لا يَصْدّر عنها في تلك العصور إلا المسجع والمزدوج. وعلى هذه الطريقة سار في مقدمته فأبدع وأفاد» ولو خلت من الأسجاع المتكلفة في فاتحتها لجاءت كلها كالعقد الثمين خرج من يد صائغ ماهر. وكان ابن خلدون ينظم الشعرة وشعره منحط عن نثره بكثير. قال إنه تخدذشت ملكته فيه بما حفظ من المتون المنظومة بالشعر في الفقه والقراءات وغيرها. وكان يحفظ القرآن وشيئًا من كلام العرب وشعرائهم لكنه لم يكثر من الحفظ لأنه يقول إن الحفظ عائق عن التفكير فاختار هو طريقًا وسطّا. اسم ابن خلدون يخلد بمقدمته ففيها كل إبداعه .

شك مق

الفهارس

ها © ها ها ماء واساه وس ود واه عاعاع هم يع م اماه مفاجس سه و واقاف اق اوه قف عه و6 و66 مه

هوقو و و و و وو و و مو وج و و وو و واو م مد ورم ور فاه وم وو ع اده افده هه

00 الإبانة عن أصول الديانة 4 ١١‏ الآثار الباقية عن القرون الخالية 700

أحاسن كلام النبي والصحابة والتابعين وملؤك الجاهلية وملوك الإسلام 8

اجدياييك 21>

الأحكام السلطانية لابن القراء 84ه؟

الأحكام السلطانية للماوردي 1

الإحكام في أصول الأحكام 7

أحكام القراءات لضن

لعاء علوم اين وول إؤكل 114 أخبار إبراهيم بن المهدي 0

أخبار الأطباء 1

ل لل أخبار غلمان بني طولون 0

أخبار المنجمين 5

الأخبار وإثبات النبوات 2

اختلاف الفقهاء قا

أدب الدنيا والدين كه مه؟ الأدب الصغير ا أدب الكاتب ع الأدب الكبير كك "07

الأدب والمروءة

>73

الأربعين السلفية أرجوزة ابن سيدة في الكتب

إرشاد الأريب

إرشاد الألبا على تعليم ألف با إرشاد المقاصدد.

أساس البلاغة الاستبصار في الإمامة استحسان الخوض في الكلام أسرار الحكم

أسماء الضعفاء. الاشتقاق

الأشربة

أشعار قريش

إعتاب الكتاب

إعجاز القرآن

الإعجاز والإيجاز

أعلام. التبوة

الأغاني

الاقتصاد في الاعتقاد الإقناع

الألف واللام

الألفاظ

الإلمام بأصول النبي #إكله الأمالي

الإمامة والسياسة

الإمتاع. والمؤانسة الأمثال

54

14

لاك لا وا 51" نذا

نان

الا دل 7117 12

لحل

ينض

رف

فرنا

ل

١166

5

مرف

م7

اداو

لكل عدكلك الاك "الال ١/5‏ نلف

>36

الحلا

لين

8

أككثا كام"

1

11١ 06

8/ى

اا > ١‏ 47

أمثال أبي عبيد أمثال الميكالي أمثلة الأعمال النجومية أمراء البيان أمنية الألمعي الأموال الأناجيل أنموذج الحكمة الأنوار

الأوائل الأوراق

آدين نامة

البخلاء

بديعية ابن معطي

برد الأكباد في الأعداد اليرق الشامي

البرهان

بغية المؤانس

بلاغات التساء

البيان والتبيين

الييوع

التاج تاج المصادر تاريخ ابن خلدوت

مضنا لحلضا فنضا كك كلم نان

3,"

م

حرفا ذل احرف

:

1١64

١١١ 346 لالىئ‎ 6

للح

5 . و 111 ادم‎ ُ 12

تاريخ أبي الغداء لكر رامين تاريخ الإسلام لشت رذيانا تاريخ بغداد كدل ةلال هلل تاريخ بيهق 14" تاريخ حكماء الإسلام - تنمة صوان الحكمة تاريخ دمشق للظة انفد اخضنا تاريخ الطبري فلك الكل 1 تاريخ القلانسي نض رنضة نافرة الون التير المسبوك في نصيحة الملوك 30> التبيان لبعض مباحث القرآن 34> تبيين كذب المفتري مولت امرض تتمة دمية القصر ينض تتمة صوان الحكمة 8 تحفة المذاكر المنتقى من تاريخ ابن عساكر 774 تذهيب التهذيب تلخنا تسهيل المجاز إلى فن المعمى والألغاز ‏ “اا التعريف بالمصطلح الشريف كاذنا التفرقة بين الإسلام والرندقة أخنا تفسير الجزائري * تفسير الطبري 0 تفسير كتاب الثمرة .1 تفصيل النشأتين نر عيلة اذل تفضيل النطق على الصمت 0 التقريب إلى أصول التعريب با تقويم البلدان اران ينذا

تلبيس إيليس

الفهارس

التلخيص في النحو

التنبيه والإشراف

التنبيه على أوهام أبي علي تهافت التهافت

تهافت الفلاسفة

تهذيب تاريخ ابن عساكر تهذيب الكمال.

توجيه النظر إلى علم الآثر التوراة

ثمار القلوب ثمرات العلوم

جامع البيان > تفسير الطبري

الجيال والأمكنة والمياه

الجمهرة

جواهر الألفاظ

الجواهر الكلامية في العقائد الإسلامية

الحجاب الجيوان

خاص الخاص الخراج خريدة القصر وجريدة العصر

خداي ثامه.

دغر ال ١١5 21١755‏ ذف

قف

يض

المض

47

3”:

الم

(ث(

بد م“ 1"

لج(

لمكن ل فيل يلح بف

(0

04

/الىم. 46

6

"54

١554 "كل‎

4اث لال لاا 15"

ب 6 كنوز الأجداد

الخفيف في الفقه فيل خلاصة التصانيف »> خلاصة الزيجة ينض الخلفاء وفق 06 الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة يرد يزان درة الغواص في أوهام الخواص ا درة الوشاح فلن الدلائل والاعتبار 45 دلائل الإعجاز آى>»”», دمية القصر 4 دول الإسلام 4١‏ الدين 141 الدين والدولة 4 رذ( ذخائر الحكم ينض الذخيرة 237 الذريعة إلى مكارم الشريعة م 1585 ذم صناعة القواد 1 ذم العلوم ومدحها 5 ذيل تاريخ ابن عساكر لابنه القاسم عضن ذيل تاريخ ابن عساكر للبرزالي خفن ذيل تاريخ ابن عساكر للبكري علا

ذيل تاريخ ابن عساكر لعمرو بن الحاجب ‏ 5155 ذيل القلانسي - تاريخ القلانسي

لق رد ابن السيد على رد ابن العربي 5 الرد على المشبهة هم الرد على النصارى رسالة إلى أهل الئغر 1 رسالة وجداول جدارية في الخطوط رضن رسالة القيان 017 الرسالة المشرقية آ”> رسالة التساء إلى رسالة الهمذاني إلى الإسفرائيتي 1544 رسالة في البيان رذن رسالة في الجد والهزل أن رسالة في جغرافية بلدان المغرب 6 رسالة في الصحابة الا الا علا رسالة في العروض زان رسالة في النحو وفوا رسل الملوك 55 الرسل والملوك - تاريخ الطبري رسائل اليلغاء 55 روضات الجنات ا اما روضة العقلاء ونزهة الفضلاء /1 الروضتين في أخبار الدولتين 0

45 الزرع والنخل‎ زهِر الربيع دنا‎

١١# الزهرة‎

كنوز الأجداد

(س) السامي في الأسامي 5 سحر البلاغة 14 ير الأدب 11> سر البلاغة 14 سر الحياة 17 سرقات البحتري من أبي تمام دا ان ينض نحن ارو نانية 3533 السياسة في علم الفراسة يفن ندر الام ذكن سرة أحعف ب اولوت لال اما 570 1 نر عا ون ف بار 14

(ش) شرح أدب الكاتب للبطليوسي 106 شرح أدب الكاتب لللجواليقي 3 شرح ديوان خطب ابن نباته وم اقرح لاية لقنم 5 شرح المعتمد الف كر ادن ؤس يذل شعر أبن عبد ريه اا الشعر والشعراء لابن قتيية محل لدلء لآ الشعر والشعراء للمرئدي 166 الشعراء والبلغاء 5

الشعور بالعور ع

صحاح اللغة صحيع ابن .حباة الصداقة والصديق الصفوة في الإمامة الصناعتين

طبقات الأدباء > إرشاد الأريب طبقات الأطباء - عيون الأنباء طيقات الحفاظ

طبقات الحكماء

طبقات السبكي - طبقات الشافعية طبقات الشافعية

طيقات القراء

الطبيبخ

الطراز

طوق الحمامة

العير عرائس النفائس العروض لابن معطي العروض للخليل العقد القريد

عمدة المحققين

عيوت الأخبار

بذكن يفنا

ال شكللل 184 دارا

1١57

هذا

756 5

رع

لض

نض

يي

هن

ل‎ 1

1

وفعلل لعل "ادل لعل ١ل‏

اهل راوثل كوم

(غ) غرر أخبار ملوك الفرس 500 غريب الحديث لأبي عبيد لال كلم غريب الحديث للخطابي يتغرا غريب الحديث للزمخشري - الفائق الغريب المصنف لف

رف فاكهة المجالس وفكاهة المجالس مضنا الفائق في غريب الحديث ولثلال 7١١‏ الفتح القسي اارنيا الفرائد والقلائد 214 الفرج بعد الشدة ل كلف فردوس الحكمة ْم فصل ما بين العداوة والحسد 4 الفصل في الملل والأهواء لف فضول مختارة إلى عبيد الله بن حسان 4 فضائح الياطنية ناكا فضل العرب 514 فقه اللغة وأسرار العربية 1144 فوات الوفيات اونا الفوائد الجسام في معرفة خواص الأجسام ٠,‏ الفوز الأصغر 8

رق قانون اليلاغة 54 القانون المسعودي لاه

قانون الوزارة القرامطة القسطاس المستقيم

قلائد العقيان

الكامل في اللغة الكافي في اللغة

كتاب سيبويه

كتاب العين

كتاب في الطب والصحة الكتاب المقدس

كتمان السر

الكشاف

الكشف عن مساوئ المتنبي الكفاية في علم الرواية الكلم الروحانية

الكلم التوابغ

كليلة ودمنة

الكنايات والتمثيل

الكناية والتعريض

كيمياء السعادة

لسان العرب

اللطائف والظرائف

لطائف المعارف

اللطائف في علوم المعارف

1

15

6"ظ>

للا رك ١١17١01‏ إن

خف 758٠١‏ 84م

مم

صم

145

"١1١ مدل‎ 16

وذ

مرف

كك لا 5314

114

>36

0( 63 14 114 فى

333 لت

)6( المبهج 14 مثالب الوزيرين زارفا مجمع الأمثال كحضن المجمل في اللغة 64 5" المحاسن والأضداد 43 المحاضرات نارف محاضرات الراغب فين المحير ل المحلى لف مختصر أدب الكاتب 7 مختصر إصلاح المنطق ١1515‏ مختصر أمثال الميداني ؟ مختصر البيان والتببين ؟ مختصر تاريخ دمشق لابن المكرم احلضن فختصر تاريخ دمشق لأبي شامة كفنا مختصر تاريخ دمشق للعيني خسن مختصر تاريخ الطبري 141 مختصر تهذيب الكمال بذكن مختصر القدوري 5 مختلف تأويل الحديث حق كلق ٠٠١‏ مداواة النؤوس الها مدخل الطلاب إلى فن الحساب يفنا مد الراجة في أخخل المساحة إزذنا مرآة الزمان. يذذنا مرآة المروءات 114

مراصد الاطلاع الما

ل يحي ب )لب

مروج الذهب

مزدك

مسالك الأبصار

مساوئٌ المتنبي

المستجاد في فعلات الأجواد المستصفى

مستل أحمك

مشارب. التجارب

المشاهدة والاعتبار

المشتبه للغساني

المشترك وضعًا والمختلف صقعًا المصادر

المضنون به على غير أهله المغاد والمعاش

معارج القدس

المعارف

مجم البلدان

لمعجم الصغير

معجم الطبراني

المعجم الكبير

بجت ما اسم

المعجم المختص

المعرفة

معرقة ذات الحلقة والكرة والأسطرلاب معرفة الرجال

معلمة الإسلام

1١15541١755 /ا؟.‎ 55

اوم

ك1 114 لم

ا

نف

ردان

3

كرا ل نكن املضرا

6

55

11 ل ل ان تكن

ا

لضن

كنا

نض

1

ف

وذ

4١١

تنوز الأحدا لدة تالاه

المغرب للمطرزي

المفتاح

مفردات الراغب

المفصّل في صناعة الإعراب المقايسات

مقاتل الطالببين

مقاصد الشرع

مقالات الإسلاميين المقالات في أصول الديانات مقامات الحريري

مقامات الهمذاني

المقتصد

مقدمة الأدب

مقدمة ابن خلدون

مقصورة ابن دريد

مكارم الأخلاق

المكانأة

مناقب الترك

المتتحل

المتثور والمنظوم

متتخبات الجوائب

المنحول

من غاب عنه المطرب المنقذ من. الضلال

منهاج السنة

الموازنة بين أبي تمام والبحتري الموشيخ

الى

ف

8 م80 ودلل كم ها 511٠١‏ لفن

7

1

قن

57١1 دل‎ 8 15

املد

6

لل ل لحدال

>38

ل" ادل لها للد

564

لضن

5

184

54

نذا

نل نا

انذدنا

16

المؤنس الوحيد

ميزان الاعتدال

ميزان العمل

منية الأذكياء في قصص الأنبياء

ثر النظم

نخبة الدهر في عجائب البر والبحر نزهة المشتاق

نشوار المحاضرة

نظم الادلة في أصول الملة

تفج الطيب

النفس

نقد الشعر

نقد النثر

الهادي للشادي الهند

الوافي بالوفيات الوزيرين

وفيات الأعيان الوكلاء

يتيمة الدهر يناييع اللغة

(ن(

1

الوم لارام

+6

لحل نشد للف فق

الور

ينف 1 (ه) لفن

2”'"606

42

نك لمرائل عباثلان تمدع نين

1١م١‎ 14

ردان

الك

مي “سال كلرلى ١أالل‏ كلك 5 افر

آدم

إبراهيم بن الحربي إبراهيم الخراز إبراهيم بن العباس الصولي إبراهيم بن المهدي إبراهيم الموصلي

ين أبي أصيبعة

ابن أبي عامر - محمد ابن أبي العوجاء

ابن أبي الفوارس

ابن أبي مريم

ابن الأبار

ابن الأثير

ابن الأجمر

ابن الأرقط

ابن الأنباري

ابن باجة

ابن بويه» أبو الفوارس ابن بويهء جلال. الدولة أبن بويه سلطان الدولة

أبن تومرت

"‏ الأعلام

ين م

هق

15

147

0

44م

56 رفن لق

8: كان

و" ملع

؟14 فق حون نفننا 14 يفن

181 085 5

ألم 5 الال بمب يح ##خ )لس

ابن تيمية هل الال توك حل لاز قل نكا

ابن جامع لك

ابن الجراح أفرق

ابن جرير > الطبري

ابن جماعة ليق

ابن الجهم - محمد

ابن جهور - أبو الحزم

ابن جهور - أبو مروان

ابن الجوزي يذ

ابن حيان - أيو مروان

ابن الحياب نكس

ابن حبان البستي ككل لأكلف ذلكلث فكلا ملل

ابن الحجاج >

ابن حرب 5

ابن حزم الغ فهك نهد راض

7 0

أبن حموية لمانا

ابن حيان المؤرخ نا

اين الخطيب: - لسان الدين

ابن خلدون فق ؤهكأ الل مكلل لاد1ن اردق 59 ١أاقل‏ أأاق الاق “لاق 14 51516 ل/اا؛

ابن خلكان لكل ###ل ‏ كزلء قت اث

ع" مل لل وان باوملل

ز الأجدا اا #طاامه

ابن الخياط ابن داود ابن الداية ابن دريد ابن دقماق ابن رشد

ابن الرومي

ابن الزكي > بهاء الدين

ابن زمرك

ابن زهر

ابن زيدون

ابن مبعدان

ابن ستاء الملك اين سنات

ابن سهلان

ابن سؤرين

ابن السيد

ابن سيد الناس ابن سيدة

ابن سيرين

ابن سيتا

اين شاكر

ابن شبرين > أبو بكر ابن شداد

اين صاحب حماة

40685 مه" 04لا ك١ءق ذدق‎ 6١75 51١ 5٠١

/0

ول

57“ء "قا تذل مدقل ""زراء ١84‏ ادقع هثلالن كثللء إللل

غ١‎

لطت لكا

378

>32

رضنا

ككل لكل للكت كحك 1لا نانفا

>35

1١01 /الىء‎

فسن

>76

54

ك0 دلق

54

ليل

000 4 لماك الال اال 5714 لتلا وؤثك ١١‏

”> لفن

ابن صدقة الوزير ابن الضبي

ابن العارض

ابن عامر

ابن عباد

ابن عبد البر

ابن عبد ريه

ابن عبد القوي

أين عبدذوس

ابن العديم

ابن العربي

ابن عربي

ابن عساكر مؤرخ دمشق

ابن عساكر - القاسبم ابن المؤرخ ابن. عضد الدولة

ابن العلاء - أبو عمرو ابن عمار

ابن العميد

ابن غانية

ابن غرس الموصلي ابن الفراث

ابن فضل الله

ابن فورك

ابن قاضي شهبة

ابن قتيبة

أن

لخرفنا

ولك كلل اا

الف

أذكل يدك الال هلال "ادن لل لكف لاا

لح يدانا

١١/64

لتنا

اك

ونان

2:

84

لككلر كال "لل ككل واللل 0

رون

نف عاك “اقل ور ألم

ل

نيل

14

مولا حول روك 10١‏

16

من

لال ارق دك ادل ١515‏

64400 كنوز الأجداد

اين القطب

اين قلاقفس

ابن القلانسي

ابن الكتبي - ابن شاكر ابن كثير

اين ماجة

ابن المتوج

ابن مجاهد

اين المجدء الشهاب ابن المعتز

ابن معروف

اين فعطي

اين مفلح

اين المقفع

ابن مقلة أبن مكتوم

اين المهلب

ابن ناصر الدين

ابن الناعمة

ابن نباته

ابن النديم

اين عرمة

أبن هندو

ابن الهيثم

ابن الوردي

ابن يونس - كمال الدين

9 65 85 فرظ رذفرا

خلثك كؤكلء ١غ‏ الحلا

2*١

1١1

ارا

ضقن

نين

1:

غ١‎

0" كك لاك فرك 018 كلا كلق الا الا ا “الم 84م كلاكء هك ١1م"‏ ا

نذا

ناذا

لحف

ليك

16

امال

كاك مالالا م1 كرون

كذل] "اول 10١١‏

الفهارس

نو اليد ين البي

أبو إسحاق الإسفرائيني 1

أب إتتحاق النضرى وذ

أبو إسحاق الصابي - الصابي

أبو بكر الخوارزمي > الخوارزمي

أبو بكر الشافعي 1

أبو بكر بن شبرين خا

أو كر السفيق 7/4 أبو بكر الصولي > الصولي

أبو بكر بن غازي 0

أبو تغلب إزفثا

أبو تمام هك 1١‏ أو حفر المطرعة 8

أبو حامد المروروزي هنا

ابر عاك اليلق «كل هلال أبو الحجاجء السلطان 1"

بو لطر بن ود ا

الى اتسين اشر 1

أبو الحسن الحكمي - ا 41

أبو الحسنن» السلطان يل

أبو الحسين السلمي يفف

أبو الحسن العامري 9

ابن انين الفارمي

أبو الحسن القزويني 55

أبو الحسن الوائلي دنا

أبو حيّان التوحيدي - التوحيدي

نون الأجدا

أبو حيان النحوي 4:١‏

أبو الخطاب الصابي ”؟,

أبو الخير بن الخمار اهف

أبو دلف ال

أبر زيد يفن

أبو زيد الأنصاري

أبو زيد السروجي لشث لكان أبو سالم» السلطان نض

أبو سليمان المنطقي الف اد سنا احلضن أبو سعيد السمعاني 9

أبو سعيد الكرماني تفن

أبو شامة كيه

أبو الصتر لحيل

أبو الطيب المصعبي فول

أبو عامر 14

أبو العباس؛ السلطان مدنا

أبو عبد الله؛ السلطان نون

أير عيد الله اليفرني يفا

أبو عبيد > القاسم ين سلام

أبو عبيد البكري بذكن أبو عبيدة - معمر بن المثنى

أبو العتاهية 1:4

أبو العلاء صاعد ”>

أبو علي البلعمي بذ

أبو علي الجبائي 164

أبو علي الفازسي هف

أيو علي القالي. ذف

ألة اااي ل ا ل 2 2

أبو عمران الحصيري أبو عمرو بن العلاء أبو العيناء

أبو الغول الأسدي أبو الفتح بن أبي علي أبو الفتح الإسكندري أبو الفداء

أبو الفرج الأضبهاني أبو الفرج البغدادي أبو القاسم الشريف أبو المثنى

أبو مخئف

أبو مروان بن حيان أبو المنصور البغوي أبو نصر الرياضي أبو نصر الميكالي أبو النفيس الرياضي أبو نواس

أبو الهذيل العللاف أبو هفان

أبو الوليد بن جهور أبو يوسف

أبو يزيد البسطامي أحمد بن أبي خالد أحمد بن أبي دؤاد أحمد بن أبي طاهر أحمد بن أبي يعقوب

145

6

كم

زا

114

1955 الل "اوثل ١١‏ ١/١‏ لذن

نضا

١

1

يفن

يثنا

100

ل كا رن لت ةنا 44

71

يفذا

“احم 1"1١‏ ينها

"16

56

كدلن لادل 1١١‏ يفل

00 6444 كنبوز الأجداد

أحمد بن الحسين» بديع الزمان الهمذاني أحمد حشمت باشا

أحمد بن حنبل

أحمد بن الخصيب

أحمد زكي باشا

أحمد بن شهيب

أحمد الطويل

أحمد بن طولون

أحمد بن عبد الله - ابن زيدون أحمد بن عبد الله - ابن عبد ربه أحمد بن عبد السلام

أحمد بن فارس

أحمد بن يوسف - ابن الداية الأخطل

الأخفش الإدريسي

الأدفوي

أردشير بن بابك أرسطاطاليس.

أرسطو

أريجانس

الأزد

أزد شنوءة

أزد العتيك

أساعة بن زيد

إسحاق بن أحمد القطان

م" ٠١قكل‏ اذل لأوكء ١57‏

كن

خم "اك دا

١٠١م‎

/ا3. ول 55 50”

نلا

>”:

"تغلأ "#قاك. ككف هنك كك “,ا ملك 6مك قمكء لمملا

11 144

1١14 ل‎ ١/1 "الى‎

ان ١ع‏

1_3

ا 1 د زفسن

بكرف

11

1_1

ل

يفا

1١4

ا

إسحاق بن راهويه ىف الإسفرائيني > أبو إسحق الإسفرائيني: - الفضل بن أحمد

أسقيلييوس بلقا

إسكندر لاللل [خلل للا 16م الإسكندري - أبو الفتح

إسماعيل القاضي اليل

إسماعيل بن ميكال م1 لا

إسماغيل بن نور الدين زفرانا

الإسماعيلي - أبو تصر

الأشعري 11 15194 1/5 الأشتانداتي وق

الأصبهائي - أبو الفرج

الأصبهاني - العماد

الأصفهاني - الراغب

الأصمعي ملا "الى لالاك ملك موم الأفرم مقا

الأفشين 33>

أفلاطون كرف

أقليمون. الى

أكسانوقراطس رفا

إمام الحرمين > الجويني

أم أسية 8 ١6١‏

الآمدى اك ينيل

امرؤ القيس نا

أميروس لعن لضف ريرق أمين الدولة أوم أنوشروان ين أوقليدس لاع إييك صاحب صرخد لمان أيوب بن شاذي لح لضن ب الباخرزي 4 باديس الحاكم ينها باسيليوس رف فرق الباقلانى 168 14 175 7176 البتانى . فين لتر لال عل الال مه" بحتري المغرب > ابن زيدون بختيشوحع لاحى 5١5‏ بديع الزمان - الهمذاني > أحمد بن الحسين البرزالي عو اع برصوما 93> البرمكي 11 برهان الدين الفزاري وموم بروكلمن هو مال 6لا بشر بن الحارث 74 بطرك أنطاكية يدف با 3 البغدادي » الخطيب

اليغدادي > عيد اللطيف

اليلخي

بل (المس) البلوي بلي

بنت الأشرف الأيوبي بنو قريظة

بهاء الدين بك

بهاء الدين بن الزكي البهاء زهير البوزجائي

سرامن البندقداري » اللطانت بيبرس المنصوري البيروني

الييضاوي

البيهقتي

التجيبي تميم بن مر التتوخي

التوحيدي

التوزي

م

يف ململ ١‏ 5

1 1

56 ليل

شفد ةيف فق

يكف

١

م

يفن

لفن

ال لمك ببام

56١

كر ضر فض رين 22>

مض نض للضي فلن

33201

الكل

الو ا 5

الال كلا ملل الل لالالآى لبف طرفت رفوا

زارفا

ثابت بن قرة

ثابت بن نصر الخزاعي تامسطيوس

الثعالبي

ثمامة بن أشرس

ثمود

ثور بن يزيد

جائليق القدس

الجاحظ

جالينوس

جبري - شفيق جبري الجرجاني > عبد القاهر الجرجاني - علي بن عبد العزيز

الجرمي

جرير

الجزائري - طاهر الجزائري جعفر بن أبي الغرناطي جلال الدولة > ابن بويه الجمحي

جتكيز خان

الجواليقي

13

555١١5٠

ويف

ارا

نان

هلال لاك ال ككل 115" حك ١655 1١1١6‏

المع 14

1549

"6

نف

هل "الى كق لاق أرق كال 1" لالح لاقع ووم"

1

يهنا 1

١ اانا‎ ١ ل‎

الفهارس 98 كك 2 ©6262

جوهر الصقلي

الجوهري

الجوهري - معمر

الجوهري - نجم الدين الجوهري جين بن القسصافة

الحارث ين همام الحاكم بأمر الله

الحجاج بن محمد

الحجاج بن يوسف

الحريري

الحسن بن داود

الحسن بن سهل

الحسن بن هانوع > أبو نواس

الحسين عرق الموت

الحسين بن علي

الحسين بن علي بن يحبى الصنهاجي الحسين بن محمد - الراغب الاصبهاني الحصري

الحطيني - النجم

الحكم الأموي

حمزة بن أسد بن القلانسي - ابن القلانسي الحميدي المؤرخ

حنين بن إسحاق

خالد بن صقوان

11 2*١

ردضنا

لد نفك نكن

ينض

56

للد اكد تند لفكي يق يكل 44

ا

"16

1 171

11

لاالء. ١١5‏ «لى ال لامع

11

سرءه:) كنوز الأجداد

خالد بن الوليد

الخجندي

الخريمي

الخزاعي - ثابت بن نصر الخزرج

خزيمة بن ثابت لكل الخضر

الخطيب اليغدادي خلدونٍ بن عثمان

خلف الأحمر

الخليل بن أحمد

الخليل بن [ييك - الصلاح الصفدي خمارويه

دارم

داود بن بهرام

داود الظاهري

داية إبراهيم بن المهدي الدخوار

الدلجي

فق فسن ل

للنانا

ملسن

06

كدلء شكلء 51٠‏

لحي

كل ما

حك مف كفل ١7584‏ 5ثال

١6١ 54 .١15

1 5 ال ؟'١‏ لمانا 2520 غرفا برف برخرفا غرف ضرفة رنرفا

ا لاساو ارو لوث ١ع‏

155

8و0 ولك الل 6 مكل ملت بماك 91 0 85

لا ١‏ 5لا و7 3

لمن

انف خرف

يكيل 8

الم

>36

1١14

>30

فق الف الكرة اانا سن

١

15

ارقا

لخروا

159

ن الأجدا ا ل 11

سالويه.

السامري - سيف الدين السامري سبط ابن الجوزي السبكي

ست القضاة

ست الوزراء

السري بن عبدويه سطيحوس

سعد بن عبادة

سفيان بن معاوية

سعراظ

السكري

سلطان الدولة > ابن بويه السلفي

سلم صاحب الحكمة سليمان بن داوه

سليمان بن علي السمعاتي الحافظ السمعاني - أبو سعيد السموءل

سناء الملك القاضي - هبة الله بن جعفر سهل بن المزربان

سوار بن شرعة

سيف الدؤلة

سيف الدين السامري سيف الدين كراي السيوطي

/الم

184 ان هوم نأنانا

4 ارهنا ان

كرف 1

54 44 ارا

بدن

للا 1١7‏ الال الاك اءثل وللال م" نلف ال 1

الة ل 131ت6تككة 002 اك

الشارعي مك مهعم الشافعي ذلاء 03178 ١159‏ الشاه بن ميكال هن الشجاعي نايف شريح القاضي علض شريك 1534 الشعبي 7/4 شمس الدين الأصفهاني لعز اخن شمس المعالى 1 شهراشوب علا الشهرزوري - الكمال الشهرستانى 158

0 ليون شيخ الربوة

هم 6 دم

الصابي : ضاحب تاريخ يغداد <- الخطيبي البغؤدادي صاحب تلمسان 3 صاحب الذخيرة لا ال صاحب القلائد ينها صاحب المرية مف صاحب الوافي ج الصلاح الصفدي صاحب اليتيمة - التعالبي صالح بن جناح بر" صالح المئير رف

الصلاح الكتبي > ابن شاكر الصولي

الضبي - محمود بن جرير

طاهر الجزائري

طاهر يبن المحسين

طاهر بن شاد

الطبري

الطبسي

طغريل الخادم

طيفور > أحمد بن أبي طاهر

عاد

عارف المنير

عائشة بنت أبي بكر العباس بن الحسن العباس بن الحسين عباس الثاني الخديوي عبد الجبار القاضي

كنوز الأجداد

"الال كوك لاأواكل. لركثى ‏ علللل هقخ مدقلل إثكل ورؤثلل 5١١‏

5 امل 5هل عمل لزمكل قدل ٠د٠ث"‏

١ك‏ لكلل ال كاك اال ل اما 746

يفا

لا

مدل

خاك الاك عللكلى اثلل كا

نضا

>

لحل

إزفة

4 فرن

نتف

165

امف

عبد الرحمن البوشناقي

عبد الرخمن بن محمد الأمري عبد الرحمن بن محمد المقاتلي عبد الغني الميداني

ع م

عبد القاهر الجرجاني

عبد الله بن الحريري

عبد الله بن الخشاب

عيد الله بن. سليمان

عبد الله بن سوار

عبد الله بن طاهر

عبد الله بن عباس

عيد الله ين عبد العزيز البكري عيد الله بن علي

عبد الله بن مسعود

عبد الله بن مسلم * ابن قتيبة عبد الله بن المقفع > ابن المقفع عبد الله بن محمد - البلوي عبد الله بن ميكال

عبد الملك بن محمد - الثعالبي عبيد الله بن أحمد الميكالي عبيد الله بن عبد الله بن طاهر عبيد الله بن يحبى

العتابي

عثمان بن جاذوكار

عثمان :يحبى

عثمان بن يوسفء. الملك العزيز

1١١

لكف

/

1١١

لفن

كلال مالالا مكنا

>35

"324

95

كلا باو ورا 78

كنا

07

يفن

درن

14" حل أحينل #٠ل.‏ وه١‏ ينض ينض بذانا

كنوز الأجداد و ا 11171 كظفح لما

عدتان قحل

عروة بن أذينة حكن

عسكر الحموي غرف

العسكري يذل

عضد الدولة شد خحفد شف العقيقي 1

علويه 32>

علي بن أبي طالب لالاكء لاقل ولك كلل الام

علي بن اسماعيل - الأشعري علي بن الحسين - المسعردي علي بن الحسين بن هبة الله > ابن عساكر

علي بن خليفة كن

علي بن رين على الى الى ١01‏ علي بن زيد - البيهقي

علي بن عبد العزيز الجرجاني د لشن لشف علي بن عيسى الوزير للقن نلف

علي بن محمد التوحيدي - التوحيدي علي بن محمد الماوردي - الماوردي

علي بن المظفر التيسابوري 58 العماد الأصبهاني حال اللا الى لال لل ل عمر بن الخطاب الاك كاذك حك الال فول 4114 عمران الحكيم ا عمرو بن بانة مك

عمرو بن بحر - الجاحظ عيسى بن علي زف عيسى بن هشام 1١99“‏

الفهارس / حت ___ اها مسر بو عو

4 غازان تك كن غاندي زهرا الغزالي 8 كمك لمملاء عكلء أوأكت 6 555 91 ؟ غورسن نا غولدصيهر فى ف الفارابي اول أاكلل الل 0خ" الفارقي - سعد الدين الفتح بن خخاقان د للك فتيان الشاغوري ناوا الفرزدق ازيل الفرغاني د رول قزارة جد الجاحط ددن الفزاري - برهان الدين الفضل بن أحمد الأسغرائيتي 5 1١94‏ الفضل بن الربيع حل الفضل بن سهل 58 الفضل بن يحيى 5 قلك المعالي - منوجهر فيثاغورس نا فيدروس لا فيلمون كرفا ف

القاسم بن معن القاشاني القاضي. الفاضل قحطان

قدامة بن جعفر

القرشي - محمد بن يحيى قسام الحارثي

القشيري

كتر مير

الكرخي - معروف الكرماني - أبو سعيد الكمال الشهرزوري كمال الدين بن يونس

لسان الدين بن الخطيب

كلا بايا

ارفضنا

0/84

1 345

”7 55" 6غ"

ما

لكل لكل #شكلء مول

رض

لفذا

”ما

يفضت الرنا

كلاق اث نوم 1١1‏

هينه

لفرور

لا 5 حيل

11

يفن

ااككل "االككل 5لثل ولع

المازني

المازيار بن قارن اسرجؤية

مالك

المالكي الأمير المأمون

ماني

الماوردي مايرهرف المبارك أبو ابن المقفع المبرد

المتنبي

المتوكل

المحسن بن.علي - التنوخي محمد بن أبي الحجاج

محمذ بن أبي طالب - شيخ الربوة محمد بن أبي عامر

محمد بن إدريس - الشافعي محمد بن جبلة البغذادي محمد بن الجهم

محمد بن. اليجسن - ابن دريد مجمد بن زكريا > الرازي محمد بن سلام

محمد بن صالح الطبري

لحل م

الى

"1١9 مكلك‎

15

لالاى مدل ويسم

م١‎

كول لأوكل مول 1094

لحل

"6

لحلل اكلم الثم "للم ١5” ١٠6 1+‏

لذ خرف

على /151ء لرقك وال ويم

دوا

لضن

5: 14

5184 ال

الأجدا 55 له حزء وو تلب || 2

محمد بن الطيب - الباقلاني

محمل عبذه 1 محمد بن عبد الله القاضي لذلا

محمد بن عبد الملك 56

محمد بن عثمان العجلي ادل

محمد الفزاري مضنا

محمد بن قلاوون لال كوم

محمد بن محمد - الغزالي

محمد بن ملكشاه يلها

محمد بن يخبى - الصولي

محمد بن يحيى القرشي انفضنا

محمد بن يزيد - الميرد

محمود بن جرير الضبي 4

محمود بن زنكي بلضد نتضة بنضذ ضفة يضرف مجمود بن سبكتكين 14 44 لأهلل لامك كملل ملام محمود بن عمر > الزمخشري

مخارق نلق

مخزوم فنن

المدائتي انان

مدحت ياشا 1

المرتضي الموسوي يفن حكن

المرثئدي 166

المرزباني س1

مروان بن محمد هف

مريم ج2323

المزي 9 ١ه‏

ال تظع العباسي 34>

مسلم بن عبد الله المسيح عليه السلام مصعب بن الزبير المطرزي

مظفر الدين كوكبري المعافا بن زكريا المعتصم

المعتضد أمير إشبيلية المعتمد أمير إشبيلية معروف الكرخي المعري

معلى بن حيدرة معمر الجوهري معمر بن المتنبي معن بن زائدة المفضل بن سلمة المقتدر

المقدسي - ناصر الدين المقريزي

المكتفي

مكرم بن عمر القاضي المتتصر

٠١4

5

كعل؟ لاآلى "لال 5آكء الال كال لاأكل وم فون

نفنن

م١‎

نينا

8

ادا

16

الى 5 ١154‏ ككل لأكم الالو 11 نشد (شضفا

ينها

5

اردضنا

146

م

1/

00

اال مم١‏

01 ل يكل لمق 1

نوز الأجدا

المنجد - صلاح الدين المنذري

النجم الحطيني

نمجم. الدين الجوهري

نسيم الخادم

نظام

نظام الملك

نور الدين - محمود بن زتكي وموس

التويري.

التيسابوري - علي بن المظفر

6

نف

فضا

١55 155

1١١

11

الاك '؟الالء. لال هم" إودغنا

ند انا

اذا

أهذنا

اانا

يفن

لفن

فحن

5م18

الذذ

534

١/١ 74

رن 546١‏

الهادي

هارون بن خمارويه هارون بن ملوم

هبة الله بن جعفر هرثمة بن أعين

هشام بن أعين

هشام بن عبد الرحمن هشام بن عبد الملك هشام المؤيد

هوتسما

الواقدي

وائل بن حجر

الوركاني

وزير اين سبكتكين - الفضل بن أحمد ولادة بنت المستكفي

الوليد بن. جهور

ياسين بن زرارة ياسين السميائي ياقوت

يحيى بن خالد

1/

١59 5ل‎ 58

يفا

ا

1/

ضفن

اك 8 ايدان

نفن املق

ككل 56 عاك ١١‏ امف

١5 17

>36

الال االأكى 5١6‏ "لا ”دولل منخة يشضننة الخخرضف مضي ارفرة اكات حك 7117

ْ 1 0 كنوز الأجداد

يحيى بن زياد 6"

يحيى بن عبد الملك ذفن

يعن :ين علي رفذ افد أضضن

يحيى بن عمر حي

يحيى بن الفضل 58

يحيى بن فعين نا

يل و اغبيزة فرق

يعون حليل م

يزيد بن أبي سفيات ”33>

يزيد بن معاوية ول

يدن عادو 1

يعرب بن قحطان يازال

يوحنا بن اليطريق 4

.يوحنا بن ماسويه رذارا

يوسف بن إبراهيم 14

يوسف بن أيوب ف اسن وبل اسمن وس وول مع عم

" - البلدان والأماكن والمواقع والمحال والجبال والأودية والأنهار

أرّجان

أرزن الروم أرزنجان أرض العجم أرمينية أرياف مصر

الأزهر - الجامع الأزهر إسكندرية فارس إسكندرية مصر

أصبهان القديمة

أصفهان

إفريقية

الأقرع > الجبل الأقرع أميركا

آمل

الأندلس

00

انفضا

يل له لا1 قن بخان كف ردن ١4‏

0/4

ككل كىن" "اوثلل, ٠ع‏

١ك‏ الاكال ولاك امكل وغ ارفضة إثرونا

لآلا شك 7554 نك 11"

18ال دلاثلل "الال "الث للع

لا ا

ليل

لا١١.‏ عكلل ككلال عاللاى حككلل وق ١ع‏

بطليوس بغداد

(ب)

يفن

54

ول غ6 ا" زفارا

الي لذ

احلا

١6

303

إزففا

قف

7

حفن

1/4

املك

6

ع١‎

لجل

5

صمت حك لالاء الى قلف 45 تق قلأ ١كاكع‏ الالال لال سملل 104 لكل ككلم كءلاب لاللل كملل جؤقا 9كك دثلل الل

الا

كلل لاق كدلك عككب الالن مكل هال لرهعك لاكلع تكلم كلدك

بلاد البربر بلاد زناتة بلاد الزنج بلاد السودان

البلقان ا

بيروت بيرون

بيمارستان تنكز بصفد البيمارستان الناصري البيمارستان النوري يدمشق

التبت

لكلل الاك ثلا لاء 5و3 لطي يكن ريرق #رفضة ‏ افارة بشعرة اشيرة برد اف تخارة الذإن رغد مغيرا

١

ال

انفضا

لفقا

يفنا

4ه‎

كال فذل 1"

ل كن

ذفن

فض

نان

ظ2

يننا 5 154 تفرون رنضرا للف 1٠٠١ 59‏

جبل جيل أحد

الجبل الأقرع

جبل نير

جرجان

جرجانية خوارزم

جزيرة ابن عمر

الجزيرة

جزائر المحيط الهندي النبقيقنة د السدرمة البعيية جلّق (وانظر: دمشق)

جور

جوين

جيحون - نهر جيحون

جيان

الحبشة الحجاز

حرّان

#٠١ 55ل‎

ل 545954"

6

مك

زففا

يمف

زفننا

ننض

كلالل لقن مم1

نارن

ككل 7 ل الل ممم زفذا

549 58 لق

ف

ريخا تفل الحا 0 03 نا

كل الال لاا الا

الخات خراسان

الخزانة التيمورية الخزانة الزكية خليج الزقاق

خوارزم

دار البلاط بقسطنطينية

دار الحديث النورية بدمشق دار الحديث السكرية بدمشق

دار السعادة بدمشق دار الكتب الظاهرية دار الكتب المصرية دانية

ديركي

سس

6

د١‎

54

23 م6 لض الى حمسن ادك أاكثلل الالال اال كقث ادع ازذرننا

6

د ا برف ررضت ايا برحقية مت كككللل وات م

148

148

١

ا الضف اظشيرة يرون

"1

لض

4

6

نل تضرف

14

55

الخارا

ا دثلى 54 الالال وكا دلول للد ننضز بننضد برنضد حفضة

كنوز الأجداد

دمر دمياط

دور آل الفرات ديار بكر

الديار الشامية الديار المصرية دير السوسن دير سمعان. دينور

ديوان المعارف

الران

لق

شف لعي ينه تارك كعم الول الوم لوس حا إلا عو ور مولن لونل وؤل 201 191 ل

كن

1541

“ما وم

15

يس

لمارا يفف 1

تفل الخ حف 1" على أنزكلك كلاك ككل مم

يفن ف 4 قفد ارفضن

66 وذارة فال

1-1-1111 سس 080

سابزوار ساوة

سبة

السواد سورية سوق الوراقين يدمشق

سوق الوراقين ببغداد

مهن

لمكن

لضن

كمد ا لكي نيل ”>

يشي ضفي

كلاء دل 14 ١؟‏ 0

يذل

يذل لد لظ وف

3

ول

16

0/0

لفن

كل على الى لاككلى "اال ارككء #الاك. 8قاء حمل ككل الال لاا لاد كوك لدم لظ

سي سد ع ا

رش رفي رت #7زننفت ‏ اضرق امخل مهن" الال لال بالاطان #خل, افقثل ادق ١ق 5١1‏

رفضن

لملين

لحيل

8

1

وك لادلا لا مثا 71

كان

6

لحياوا

الال الالن اك 2 لضن

56

11

>34

الحلا

الل الت نام

1

على ارا أ 1595 ١17‏ وفنا

ل لت ا 1 ل 4 )سس

طرابلس‎

طرطوس يف

طنجة‎

طوس يفخا

ع١‎

العجم ارا

العدوة لفن

العراق لح “ل 145 155 حمل لكل

ككل لكلالاع ادل ككآاء الل اال اا با

العقبة 7 عكا انا عفان ل رغ غرشستان ليا غرناطة اككو “ال ارول ٠١‏ غزالة 54 غزنة فز 56 "7١‏ غزنين لمحل الغرطة لذن ف فارس خك ل ملال ول مكل لسن كك اللا الال ااا فاش 4٠‏

الفسطاط 16كء لاقل لم5١‏

كنوز الأجداد ل( و )سج بيب ا للحتت

فيروزآباد

القادسية

القاهرة

القدس (وانظر: بيت المقدس)

قرطبة

القسطتطيئية قطيعة الربيع قلعة ابن سلامة

قلعة دمشق

الكرج

كفربطنا الكلاسة بدمشق كماخ

الكرفة

مدائن صالح

رك

(0

م(

كيان 114

هذا

لا الى شثلء كتكث“ن مل كلمل 01 كؤثل 7ء5 ٠١‏

“كل 5 9515ل 586" 15"

٠ك‏ آاكالل ككل ملالكل لقال 1و1 1

تفي رتلف

كان

لحل

>45

يفا

وم

بن

قانا

ليل ا سن رفن

رح ١710‏ قيار

5 لضن

28 6 د ا 5 -

المدرسة الأمينية المدرسة الجقمقية المدرسة الجوهرية المدرسة الظاهرية المدرسة العادلية المدرسة العذراوية المدرسة العمادية المدرسة الفاضلية المدرسة النظامية المدرسة النفيسية المدرسة النورية المديئة

مرو الروز

مرو الشاهجان المرية

مسجد اليصرة المشان

0 11

هارا

بح اانا

نلضة الفا

ك2

فرننا

انا

ال "الال 71

اننا

فرصا

زفق

الم

١1١

كمض

يان

كلل لاق كدلكلل عللا لحثل أالالل لشقية اخنفنا

نفضن

1 ل 214

1١164

94

كل هثل أذثل ٠ق‏ كق لاق 175كق الك 1755 ملل '”قك 3115 50١1#‏ 55ل ثلا ككك كذاء لا اوللى ‏ لللا الالال الل

كنوز الأجداد لوبي )ببس ب ل

مه كوخ“ وهثخل روث رالا لالاتا خا اتلثت لقث 5٠١‏

المغرب الأقصى خا كوك الال لاوخ بلألا فلع المغرب الأوسط 16 المكتبة الخالدية دن المككتبة الرفاعية إن مكة 0 الال ملطية لحان منت ليشم 6 منى يفخا الموصل خضرت بشي تان ميافارقين ١ت‏ 44 (ن) نسا /1 نهر الأبلة رول نهر جيحون أهننا نهر قلوط ان نهر النيل كلتل "7 نهروان يغداد دل النوية - حفن الثيرب 6 نيسابور كلل الاك ادل #الى ككل 1245 ذلك موت الث يفخد يرن (ه)

هراة هدك يفف

كارت ب ل ب ب سر 1/797 تئ ا 515173393ت5ت2 0 2

همدان

لالاء 4/ا١ا.‏ ١وؤلء‏ 4ؤو١ا‏ “الاك فخك أعك فوك ؟دل

560 ما

١و‏ ينض يفل #لول

(ي) لين يفن

أشكر لصديقي الأستاذ صلاح الدين المنجد عنايته بتصحيح التجارب الأولى من كتاب «كنوز الأجداد» ووضع

فهارسه الثلاثة: الكتبء والأعلام. والبلدان.